حرب المياه… سلاح تركيا اللا قانوني
توقعت العديد من مراكز الأبحاث والسياسيين خلال القرن الماضي، حدوث نزاعات وحروب حول المياه في الشرق الأوسط، واليوم بعد مضي تسع سنوات على أزمة الشرق الأوسط حيث تتبوأ سوريا مركزها، بات سلاح المياه يطبق على أرض الواقع من قبل دول معينة في الشرق الأوسط وأفريقيا، تركيا وأثيوبيا، سد النهضة وسد أتاتورك، متلازمتين في مواقع جغرافية متباعدة، لكن الهدف واحد، هو إرضاخ الشعوب وزيادة الصراعات البينية بهدف تمرير سياسات استعمارية جديدة تقودها تركيا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
ففي خضم صراع النفوذ تستخدم تركيا سلاح المياه ضد سوريا والعراق، رغم أن المواثيق والعهود الدولية تنص على عدم استخدام الموارد الطبيعية كسلاح في حال النزاعات والحروب، إذ استخدمت تركيا خلال العقود الثلاث المنصرمة، نهر الفرات كسلاح تهديد ضد سوريا في أكثر من مناسبة وكوسيلة ضغط سياسية، ففي عام 1998 هددت تركيا بقطع مياه نهر الفرات عن سوريا إن لم تذعن سوريا لمطالب تركيا بتسليم قائد حزب العمال الكردستاني “عبدالله أوجلان” وتجميد نشاط الحزب على الأراضي السورية واللبنانية، وخلال أعوام الأزمة السورية استخدمت تركيا نهر الفرات والمياه مرتين ضد سوريا ولكن الهدف الحالي هو استهداف الإدارة الذاتية الديمقراطية في شمال وشرق سوريا، في محاولة منها التأثير على مستوى الخدمات المقدمة من الإدارة الذاتية للشعب في المنطقة وضرب اقتصاد المنطقة ولاسيما تزامنها مع محاولة الإدارة الذاتية تخفيف تأثيرات قانون قيصر على الشعب عبر دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة ولاسيما في المجال الزراعي الذي يعتمد على الثروة المائية ومقومات اقتصادية أخرى مرتبطة بمصادر طاقة رخيصة ومتوفرة في المنطقة.
حرب المياه التركية ضد الشمال السوري لا يقتصر على التأثير السلبي في المجال الزراعي، بل الحرب الأكثر إرهاباً هو قطع مياه الشرب عن مركز محافظة الحسكة وتهديد حياة أكثر من سبعمئة ألف نسمة. محطة علوك التي تسيطر عليها القوات التركية بعد احتلالها لكري سبي وسري كانيه، هو المصدر المائي العذب الوحيد لمركز محافظة الحسكة وعدة بلدات مجاورة لها، رغم وجود تفاهمات بين القوات الروسية والتركية، إلا أن عمل هذه المحطة يتوقف بين الفينة والأخرى، إضافة لمحاولة تركيا قطع مصادر الطاقة بين الرقة والطبقة وإقليم الجزيرة بين الفينة والأخرى وهو ما يتسبب بقطع خطوط الكهرباء بين المناطق وحدوث أزمات خدمية تنعكس سلباً على أداء الإدارة الذاتية في المجال الخدمي.
تركيا تعول اليوم على ضرب القطاع الخدمي والاقتصادي في مناطق الإدارة الذاتية، وبالتالي خلق نوع من عدم الرضا الشعبي العام على عمل الإدارة الذاتية، والترويج عبر حسابات وهمية وأخرى ذات تأثير في وسائل التواصل الاجتماعية على تأجيج الرأي العام، وإيجاد مناخ اجتماعي مناسب لإحداث احتجاجات شعبية على سوء الخدمات المقدمة من قبل الإدارة الذاتية، وكل هذا يصب في تهيئة المناخ الاجتماعي المناسب للفترة المقبلة في روج آفا، والمتمثلة ببدء المرحلة الثانية للمفاوضات بين أحزاب الوحدة الوطنية والمجلس الوطني الكردي، وبالتأكيد هذه الأزمات الخدمية والاقتصادية ستصب في تقوية موقف المجلس الوطني وربما يؤثر على شعبية الإدارة الذاتية وأحزابه السياسية في المستقبل القريب في روج آفا وسوريا.
فالأهداف التركية من حرب المياه هذه على شمال وشرق سوريا، هي طويلة الأمد وليست وليدة اليوم وتهدف لخلق خللٍ في التركيبة الاجتماعية وآلية للتأثير على الرأي العام في شمال وشرق سوريا وفق أسس علمية محكمة تستخدم فيها أساليب الحرب الحديثة التي تستهدف العقول، وهنا يتوجب على الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، العمل بجد وإيجاد حلول أخرى، وذلك عبر تغذية المنطقة بمياه الشرب بسحب المياه من نهري الفرات ودجلة ونبذ الفساد من مؤسساتها لتقديم الخدمات الأساسية للمجتمع لسحب البساط من تحت الألاعيب التركية المبطنة.
فالسياسة التركية التي تهدف إلى زيادة نفوذها في المنطقة، لا تقتصر على المجال الجغرافي والإقليمي، فالتوسعات التركية في شمال افريقيا، وبالتحديد في دعمها لأثيوبيا في موضوع سد النهضة الذي يُشكل ورقة ضغط على مصر، ووصول تركيا إلى حدودها مع ليبيا ومحاولة حصارها عبر تقوية العلاقات التركية المتمثلة بحزب العدالة والتنمية ذو التوجه الإسلامي الراديكالي مع زعماء تيارات إسلامية في تونس والسودان والصومال وقطر، وبالتالي محاولة التغلغل التركي الناعم حيناً في تلك الرقعة الجغرافية عبر الاقتصاد والدين والسيطرة على مقدرات ليبيا الاقتصادية والثروة النفطية بالتدخل العسكري المباشر حيناً آخر، ويضاف إليها الصراع المذهبي ودعم تركيا المباشر لتنظيم الإخوان المسلمين الذي يشكل تهديداً مباشراً لمصر وبعض دول الخليج.
وكانت دراسات عربية متعددة اشارت قبل عقد من الزمن إلى تعاون تركي إثيوبي بمباركة إسرائيلية للسيطرة على مقدرات نهر النيل، والهدف هو السيطرة على اقتصاد الدول العربية في شمال أفريقيا والشرق الأوسط، الأمر الذي يستدعي اليوم توحيد الجهود العربية في وجه المخططات التركية التي تهدف لإضعاف بعض الدول العربية وإعادة الهيمنة العثمانية بوسائل وطرق أكثر بشاعة من الاحتلال المباشر.