التحركات الإيرانية والروسية الأخيرة في شرق الفرات

واصلت القوات الروسية عمليات التجنيد التي تقوم بها في مناطق شمال شرق سوريا مستهدفةً أبناء العشائر العربية على وجه الخصوص، وتستند بشكل أساسي إلى عقود تنظمها القوات الروسية لإرسال أبناء العشائر العربية إلى مناطق ليبيا بهدف حماية الآبار النفطية وذلك بعد إخضاعهم لدورات تدريبية في الأفواج العسكرية المعروفة بـ فوج طرطب 152 وفوج كوكب بريف الحسكة، هذه العملية التي تقوم بها القوات الروسية عبر شبكات من مندوبيها المعروفين على الصعيد المحلي ومنهم المدعو محمد حسناوي الجدوع” و”علي مصطفى الهلوش” وفيصل العازل والذين قاموا على مدار الأشهر الماضية بتجنيد ما يقارب 240 شاباً من مناطق تل براك وقامشلو والقرى المحيطة بها لمنع انضمام الشبان إلى الإدارة الذاتية أو قوات سوريا الديمقراطية وإحداث شرخ بين مكونات المنطقة، من جانبٍ آخر فإن العقود التي تقدمها القوات الروسية لأبناء العشائر العربية بقيمة 1000$ أمريكي لقاء التوجه والقتال في ليبيا، وتبين فيما بعد بأن هذه الخطوة محاولة لإضعاف قوات سوريا الديمقراطية، وذلك نتيجة إعادة روسيا هؤلاء إلى مناطقهم في شمال وشرق سوريا بعد إرسالهم إلى ليبيا ليكونوا ضمن تشكيل آخر جديد للقوات الروسية في مناطق شمال شرق سوريا.

هذه التحركات من قبل القوات الروسية تأتي في الوقت الذي يعاني فيه النظام السوري من أزمة اقتصادية خانقة والتي تدفع بعناصر من الكتائب المتحالفة من النظام وأبرزهم ميليشيات ما يسمى بـ “الدفاع الوطني” والتي تضم بين صفوفها أبناء العشائر العربية من مناطق الجزيرة السورية للإنضمام إلى التشكيلات الروسية.

التحركات الروسية في المنطقة تتزامن مع تحركات مشابهة تقوم بها القوات الإيرانية في المنطقة، ففي الآونة الأخيرة أقدمت الميلشيات الإيرانية على نقل كامل تحركاتها والتي تمثلت في ارتكاب اغتيالات بحق مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية في أرياف دير الزور والرقة والحسكة إلى مراكز المدن والقيام بعمليات استهداف داخل المدن، وتأكيداً لذلك فقد شنت بتاريخ 19/11/2020 قوات من وحدات مكافحة الإرهاب التابعة لقوات سوريا الديمقراطية وبناءً على معلومات استخباراتية عملية أمنية داخل مدينة الشدادي والتي أسفرت عن ضبط مجموعة مؤلفة من 4 أشخاص يعملون كـ خلايا للنظام السوري في منطقة الشدادي، من جانب آخر فإن التحركات الأخيرة من قبل القوات الإيرانية لم تكتفِ بهذا الحد فقط بل وصلت أيضاً إلى تعزيز تواجد ميليشياتها والتي تعرف بـ “لواء الباقر” في مناطق شمال شرق سوريا، هذه الميلشيات والتي ينحدر أغلب عناصرها من عشيرة البكارة العربية ويتواجد مركز هذه الميليشيات في محافظة حلب إلا أنها انتقلت في الآونة الماضية لتستقر في مناطق شمال شرق سوريا وتتواجد في المناطق التي ينتشر فيها عناصر النظام السوري، وتعتمد هذه الميلشيات وفقاً للتصريحات التي يدلي بها قادة هذه الميلشيات بأنها تعمد إلى القيام بعمليات لاستهداف المصالح الأمريكية في المنطقة بالإضافة إلى استهداف قوات سوريا الديمقراطية، وهذه العمليات هي امتداد للمشروع الإيراني الذي تأسس في عام 2014 في مناطق الرقة ودير الزور والذي عرف في ذلك الوقت باسم “المقاومة الشعبية في المنطقة الشرقية” والتي كانت تهدف إلى محاربة تنظيم داعش وبالفعل فقد أقدمت هذه الميليشيات على ارتكاب العشرات من العمليات بحق عناصر تنظيم داعش في تلك المناطق إلا أن سرعان ما تراجع تأثيرها ودورها خلال الأعوام الماضية لتعود مرة أخرى للنشاط في المنطقة.

لعل أبرز ما يلفت الانتباه هو التعاون العسكري الروسي والإيراني فيما يتعلق بملف مناطق شمال شرق سوريا، حيث أن وتيرة التناقضات التي تعصف بالجانبين الروسي والإيراني كانت قد وصلت خلال الأشهر الماضية إلى ذروتها والتي كانت تهدف إلى محاولة القوات الإيرانية السيطرة على مراكز القوى الأساسية في سوريا وكان أبرز محاولاتها هي السيطرة على أركان الجيش السوري إلا أن القوات الروسية قد قطعت الطريق أمام الرغبات الإيرانية في هذا المجال لذلك عمدت إيران إلى تعزيز تواجدها في المنطقة والاعتماد بشكل أكبر على الوكلاء والأنصار فمن خلال التشكيلات العسكرية التي كانت تعمد إلى تأسيسها في مناطق دير الزور وحلب ودمشق ودرعا بشكل خاص فقد برزت خلال الأشهر الماضية تركيز القوات الإيرانية إلى التواجد في مناطق شمال شرق سوريا وبالتحديد في المدن حيث عمدت إلى افتتاح المقرات بمحيط المراكز الأمنية والعسكرية في مناطق الحسكة وقامشلو والتخفي تحت ظلال ميلشيات الدفاع الوطني وكتائب البعث والتشكيلات الرديفة للأجهزة الأمنية ومنها “صقور الأمن العسكري، أنصار أمن الدولة، أنصار الأمن الجوي” وهي تتبع بشكل مباشر للمخابرات الروسية في العاصمة دمشق إلا أن القوات الإيرانية عمدت إلى تجنيد العناصر وضمهم إلى هذه التشكيلات وذلك لعدم لفت الانتباه إلى تواجدها في المنطقة.

مما لا شك فيه فإن النظام السوري والمؤسسة العسكرية والأمنية بشكل عام غير قادرة على خوض أي محاولة لمحاربة قوات سوريا الديمقراطية في المنطقة إلا أن ما يمكن أن يقوم به حلفاء النظام السوري هو إضعاف قوات سوريا الديمقراطية واستهداف الأجهزة الأمنية لها وزرع الفتنة والتفرقة بين المكونات السورية من خلال الاعتماد على وكلاء لها داخل مناطق شمال وشرق سوريا، ولعل التحركات التي تشهدها والتي أقدم عليها حلفاء النظام خلال الأسابيع الماضية تثير حفيظة القوات العسكرية في المنطقة بالإضافة إلى أن كلاً من روسيا وإيران تحاولان جاهدةً للاستفادة من الفراغ الرئاسي الذي تشهده الولايات المتحدة الأمريكية لاستهداف المنطقة واستهداف القواعد العسكرية للتحالف الدولي وهنا نشير إلى وجود قوات مختلفة من عدة دول تتواجد في مناطق شمال شرق سوريا ومن الممكن في حال عدم اتخاذ سلسلة من التدابير الوقائية والاحتياطات اللازمة للحيلولة دون وصول الضرر إلى قوات التحالف الدولي التي تتواجد في المنطقة.

زر الذهاب إلى الأعلى