تركيا تفقد موقعها الجيوستراتيجي يوما بعد يوم

تركيا تفقد موقعها الجيوستراتيجي يوما بعد يوم خاصة في العقدين الأخيرين من القرن الحادي والعشرين.
تُرى؛ ما هي الأسباب الكامنة وراء ذلك؟ ولماذا لم تعد أمريكا والدول الغربية وكذلك إسرائيل تولي تلك الأهمية لتركيا اليوم مثلما كانت توليها الأهمية في القرن العشرين، بالرغم من أنّ تركيا كانت تعتبر الطفل المدلّل لديهم؟ هل يمكن اعتبار مواقف وسياسات حزب العدالة والتنمية التوسّعية ورئيسه أردوغان من أسباب فقدان هذا الموقع الجيوستراتيجي أم أنّ هناك أسبابًا أخرى تقف خلف ذلك؟
تُرى؛ ما هي التغيّرات التي حدثت ما بين القرنين العشرين والحادي والعشرين؟ هذا ما سنحلّله ونقيّمه في دراستنا التحليلية هذه.
بما أنّ تركيا تربط أوروبا مع آسيا، وتشكّل معبراً لنقل مصادر الطاقة إلى أوروبا، كما تُعتبر دولة نموذجية يُحتذى بها بحسب مزاعم الدول الغربية، وبناء عليه برزت الأهمية الجيواقتصادية لتركيا خلال القرن الماضي، وهذا ما جعلها وعلى مدار القرن الماضي تحافظ على موقعها الجيوسياسي والجيواستراتيجي، وكذلك برز دورها كلاعب أساسي يمكن الاعتماد عليه في نشر الثقافة الغربية في المنطقة.
في ظلّ النقاشات الدائرة حول افتتاح ممرّ اقتصادي ما بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، قد تتضاءل فرص تركيا للحفاظ على موقعها الجيواستراتيجي في القرن الحادي والعشرين، حيث أعلن الأمير السعودي محمد بن سلمان في أيلول ٢٠٢٣ وخلال اجتماع قمة الـ 20 في الهند عن هذا المشروع بشكل رسمي (India-Middle East-Europe Economic corridor (IMEC)). هذا الممر يبدأ من الهند ويمرّ من الإمارات والسعودية والأردن وإسرائيل، ومن إسرائيل عبر البحر يصل إلى أوروبا. لقد تم إقصاء تركيا وإيران من هذا المشروع، والحرب التي تدور رحاها في غزّة تندرج في إطار هذا المشروع.
وعلى صلة بهذا الموضوع فقد صرّح الرئيس التركي أردوغان أثناء إعلان هذا المشروع أنّه من غير الممكن نجاح هذا المشروع بدوننا أي بدون تركيا، كما أنّ صَلاة خالد مشعل في المساجد التركية يوم / ٧ / تشرين الأول أثناء هجوم حماس على إسرائيل تحمل في طياتها معانٍ كثيرة.
إذا ما تمّ افتتاح هذا الممرّ بين إسرائيل والدول العربية، فهذا يعني وصول إسرائيل والدول العربية في موضوع المصالحة إلى مستوىً متقدّم، وممّا لا شكّ فيه أنّ هذه المصالحة لا تخدم المصالح الإيرانية أيضًا، لأنّ مصالحة إسرائيل مع الدول العربية تعني فقدان إيران للورقة الفلسطينية، وهو ما يزعج إيران ويسبّب لها القلق.
عندما يتمعّن المرء في مواقف وتعامل القوى الغربية وأمريكا مع تركيا، وخصوصًا منذ الأزمة السورية عام ٢٠١١ سوف يلاحظ دون عناء أنّ تلك الأهمية التي كانت تمنحها الدول الآنفة الذكر لتركيا قد تراجعت إلى أدنى مستوى في العقد الثاني من القرن الـ ٢١. دعك عن العلاقات القوية والدعم الذي كانت تحظى به تركيا من تلك الدول، ففي السنوات الأخيرة فُتِحت فجوة وشرخ كبير بين تركيا والدول التي ذكرناها، ولم تقف الأمور عند هذا الحد، بل وصلت إلى مستوى البدء بفرض العقوبات على تركيا أحياناً وإعلان المقاطعة أحياناً أخرى.
ولمعرفة التغيّرات التي حدثت وتحصل اليوم لا بدّ من العودة قليلا إلى بدايات القرن الـ ٢٠ وتأسيس الجمهورية التركية، ومعرفة ظروف تلك المرحلة، والدور الذي أُنيط بتركيا.

ما سبب إيلاء الأهمية لتركيا خلال القرن الـ ٢٠؟
كان للاتّحاد والترقّي التي كان الكثير من أعضائها ذوي أصول يهودية دور بارز في تأسيس الجمهورية التركية، حيث لعبت اللوبيات اليهودية دورًا كبيرًا في تأسيس الجمهورية، كما تمّ تكليف الجمهورية التركية الحديثة العهد ببعض المهام والواجبات، ومن تلك المهام تحمّل مسؤولية حماية أمن إسرائيل التي سيتمّ تأسيسها لاحقًا، وليس خافيا على أحد أنّ تركيا حينئذ كانت في مقدّمة الدول التي اعترفت بإسرائيل، وبعدها لم تبخل إسرائيل بتقديم الدعم المادّي والمعنوي لتركيا، بدءاً من تقديم الأسلحة المتطوّرة، مروراً بالمشورة العسكرية والاستخباراتية وغيرها. وجديرٌ بالذكر أنّ إسرائيل قد قدّمت دعماً كبيراً لتركيا في حربها ضد حزب العمال الكردستاني طيلة أربعة عقود، كما لم يخفِ المسؤولون الإسرائيليون تورّطهم في اعتقال القائد عبدالله أوجلان من خلال عملية كونية اشتركت فيها عدّة دولة وعلى رأسها أمريكا.
كانت إسرائيل تخوض حرباً مع العرب، لذا كان لا بدّ من وجود بعض القوى والدول التي تحمي إسرائيل، وتُعتبَر كلّ من تركيا وإيران مثالا على حماية إسرائيل وأمنها. لكن في السنوات الأخيرة تطوّرت العلاقات الإسرائيلية مع العرب بشكل إيجابي، حيث افتُتحَت السفارات والقنصليات الإسرائيلية في الكثير من الدول العربية، ومع إعلان مشروع الممرّ الاقتصادي ٢٠٢٣ الذي يبدأ من الهند ويضمّ كلًّا من السعودية والإمارات والأردن وإسرائيل ويصل إلى أوروبا، بلغت العلاقات مستوىً متطوّرا ليتصالح العرب مع إسرائيل، إلّا أنّ حرب غزّة، التي كان لكلّ من إيران وتركيا اليد الطولى فيها، ساهمت في خفض وتيرة هذه المصالحة نوعًا ما.
نعلم أنّ الجمهورية التركية قد تأسّست من قبل قوات الحلفاء التي انتصرت في الحرب العالمية الأولى في ذلك الحين (بريطانيا وحلفائها) على مبدأ إبادة وإنكار الكرد والقوميات الأخرى كالأرمن والسريان واليونان وغيرهم. استلهمت الجمهورية التركية مبادئها من الثورة الفرنسية، واتّخذت الثقافة والقيم الغربية أساسًا لها، وكانت العَلمانية من المبادئ الأساسية للدولة، حيث تمّ تجاهل الأسس والثقافة الإسلامية التي اعتمدت عليها الإمبراطورية العثمانية.
