العمليات العسكرية التّركية في باشور كردستان

إنَّ التحركات العسكرية التركية في باشور كردستان وروج آفا وعموم الشمال السوري وإقامة قواعد عسكرية لها لا بدَّ من ربطها بالوثائق التاريخية خاصة الميثاق المِلّي الذي يلوّح به أردوغان في كل مناسبة لشرعنه سياساته العدوانية في المنطقة وتحت ذريعة محاربة حزب العمال الكردستاني. كما لا يمكن تفسير الصمت العراقي حيال العمليات العسكرية التركية ضمن الأراضي العراقية سوى ربطه بالمصالح الاقتصادية وحتى الشخصية، كالحصول على تأييد التركمان له في الانتخابات المقبلة أو تلقيه دعم مالي لتقوية مكانته أكثر ولِخوض الانتخابات، فقد أكد الكاظمي رفض بلاده أي تهديد يستهدف الجارة تركيا من الأراضي العراقية، كما نوه بضرورة تفعيل الاتفاقيات التي أُقرت خلال زيارته الماضية إلى أنقرة، مثل اتفاقية إلغاء الازدواج الضريبي مع العراق واستمرار المشاريع التنموية خاصة في قطاع الطاقة، ومنها الأنبوب النفطي بين كركوك وجيهان. بالإضافة إلى أهمية التزام أنقرة بتنفيذ تعهداتها الاستثمارية التي قطعتها في مؤتمر الكويت لدعم العراق عام 2018، حيث تعهدت تركيا، بتقديم أكثر من 5 مليارات دولار للمساهمة في إعادة إعمار العراق بسبب تداعيات الحرب على تنظيم “داعش”. ولم يتطرق الكاظمي إلى الانتهاكات التركية للسيادة العراقية أو رفع دعاوي أمام مجلس الأمن والأمم المتحدة أو المطالبة بالحقوق العراقية في مياه نهر الفرات، فالكاظمي من خلال صمته يحاول تقوية نفوذه داخلياً وخارجياً وعلى حساب السيادة العراقية في سبيل ضمان استمراره في رئاسة الحكومة العراقية.  حتى وإن خرجت تصريحات من قبل بعض المسؤولين العراقيين فهي مجرد تصريحات للاستهلاك الداخلي ليس إلّا.

إن زيارة وزير الدفاع التركي خلوصي آكار لقاعدة كاني ماسي في باشور كردستان وبدون موافقة الحكومة العراقية دليل صارخ حول نوايا تركيا بضم باشور كردستان للأراضي التركية بحسب ” الميثاق الملي”  غير المعترف به دولياً خاصة مع اقتراب عام 2023 وهو العام الذي يحاول فيه أردوغان ايهام العالم بانتهاء صلاحية العمل باتفاقية لوزان عام 1923 والبدء بمرحلة جديدة اساسها الميثاق الملي لبناء تركيا الجديدة.

إن قيام أردوغان بنقض اتفاقية السلام مع حزب العمال الكردستاني سنة 2015 جاء بعد إدراكه بأن استمرار هكذا اتفاق سيضر به وبحزبه وبسياسته الاستعمارية فلا يمكن لأردوغان بسط سيطرته داخلياً وخارجياً إلا من خلال نقض هذا الاتفاق وعودة الصراع المسلح وهو في نفس الوقت يدرك تماماً استحالة انهاء الحزب بعد مرور قرابة خمسة عقود على الحرب بين الطرفين والخسائر الكبيرة التي مُني بها الجيش التركي في باشور كردستان وفي الداخل التركي، وتحت شعار محاربة حزب العمال الكردستاني ترسخ تركيا وجودها العسكري في المنطقة، فقد أوضح العديد من المسؤولين الأتراك الأهداف الحقيقية من وراء الهجمات التركية المستمرة على أراضي باشور كردستان، بهدف التوغل أكثر هناك وإنشاء عدة قواعد عسكرية دائمة، وخاصة في منطقة متينا بحسب ما أكد وزير الداخلية التركي سليمان صويلو الذي شدّد على الأهمية الاستراتيجية لمنطقة متينا بمحافظة دهوك في كردستان العراق وقال: “مثلما فعلنا في سوريا، سنقيم قواعد وسنسيطر على المنطقة”. فقد نفّذت تركيا منذ عام 2019 عدة عمليات عسكرية منها عملية “المخلب”، ثم أتبعتها بـ”المخلب 2″، و”المخلب 3″، ثم “مخلب النسر”، و”مخلب النمر”، وصولًا إلى عملية “مخلب النسر 2” الأخيرة وعملية البرق والصاعقة والتي بائت جميعها بالفشل في إنهاء حزب العمال الكردستاني  ولكنها في المقابل تمكنت وبالاتفاق مع حكومة باشور في بناء عدة قواعد عسكرية في المنطقة والتي بلغ عددها نحو 37 موقعا عسكريا في باشور كردستان. مع هذا باتت العمليات العسكرية التركية تشكل تهديداً ليس فقط على دول المنطقة بل على حلف الناتو فقد أكد المعهد الملكي البريطاني المختص بالقضايا الأمنية والعسكرية، أن تركيا إلى جانب إيران تشكلان معاً خطراً على أمن الشرق الأوسط، محذراً من التدخلات العسكرية التركية في باشور كردستان بتقويض مهام “الناتو” في المنطقة وأكد المركز نقلاً عن أكاديميين أمنيين بارزين، أن تركيا تقوض الأهمية الاستراتيجية للناتو في الشرق الأوسط، حيث تصعِّب الحملات العسكرية التركية مهمة الناتو في تحقيق الاستقرار في العراق، وأبدى المركز خشيته من أن تؤدي التدخلات العسكرية التركية التي ترمي إلى حد كبير لصرف الانتباه عن الاقتصاد المحلي الفاشل، إلى صراع أكبر في المنطقة يؤثر سلباً على مصالح حلف الناتو. إلى جانب تقرير اللجنة الحكومية الأمريكية لحرية الأديان التي أوصت بممارسة الضّغط على تركيا والتعامل معها لتوفير جدولٍ زمنيٍ لانسحابها من جميع الأراضي التي تحتلها نتيجة العمليات العسكرية العابرة للحدود في شمال وشرق سورية.

ومن هنا باتت مطامع أردوغان الاستعمارية تشكل تهديداً حقيقياً على مصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط والتأثير على سياستها في صراعها مع الصين وروسيا فالولايات المتحدة لن تستطيع الوقوف في وجه التمدد الاقتصادي الصيني والتمدد العسكري الروسي ما لم تضع إدارة بايدن حداً للسياسة التركية  التي تخدم روسيا والصين “صفقةS400  الروسية ،وتنامي العلاقات التجارية مع الصين التي تدعم المشروع الصيني “حزام واحد طريق واحد” واحتلالها لدول المنطقة التي تعتبرها الولايات المتحدة حليفة لها فالأزمات التي واجهت المنطقة وعدم وجود أي أفق لحلها سببها الرئيسي التدخل التركي “كالأزمة السورية وعدم استقرار العراق والأزمة الليبية ودعمها لتنظيم الإخوان لزعزعة الاستقرار في مصر وأزمة شرق المتوسط وأزمة إقليم قره باغ “.

زر الذهاب إلى الأعلى