دور مجالس الطلبة في تعزيز الحوكمة الجامعية: دراسة حالة جامعات شمال وشرق سوريا

د. أشرف رفعت محمود

شهد التعليم العالي في شمال وشرق سوريا، خلال العقد الأخير، تحوّلات ملحوظة فرضتها ظروف النزاع والتغيّرات السياسية والإدارية في المنطقة، ومع تأسيس الإدارة الذاتية، برزت الحاجة إلى تطوير نماذج جديدة للحوكمة الجامعية تتلاءم مع متطلّبات مرحلة إعادة بناء المؤسسات التعليمية وضمان مشاركة جميع الفاعلين في صنع القرار الأكاديمي، وفي هذا السياق؛ بدأت مجالس الطلبة تلعب دوراً محورياً بوصفها آلية تمثيلية تسهم في تعزيز الحوكمة التشاركية، من خلال إفساح المجال للطلبة للمساهمة في إدارة الشأن الجامعي والدفاع عن حقوقهم الأكاديمية.

تقوم الحوكمة الجامعية على مجموعة من المبادئ الأساسية، أبرزها: المشاركة، والشفافية، والمساءلة، والاستقلالية الأكاديمية. وتكتسب مشاركة الطلبة أهمية خاصة؛ لأنّها تعكس صوت الفئة الأكثر تأثيراً في البيئة الجامعية. إنّ انخراط الطلبة في عمليات صنع القرار وتقييم الأداء الأكاديمي والإداري يسهم في تعزيز جودة التعليم وتحقيق العدالة في توزيع الموارد والخدمات الجامعية.

في جامعات شمال وشرق سوريا، بدأت تجربة مجالس الطلبة تتبلور مع تأسيس مجالس على مستوى الجامعات، ثم على المستوى الإقليمي مع انعقاد الاجتماع التأسيسي لمجلس طلبة جامعات شمال وشرق سوريا في جامعة الشرق عام 2025. وقد تم خلال هذا الاجتماع اعتماد نظام داخلي يحدّد آليات تشكيل المجالس وصلاحياتها وعلاقتها مع الإدارات الجامعية؛ وهذا التطوّر قد عكس رغبة واضحة من الطلبة والإدارات في تنظيم العمل الطلابي بشكل مؤسّسي يضمن تمثيل كل الجامعات.

تؤدّي مجالس الطلبة في هذه الجامعات أدواراً متعدّدة؛ ومنها: أولاً، دور تمثيلي يتمثّل في نقل مطالب واحتياجات الطلبة إلى إدارات الجامعات عبر الاجتماعات الدورية والمراسلات الرسمية. ثانياً، دور رقابي من خلال متابعة تنفيذ القرارات التي تمسّ الحياة الأكاديمية والخدمية للطلبة، مثل قضايا الامتحانات، والسكن الجامعي، والمنح الدراسية. ثالثاً، دور تشاركي عبر مساهمة بعض ممثّلي المجالس في اللجان الأكاديمية مثل لجان المناهج والجودة.

ومن خلال المقابلات مع عدد من أعضاء هذه المجالس وبعض الإداريين، تبيّن أنّ وجود المجلس قد أتاح فرصة أكبر للطلبة للتعبير عن آرائهم، وساهم في تحسين قنوات التواصل بين الإدارة والطلبة. كما أدّى إلى زيادة الشفافية في بعض الملفّات، مثل آليات توزيع المنح أو تنظيم الامتحانات؛ حيث أصبح من المعتاد مشاركة المجلس في صياغة بعض التعليمات أو مراقبة تنفيذها.

إلّا أنّ هذه التجربة لا تزال تواجه عدّة تحدّيات تعيق تحقيق أقصى استفادة من دور مجالس الطلبة؛ وأوّل هذه التحدّيات هي محدودية الصلاحيات؛ إذ تقتصر مشاركة المجلس في بعض الأحيان على الطابع الاستشاري دون امتلاك أدوات إلزامية لمتابعة القرارات. ثانيها، ضعف القدرات التنظيمية والقيادية لدى بعض أعضاء المجالس؛ نتيجة نقص الخبرة وعدم توفّر برامج تدريبية كافية. ثالثها، غياب ثقافة المشاركة الطلابية في بعض الجامعات؛ بسبب حداثة الفكرة أو ضعف الوعي لدى الطلبة بأهمية العمل التمثيلي. كما أنّ الظروف السياسية والأمنية غير المستقرّة تُلقي بظلالها على انتظام عمل هذه المجالس.

إنّ تطوير دور مجالس الطلبة في تعزيز الحوكمة الجامعية يتطلّب جملة من الإجراءات، من أبرزها مراجعة النظام الداخلي للمجالس لإعطائها صلاحيات أكبر، خاصة فيما يتعلّق بالمشاركة في اللجان الإدارية واتّخاذ القرار. كما أنّ توفير برامج تدريبية دورية في مهارات القيادة، والتفاوض، والتواصل وصياغة المقترحات سيعزّز من فاعلية أعضاء المجلس. بالإضافة إلى ذلك؛ يجب على إدارات الجامعات تفعيل قنوات الحوار المؤسّسي مع المجالس، وعدم الاكتفاء بالدور الرمزي لها.

إلى جانب الإجراءات المؤسّسية؛ فإنّ نشر ثقافة المشاركة داخل المجتمع الطلابي يُعَدُّ عاملاً محورياً في نجاح هذه المجالس، ويمكن تحقيق ذلك عبر تنظيم حملات توعية تعريفية بأدوار المجالس، وحثّ الطلبة على الانخراط في العمل النقابي الأكاديمي والمبادرات التطوّعية داخل الجامعات. كما أنّ تعزيز التنسيق بين مجالس الجامعات المختلفة ضمن الإقليم سيسهم في توحيد المواقف وتقوية قدرة المجلس الإقليمي على التأثير في السياسات العامة للتعليم العالي.

إنّ تجربة مجالس طلبة جامعات شمال وشرق سوريا، رغم حداثتها، تقدّم نموذجاً واعداً لتعزيز الحوكمة التشاركية في مؤسّسات التعليم العالي ضمن بيئة تمرّ بمرحلة إعادة البناء. وإذا ما تمّ دعم هذه التجربة عبر تمكين المجالس مؤسّسياً وتنظيمياً وبناء قدرات أعضائها، فإنّها ستسهم بشكل ملموس في تحسين جودة التعليم الجامعي، وتعزيز الشفافية والمساءلة، وخلق بيئة أكاديمية أكثر عدالة واستقراراً.

في ضوء ما تقدم؛ يمكن القول إنّ مجالس الطلبة تمثّل ركيزة أساسية لأي نموذج ناجح للحوكمة الجامعية، ليس فقط باعتبارها ممثّلاً للطلبة، بل بوصفها شريكاً فاعلاً في صناعة القرار الأكاديمي والإداري. ومن هنا؛ فإنّ دعم هذه المجالس يجب أن يكون جزءاً من أي استراتيجية شاملة لتطوير التعليم العالي في شمال وشرق سوريا، بما ينسجم مع تطلّعات الطلبة والمجتمع الأكاديمي في هذه المرحلة المفصلية.

زر الذهاب إلى الأعلى
RocketplayRocketplay casinoCasibom GirişJojobet GirişCasibom Giriş GüncelCasibom Giriş AdresiCandySpinzDafabet AppJeetwinRedbet SverigeViggoslotsCrazyBuzzer casinoCasibomJettbetKmsauto DownloadKmspico ActivatorSweet BonanzaCrazy TimeCrazy Time AppPlinko AppSugar rush