المجتمعات العربية بين الخضوع للمحتل أو قبول أخوة الشعوب

إن العنصرية التي تم زرعها في المنطقة من قبل بعض الأحزاب والأنظمة السياسية في خمسينيات القرن الماضي وقيام الدول الاستعمارية بإنشاء كيانات وترسيم الحدود “اتفاقية سايكس-بيكو” وفق مخططاتهم الاستعمارية من بينها كردستان التي توزعت بين اربع دول (سوريا-عراق-ايران-تركيا) وذلك لبث التفرقة بين أبناء المنطقة وخلق بؤر التوتر و تشتيت شعوب المنطقة واستمرار السيطرة عليها والتي  من نتائجها أن أصبحت الأنظمة  العربية  يرون في الكرد تهديداً لأمنهم بدلاً من  مستعمريهم العثمانيين و الصفويين الجدد الذين يرون أن العرب أقل شأن منهم، فلم يشفع التعايش المستمر منذ آلاف السنيين بين الكرد والعرب ولا التضحيات التي قدمها الكرد السياسية والعسكرية والدينية لشعوب المنطقة في تغيير نظرة الأنظمة العربية تجاههم وإلغاء العنصرية, متناسيين وقوف الكرد والعرب في صف واحد أمام الاستعمار العثماني والأجنبي ودحرهم من مناطقهم، لذا فإن العثمانيين و خليفتها الدولة التركية  والدول الكبرى قد نجحت في تمزيق التعايش المشترك لأبناء المنطقة و انظمتها ، وإشعال نار الفتنة بينهم والأزمة السورية خير دليل على ذلك.

فدول الخليج  وغيرها من الدول التي تدخلت في الأزمة السورية وقدمت الدعم المادي والعسكري لفصائل المعارضة أملاً بإسقاط النظام السوري, وكانت النتيجة بقاء النظام وتحول تلك الفصائل إلى مرتزقة بيد الدولة التركية وتوجيه تلك المرتزقة لتنفيذ أجندة الدول المهيمنة وعلى رأسها الدولة  التركية في المنطقة فقتل المئات والألاف منهم مقابل مقتل بضع عشرات من الجنود الأتراك سواء في عفرين أو سري كانيه أو كري سبي وغيرها من المناطق، ماذا فعلت الدول العربية أمام التهديدات التركية والإيرانية سواء في سوريا أو العراق أو في اليمن أو تجاه منشآتهم النفطية؟ فدول الخليج حلفاء الولايات المتحدة الجيدين الذين يدرون الحليب لها مقابل ماذا، الحماية؟ والحماية كانت ضرب منشآت النفط في أرامكو، التمدد الإيراني و تنامي قوة الحوثيين في اليمن وتهديهم للأمن القومي الخليجي، وتنامي قوة حزب الله في لبنان وسوريا وتهديهم للمصالح الخليجية في المنطقة و تنامي قوة الحشد الشعبي في العراق التي اصبحت تفوق قوة الجيش العراقي …..” ماذا فعلت الولايات المتحدة؟ فرضت عقوبات  اقتصادية على إيران! هل من المعقول أن النظام الإيراني سيسقط أمام هذه العقوبات بغض النظر عن الأهداف الأمريكية وراء هذه العقوبات، بفضل هذه العقوبات أصبحت تركيا على تعاون اقتصادي تام مع إيران وفي الكثير من القضايا الإقليمية, وهناك روسيا الداعم الأكبر لإيران، فكيف سيسقط هذا النظام بالعقوبات الأمريكية, وماذا كان الرد الأمريكي أمام الهجوم على أرامكو؟ هل ردت الولايات المتحدة على ذلك الهجوم، بل تم استغلالها حيث قامت بزيادة عدد الجنود الأمريكيين في السعودية ليضاف الى الجنود الأمريكيين في المنطقة التي تعج بالقواعد الأمريكية في الكويت والبحرين وقطر والأمارات وسلطنة عمان والسعودية, فغاية وهدف الولايات المتحدة من كل ما ذكر هي خيرات الخليج والحد من التمدد الروسي في المنطقة وربط الخليج أكثر بالولايات المتحدة.

