بوادر سياسات جديدة في سياق الأزمة السورية

يواصل النظام البعثي محاولاته الحثيثة لتعويم نفسه وإضفاء الشرعية على وجوده في السلطة مستمراً في سياساته التي انتهجها منذ بداية الأزمة السورية حيث ترافقت هذه السياسات من قبل النظام البعثي مع سلسلة من المعطيات التي عمد النظام إلى إبرازها بهدف ضمان عدم خروج ما تبقى من القاعدة الشعبية للنظام عن سيطرته ومحاولة وأد أي محاولات تهدف إلى إبراز تيارات مناهضة للنظام البعثي في العاصمة دمشق تخالف مركز القرار والذي تسيطر عليه كلٌ من روسيا وإيران.

ولعل أبرز النقاط التي يمكن استعراضها هي الزيارة التي قام بها وزير خارجية الإمارات إلى العاصمة دمشق عبد الله بن زايد آل نهيان ولقائه مع رئيس النظام البعثي بشار الأسد، والتي لاقت نوعاً من الاستهجان لدى الغرب والدول العربية والتي كانت قد دفعت ببعض الدول إلى إظهار عدم رضاها من التطبيع المباشر الذي أبدته الإمارات بالرغم من عدم إظهار الإمارات أي نية برغبتها في إعادة دمشق إلى الحضن العربي مرة أخرى، إلا أن هذه الزيارة لم تخلُ من لمسات النظام البعثي في محاولة إرسال رسائل تطمينيه إلى الداخل السوري مفادها عودة الاستثمارات الإماراتية إلى دمشق وبالفعل فقد تداولت بعض الوسائل الإعلامية المقربة من الوسائل الإعلامية التابعة للنظام البعثي خبر عقد وزارة الكهرباء في حكومة النظام مع تجمع شركات إماراتية لإنشاء محطة توليد كهروضوئية باستطاعة 300 ميغا واط في ريف دمشق، ليتبين فيما بعد بأن الشخصيات التي برزت في الصور التي تداولتها الوسائل الإعلامية هي لشخصيات سورية ورجال أعمال سوريين على عكس الرواية التي كان قد روج لها النظام.

وفي السياق ذاته وبهدف إظهار عودة الحياة نوعاً ما إلى طبيعتها فقد أطلق النظام البعثي وبمظلة وتوجيه روسي اجتماعاً موسعاً لتهيئة الأجواء لعودة اللاجئين السوريين وهي أحد الركائز الأساسية التي يستند إليها الغرب في إعادة تفعيل العلاقات والمساهمة في إعادة الإعمار في سوريا ورفع العقوبات الغربية أيضاً؛ إلا أن واشنطن كانت قد أبدت تحفظها فيما يخص إعادة التطبيع مرة أخرى مع النظام الحالي وذلك شريطة التغيير المتدرج لسياسات النظام البعثي الحالية وهو الأمر الذي كانت قد أكدته واشنطن في تفاهماتها مع روسيا فيما يخص الملف السوري، هذه الخطوات تأتي في الوقت الذي تسعى فيه روسيا إلى التقليل من هواجس واشنطن في سوريا وهنا لا يمكن استبعاد انطلاق قمة أمنية ثلاثة تضم موسكو وواشنطن وتل ابيب على غرار قمة القدس في حزيران 2019 والتي بموجبها عمدت القوات الروسية إلى تقديم تسهيلات جمة للعمليات العسكرية والأمنية الإسرائيلية داخل الأراضي السورية.

وبالرغم من تعنت النظام البعثي في سياساته التي يبديها تجاه المناطق الخارجة عن سيطرته ورفضه كافة أشكال الحل السياسي ومواصلة رؤيته للازمة التي تعيشها سوريا بأنها ملف أمني يجب التعامل معه من قبل الأجهزة الأمنية فقد ظهرت تسوية درعا التوغل الأمني الواضح في ما شهدته المحافظة حيث أن تلك التسوية والتي كانت تشرف عليه القوات الروسية بشكل مباشر بمحاولة لتذليل العقبات التي من الممكن أن تشتت الجهود الروسية في خلق بيئة مستقرة في سوريا اصدمت بتحويل الأحداث التي شهدتها درعا إلى ملف جنائي والتي بموجبها قام النظام البعثي بتصفية كافة عناصر التسويات الذين كانوا قد أجروا تسويات في وقتٍ سابق وعمدت إلى سحب السلاح أيضاً لكي لا تبدي هذه العناصر أي مقاومة في حال إعادة تنفيذ اجنداتها في المنطقة.

وفي الإطار ذاته جاءت التسوية التي شهدتها محافظة دير الزور والتي ترأسها مدير الإدارة العامة للمخابرات اللواء حسام لوقا تأكيداً واضحاً على أن النظام البعثي لا يزال ينتهج الأسلوب ذاته في التعامل مع الأزمة التي تعيشها المنطقة، وبالرغم من الأعداد التي صرحت بها النظام والتي وصلت إلى 1300 شخص يضم رجال ونساء إلا أنه ووفقاً للمعلومات التي جرى الحصول عليها فأن هنالك عدد كبير من عناصر الحشد الشعبي والتشكيلات الإيرانية كانت حاضرة في عملية التسوية مما يفتح باب التساؤل حول توقيت عملية التسوية والهدف منها؟ وهنا لا نستبعد أن تكون هذه الخطوات من قبل النظام البعثي تأتي في سياق تشكيل أوراق ضغط على العشائر العربية والمكون العربي في مناطق شمال شرق سوريا في الوقت الذي تقود فيه حكومة العدالة والتنمية حرب نفسية تجاه مناطق شمال شرق سوريا بهدف دفع الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية إلى تقديم المزيد من التنازلات لصالح القوى الدولية.

مما لا شك به فأنه يبرز وبشكل واضح تصادم المصالح في مطبخ القرار بالعاصمة دمشق بين التيار الإيراني وبين التيار الروسي والذي يسعى الاخير إلى تغيير المعادلة السورية من خلال استبدال اللغة التي يستخدمها النظام البعثي تجاه الملفات الإقليمية وأبرزها العلاقة مع الدول المجاورة ومنها تل أبيب الامر الذي لم يرق للتيار الإيراني، كما أنه من المحتمل أن يعود تعثر الحوار بين الإدارة الذاتية وبين العاصمة دمشق إلى وضع العراقيل من قبل التيار الإيراني والتصعيد اللافت للانتباه للغة التهديد الذي أصبحت تزداد يوماً بعد يوم والتي تطلقها وسائل الإعلام التابعة للنظام البعثي تجاه مناطق شمال وشرق سوريا.

تبقى هنا السيناريوهات المحتملة التي قد يشهدها النظام البعثي خلال الفترة القادمة سواءً فيما يتعلق بالتصعيد العسكري ضد النظام من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وتل أبيب رهناً للتفاهمات الروسية الامريكية الإسرائيلية التي قد تشهده الأسابيع المقبلة.

زر الذهاب إلى الأعلى