هذه الدولة حديثة العهد كانت تعمل لخدمة سياسات وأجندات القوى الغربية سواء من الناحية السياسية أو الاقتصادية، وكانت بمثابة بوّابة لفتح الشرق الأوسط آنذاك، هذه الدولة المبنية على ثقافة وقيم الدول الغربية، كانت تُعتبَر من الدول الحديثة ونموذجًا يُفترَض أن يعمّ في المنطقة. وكان من أبرز واجبات ومسؤوليات الجمهورية التركية المبنية حديثًا -كما ذكرناه آنفاً- في المرتبة الأولى حماية أمن إسرائيل، ومنع تمدّد الفكر الاشتراكي الذي تقوده روسيا في الشرق الأوسط في المرتبة الثانية، في المرتبة الثالثة تمرير أجندات وسياسات القوى الغربية التي تُحاك ضدّ المنطقة.
فخلال القرن الـ 20 وخاصة بعد ثورة أكتوبر والحرب العالمية الأولى والثانية، كان من أبرز ما يقلق قوى الهيمنة العالمية هي روسيا (الاتحاد السوفياتي)، وانتشار الأفكار الاشتراكية والشيوعية في بلدان الشرق الأوسط، لكن وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي وتحوّله إلى دولة رأسمالية، وبعد إدارة العالم كقطب واحد من قبل أمريكا، اختلف الوضع؛ حيث تحوّلت الخلافات الفكرية والأيديولوجية إلى خلافات حول الثروات وتقاسم الهيمنة على العالم.
لم تبخل إسرائيل وأمريكا والقوى الغربية بتقديم الدعم المادي والمعنوي المتواصل لتركيا منذ تأسيسها وحتى قبيل الأزمة السورية، كما غضّت الأطراف -آنفة الذكر- الطَّرْفَ عن السياسات والانتهاكات والمجازر التي ارتكبتها تركيا بحق مواطنيها الكرد والشعوب الأخرى، بالمختصر المفيد: كانت المصالح المتبادلة بين تركيا والأطراف الأخرى سبباً لإيلاء هذا القدر من الاهتمام لتركيا.
إنّ تسمية القوى الغربية للجمهورية باسم الأتراك لم يأتِ من فراغ، فقد نبشت تلك القوى في التاريخ كثيرًا، وكانت تدرك أنّ الأتراك سيقدّمون لها خدمات جليّة، كما أنّ تلك القوى قد بحثت كثيرًا في الشخصية التركية الخشنة والقاسية والمبيدة التي تقوم بالمجازر منذ دخولها في خدمة الإسلام أيام الخلافة الإسلامية. في الحقيقة؛ لم تبخل تركيا في هذا المجال، فقد قامت بارتكاب المجازر والإبادات بحقّ الشعوب الأصيلة كالكرد والأرمن واليونان والآشوريين، كما قامت بالقضاء على الأحزاب والتنظيمات الاشتراكية واليسارية بعد ستينات القرن الماضي.

بعد الأزمة السورية 2011 تحوّلت تركيا إلى ساحة لتدريب تنظيم داعش والجماعات الإسلامية:
في بداية القرن الحادي والعشرين وخاصة بعد الأزمة السورية ازداد خطر الحركات الإسلامية المتشدّدة مثل داعش وغيرها، فشعرت أمريكا والقوى الغربية بخطر تمدّد الإسلاميين، بالرغم من أنّ الإسلام السياسي في إطار الشرق الأوسط الكبير كان مشروعًا أمريكيًا ويتم التحضير له منذ زمن بعيد؛ فبعد أعوام الثمانينات تمّ فتح المجال أمام العناصر ذات الأصول الإسلامية في تركيا، ففي أعوام التسعينات قام حزب الرفاه الذي يقوده نجم الدين أربكان بتولّي السلطة وفق نموذج إسلام الأمة، ثمّ في العام 2002 تمّ فسح المجال لحزب العدالة والتنمية ليتولّى السلطة في تركيا، وممّا لا شكّ فيه أنّ كلّ هذه التغيّرات كانت تتمّ تحت أعين بريطانيا وأمريكا.
برز “فتح الله كولن” كشخصية مؤثّرة داخل حزب العدالة والتنمية، حيث نظّم صفوفه داخل تركيا وخارجها بشكل جيّد، ففتح مئات المدارس الدينية خارج تركيا في أكثر من 100 دولة عدا التي فتحها داخل تركيا، حيث كان يقدّم نفسه كإسلام اجتماعي، لم يكن يظهر العداء لإسرائيل وأمريكا والقوى الغربية، مثلما فعل “نجم الدين أربكان” حتى ولو كان شكلياً، بل على النقيض من ذلك، فقد تمّ تكليفه للعب دور الإسلام المعتدل غير المتشدّد.
لكن بعد ذلك قام رجب طيب أردوغان (تلميذ فتح الله كولن) – وهو من نفس الحزب- بالانتفاض في وجه شيخه، فاستلم أردوغان (تلميذ فتح الله غولن) ذو توجّه الإسلام السياسي الذي يتبنّى مفهوم الأمة – وهو من نفس الحزب (الأمة) مقاليد السلطة، من خلال الانتفاض في وجه شيخه حيث قام بالسيطرة على مقاليد السلطة عن طريق إنقلاب، كما قام بوضع يده على جميع المدارس والجامعات الدينية والشرعية ووسائل الإعلام التابعة لـ”فتح الله كولن”. وبعد أن استلم الحكم نظّم نفسه داخل المؤسسات الرسمية للدولة خطوة بخطوة، وادّعى أنّه سينقذ تركيا من الأزمة الاقتصادية التي كانت حينها تمرّ فيها، وأنّه سيقوم بحلّ جميع الأزمات مع الخارج، حيث أعطى لنفسه كامل الصلاحيات في سَنَّ القوانين التي تمسّ العَلمانية في البلاد، مثلما فعلها في قسم التربية والتعليم وتغيير المناهج التعليمية وفتح مدارس “إمام خطيب” وما إلى ذلك.
لم يكن يخفي أردوغان أهدافه وطموحاته الإسلاموية هذه، حيث صرّح في كثيرٍ من المناسبات قائلاً: “العَلمانيون حكموا تركيا مئة عام -مشيراً إلى حزب الشعب الجمهوري- والآن جاء دورنا سنعلن دولتنا الإسلامية”. جديرٌ بالذكر أنّ تصريحاته هذه تزامنت مع مئوية لوزان.
كانت القوى الغربية وأمريكا حتى عام 2010 لا تزال تتأمّل أن يلبّي أردوغان مطالبها، لا سيّما أنّه كان قد أعطى وعداً في أن يخطو خطوات جدّية نحو التغيير وبناء الديمقراطية في البلاد؛ وحلّ المسألة الكردية، والكفّ عن انتهاكات حقوق الإنسان، وكذلك الدخول إلى الاتحاد الأوروبي. لكن بعد أن أبرم أردوغان اتفاقاً مع حزب الحركة القومية ذو التوجّه القوموي العنصري ورئيسه “دولت بهشلي” ازداد الشرخ بينه وبين القوى الغربية وأمريكا. وبعد ذلك برز في تركيا اتجاهان: الأوّل يرغب في استرجاع وإحياء الأحلام العثمانية، والتوسّع ولعب دور الدولة قومية مثل إيران. أمّا الثاني فيسعى من خلال الفصائل الإسلامية إلى بناء هيمنة إسلامية على المستوى الإقليمي والعالمي. إذ لم يتحقّق أيٌّ شيء مما كانت ترغبه الدول الغربية وأمريكا. وبعد عام 2011 وبدء الأزمة السورية تحوّلت تركيا إلى ساحة لتدريب داعش وجبهة النصرة والقاعدة وإخوان المسلمين وكلّ الجماعات الإسلامية الأخرى.
فمثلما لم تقدّم تركيا الدعم للتدخّل الأمريكي في العراق ولم تسمح لها باستخدام قاعدة إنجرلك، كذلك في الحرب السورية ورغم وجود تركيا شكليا ضمن قوات التحالف الدولي ضد داعش، إلّا أنّها لم تقم بشكل فعلي بمحاربة داعش. ولم تقف عند حدّ عدم محاربة داعش، بل هي التي قامت بحماية داعش أيضًا.
ولا يخفى على أحد أنّ تركيا قد سخّرت الفصائل الإسلامية لخدمة أجندتها في سوريا والدول الأخرى، حيث قدّمت كلّ التسهيلات لعبور الداعشيّين والفصائل الأخرى إلى سوريا، من جوازات سفر وفتح مراكز التدريب لهم في غازي عينتاب والمناطق المتاخمة للحدود السورية، كما ساندتهم في الدعم اللوجستي والأسلحة وما إلى ذلك؛ فروسيا وعن طريق الأقمار الصناعية نشرت مشاهد لسلسلة القطارات المحمّلة بالنفط وهي تدخل إلى تركيا. فبتحريضه الفصائل المسلّحة الإسلامية ضدّ الكرد لارتكاب العديد من المجازر بحقهم، أراد أردوغان ضرب الكرد والعرب بعضهم ببعض وإشعال فتيل حرب قوموية دينية لا نهاية لها بين المكوّنات السورية؛ وبالتالي يبقى هو في وضع المتفرّج. كل هذا كان يتم تحت إشراف جهاز الاستخبارات التركية وأردوغان شخصياً. وفي الجانب الآخر شاهدنا كيف أنّ قوّات التحالف مع قوات سوريا الديمقراطية قد تمكّنت من قتل أبو بكر البغدادي وقتل أبو إبراهيم هاشمي القرشي عام 2022م، وكذلك قتل أبو حسن المهاجر وكثير من قادة داعش وذلك في المناطق الواقعة تحت سيطرة تركيا وبعضهم اعْتُقِل.
بشكل عام استفاد أردوغان على الصعيد الشخصي وكذلك حزبه من تسخير قدرات الكوادر البشرية للجماعات الإسلامية والنازحين السوريين في الدوائر الرسمية للدولة التركية، كالاستخبارات والإعلام ومركز الدراسات الاستراتيجية والمدارس الدينية وغيرها، وعلى لسان مسؤولي الأتراك فقد بلغ عدد الذين حصلوا على الجنسية التركية 200 ألف سوري. ربّما انتفع أردوغان وحزبه على الصعيد الشخصي من وراء ضخّ دماء جديدة إلى حزبه، إلّا أنّه قد أضرّ تركيا بشكل عام، لا سيّما في موضوع تقسيم المجتمع التركي والصداقة وعلاقاتها الخارجية.
بعدما عقد كلا الحزبين (حزب الحركة القومية وحزب العدالة والتنمية) تحالفاً استراتيجياً، واحتلّت مناطق من سوريا والعراق، وتدخّلت في ليبيا ونيجيريا والصومال وقرباخ والدول الأخرى في المنطقة، انتاب أردوغان ودولت بهجلي نشوة النصر وسال لعابهما، وباتا يحلمان بإحياء العثمانية الجديدة، والتفكير في التوسّع واحتلال مزيد من أراضي دول الجوار؛ فقامت تركيا باحتلال مناطق من روج آفا (شمال سوريا) وباشوري كردستان (شمال العراق). أراد أردوغان التغريد خارج السرب والمخطّط المرسوم له من قبل أمريكا والدول الغربية، حيث أظهر نفسه كقوة هيمنة على المستوى الإقليمي. ومن ناحية أخرى فإنّ التحرّكات التركية وتقاربها مع روسيا وخاصة التفاف تركيا على العقوبات الأمريكية على روسيا هو ما زاد من حدّة الخلافات الأمريكية مع تركيا، كما أنّ الانتهاكات التركية في مجال الحقوق قد جوبهت بانتقادات لاذعة من قبل القوى الغربية، والأسباب التي ذكرناها قد لعبت دورًا في تأجيج الخلافات الغربية -الأمريكية مع تركيا.

بدلا من “صفر مشاكل” فقد وضع أردوغان تركيا أمام ” ألف مشكلة” ولم يبقِ لها أيّ وزن ولا مكانة:
مرّت تركيا خلال سنوات 2000-2002 بأزمة اقتصادية خانقة، وكذلك من الناحية السياسية لم تكن تتمتّع بعلاقات جيّدة مع الخارج، برز الجانب السياسي لأردوغان خلال هذه السنين، عمل أردوغان مع طاقمه أحمد داود أوغلو وآخرين بزعم تحسين الواقع الاقتصادي والمعيشي لتركيا. فمنذ بداية تسلّمه مقاليد الحكم توعّد أردوغان كما أسلفنا أن يتّخذ معايير الاتحاد الأوروبي والديمقراطية أساساً، وكذلك حلّ القضية الكردية. أمّا بخصوص العلاقة مع الخارج فقد عَمِلَ أردوغان بحسب نظرية أحمد داود أوغلو “صفر مشاكل”، حينها لجأ أردوغان إلى بعض الحلول المؤقّتة، مثل الإصلاحات في المجال الاقتصادي- فأزال 6 أصفار من العملة التركية من خلال سَنّ قانون خاص لها. وبهذا الشكل فقد راوغ أردوغان الشعب لبضعة سنين أخرى إلى أنّ رسّخ قدميه في السلطة إلى حين 2008م.
إذا ما ألقينا نظرة إلى العقدين الأخيرين وأجرينا مراجعة عامة في الإحصائيات الموجودة منذ تسلّمه السلطة إلى يومنا هذا، فسيتبيّن لنا إذا ما كان أردوغان فعلاً قد طوّر تركيا أم أنّه قد أعاد بها إلى الوراء. فمع البدء بالإصلاحات الاقتصادية وإزالة 6 أصفار من العملة التركية أصبحت قيمة الدولار مقابل الليرة التركية ( 1 دولار = 0,7 ليرة تركية) ولكن هذه الحالة لم تدم طويلا، ففي 2006 أصبح الدولار مقابل الليرة التركية ( 1دولار = 1,42 ليرة تركية)، أمّا بعد الأزمة السورية 2014 فقد أصبح الدولار مقابل الليرة التركية ( 1 دولار = 2,27 ليرة تركية) لكن بعد سنوات 2016- 2018 فقدت الليرة التركية قيمتها أمام الدولار بشكل مريع مع مرور الوقت شيئًا فشيئًا، واليوم نحن في بدايات 2024 فإنّ قيمة الليرة التركية مقابل الدولار ( 1 دولار = 32 ليرة تركية). كذلك في موضوع التضخّم المالي في تركيا، حيث بلغت نسبة التضخّم في شهر كانون الأول 2001-2002 في تركيا 5,32% وفي نيسان من عام 2012 ارتفعت النسبة لتصل إلى 11,14% وفي كانون الثاني 2024 ارتفعت النسبة إلى 64,86% هذه الأرقام الرسمية التي صرّحت بها الدولة التركية نفسها، علماً أنّ نسبة التضخّم الحقيقية قد تجاوزت حدّ 100% فعلياً.
