اتجاه مسارات الحل للأزمة السورية الولايات المتحدة وروسيا

تعتبر الولايات المتحدة وروسية الدولتان المهيمنتان على الأزمة السورية والمتحكمتان بالحل السوري مع وجود فارق بينهما فروسيا المسيطرة من غرب الفرات إلى المتوسط والمتحكمة إلى حد ما بالقرار السياسي السوري “بسبب النفوذ الإيراني” لا يمكن لها إنهاء الأزمة السورية وايجاد حل للأزمة ما لم توافق عليه الولايات المتحدة الأمريكية المتواجدة في شمال وشرق سوريا وشريكة قوات سوريا الديمقراطية ثاني أكبر قوة عسكرية في سوريا، كما أن الولايات المتحدة لا يمكن لها فرض رؤيتها على روسيا ما لم تكن هناك أرضية قوية لرؤيتها لحل الأزمة السورية.
فبعد مرور اكثر من تسع سنوات على الأزمة السورية ظهرت حالات مد وجذر للقوى المتواجدة على الساحة السورية والتي ارتبطت بالرؤى السياسية والاقتصادية وحتى العسكرية التي انتهجتها تلك القوى في سوريا، فتراجعت الفصائل المسلحة والمنضوية تحت مظلة ما يسمى بالائتلاف السوري المدعومة من تركيا أمام تقدم قوات النظام المدعومة من روسيا وإيران من جهة وتقدم قوات سوريا الديمقراطية والمدعومة من قبل التحالف الدولي بعد حملها راية محاربة تنظيم داعش الإرهابي. وأمام هذا المد والجذر باتت سوريا اليوم مكونة من ثلاث مناطق المنطقة الأولى منطقة الاحتلال التركي تشمل “منطقة إدلب وعفرين ومنطقة درع الفرات ومنطقة كري سبي وسري كانية” ونسبتها (11.75%). المنطقة الثانية مناطق الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا ونسبتها (25.64%). المنطقة الثالثة مناطق النظام وتشمل ما تبقى من سوريا ونسبتها (62.61%). باتت الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الدولتان المهيمنتان والمتحكمتان بالحل السوري على الرغم من وجود قوى أخرى كتركيا وإيران في سوريا والتي تمتلك أجندة خاصة بهما ولكنها عاجزة عن فرض أجندتها كونها تتضارب مع المصالح الأمريكية والروسية في سوريا والمنطقة، لكن يمكن للولايات المتحدة “تركيا” وروسيا “إيران” أخذها بعين الاعتبار في أي حل سياسي يتم التوافق عليه في المستقبل مع أخذ بعين الاعتبار الأمن القومي الإسرائيلي، كما أن الحل في سوريا لن يكون من نتائج اللجنة الدستورية بشكلها الحالي، وإنما سيكون نتيجة توافق دولي أمريكي روسي حيث يمسك الأميركيون بأهم مفاصله، ولكلٍّ منهما تصور خاص لإنهاء الأزمة السورية، فبعد نجاح روسيا عسكرياً في سوريا وضعت يدها على ثروات سوريا من نفط وغاز وفوسفات الواقعة تحت سيطرة النظام ومشاريع استثمارية في مينائي طرطوس واللاذقية وغيرها من المشاريع الاقتصادية والعسكرية والبدء بجني ثمارها الاقتصادية في سوريا، لكن روسيا اصطدمت بقانون قيصر الذي فرضته الولايات المتحدة على النظام السوري ومنعت روسيا من جني ثمارها، وبات النظام يعاني من أزمة اقتصادية حادة وعجزه عن ايجاد حلول لها، حتى التدخل الروسي لإنعاش الاقتصاد السوري باء بالفشل مع فشل سياستها في مناطق الإدارة الذاتية.
خلال هذه الفترة شهدت الأزمة السورية تحركات سياسية أمريكية روسية في المنطقة فقد أرسلت الولايات المتحدة مبعوثها الخاص إلى سوريا لزيارة مناطق الإدارة الذاتية وباشور كوردستان للتأكيد على حرص الإدارة الأميركية ودعمها لعملية الحوار الجارية بين الطرفين الكرديين ولقاءاته مع بعض شخصيات المعارضة وتصريح مبعوث الخارجية الأمريكية جويل ريبورن في أنقرة أثناء اجتماعه مع ما يسمى بالائتلاف عن ضرورة التقاء المعارضة السورية بالمواقف مع قوات سوريا الديمقراطية لتشكيل تحالفاً قوياً ضد النظام.
هذه التحركات جعلت روسيا تتحرك وتوجه دعوة لمجلس سوريا الديمقراطي لزيارة موسكو والتي أسفرت عن توقيع مذكرة التفاهم بين مسد وحزب الإرادة الشعبية “منصة موسكو” وتوجيه دعوة للمجلس الوطني الكردي بعد معرفتها بنوايا الولايات المتحدة بتشكيل معارضة جديدة خارجة عن سيطرة وأجندة الدول الإقليمية مركزها شرق الفرات، وكون معظم المناطق الغنية بالنفط والغاز تقع خارج سيطرة النظام وهو مصدر مهم للإرادات، وكذلك الأمر ينطبق على الأراضي الزراعية، فقد تضغط روسيا على النظام لإعادة فتح باب المفاوضات وتقديم تنازلات للإدارة الذاتية والوصول إلى حل ينهي الأزمة الاقتصادية التي تمر بها في ظل قانون قيصر وتساعد روسيا للتمدد اقتصادياً في مناطق الإدارة الذاتية، ومن جهتها فلن تتوانى باستفزاز الإدارة الذاتية وتهديدها باجتياح تركي جديد للمنطقة في حال تم سحب قواتها من خط المواجهة ما لم تقدم من الإدارة الذاتية تنازلات لها وللنظام، ومطالب تركيا بتسليمها تل رفعت ومنبج يندرج ضمن الاستفزازات الروسية للمنطقة وليس من المستبعد أيضاً أن يكون الهدف الروسي وبالتعاون مع تركيا القيام بدمج الائتلاف مع النظام سياسياً وتشكيل جبهة موحدة ضد الإدارة الذاتية والاستراتيجية الأمريكية في شمال وشرق سوريا، فتصريح وزير خارجية روسيا “أن المواجهة العسكرية بين النظام السوري والمعارضة قد انتهت، وأنه لا حاجة لعمل عسكري على إدلب، وأن نقطتين ساخنتين بقيتا في سوريا فقط، هما منطقة إدلب وأراضي شرق الفرات، وتواجد الجنود الأمريكيين بصورة غير قانونية مع القوات الانفصالية، ويلعبون مع الكرد بطريقة غير مسؤولة”، يندرج ضمن التهديدات الروسية لمناطق الإدارة الذاتية وتقف في وجه المخططات الأمريكية بتشكيل معارضة جديدة وذلك من خلال الحفاظ على الشكل الحالي للائتلاف ضعيف ومرتبط بالجماعات الارهابية قادرة على فرض إملاءاتها وشروطها عليها في أي حل سياسي للأزمة السورية، واتخاذهم “الجماعات الإرهابية” ذريعة لشن عملية عسكرية على إدلب.
فالرؤية الروسية تتمثل بالحفاظ على الحكم المركزي وإعطاء مزايا إدارية مناطقية، يضمنها الدستور ولكن بتفاصيل روسية وهي نسخةً مطوّرة عن قانون الإدارة المحلية.
أما الرؤية الأمريكية فقد تتمثل بتشكيل معارضة جديدة بعيدة عن الأجندة التركية وحتى الروسية واستغلال الضغوطات الدولية تجاه تركيا لفرض رؤيتها عليها وذلك بدمج مناطق الاحتلال التركي بمناطق الإدارة الذاتية وتشكيل إدارة موحدة مركزها شرق الفرات، خاصة أن الولايات المتحدة ترفض أي عملية عسكرية على إدلب وبالتالي تحويل سوريا إلى نظام فيدرالي تتكون من منطقتين منطقة النفوذ الأمريكي وتشمل التنف ومناطق الإدارة الذاتية ومناطق الاحتلال التركي، ومنطقة النفوذ الروسي ما تبقى من سوريا “غرب الفرات”، بالإضافة إلى إخراج الميليشيات الإيرانية من سوريا.
وبين هاتين الرؤيتين والاختلاف الكبير بينهما في تحصيل شعوب المنطقة على حقوقهم، تبقى الرؤية الروسية في الوقت الحالي أكثر تماسكاً من الرؤية الأمريكية إلا أن التغيرات السياسية والاقتصادية التي تمر بها المنطقة من انسحاب جزئي للقوات الأمريكية من العراق ودخول تعزيزات عسكرية غير مسبوقة إلى مناطق الإدارة الذاتية وعودة تمركز القوات الأمريكية في بعض المناطق التي انسحبت منها إبّان الاحتلال التركي لكري سبي وسري كانيه وفرض قانون قيصر وزيارات مسؤولي الإدارة الأمريكية لمناطق الإدارة الذاتية والتهديدات الروسية والتركية على المنطقة قد يكون مؤشراً على بدء الولايات المتحدة في فرض رؤيتها والتي قد تتكشف بشكل أكبر بعد الانتخابات الأمريكية، ويبدو أن الولايات المتحدة تحاول إطالة أمد الأزمة لاعتبارات تتعلق باستراتيجيتها الشاملة في الشرق الأوسط بخلاف روسيا التي تحاول إنهائها بسبب عدم قدرتها على تحمل التكاليف والخسائر واندلاع جبهات جديدة تستهدف أمنها القومي. إلا أن الرؤية الأمريكية قد تتضارب مع الأجندة التركية التي ترغب باحتلال المزيد من الأراضي في شمال وشرق سوريا “مناطق الإدارة الذاتية” حيث تحاول الولايات المتحدة اقناع تركيا برؤيتها والوصول إلى صيغة سلام بين تركيا والإدارة الذاتية. إلا أن روسيا تعمل على تضخيم الرؤية الأمريكية لمنع حدوث أي اتفاق سلام بين الطرفين وتزيد الهوة بين الولايات المتحدة وتركيا ودفع الأخيرة للقيام بعمل عسكري “عمل عسكري محدود” في شمال وشرق سوريا بحيث تضع الولايات المتحدة في موقف محرج على غرار الاجتياح التركي لمنطقتي كري سبي وسري كانية وبالتالي انهاء الرؤية الأمريكية ومن ثم الانسحاب من المنطقة، حيث صرح وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف “بأن الأمريكيين يحاولون إنشاء حكم ذاتي كردي في شمال سوريا ويتمتع بصلاحيات مماثلة لسلطة الدولة، وإن التلاعب بوحدة أراضي أي دولة انتهاك صارخ للقانون الدولي وفي هذه الحالة بالضبط هذا الأمر لا يخص سوريا وأن القضية الكردية تخص عدداً كبيراً من دول الشرق الأوسط” اشارة إلى تركيا وإيران والعراق.

زر الذهاب إلى الأعلى