نساء شنكال… ذاكرة لا تموت وجرح لا يندمل

يمتدّ تاريخ الإيزيديّين لآلاف السنين، ويُعتبَر الإيزديّون من الشعوب التي حافظت على معتقداتها بالرغم من الإبادات التي تعرّضوا لها بسبب عقيدتهم الدينية التي تختلف عن الأديان السماوية الأخرى.

تُعّدُّ الديانة الإيزيديّة ديانة عرقية توحيدية، ويؤمن أتباع هذه الديانة بوحدانية الله، ويعتبرون الملك الطاووس أحد الرموز الرئيسية في ديانتهم، وهم موجودون بشكل كبير في العراق وسوريا.

لغة الإيزيدين هي الكرمانجية (الكردية)، وتُعتبَر منطقة شنكال المعقل التاريخي للكرد الإيزيديّين.

 تعرّض الإيزيدون منذ القدم لـ (73) فرماناً (إبادة جماعية) “مثل فرمانات الصفويين؛ فرمان صفوي بقيادة أمير أردلان خان أحمد خان ( حوالي سنة -1626م)، وفرمان صفوي فارسي بقيادة قارجي قاي خان حوالي سنة ( 1630م). وفرمان أحمد باشا، والي ديار بكر سنة ( 1048هـ. -1630م.) وفرمان والي وان، شمسي باشا (سنة 1650 ) ” وغيرها.

وفي زمن نظام حزب البعث في العراق، كان أكبر إجراء لمعاقبة الإيزيديّين من أبناء منطقة شنكال، هي حملة التهجير الواسعة التي تعرّضوا لها، وآخرها كان في عام 2014 والذي يُعتبَر الفرمان /74/؛ حيث هاجم تنظيم داعش الإرهابي الإيزيديين، والذين يشكّلون أحد أهم الجذور الأساسية للشرق الأوسط وجغرافية ميزوبوتاميا، وألبس داعش شنكال الوشاح الأسود بعدما كانت تتزيّن بألوان قوس قزح.

مضت عشر سنوات على ارتكاب الإبادة الجماعية في شنكال، إلّا أنّ تلك الصورة التراجيدية مازالت ترتسم في أذهان أهلها، ليرووا لأطفالهم أحداث الفرمان /74/ الذي كان له الأثر الأكبر على النساء الإيزيديّات اللاتي تم سبيهنّ على يد تنظيم داعش الإرهابي.

لقد كانت المرأة الهدف الأبرز في هذه الإبادة الجماعية؛ لا لشيء سوى أنّها تمثّل رمزاً للحياة والكرامة والثبات. استُهدِفت بوحشية؛ فتعرّضت لأبشع الانتهاكات، لكنّها لم تستسلم، بل وقفت في وجه العنف وقاومت بصمود حتى هذا اليوم.

 ولتسليط الضوء على هذه الإبادة الجماعية أكثر، ولتوثيق بشاعة ما ارتُكِبت من مجازر بحق النساء الإيزيديّات خلال الإبادة الجماعية عام 2014 خاصة أنّه لا تزال هناك بعض النساء الإيزيديّات في أيدي تنظيم داعش، وكذلك في مخيم الهول، لذلك وجد المركز ضرورة لإعداد هذا التقرير وإجراء لقاءات مع كل من مجلس اتحاد المرأة الإيزيديّة في قامشلو، ومع نساء إيزيديّات مختصّات في شؤون المرأة الإيزيديّة ليتحدثنّ لنا عن معاناة المرأة خلال الإبادة وعن المقاومة والنجاة.

“هدية شمو”، الناطقة باسم المرأة، تحدّثت عن الإبادة الجماعية بقولها: “إنّ الإبادة الجماعية (الفرمان) الـ /74/ المرتكبة بحقّ المجتمع الإيزيدي ليست الأولى؛ فاذا ما عدنا إلى التاريخ نجد أنّ المجتمع الإيزيدي قد تعرّض للكثير من المجازر، وللكثير من المعاناة والإبادات على يد القوى الظلامية التي كان هدفها إنهاء وجود المكوّن الإيزيدي بالدرجة الأولى”