في عهد أردوغان من الناحية السياسية كان من المفروض جعل المشاكل في الداخل ومع الخارج “صفر مشاكل” لكن حصل العكس، فقد بلغت ” ألف مشكلة”، وعلى الصعيد الداخلي في بداية تسلّمه مقاليد الحكم تعهّد أردوغان للدولة العميقة تصفية الحركة الكردية لاسيما حركة حرية كردستان، وقد عمل على أساس هذا الحلم، وبالتوازي مع الجيش الموجود قام أردوغان ببناء جيش آخر من تشكيلات الشرطة و كونتركريلا “ضد الكريلا” والمرتزقة السوريين مرتبط به حيث يأتمر بتعليماته المباشرة، وتعامل مع الكرد بكل وحشيته لإبادتهم والقضاء عليهم، لكنّه لم يفلح في هذا المجال أيضا، ولم يتمكّن من إبادة الكرد وحركتهم. عمليات الكريلا في بداية الشتاء 2024 ضد الجيش التركي والخسائر الفادحة التي ألحقت بجيشها أقلق أردوغان وجيشه.
وفي موضوع قضية مقتل الخاشقجي لم يوفّر أردوغان وصفاً نابياً إلّا ونعت به السعودية، وقد وصلت العلاقات بين البلدين إلى شبه القطيعة، حيث قامت السعودية بحملة مقاطعة البضائع التركية. وفي الجانب الآخر فإنّ “سادات بكر” قد كشف حقيقة سلطة أردوغان ومسؤوليه المرتبطين مباشرة مع عصابات المافيا وتجّار المخدّرات، وهذه المسألة قد تسبّبت بقطع العلاقات بين تركيا والإمارات بشكل كامل، وحينها وجّه أردوغان كثيرًا من الألفاظ البذيئة لدولة الإمارات ورئيسها.
ومن جهة أخرى ساءت علاقات تركيا مع مصر بسبب اهتمام أردوغان بحركة الإخوان المسلمين واحتضانهم في تركيا، خصوصًا أنّ فوز عبدالفتاح السيسي بالرئاسة المصرية قد أزعج أردوغان كثيراً، مما دفعه إلى وصف السيسي بالانقلابي والدكتاتور، كما أنّه قد تسبّب في فوضى عارمة في ليبيا نتيجة تدخّله في الشؤون الليبية الداخلية، حيث قدّم بشكل مباشر الدعم اللوجستي والسلاح وكل أشكال الدعم لمعارضي خليفة حفتر، وفي الدول العربية مثل تونس وغيرها حاول أردوغان جاهدًا أن يجد موطئ قدم له في تلك الدول من خلال حركات الإخوان (راشد الغنوشي وغيره)، كما ساءت علاقات تركيا مع اليونان بسبب عمليات البحث عن الغاز في البحر المتوسط، باختصار نتيجة لسياسات أردوغان التخبّطية وأفعاله أصبحت تركيا دولة منبوذة.
الغريب وكأنّه لم يحدث شيء وبعد كلّ هذه الشتائم والكلمات البذيئة والغليظة التي وجّهها أردوغان إلى قادة مصر والإمارات والسعودية وغيرها، ارتمى تحت أقدام قادة ورؤساء هذه الدول طالباً العفو والغفران لما فعله، وطلب فتح صفحة جديدة في تحسين العلاقات معها. فهذه الاستدارة التي بلغت مائة وثمانين درجة قد أفقدت أردوغان وحكومته الثقل تماماً، كذلك فقدت تركيا معها دورها ومكانتها على المستوى الإقليمي والعالمي. ولربّما يبرّر بعضهم موقف أردوغان هذا ويصفه بالسياسي والبراغماتي، لكن في الحقيقة جاءت الاستدارة على حساب تركيا، وأردوغان هو الذي تنازل وليست السعودية والإمارات ومصر، تنازل في كثير من الملفات مثل الكفّ عن العبث بليبيا وطرد جماعة الإخوان المسلمين من تركيا وإغلاق قناتها (أورينت) وغيرها من المواضيع الأخرى.

متى برزت خلافات أردوغان مع أمريكا والقوى الغربية؟
إذا ما تتبّعنا مسار علاقات الدولة التركية مع الدول الغربية وأمريكا منذ 2000-2002م وحتى الأزمة السورية 2011 سوف نجد أنّها علاقة قوية ونشطة، وكل شيء يمضي حسب ما تمّ التخطيط له مع تركيا، بتعبير آخر؛ فقد تمّ فتح الطريق وتسهيله أمام الإسلام السياسي في تركيا وعلى المستوى الإقليمي في إطار الشرق الأوسط الكبير (الجديد)، وكانت تركيا تستمدّ دعمها وقوّتها من قوى الهيمنة العالمية وعلى رأسها أمريكا ومن ثم بريطانيا، وكان أردوغان يتحرّك وفق ما خُطّط له.
لقد حصل الغزو أو التدخّل التركي الحقيقي (مقصدنا غزو العقول) للدول العربية ثقافياً بعد عام 2000 من خلال المسلسلات التركية التي تمّت ترجمتها من اللغة التركية إلى اللغة العربية من قبل شركات الدبلجة الإماراتية والسورية وغيرها، وهذا إن دلّ على شيء فإنّما يدلّ على شكل من أشكال الغزو الثقافي، وبهذا الشكل ومن خلال هذه المسلسلات كان يتم فرض ثقافة الإسلام المعتدل على المنطقة شيئا فشيئا، بحيث تجعل (أي المسلسلات) من تركيا دولة قوية في أعين الناس البسطاء، وباشور كردستان أيضاً (إقليم كردستان) قد نال حصّته من هذا الغزو الثقافي عن طريق الإعلام وقنوات التلفزيون.
وليس من الخطأ تسمية ذلك بالخطوة الأولى للاحتلال والغزو، أي التدخّل التركي في شؤون دول المنطقة. أردوغان وبعدما شكل أرضية خصبة لمشروعه بين المجتمع العربي، زار سوريا و التقى مع بشار الأسد حيث عُقد اتفاق تعاون استراتيجي بين البلدين ولكن تغير الوضع فجأة وبعد مرور عدةّ سنوات وجدنا الغزو والاحتلال بشكله العسكري في سوريا والعراق، كما رأينا تدخّلاتها في ليبيا وقرباخ وجنوب إفريقيا والصومال وغيرها الكثير من المناطق الأخرى. لذا بإمكاننا القول أنّ تركيا قد لعبت الدور السلبي والمزعزع والمحرّض في المنطقة، من خلال تفعيل طائراتها المسيّرة خلال السنوات العشرة الماضية في سبيل تحقيق طموحاتها في “الميثاق الملّي” وإحياء العثمانية الجديدة.
لقد كان الانتشار الواسع والطاغي لثقافة الإسلام السياسي في المنطقة يتم بموافقة كلّ من بريطانيا وأمريكا. إذاً متى برزت الخلافات بين تركيا من جهة وأمريكا والغرب من جهة أخرى؟ لقد برزت تلك الخلافات عندما بدأ أردوغان يتحرّك وفق مصالحه وأجنداته الخاصة، وبغاية التوسّع في إحياء العثمانية الجديدة وليس حسب الخطط المرسوم له من قبل أسياده، كذلك شراء تركيا منظومة (اس 400) من روسيا والعلاقات الحميمية مع روسيا أغضبت أمريكا والناتو والدول الغربية بشكل عام.
وقد صرّح الرئيس الأمريكي (جو بايدن) في هذا السياق: “إذا ما فزتُ في الانتخابات فسوف أزيحه عن السلطة، إنّه دكتاتور”. ويقصد هنا أردوغان. الحقيقة لقد بدأت العلاقات التركية الأمريكية تسوء بعد أعوام ٢٠١٤- ٢٠١٥ خاصة مع الانقلاب الذي حصل في تركيا، حيث اتُّهمت أمريكا في أن تكون هي الضالعة في ذلك الانقلاب. في الجانب الآخر يتزامن ذلك التاريخ مع إيقاف عملية السلام والمفاوضات التي كانت جارية مع القائد عبدالله أوجلان في إمرالي، وفي الوقت نفسه يتلاقى ذلك التاريخ مع تشكيل التحالف ضد داعش في سوريا والعراق، حينئذ تركيا كانت توّاقة للانضمام إلى الحرب ضد داعش أثناء تحرير الموصل، وكذلك أثناء تحرير الرقة أيضاً، والحقيقة أنّ تركيا لم تكن تريد الانضمام إلى الحملة في الموصل والرقة لأنّها فعلا تريد محاربة داعش، بل لأنّها كانت تريد وبذريعة داعش أن تصل إلى تلك المناطق، فهي تحسب تلك الأراضي ملكًا لها بحسب الميثاق الملّي، وكانت أمريكا على دراية بالمآرب التركية لذلك فقد حالت دون مشاركتها بقوة كبيرة، ولم تسمح لها بلعب دور كبير فيها، لأنّ أمريكا كانت على يقين بأنّ الدولة التركية إذا ما دخلت منطقة ما فلن تخرج منها.
لا تسمح أمريكا ولا القوى الغربية في تشكيل دولة إسلامية ذات أفكار متطرّفة ومتشدّدة سواء على المستوى الإقليمي أو العالمي، وترى أنّها تشكّل خطرًا عليها، فحركة الإخوان المسلمين التي هي بالأساس مشروع بريطاني، وتدّعي أنّها حركة معتدلة، لكن عندما سنحت الفرصة لها تبيّنت على حقيقتها بأنّها لا تختلف بشيء عن الحركات المتشدّدة الأخرى من ناحية العنف وخطاب الكراهية والتحريض.
وخلال فترة الحرب السورية بدا بشكل واضح أنّ حركة الإخوان المسلمين وضعت نفسها في خدمة أجندات الدولة التركية، وأظهرت عداءها للكرد بشكل علني من خلال منابرها الإعلامية، وفي مقدّمتها قناة الجزيرة التي قامت بنشر برنامجَين، وهما ( المسافة صفر- والكرد يبنون دولة في شمال شرق سوريا) ومن خلال هذين البرنامجين كانت الجزيرة تحرّض تركيا وتدفعها لمهاجمة الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، وكذلك قناة أورينت، لسان حال الإخوان المسلمين، أرادت خلال أحداث ديرالزور أن تفتعل فتنة بين الكرد والعرب، حيث بدأت بحملة إعلامية تضليلية شرسة ضدّ الكرد، كما أنّ علماء الدين والملالي من خلال الجوامع وعبر قنوات التلفزيون وفي شوارع عفرين كانوا يفتون بقتل الكرد.
خلال الأزمة السورية وخاصة السنوات العشر الأخيرة شعرت الدول الغربية وأمريكا بخطورة الإخوان المسلمين. حركة الإخوان التي كانت تتظاهر بأنّها تمثل الإسلام السياسي المعتدل، لمّا سنحت لها الفرصة سرعان ما اتّحدت مع الفصائل المتطرّفة وباتت تمارس العنف. لذا استُبعدَت حركة الإخوان من الحكم في عدة دول، ابتداءً من مصر ومن ثم الدول الأخرى واحدة تلو الأخرى.
لقد رأينا كيف أنّ محمد مرسي قد فاز في الجولة الأولى من الانتخابات المصرية عام 2012 وأصبح رئيسا لمصر، لكن بعد ذلك أُقِيل من منصبه وتمّ اعتقاله بين ليلة وضحاها ليفارق الحياة داخل سجنه، وفي تونس قدمت المحكمة دعوى قضائية بحق راشد الغنوشي على اثره تم اعتقاله واستبعاده عن الحكم، كما استُبعِد رئيس حكومة الوفاق فايز السراج حليف أردوغان في ليبيا، كما أاستُبعِد عمر البشير عن الحكم في السودان وفي الدول الأخرى التي يتولّى فيها الإخوان الحكم تمّت إزاحتهم تماماً.
احتضن أردوغان الذي يحمل نفس الأفكار والمعتقدات حركة إخوان المسلمين في تركيا، وقدّم لهم مختلف أنواع الدعم والمساعدة بعد عام 2011، أردوغان هو الأخر يتعرّض للضغوطات من قبل إسرائيل وأمريكا وبريطانيا، وخاصة في موضوع دعمه لحركة حماس ووصفها “بحركة المقاومة”. فتداعيات حرب غزة قد أفرزت إلى إعادة تعريف التطرّف، في النقاشات الدائرة بين الوزراء البريطانيين تم التأكيد على سَنّ قوانين جديدة لمن “يروّج للعنف أو الكراهية أو التعصّب” ففي منتصف شهر آذار قال وزير المجتمعات المحلية (مايكل غوف) إنّ تصاعد التطرّف منذ الحرب بين إسرائيل وغزة يشكّل “خطراً حقيقياً” على المملكة المتحدة. فالنقاشات التي دارت بين الوزراء البريطانيين حول “العنف والكراهية والتعصّب” ومن يحرّضها ينطبق على حركة إخوان المسلمين.
فسياسات حركة الإخوان المسلمين ومواقفها خلال السنوات الأخيرة لاسيما في الأزمة السورية كانت مشينة وتحريضية إلى درجة ما، خاصة حيال الكرد، فمنذ بداية الأزمة كان هدف الإخوان المسلمين الأساسي الاستيلاء على السلطة في سوريا. هل ستعمل حركة الإخوان المسلمين على دمقرطة سوريا؟ كلّا؛ فذهنيتها طائفية ومذهبية، فهي الأخرى تفكيرها لا يختلف عن تفكير أردوغان الذي يقول “العلمانيون حكموا تركيا مئة عام والآن جاء دورنا” فالإخوان المسلمين أيضاً يقولون أنّ “العلويين قد حكموا سوريا خمسين عاماً، والآن جاء دورنا”. إذًا لا اختلاف في الذهنية. التاريخ أثبت أنّ مَن يعادي الكرد ويحاربهم سيكون مصيره الفناء، تجربة داعش لا تزال ماثلة أمام أعيننا؛ فداعش التي سيطرت على العراق وسوريا لم يستطع أحد إيقافها، وعندما أخطأت وهاجمت الكرد وحاربتهم فقدت جغرافيتها واندحرت على يد قوات قسد، وكذلك حركة الإخوان المسلمين التي يستخدمها أردوغان خدمةً لمصالحه عندما تعادي الكرد فإنّها تضرّ نفسها، فالكرد لن ينسوا ما تقوم به حركة الإخوان المسلمين بحقهم. فها هم يتقهقرون من ذاتهم، وجردتهم قوى الهيمنة.
