مآلات هجوم الدولة التركية على شمال وشرق سوريا

بتاريخ 9-10- 2019 قامت الدولة التّركية والميليشيات المنضوية تحت قيادتها والتي تسمى بالجيش الوطني السوري هجوماً بربرياً باسم “عملية نبع السلام” على مناطق الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا والتي جرت بعد المكالمة الهاتفية بين الرئيس التركي أردوغان والرئيس الأمريكي ترامب الذي أمر القوات الأمريكية المحاذية للحدود التركية بالانسحاب وإفساح المجال للهجوم البربري على قوات سوريا الديمقراطية، تلك القوات التي قدمت أكثر من 11 ألف شهيد دفاعاً عن المنطقة والعالم ضد تنظيم داعش وأخواتها ودحرهم.

فبالرغم من المفاوضات التي كانت تجري بين الولايات المتحدة وتركيا حول الآلية الأمنية في تلك المنطقة وإقامة منطقة آمنة للحد من الهواجس الأمنية التركية المزعومة،  إلا أن تركيا راوغت وتحججت كثيراً ولم تتقيد بتلك الإجراءات الأمنية التي قدمتها أمريكا من دوريات مشتركة وطلعات جوية وإبعاد قوات قسد مع أسلحتها الثقيلة مسافة أكثر من 20 كم وردم الخنادق والمواقع العسكرية في المناطق الحدودية مع تركيا، كما أكدت الإدارة الذاتية مراراً وتكراراً على تعاونها التام لتحقيق الاستقرار وذلك من خلال الآلية الأمنية لحماية الحدود، وأكدت على استعدادها الدائم وإيمانها الكامل بالحوار والحل السلمي والسياسي لحل القضايا مع كافة الأطراف في المنطقة. وبهذا الهجوم كشفت الدولة التركية عما تبقى من أهدافها الحقيقية الفاشية والعنصرية على الشمال السوري.

 أولاً: احتلال المنطقة الواقعة بين سري كانييه وكري سبي وبعمق 30كم كمرحلة أولى، وتسعى خلال ذلك تقسيم مناطق الإدارة الذاتية إلى مقاطعات معزولة، وطرد السكان الأصليين وتطبيق سياسة التتريك والتغيير الديمغرافي من خلال توطين المهجرين والاضطهاد بمختلف أشكاله في هذه المنطقة، وخلق اقتتال داخلي بين مكونات المنطقة.

 ثانياً: القضاء على التجربة الديمقراطية وقواتها العسكرية قسد وضرب كافة شعوب المنطقة والقضاء على أي إرادة للكرد. وبالرغم من إن الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا لم تشكل أي خطر على الحدود مع تركيا خلال السنوات الماضية بالرغم من الدعم التركي الكبير لداعش وفتح الحدود لهم بالدخول إلى المناطق السورية، وكانت هذه المنطقة وخاصة الحدودية من أكثر المناطق استقراراً وأماناً في سوريا من قبل قوات سوريا الديمقراطية. فمنذ اليوم الأول من الهجوم البربري التركي تم استهداف المدنيين العزل وارتكاب مجازر مروعة راحت ضحيتها الكثير من الأطفال والنساء وتدمير البنى التحتية دون أدنى تردد، بل وحتى الصحفيين الذين ينقلون الحقيقة لم يسلموا من الهجوم التركي البربري.

إن هذه العملية العسكرية التركية على شمال وشرق سوريا بالطبع ستكون لها عواقب وخيمة على المنطقة والعالم عموماً لأنها ستتسبب كارثة إنسانية في المنطقة تصل عواقبها إلى معظم أنحاء العالم أهمها التسبب بـ:

 نزوح 300,000 شخص وإجبارهم على الهرب مما سيخلق كارثة إنسانية.

 – هروب أنصار ومقاتلي تنظيم داعش الإرهابي من سجون الإدارة الذاتية، الذي لم يهزم بشكل نهائي بعد ويلوح في الأفق خطر عودته مجدداً، مما يشكل تهديداً جدياً لأمن المنطقة والعالم.

– التأثير السلبي للهجوم البربري التركي على محاربة الإرهاب من قبل قوات سوريا الديمقراطية.

الجدير بالذكر أن حوالي  12.000 إرهابي “داعشي” يقبعون في سجون الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا. بالإضافة إلى عشرات الآلاف من عوائل الدواعش لازالوا في مخيمات اللاجئين ففي مخيم الهول وحده يتواجد أكثر من 73000 من عناصر التنظيم.

وإلى الآن ترفض جميع الدول إعادة مواطنيها الدواعش رغم الدعوات المتكررة من قبل الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا والولايات المتحدة. ورغم أن خطر التدخل التركي كان يلوح دوما فوق مناطق شمال وشرق سوريا، فقد تجاهلت الدول الأوروبية مصير المعتقلين من تنظيم داعش وأسرهم وتم ترك الأمور تسير على حالها. والآن بدأت هذه الدول تخشى من فرار هؤلاء الإرهابيين وقيام أردوغان باستغلالهم وتهديد الغرب بهم.

وأخيراً لا ننسى بأن هذا الاحتلال سيتسبب في استدراج تركيا لفخ خطير وعميق قد يؤثر عليها بشكل سلبي كونها تعاني أصلاً من أزمة اقتصادية وسياسية ناجمة عن سياسة أردوغان العنصرية والتي قد تؤدي إلى زيادة الشرخ في العلاقات التركية مع الولايات المتحدة وحلف الناتو.

زر الذهاب إلى الأعلى