وتابعت “هدية شمو”حديثها: “التاريخ لم يدوّن أيّاً من الهجمات التي تعرّض لها المكوّن الإيزيدي رغم قساوة المجازر ورغم المعاناة التي تعرّض لها الإيزيديّون، وتُعَدّ الإبادة الجماعية في 2014 على يد تنظيم داعش الإرهابي من أكثر الإبادات دموية من بين تلك التي تعرّض لها المجتمع الإيزيدي؛ حيث ارتكب التنظيم أبشع الجرائم في تاريخ الإنسانية، فمارس القتل والاغتصاب بحق المجتمع الإيزيدي، خاصة بحق المرأة الإيزيديّة التي كانت الضحية الأولى لتلك الإبادات، لتكون هناك أكثر من  خمسة آلاف امرأة إيزيدية تقعن أسيرات بيد تنظيم داعش الإرهابي، وبيعت تلك النسوة كسبايا في الأسواق في مدينتَي (الموصل والرقة)، لم تكن تلك الجرائم انتهاكات فردية، بل كانت حملة منظّمة لكسر إرادة المرأة الإيزيديّة وطمس هويتها، إلّا أنّها لم تستسلم؛ بل وقفت بشجاعة في وجه ظلم داعش، منهنّ مَن استطعن الهروب، ومنهنّ مَن صبرن على العذاب حتى وصلن إلى بَرّ الأمان، قاومن من أجل كرامتهنّ، دافعن عن شرفهنّ بكل قوة رغم الألم والمعاناة”.

وأشارت السيدة” شمو ” إلى أنّ “ناديا مراد، التي تُعَدُّ من أبرز الأمثلة على قوة وصمود المرأة الإيزيديّة، بعدما نجت من قبضة داعش تحوّلت من ضحية إلى صوت عالمي، لنقل معاناة شعبها من أجل تحقيق العدالة ومن أجل حقوق النساء الإيزيدات، رافضة الصمت ومصمّمة على إيصال الحقيقة إلى العالم”.

وأضافت السيدة” شمو”: أنّه “على الرغم من الألم الذي لحق بالمكوّن الايزيدي جرّاء المجازر والابادة العرقية، إلّا أنّ أبناء المكون الإيزيدي استطاعوا أن يبنوا قوتهم الذاتية والأساسية وشكّلوا إدارتهم الذاتية في شنكال، وقاموا بتشكيل القوى العسكرية والمؤسسات، وحركة المرأة الإيزيديّة تأسّست في ظروف صعبة لتدافع المرأة الإيزيديّة عن نفسها كي لا تتعرّض إلى أيّة مجازر أخرى؛ إلّا أنّ هذه الإدارة الذاتية وهذه القوى العسكرية (قوات حماية شنكال وأسايش إيزيدخان) لم ترق للحكومة العراقية ولا لإقليم كردستان؛ ولذلك كانت هناك اتفاقيات ضدّ الإدارة الذاتية في شنكال لإضعاف وإفشال هذه الإدارة، وكذلك لإضعاف القوى الموجودة في شنكال، والتي تتكوّن من أبنائها الذين دافعوا عن أرضهم وحقوقهم؛ ولذلك دائماً ما نرى الهجمات المتكرّرة التي تستهدف وجود المكوّن الإيزيدي، لكن الإيزيديّين، ومقابل هذه الهجمات، يقاومون حتى وصول رفاقنا إلى مرتبة الشهادة لحماية أرضهم وديانتهم، والرفيقان هما القياديان في شنكال: الشهيد مم زكي، والشهيد سعيد شنكالي، وكذلك الشهيدة بيريفان التي ناضلت ودافعت عن حقوق المرأة الإيزيديّة، ونستطيع القول أنّهم يريدون بذلك إنهاء الوجود الإيزيدي وممارسة الإبادة العرقية بحق هذا المكوّن، وإضعاف القوى المتواجدة في شنكال، خاصة حركة المرأة التي ناضلت كي لا تكون أسيرة بيد التنظيمات الإرهابية”.

أكّدت السيدة” شمو” أنّ ” المرأة الإيزيديّة تصرّ على بناء حياة جديدة، وعلى هذا الأساس تشكّلت عام 2016 وحدات نساء شنكال (YJŞ)، وكانت هذه المرّة الأولى التي تنظّم فيها المرأة الإيزيديّة صفوفها ضمن وحدات حماية ذاتية (جوهرية)، وأصبحت وحدات نساء شنكال رمزَ المقاومة ضدّ داعش، وبعد تشكيل حركة حرية المرأة الإيزيديّة تجمّعت جميع الإيزيديّات تحت لوائها. ولإصرار النساء الإيزيديات على التمسّك بأرضهنّ ومقاومتهنّ نرى اليوم أنّ المرأة الإيزيديّة تتزيّن بالزيّ الرسمي الأبيض وتقاوم رغم كل التحدّيات التي تواجهها، لقد قمن بتنظيم أنفسهن وفق فلسفة القائد عبدالله أوجلان، وبالوعي المجتمعي وتنظيم كافة النساء وإلى جانبهنّ المرأة العربية، لقد أصبحن يداً واحدة للوقوف في وجه أي إبادة أو تهميش يتعرّضن له، نرى اليوم أنّ النساء الايزيديات لديهنّ مكان وأعمال وينظّمن أنفسهنّ، ففي شنكال، وروج افا، وحلب والشهباء أيضاً توجد حركة المرأة الإيزيديّة، وننظّم أنفسنا خطوة بخطوة بقوتنا وتضامن جميع النساء معنا من جميع المكونات، لنقف ونكون ردّاً على الإبادات الثلاث والسبعين”

وفي نهاية حديثها ركّزت السيدة “شمو” على ضرورة تحقيق العدالة للنساء الإيزيديّات، ومحاسبة كل مَن ارتكب هذه الجريمة، وأكّدت أنّ الحل الحقيقي هو عبر محكمة دولية عادلة بحضور الإيزيديّين، والتي يجب أن تضمن حقوق الضحايا وتنصف معاناتهنّ التي لا تُنسى.

 وفي إطار محاولات الوقوف على أسباب وجذور هذا الخطاب الموجّه ضد الإيزيديّين، والذين لا زالت قلوبهم تعتصر ألماً جراء ما تعرّضوا له من إبادة؛ تحدّثت السيدة “سعاد حسو”، الإدارية في اتحاد المرأة الإيزيديّة في روجافا، عن خطاب الكراهية الممارَس ضد الايزيديّين منذ القِدم، فقالت:

 “منذ القِدَم وحتى اليوم هناك خطاب كراهية، فخلال العهد العثماني صدرت العديد من الفتاوى ضدّ الإيزيديين”.

وأشارت إلى تخلّي الحزب الديمقراطي الكردستاني عن الإيزيديّين خلال الإبادة الجماعية الأخيرة، لتهجيرهم وتشريدهم وإبادتهم.

 وأضافت “سعاد حسو”: “أثناء أحداث الإبادة الجماعية في شنكال كانت بعض الدول قد خطّطت لهجوم داعش الإرهابي؛ وذلك باجتماع عُقد في العاصمة الأردنية عمان، حضره مسؤولون من الولايات المتّحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية وتركيا وإسرائيل والحزب الديمقراطي الكردستاني، لذا هاجم داعش الموصل؛ إذ سلّمت قوات الجيش العراقي والحزب الديمقراطي الكردستاني الموصل لمرتزقة داعش دون مقاومة. وبعد تسليمهم للموصل لداعش توجّهوا إلى شنكال، ولأنّ الحزب الديمقراطي الكردستاني كان على عِلم بهجوم داعش، فقد انسحب من شنكال لصالح الجيش العراقي الذي كان قد انسحب من المدينة سابقاً، والفيديوهات التي وثّقتها الإعلامية برفين (أحييها على عملها) سلّطت الضوء على المشهد، وكانت تنقل لنا صورة خيانة قوات الحزب الديمقراطي الكردستاني وهي تفرّ بأسلحتها بدلاً من حماية الإيزيديّين والدفاع عنهم؛ وبالنتيجة أُجبر آلاف الإيزيديّين على مغادرة شنكال، كما قُتِل الآلاف”.

وتحدّثت كذلك عن النساء ومقاومتهنّ في تلك الإبادة الجماعية، فقالت:

“بعض النساء انتحرن هرباً من الوقوع بيد داعش، وبعضهنّ وقعن في الأسر لدى داعش، والقسم الذي نجا منهنّ وصل عدد كبير منهنّ إلى أراضي روجافا، ونحن في اتحاد المرأة الإيزيديّة قد تكفّلنا بحوالي 40 إلى 50 امرأة؛ حيث قمنا بتأمين المأوى الآمن لهنّ”.

وتذكر السيدة “سعادة حسو” قصة إحدى الناجيات والتي روتها لنساء روجافا وتتحدّث فيها عن المقاومة التي أبدتها رغم كل ما تعرّضت له.

كما تحدّثت عن وضع الأطفال الذين بقوا مع أمهاتهم، والأطفال الذين تكفّلت الناجية نادية مراد عن طريق المنظمات برعايتهم وتوعيتهم وتأمين مستقبل لهم.

أشارت السيدة ” سعاد حسو” إلى أنّه تم الاعتراف بهذه الإبادة من قبل الاتحاد الأوربي، إلّا أنّ الحكومة العراقية لم تعترف بها حتى الآن، كما طالبت “حسو” بمحاكمة المجرمين الذين تسبّبوا بهذه الإبادة الجماعية، وطالبت بالاعتراف بالإدارة الذاتية لشنكال بقولها: “بعض دول الاتحاد الأوربي اعترفت بهذه الإبادة الجماعية، وحتى يومنا هذا لم تعترف الحكومة العراقية بهذه الإبادة بحق المكوّن الايزيدي، ودائما تريد كسر إرادة الإيزيديين؛ لذلك لم نتوقّف عن المحاولات بالمطالبة بمحاكمة دولية لمقاضاة المتسبّبين بهذه الجريمة؛ فالتوثيق مستمر، وحتى هذا اليوم شُكِّلت لجنة لتقصّي الحقائق وتمّ إعداد مجموعة من التوثيقات في شنكال وقدّمتها إلى الاتحاد الأوروبي وتتم مناقشة هذه توثيقات، وخلال الأشهر المقبلة سيتم فتح قضية في محكمة خاصة للمرأة الإيزيديّة، توجّهت بعض المنظمات إلى شنكال لتوثيق الدمار الذي حصل هناك، لكن قوانين الحكومة العراقية تعرقل كلّ خطوات بناء شنكال ومحاسبة المجرمين، لأنّ هناك بعض القوانين التي تتمسّك بها الحكومة؛ ما يفتح الطريق إلى عودة تنظيم داعش”.

وفي الختام أكّدت “سعاد حسو” بأنّهم سيستبدلون اسم هذا اليوم الأسود بقولها: “في هذه السنة سيكون اسمه يوم النضال والمقاومة وبناء شنكال، وسنزيّنه بقوتنا وإرادتنا”.

بالرغم من مرور عشر سنوات على الإبادة الجماعية ضدّ الإيزيديّين إلّا أنّ جرح شنكال مازال ينزف ولم يلتئم بعد، وما زالت ذاكرة أهالي شنكال تصوّر تراجيديا المشاهد المروّعة التي تعرّض لها الإيزيديون تحت أنظار العالم، ولازالت صرخات الأطفال والنساء يُسمع صداها في جبل شنكال، ورغم ذلك لم تتوقّف المرأة الإيزيديّة عن النضال؛ فحملت جراحها ومضت لاجئة وناجية وشاهدة، واجهت الألم وتحدّت الصمت وأثبتت أنّها ليست مجرّد ضحية، وإنّما صوت مقاوم لن ينكسر، وأنّ المرأة الإيزيديّة ستبقى رمزا للصمود.

في النهاية نتساءل:

هل نحن أمام نهاية عصر الإبادة واضطهاد المرأة… أم أنّ هناك سيناريوهات أخرى؟!

زر الذهاب إلى الأعلى
RocketplayRocketplay casinoCasibom GirişJojobet GirişCasibom Giriş GüncelCasibom Giriş AdresiCandySpinzDafabet AppJeetwinRedbet SverigeViggoslotsCrazyBuzzer casinoCasibomJettbetKmsauto DownloadKmspico ActivatorSweet BonanzaCrazy TimeCrazy Time AppPlinko AppSugar rush