وهنا أمام أردوغان خياران، الأول: أن يتحرّك وفق برنامجه الشخصي الذي يهدف إلى تطبيقه في المنطقة دون أن يبالي بأمريكا والغرب. والخيار الثاني: هو أن يتحرّك في إطار الأهداف والخطوط المرسومة له كما كان من قبل، وذلك حسب النموذج الذي أعدّته أمريكا والقوى الغربية له (فيعمل كقوة سياسية إسلامية معتدلة)، ولا يطمح في التوسّع والتدخّل في شؤون دول المنطقة، وتعمل تلك القوة تحت سيطرة أمريكا والغرب، فإذا ما التزم أردوغان بهذه الشروط فسوف يُسمَح له بالبقاء في الحكم كما سيُكلّف بلعب دور إقليمي كمنافس لإيران.
في الحقيقة أردوغان لم ينجح بأصوات الناخبين في انتخابات 2023 الرسمية، بل نجح بالصناديق الممتلئة سلفاً، نجح من خلال توافقات بينه وبين القوى الغربية وأمريكا، موافقة أردوغان على انضمام السويد إلى الناتو بعد الانتخابات ببضعة أيام كان في إطار هذه التوافقات. حسبما يتبيّن فإنّ هذه فرصته الأخيرة، فإذا لم يستغلّ أردوغان فرصته هذه فسوف يستبعدونه من السلطة كما فعلوا لقادة الإخوان الآخرين في مصر وتونس وليبيا والسودان، سوف يأتون بأُناس يتناغمون مع سياساتهم، مقصدنا هنا القوى الغربية وأمريكا. وتصريح أردوغان الأخير قبيل الانتخابات “هذه أخر انتخابات بالنسبة لي” يؤكد صحة ما نقوله، قد أدرك أردوغان هذا الأمر ويسعى جاهداً إلى إصلاح علاقاته مع كلٌ من أمريكا وأوروبا ليُمنح له الضوء الأخضر والبقاء في الحكم مدةً أطول. بتصوّرنا فإنّ هذه هي الفرصة الأخيرة الممنوحة لأردوغان.

للكرد مكانة في الحكم في “الشرق الأوسط الكبير” مستقبلاً:
سيُؤخذ الكرد بعين الاعتبار وسيكون لهم دورٌ ومكانة في الحكم في مشروع إعادة بناء الشرق الأوسط الجديد في القرن الحادي والعشرين، ولربّما لن يكون وفق ما يطمح الكرد إليه بالضبط، ولكن المهم أنّه ستكون لهم مكانة فيه.
فبعد 40 عاما من الحرب التي كانت تقدّم فيها أمريكا والناتو جميع أنواع الدعم لتركيا إلّا أنّ تركيا رغم ذلك لم تتمكّن من القضاء على حركة حرية كردستان في شمال كردستان، والآن بعدما تبيّن أنّه لم تتمكّن تركيا من دحرها عسكرياً فلابد من أن تُستأنف المفاوضات مع القائد أوجلان في جزيرة إمرلي، وأن تكفَّ عن سياسة الإنكار وتعترف بحقوق الكرد المشروعة.
المستجدّات والتغيّرات في السياسة الأمريكية خلال السنتين الماضيتين حيال سوريا، حيث إيقاف سحب جنودها من سوريا، كذلك الزيارات المكوكية لقيادات العسكريين الأمريكيين رفيعي المستوى في الآونة الأخيرة إلى شمال وشرق سوريا، إن دلّ هذا على شيء فإنّما يدلّ على حدوث تغيير في الاسترايتجية الأمريكية حيال سياستها الخارجية ولا سيما بخصوص سوريا، يبدو أنّ أمريكا قد انتفعت من وراء التحالف مع قسد في مواجهة داعش، لذا تريد الاستمرار في هذا التحالف إلى حين تبلور في الوضع السوري واتخاذ خطوات عملية نحو الحل.
اليوم الكرد في موقع يُحسَدون عليه، فهم الأكثر تنظيماً وتدريباً في الأجزاء الأربعة من كردستان (تركيا، العراق، إيران وسوريا) إن كان على الصعيد السياسي أو العسكري. لا نية للدول القومية المحافظة تغيير سياساتها اتجاه الكرد وتبادر من ذاتها تغيير نفسها نحو الديمقراطية. من هنا تأتي أهمية ودور الكرد في دمقرطة هذه الدول، لأنّ المجتمع الكردي مجتمع متحضّر ومتقدّم ومنظّم سياسياً وعسكرياً. ثورة المرأة في شمال وشرق سوريا برهنت ذلك، فالكرد ليسوا قومويين عنصريين كقسم من الاتراك، ولا هم متطرّفون دينيًا كقسم من العرب، فالكرد بإمكانهم خلق توازن استراتيجي بين هذه الشعوب في الدول الأربعة.
لذلك فأمريكا بحاجة ماسّة إلى الكرد، لا سيما بحاجة إلى حزب العمال الكردستاني (PKK)لأنّها هي الأكثر تنظيماً في الدول التي ذكرناها (تركيا، العراق، إيران وسورية)، يتطلّب من أمريكا أن تخطو خطوات جدية نحو حلّ القضية الكردية. فمصلحة أمريكا في ذلك أن يكون الكرد إلى جانبها، فبإمكانها أن تضغط على تركيا لتتصالح مع الكرد وتعترف بحقوقهم؛ وبالتالي تحلّ معضلة مئة عام وتوقف هدر الدماء.
بخصوص هذا الموضوع فإذا ما تم فتح المجال أمام القائد عبدالله أوجلان في لعب دوره وإطلاق سراحه، دعك عن حلّ المسألة الكردية، فبإمكانه حلّ جميع القضايا العالقة في الشرق الأوسط. لقد حصل تغيير كبير في وضع الكرد لاسيما وضع المرأة الكردية، فقد قطعت أشواطاً كبيرة في الريادة والطليعة، تلامسنا هذا في انتفاضة المرأة الإيرانية وشعارها “المرأة، الحياة، الحرية” التي أخذت إلهامها من نساء شمال وشرق سوريا، فوضع الكرد اليوم ليس كما كان إبّان الحرب العالمية الأولى بل قد تغيّر كثيراً.
سنرى كيف أنّ الكرد هم الذين سيحدّدون مصير سوريا مستقبلاً، كذلك فهم المرشّحون أن يتولّوا الريادة في التغيير والديمقراطية على مستوى الشرق الأوسط مستقبلاً. جدير بالذكر أنّ مبشّراً بريطانياً في الحرب العالمية الأولى يقول في تقرير له إلى حكومته: ” إنّ الكرد ضيّقو الأفق متعصّبون عشائرياً ودينياً، فهم ليسوا أرباب الإدارة وتسيير أمور الدولة.” استخلص الكرد الدورس والعبر من الانتفاضات والحروب التي خاضوها، كما تعرّفوا على نقاط ضعفهم وقوّتهم، فها هم اليوم قد بنوا جيشاً يتجاوز مئة ألف مقاتل يقاتل تحت راية قسد، كذلك الإدارة الذاتية الديمقراطية التي تستند إلى فكر الامة الديمقراطية تدير ثلث مساحة سورية بعربها وكردها وسريانها والتي يتجاوز عدد سكّانها خمسة ملايين.
