حقيقة وثيقة “العيش المشترك” لجماعة الإخوان المسلمين في سوريا

وثيقة العيش المشترك التي أصدرتها جماعة الإخوان المسلمين تمثّل محاولة، يمكن اعتبارها يائسة أو متأخّرة، لتغطية ممارساتها السابقة وتلميع صورتها؛ فالجماعة لم تكن في يوم من الأيام من أنصار التعايش المشترك، ولم تدعُ إلى الحوار السوري، بل كانت دائماً ذات نزعة إقصائية تستغلّ المشاعر الدينية لدى عامة السوريين للاستيلاء على السلطة في سوريا.

لذا؛ فإنّ القارئ للوثيقة التي أصدرتها الجماعة يجد تناقضاً كبيراً ما بين الواقع التاريخي العملي للجماعة وما تدعو إليه في هذه الوثيقة، ويكشف محاولات الجماعة الترويج لنفسها إعلامياً بعد الفشل السياسي الذريع الذي مُنيت به بعد سقوط النظام السوري، وتراجع الاهتمام الإقليمي والمحلّي بأجنداتها.

في هذا التقرير سنحاول تسليط الضوء على تناقضات الوثيقة من حيث فكرتها النظرية وتطبيقها العملي:

استناداً إلى الممارسات التي قامت بها جماعة الإخوان المسلمين في البلاد، عبر تكفير الكرد، وتنصير العلويين والدروز والطوائف الأخرى؛ يمكن القول أنّ الجماعة لم تكن يوماً ما مناصرة للتعدّدية والتنوّع، كما لم تدعُ يوماً ولم تعمل للحفاظ على فسيفساء المجتمع السوري، بل كانت جلّ محاولاتها للوصول إلى السلطة من باب الدين، ويبدو أنّ محاولاتها الأخيرة ليست إلّا تكتيكاً جديداً، تحاول من خلاله جماعة الإخوان تحقيق مكاسب سياسية في المشهد السوري المعقّد الذي أُقصِيت منه الجماعة.

تناقضات

تركّز جماعة الإخوان المسلمين في الوثيقة على عدّة نقاط مهمّة، منها: (الدعوة إلى الحوار والتعايش المشترك، والاعتراف بالآخر والتعامل معه، وتوفير الأمن لكل المكوّنات، وعدم الاستقواء بدولة خارجية ضدّ الدولة…).

 المتعمّق قليلاً في التفاصيل الواردة في هذه الوثيقة يجد فيها نوعاً من الترويج، والذي تحاول من خلاله الجماعة تجميل صورتها ورسم صورة جديدة لها، وإخفاء تاريخها القريب والبعيد. إذا ما عدنا إلى التاريخ القريب، وخصوصا بداية الأزمة السورية؛ فسنجد أنّ جماعة الإخوان قد لعبت خلالها دوراً كبيراً في حملات التحريض وبث روح الكراهية بين أبناء الشعب السوري، وفتحت المجال أمام انتشار الجماعات الإسلامية المرتبطة بها في سوريا، وسعت لتعميق الأزمة وتصفية المختلف عنها فكرياً وعقائديا، كما لعبت الجماعة دوراً كبيراً في تنفيذ الأجندات الإقليمية داخل الأراضي السورية، ومنها أجندات الاحتلال التركي؛ من خلال شرعنة احتلاله للأراضي السورية وتجنيد سوريين لهذا الغرض، بالإضافة إلى سيطرته على القرار السياسي في ما كان يُسمّى بالمجلس الوطني السوري، والذي لم يكن سوى مطيّة لجماعة الإخوان المسلمين لتحقيق مصالحها ومصالح تركيا.

فما عصف بسوريا من انقسام وتشرذم، وسيطرة الفكر الديني على التظاهرات وعلى الفصائل العسكرية التي نشأت وكانت تتّخذ الدين أساساً لها وتقوم بتصفية كلَّ مختلف معها؛ أليس كلّه من صنيعة جماعة الإخوان المسلمين؟ واليوم وبعد خروجها من المشهد السياسي والعسكري تأتي الجماعة بوثيقة يمكن اعتبارها وثيقة تسويق جديدة لها، تحاول من خلاله الجماعة الدخول إلى المشهد والعودة من جديد، وبشكل مختلف في ظاهره فحسب، أمّا باطنياً فلازالت الجماعة متمسّكة بأفكارها ومطالبها.

هل غيّرت الجماعة استراتيجيتها وتعاملاتها مع الدول الإقليمية بعد إصدار هذه الوثيق؟!

الحقيقة أنّ جماعة الإخوان المسلمين لم تغيّر استراتيجياتها وتعاملاتها، واكتفت بإصدار وثيقة دون أي تغيير؛ وهذا ما يؤكّد أنّ الجماعة تمارس تكتيكاً سياسياً يُعيد إنتاج صورة جديدة لها، بحيث تكون مقبولة في المشهد السوري الجديد الذي هُمّشت فيه الجماعة، والذي لازال الشعب السوري يدفع ضريبته نتيجة ممارسات الجماعة خلال سنوات الأزمة. كما أنّ الجماعة لم تقطع تعاملاتِها الخارجية، وخصوصاً مع الدولة التركية؛ فصمتها إزاء تهميشها وإبعادها عن المشهد السوري ما هو إلّا تلبية لأوامر تركيّة؛ كون تركيا لا تريد أن تفتح جبهة أخرى على حكومة الجولاني، وذلك لتتفرّغ هذه الحكومة والدولة التركية لمناطق شمال وشرق سوريا، وكي لا تشوّش عليهم، وربّما صدرت هذه الوثيقة أيضاً بأوامر من تركيا؛ في محاولة منها لإدخال حليفتها إلى المعترك السياسي السوري بصورة جديدة، مستغلّة الفوضى السياسية والعسكرية التي تعصف بالبلاد.

الخلاصة

يمكن القول إنّ هذه الوثيقة تُعَدّ تكتيكاً سياسياً لإظهار جماعة الإخوان المسلمين في سوريا بصورة جديدة، وكسب قبول العالم بها؛ من خلال تصديرها بشكل جديد ظاهرياً، دون المساس بالجوهر الذي تأسّست عليه الجماعة.