اتفاق مدريد.. دعم صريح لتركيا في حربها ضد شمال وشرق سوريا

اتفاق مدريد.. دعم صريح لتركيا في حربها ضد شمال وشرق سوريا

العاصمة الاسبانية مدريد كانت شاهدة على الاتفاق الثلاثي الذي تم التوقيع على بنوده بين كل من السويد وفنلندا ودول حلف الشمال الأطلسي وتركيا التي كانت لأشهر عدة ترفض انضمام هاتين الدولتين للحلف.

 فتركيا وقعت على الاتفاق بعدما طرحت مجموعة من الشروط وأصرّت على تنفيذها وقبولها من قبل حكومة البلدين، ولعل أبرزها أن يكون البلدان موافقين على سياسة النظام التركي في معاداة الكرد وحرمانهم من حقوقهم المشروعة.

وشروط تركيا بحسب مسودة التفاهم كانت تنص على إيقاف الدعم الدبلوماسي المقدم لشمال وشرق سوريا من حكومتي السويد وفنلندا، واعتبار حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية وأن يضاف إليه حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب. وبالغ أردوغان في مطالبه إلى درجة مطالبة حكومة البلدين بتسليم شخصيات سياسية كردية لأنقرة.

إن تركيا وبعد حفل التوقيع ذلك تغنت كثيراً بهذا الإنجاز النسبي، واعتبرته نصراً مظفراً على أوروبا وديمقراطيتها المزيفة بحسب ادعائها حيث هلّل وطبّل الإعلام التركي لزعيمها العثماني أردوغان على إذلاله للقارة العجوز.

لكن في الجهة المقابلة توالت التصريحات من قادة ومسؤولي كل من السويد وفنلندا والذين حاولوا توضيح بنود الاتفاق والتفاهمات مع أنقرة، وبرّر ساسة البلدين بنود الاتفاقية بأنها ليست ملزمة لهما، وبأنهما بلدان ديمقراطيان والقضاء فيهما مستقل ولا يحق للسلطات الحاكمة إجبار سلك القضاء على سن قوانين وتشريعات بعيدة عن الديمقراطية.

لن نخوض في عملية التبرير التي قدمتها حكومة السويد على وجه الخصوص، محاولة بذلك ترقيع ثوبها الديمقراطي.

موقف السويد هذا يذكرنا بقضية مقتل رئيس الوزراء السويدي أولاف بالمه 1986 فحينها وجهت ستوكهولم أصابع الإتهام إلى حزب العمال الكردستاني واعتبرته المسؤول عن مقتله

لكن وبعد سنوات طويلة تبين وحسب القضاء السويدي المستقل بأن لا علاقة لحزب العمال لا من قريب أو من بعيد بقضية اغتيال ذلك المسؤول.

لكن طوال سنوات التحقيق كانت تتعامل السويد مع حزب العمال كمنظمة إرهابية وجمدت نشاطه، وحرمته من ممارسة عمله وواجبه في نصرة قضية الشعب الكردي.

عندما نتذكر هذه القصة المؤلمة التي دفعت ثمنها غالياً الحركة السياسية الكردستانية، حينها لم تكن محض صدفة، لا بل كانت مخططاً واضحاً من البلدان الغربية جمعاء، بالموافقة على السياسية التركية ومشروعها المعادي للكرد أينما كانوا، والعمل على طمس قضية هذا الشعب المظلوم وحرمانه من حقوقه المشروعة.

مجدداً بادر البلدان اللذان يتغنيان بالحرية والديمقراطية ومبادئ حقوق الإنسان وحق الشعوب في تقرير مصيرها، إلى توقيع مذكرة تفاهم من أجل مصلحتهما على حساب مصلحة شعب بالكامل. وها هم من جديد يتحالفون مع النظام التركي العثماني في محاربة الكرد.

فإذا كانت هذه سياستهم تجاه الشعوب المظلومة إذا لماذا يتغنون بالديمقراطية ويخدعون الشعوب المضطهدة؟

ولماذا يتغاضون عن كل الحقد والكره والجرائم التركية بحق الشعب الكردي، ولماذا يتفقون على عدم القبول بنيل هذا الشعب لحقوقه؟

تداعيات الاتفاق الثلاثي على معاداة الكرد من جديد هو إعلان حرب واضحة وصريحة ضد مكونات المنطقة. وهو اتفاق على إفشال مشروع الإدارة الذاتية بشكل أو بآخر. هذا الاتفاق يعد بمثابة تقديم كل أشكال الدعم لتركيا لإنجاح مشروعها المعادي للمنطقة.

هو اتفاق وطعنة في الظهر لمكونات المنطقة التي قدمت آلاف الشهداء والجرحى في الحرب الدولية ضد أعتى تنظيم إرهابي، تنظيم داعش.

هذا التنظيم الذي تبنت الدول الأوربية محاربته، وكان لأبناء المنطقة بكردها وعربها الكلمة الفصل في القضاء عليه بالشراكة مع دول التحالف ومن بينهم السويد.

فلماذا دولة كالسويد تعلم جيداً من هي الجهة التي تحارب نيابة عنهم المنظمة الإرهابية (داعش)، وتعلم جيداً لولا صمود هؤلاء قوات سوريا الديمقراطية ومقاومتهم لما استطاع العالم التخلص من قوة غاشمة كتلك التي يمتلكها التنظيم. وبالرغم من ذلك تضع يدها مع دولة كانت ولا تزال الداعم الأساسي لداعش. فكيف لبلد ديمقراطي مثل السويد تنطلي عليها هذه الخدعة؟.

إن هذا التناقض قد يطرح مسألة في غاية الأهمية وهي كيف سيكون مستقبل العلاقة ما بين دول التحالف والإدارة الذاتية؟ وكيف للأخيرة القبول بأن تكون السيف الذي تستخدمه دول التحالف في محاربتها لداعش، وأن تكون في ذات الوقت القربان الذي تضحي به دول التحالف من أجل مصالحهم وسياساتهم القذرة.

فقبول السويد وفنلندا بالشروط التركية هي بمثابة تقديم الدعم الكامل لتركيا، وإبداء الموافقة وغض النظر عن كل ما تفعله تركيا في شمال وشرق سوريا، بدءا من الهجمات والقصف اليومي إلى التلويح بعملية جديدة تحتل من خلالها أنقرة أراض سورية جديدة. إلى الكم الهائل من الجرائم التي ترتكب في المناطق المحتلة.

هذا التناقض كان سيد الموقف في الكثير من الأحيان وعبر الزمن في ضرب القضية الكردية ومحاربتها وربما الوقوف ضد إعطاء هذا الشعب حقه المشروع في تقرير مصيره.

يبدو أن الاتفاق الأخير إذا وضع في حيز التنفيذ بشكل كامل سيضع الإدارة الذاتية وكل مكونات المنطقة أمام مراجعة حساباتها في طريقة التعامل مع الدول التي تنادي بالديمقراطية والحرية وتستخدمها كشعارات فقط.

زر الذهاب إلى الأعلى