حارب الكرد داعش والفصائل المتطرّفة الإسلامية نيابة عن الإنسانية جمعاء، وضحّوا بأغلى ما لديهم؛ حيث قدّموا إثنا عشر ألف شهيد وعشرين ألف جريح، وبالتالي أوقفوا تمدّد داعش في سوريا والعراق. حان الوقت كي يعترف المجتمع الدولي بحقوق الكرد المشروعة في أجزاء كردستان الأربعة، فاليوم قد وصل الكرد إلى مرحلة بإمكانهم إدارة أنفسهم. بالرغم من احتلال الدولة التركية لثلاث مناطق في شمال وشرق سويا، والهجمات شبه اليومية، والحصار الجائر من قبل الدول المعادية للكرد فقد استطاعت الإدارة الذاتية الديمقراطية في شمال وشرق سوريا وعلى مدار 12 عاماً إدارة هذه المنطقة سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، وهذا بحدّ ذاته يُعتبَر من المعجزات في ظل هذه المعمعة والأزمة المتفاقمة وحالة اللا استقرار السائدة في سوريا.

الشرق الأوسط الجديد واستراتيجية توازن القوى:
في إطار مشروع إعادة بناء الشرق الأوسط الجديد، وحسبما يتّضح، فإنّ قوى الهيمنة العالمية سوف تعتمد على استراتيجية التوازن بين القوى الإسلامية والعلمانية واليسارية والاشتراكية وغيرها في إدارة المنطقة، وستتّبع سياسة تكافؤ القوى بحيث لا تتخطّى قوة على أخرى، كي يكون الوضع تحت السيطرة وتكون القيادة سهلة.
بالرغم من أنّ مشروع الإسلام السياسي المعتدل مشروعٌ بريطاني وأمريكي وكانت تتمثّل في حركة الإخوان المسلمين نوعاً ما في بسط سيطرتها على عموم شرق الأوسط، إلّا أنّه حصل تغيير استراتيجي خلال العقد الأخير. تبلور الوضع أكثر بعد الربيع العربي، فمع اعتقال محمد مرسي (أحد قياديي الإخوان المسلمين) الذي نجح في الانتخابات كرئيس لمصر ووضعه في السجن، والمداخلة التي تمّت على الإخوان المسلمين في الدول الأخرى، حيث تم استبعادهم عن الساحة السياسية. إن دلّ هذا على شيء فإنّما يدلّ على أنّه – ومن ضمنها حركة الإخوان المسلمين التي تدّعي أنّها معتدلة- لا مكانة للحركات الإسلامية المتشدّدة في مشروع إعادة بناء الشرق الأوسط الجديد، سيكون هناك مكانة للإسلام المعتدل التي لا تتعارض مع قيم الدول الغربية. كما وتجري محاولات تدجين وتهجين القوى اليسارية والاشتراكية ودمجها في التركيبة الجديد للشرق الأوسط من قبل قوى الهيمنة.
في الشرق الأوسط الجديد المزمع تشكيله مستقبلاً تسعى كلٌّ من أمريكا والقوى الغربية تحقيق توازن بين القوى الموجودة على الأرض. لا نتوقع أن يكون للإخوان المسلمين دوراً في الشرق الأوسط الجديد، رغم أنّها توحي بالاعتدال تارةً وتارةً أخرى تميل نحو التشدّد والتطرّف. وأردوغان ذو التوجّه الإخواني الذي يحرّض على العنف والكراهية مثلما فعل في أحداث دير الزور – وموضوع أحمد الخبيل(أبو خولة) حيث أحدث فتنة بين الكرد والعرب – كذلك دعمه العلني للعنف إبّان هجمات حماس على الإسرائليين في 7 أكتوبر، هو الآخر مستهدف؛ فإذا لم يقرّر أردوغان العدول عن مواقفه هذه فسيكون مصيره مثل قيادات الإخوان الآخرين الذين تم اقتلاعهم.

تركيا لا تستطيع القيام بحملة عسكرية في العمق العراقي دون موافقة أمريكا أو إيران:
سوف يتمّ تنفيذ مشروع الممرّ الاقتصادي بقيادة أمريكا بكلّ تأكيد، وفي النتيجة سوف تستفيد منه جميع الدول التي ذكرناها. فتح هكذا ممرّ لا يصبّ في مصلحة تركيا وإيران، وبالتالي ستحاول كلّ من تركيا وإيران إعاقة ذلك، وكخطوة استباقية تحاول تركيا مع إيران فتح ممرّ اقتصادي من تركيا عبر البصرة إلى الخليج الفارسي؛ كمسعى منها لإفشال الممرّ الاقتصادي الأمريكي-السعودي-الإسرائيلي، وتخفيف العبء الاقتصادي والحصار الخانق على تركيا؛ فالزيارات والتحرّكات الدبلوماسية للمسؤولين الأتراك (الخارجية والداخلية والاستخبارات) لكل من أمريكا والعراق وإقليم كردستان تندرج في هذا الإطار. وبحجة الأمن القومي لتركيا، ومحاربة حزب العمال الكردستاني يحاول أردوغان أخذ الموافقة من أمريكا لاحتلال مناطق أخرى في باشوري كردستان (شمال العراق) وتنفيذ حزام أمني حسب زعمه، في الجانب الآخر تسعى تركيا لإقناع العراق بالمشاركة في حملتها العسكرية المزمعة البدء بها.
بهذا الخصوص هناك إشارات لمشاركة البرزاني في الحملة، باعتباره يقدّم كلّ الدعم والمساندة لتركيا في هجماتها على حزب العمال الكردستاني، لكن هذا وحده لا يكفي في ظلّ النقاش حول احتلال مناطق شاسعة من العراق تصل إلى عمق مئات الكيلو مترات، في هذا الحالة فإنّ تركيا بحاجة إلى موافقة أمريكية أو إيرانية للبدء بالحملة العسكرية، وإذا لم توافق إحدى الدولتين فإنّ تركيا لن تشنّ حملة عسكرية بمفردها.
فالوضع معقّد ومتشابك جدّاً، وليس من مصلحة أمريكا أن يتم إنهاء PKK لأن أمريكا بحاجة إلى PKK في سوريا وتركيا وإيران، ومن دون PKK يستحيل تحقيق توازن في سوريا، إن حبذت أمريكا أو لم تحبذ فمعظم كرد روج أفا متعاطفين مع فكر وفلسفة القائد أوجلان، فلا بد أن تأخذ أمريكا هذا الأمر بعين الاعتبار. في الجانب الآخر إذا تُرِك ساحة سوريا لهم، الإخوان وداعش والفصائل المتشددة المحسوبة على تركيا (أي تركيا)ستستولي على سوريا، وهذا ما لا ترغبه أمريكا. لذا أمريكا بحاجة إلى PKK في كلٍ من سوريا وتركيا وإيران لأن لديها كتلة جماهيرية كبيرة في كلٌ من هذه الدول. كذلك من غير الممكن أن تنتهي العداوة الأيديولوجية التاريخية بين إيران وتركيا بين ليلة وضحاها، فإيران أيضاً لا ترغب أن يتم القضاء على PKK نهائياً، لماذا؟ لأنّها بكل بساطة هي الأخرى تستفيد من وجود PKK ، إذا لم تكن قسد موجودة في شمال شرق سوريا ستملئ كلا من الحركات الإسلامية المتطرفة كداعش والنصرة والإخوان المسلمين والفصائل التابعة لتركيا هذا الفراغ كما حصل في الشمال الغربي لسوريا والمناطق المحتلة من قبل تركيا. في الجانب الآخر فبقاء PKK مثل السيف المسلّط على رقبة تركيا وجعلها تستنزف طوال السنين بالتأكيد هذا يصبّ في مصلحة إيران. تركيا تستغل ورقة المياه وتضغط على العراق للقبول بأجنداتها، فالعراق ليست بحاجة إلى الممر الاقتصادي التي تطرحه تركيا لأن هذا الممر تخدم أجندات تركيا السياسية والعسكرية والاقتصادية في الدرجة الأولى، فأن نفط العراق يتم تصديره عبر دول الخليج، فكلمة الفصل في هذا الموضوع لإيران فالعراق تتفهّم من أنّ تركيا لديها طموحات، وتحاول من خلال البرزاني والسنّة امتلاك العراق، كما فعلت في سوريا من خلال الفصائل المسلّحة المرتزقة، فانضمام العراق إلى هكذا عملية والإتيان بقوة تركية إضافية إلى أراضيها لا تصبّ في مصلحتها، من ناحية أخرى من خلال تهديداته المستمرة على الكرد في سوريا والعراق يحاول أردوغان تصدير أزماته الداخلية إلى الخارج.
لا نعتقد أن يُسمح لتركيا القيام بعملية على نطاق واسع على (گاري وقنديل) التي تقع في مناطق سيطرة الاتحاد الوطني الكردستاني القريبة من الحدود الإيرانية كما هو مخطّط، وخاصة أن أردوغان لم يحصل على النتائج المرجوة في الانتخابات البلديات في 31 أذار حيث تراجع شعبيته وخسر الانتخابات أمام خصمه حزب الشعب الجمهوري (CHP) لكن بهدف إضعاف وكسر إرادة حزب العمال الكردستاني ستقوم تركيا بعمليات محدودة على بعض المناطق أو بعض النقاط التي يرونها مهمة، فهل ستحقق نتائج من وراء هذه العملية؟ العمليات السابقة أثبتت فشلها في القضاء على حزب العمال الكردستاني، ولن يختلف هذه العملية عن سابقاتها.
في الجانب الآخر، فقد زفّ قائد قوات الدفاع الشعبي مراد قره يلان بُشرى للشعب الكردي في عيد النوروز، وأعلن خلالها أنّهم باتوا يمتلكون الأسلحة المضادة للطائرات المسيّرة (درونات)، هذا من شأنه أن يغيّر المعادلة على الأرض، والنقطة الأخرى فإنّ الذهاب إلى قنديل وگارى ليس بنزهة، ربّما يكون الدخول إلى هذه المناطق سهلًا لكن يستحيل الخروج منها، بحكم الطبيعة الجبلية الوعرة، وكذلك المدن التي بناها حزب العمال الكردستاني تحت الأرض في تلك المناطق، فحرب الأنفاق ليست سهلة مثلما يظن البعض، لقد شاهدنا خلال العامَين الماضيَين كيف أنّ تركيا بقيت لأشهر تحوم حول هذه المغارات والأنفاق، ولم تستطع السيطرة عليها بسهولة إلّا بعدما استخدمت الغاز الكيميائي المحرّم دولياً.

الخلاصة:
بعد مصالحة إسرائيل مع العرب وافتتاح الممرّ الاقتصادي الذي يربط بين الهند وأوروبا، لن تبقى أية حاجة لإسرائيل لدى تركيا للعب دور مثلما كانت تلعبه في القرن الماضي، لأنّه ببساطة لن يبقى أيّ خطر من العرب يهدّد إسرائيل، وهذه المعادلة تنطبق على أمريكا والغرب أيضا، ولن يبقى أيّ داعٍ لتلك الأهمية التي كانا يعطيانها لتركيا. فأمريكا موجودة في العراق وسوريا أيضًا، واليوم لم يعد هناك من داعٍ للدور الذي كانت تلعبه تركيا سابقًا، لذا لم تعد لتركيا تلك الأهمية التي كانت تعطيها لها إسرائيل وحلفاؤها في السابق، خاصة أنّ نهج أردوغان واهتمامه بحركة حماس والتفكير في التمدّد نحو دول الجوار، الأمر الذي أزعج كلًّا من أمريكا والدول الغربية وإسرائيل، وجعل من تركيا وإسرائيل في حالة قطيعة في العلاقات أحياناً، بعد ما كانت قوية خلال خمسين عامًا الماضية.
خلافات إسرائيل ليست مع تركيا، وإنّما مع شخص أردوغان الذي يميل إلى الحركات الإسلامية المتطرّفة، فمواقف أردوغان هذه تتّجه نحو التشدّد مع مرور الزمن، مثلما سجّل نقطة لصالحه في منتدى دافوس الاقتصادي عندما وقف أردوغان في وجه رئيس الوزارء الإسرائيلي: (one minute)، وكذلك إرساله البواخر إلى غزة لكسر الحصار المفروض عليها، ومقتل بعض من عناصر طاقم الباخرة على يد إسرائيل، وكذلك وصفه لحركة حماس في الفترة الأخيرة بـ (حركة مقاومة) وكلماته المبتزّة بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فكلّ هذه المواقف تسجّل كنقاط على تركيا، وهذا ما تسبّب في برودة في العلاقات، لا سيما تغريد أردوغان خارج سرب الناتو والالتفاف على العقوبات الأمريكية التي فرضتها على روسيا، كل هذه الأسباب وغيرها تؤدّي إلى فقدان تركيا لموقعها الاستراتيجي في المنطقة مع مرور الزمن مستقبلاً.
وفي المجال السياسي إذا ما تتبّعنا المشهد سوف نجد أن تركيا كانت تعيش في السنوات الأخيرة حالة من العزلة، حيث كانت علاقاتها سيّئة جدا مع كلّ من سوريا والعراق والإمارات والسعودية ومصر وليبيا واليونان وأرمينيا وغيرها، وحتى مع إيران ورغم أنّهما تتّفقان حول بعض النقاط، إلّا أنّهما غير متّفقَتَين في كثير من النواحي الخاصة بالإيديولوجية.
وفي المجال الاقتصادي إذا ما تمّ افتتاح الممرّ الاقتصادي (الهند-أوروبا) فإنّ خطّ الطاقة التركي سيؤثّر سلباً بشكل كبير. في الآونة الأخيرة أدرك أردوغان هذا الشيء، لذا فإنّه يحاول إعادة بناء وتصحيح علاقاته مع هذه الدول التي ذكرناها من جديد، فبعد كلّ تلك الشتائم والألفاظ البذيئة التي وجّهها إلى قادة تلك الدول نجد أردوغان يرتمي تحت أقدامهم، ويلحّ ويرجو لقاء الرئيس السوري.
كلمات مفتاحية: تركيا- أردوغان- الإسلام السياسي- جيوستراتيجي- داعش- الشرق الأوسط الكبير.
المصادر:

1. inflation.eu
Aljazeera.net .2
3. bbc.com/arabi/articles/c28zddp8dko.amp

زر الذهاب إلى الأعلى