الكثير من الأنظمة العربية قالوا للكرد في سوريا “قوات سوريا الديمقراطية ” بأن الولايات المتحدة سوف تتركم؟ و يتناسون بأن الولايات المتحدة وغيرها من الدول الاستعمارية عينتهم كوكلاء لاستخدامهم في قمع شعوبهم و الاستيلاء على خيرات المنطقة و الخضوع لهم. فالنظام السوري باع ميناء طرطوس وحميميم والفوسفات والنفط لروسيا المحتل الشرعي للأراضي السورية وميناء اللاذقية لإيران وإحداث تغييرات ديمغرافية في المنطقة بما يتناسب أجندتهم في المنطقة. أليست الأنظمة العربية من قدم الدعم لتركيا “قطر وسابقاً دول الخليج”, وها هي تركيا عينها على المنطقة ولا تريد سوى التركة العثمانية!؟ ألن تبيعهم هذه الدول في حال جفت منابع النفط عندهم، وكيف سيكون حالهم في ذلك الوقت،. فلماذا يعادون الكرد بمجرد أنهم يطالبون بحقوقهم والعيش المشترك معهم كأخوة في المنطقة، والوقوف في وجه التهديدات التركية والإيرانية وحزب الله الإيراني وحشد الشعبي الإيراني والحوثي الإيراني وحماس التركي والائتلاف السوري التركي “المرتزقة”، فالابتزاز الأمريكي والروسي لهم وللكرد على حد سواء. فعليهم  على الأقل التقيد بالمثل الذي يقول عدو عدوي صديقي، إذا كان الكرد في نظر الأنظمة العربية أعداء فالعدو المشترك لهم واحد.

على الرغم من بعض المواقف العربية الإيجابية وبالأخص اجتماع الجامعة العربية الأخير تجاه الوضع في شمال وشرق سوريا والتهديدات التركية، يبقى التنفيذ العملي خجولاً وهم قادرين على اتخاذ خطوات قادرين على وضع حد لتركيا, فعلى الأقل طرد السفراء الأتراك من البلدان العربية أو تقديم الدعم لقوات سوريا الديمقراطية في وجه الخطر التركي العثماني على المنطقة. إلا أن الخطر الأكبر للمنطقة هو دور قطر الإخواني المزعزع لاستقرار المنطقة وبالأخص تجاه أبناء جلدتها من الخليجيين والمصريين وتعاونها مع الدولة التركية الإخوانية عدوة المنطقة، حيث تقدم الدعم الكبير لتركيا في حربها على المنطقة والتي تعمل على حماية الاقتصاد التركي من الانهيار جراء العقوبات المفروضة عليها وتقليل من تكلفة الحرب التي تشنها تركيا في المنطقة وتأثيرها السلبي على الاقتصاد التركي، بالرغم من أنها تدرك بأن الأهداف التركية  لن تتوقف عند السعودية بل ستطالها وستكون قطر دولة تابعة لتركيا نتيجة سياسة قطر المعادية لأمن الخليج في السماح بإقامة قواعد عسكرية تركية على أراضيها. بالرغم من دور دول الخليج في محاربة تنظيم الإخواني التركي القطري وإسقاط حكومة الإخوان في مصر، فقد كان لقوات سوريا الديمقراطية دوراً كبير على الجبهة الشمالية في منع التمدد الإخواني في الشمال السوري من خلال التصدي للهجوم التركي ومرتزقتها في الشمال السوري والقضاء على تنظيم داعش الإرهابي الذي كان يعمل على تنفيذ المخطط التركي في المنطقة. فالنظام السوري الذي ما زال ينظر إلى الكرد كفئة ثانية او ثالثة في المجتمع السوري وحتى الاتفاق الأخير مع قوات سوريا الديمقراطية لم يحظى على الأقل بأي إعلام إيجابي تجاه تلك القوات بل أصبح يروج بأن دخول قواتها هو انتصارعلى ابناء المنطقة , كأن قوات سوريا الديمقراطية كانت تحارب النظام وتقف إلى جانب تركيا ومرتزقتها في الأزمة السورية، بحجة أن أبناء المنطقة تحالفوا مع  الولايات المتحدة متناسية تحالفهم مع روسيا ، أليست روسيا كالولايات المتحدة لا تهمهما سوى مصالحها وأن دخول روسيا في الأزمة السورية جاء فقط للحفاظ على مصالحها وليس الدفاع عن النظام كما يتم ترويجه ” متناسين ما فعله الضابط الروسي تجاه بشار الأسد في قاعدة حميميم ومنعه من التقدم ” أليس هذا مؤشر على إذلال الشعب السوري، كما أن روسيا حصلت على فاتورة حمايتها للنظام السوري ووضعت يدها على خيرات سوريا. لذا فإن كان تواجد الأمريكي هو احتلال فإن التواجد الروسي هو احتلال أيضاً ولكن بصبغة شرعية.

أمام كل هذه الحقائق والتهديدات والأخطار والابتزازات و…. التي تتعرض لها المنطقة والقادم أعظم فما هو الحل؟ أليس الحل هو تكاتف  شعوب المنطقة و ترسيخ اخوة الشعوب  وإلغاء نظرة الأنظمة العربية الدكتاتورية تجاه شعوبهم بكافة مكوناتها والذي سيسمح بإلتفاف الشعوب حول قياداتهم للوقوف في وجه أعداء المنطقة و على رأسها الدولة التركية  والحفاظ على كرامة شعوب المنطقة بدلاً من التقاتل الداخلي وخلق النعرات الطائفية واستنفاذ مقدرات البلاد لصالح الدول الأجنبية.

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى