المؤسسة العسكرية التركية  بين الرضوخ لأردوغان أو الحفاظ على استقلاليتها

تعرضت المؤسسة العسكرية في تركيا بعد محاولة الانقلاب على سلطة حزب العدالة والتنمية لشكل من أشكال التصفية، واستمرت إلى الان بعد مرور حوالي أكثر من ثلاث سنوات، طالت عدداً لا يستهان به من القيادات في الجيش واعتقال أكثر من عشرة ألاف جندي تقريباً ومن مختلف الرتب الأخرى أيضاً، وبالرغم من قيام أردوغان بعد محاولة الانقلاب بتصفية كبار الضباط  والمسؤولين واعتقال الألاف من عناصر الجيش لا يزال أردوغان يعمل على سد أي ثغرة من شأنها التأثير على حكومته بعد أن قام بهيكلة المؤسسة العسكرية بما يتوافق مع هيمنته، وبهذا الصدد تجدر الإشارة إلى أنه منذ حدوث تلك المحاولة ولأول مرة في تاريخ الجمهورية التركية يتم شل تأثير المؤسسة العسكرية بهذا الشكل بعد أن كانت هذه المؤسسة هي الجهة التي كانت تحافظ على مسار السياسة التركية المرتسمة (العلمانية) لها من خلال القيام بالانقلابات والتي حدثت خمس مرات منذ تأسيس الجمهورية وكانت أولها التي جرت عام 1960 عندما قام الجيش بالانقلاب على حكومة عدنان مندريس. 

 كانت تلك المحاولة الانقلابية الفرصة السانحة لأردوغان بالسعي في الإقتصاص من هذه المؤسسة بغية إحكام قبضته الكاملة عليها لتكون بذلك المؤسسة السياسية الحاكمة التي شرعها سلطة العدالة والتنمية من خلال النظام الرئاسي قادرة على بسط هيمنتها لأطول فترة ممكنة، والقيام بهيكلة المؤسسة العسكرية كي لا تكون مهددة لحاكمية هذا الحزب والقيام بالانقلاب ضد أردوغان، ولكن منذ أن فشلت هذه المحاولة لم يصدر أي تصريح أو ظهور موقف من الجيش يخالف سياسة العدالة والتنمية في مختلف الملفات، وخاصة إزاء السياسة الخارجية، وتبين بعد هذه الفترة بأن أردوغان فشل في ذلك بالرغم من كل ما تعرض له الجيش التركي، حيث الاعتقالات المتواصلة بحق عناصر الجيش بذريعة الانتماء لحركة الخدمة وإبدال الضباط المسؤولين عن الملفات العالقة عن مواقفهم الدالة على رفض سياسة أردوغان في الخارج، وهذا يدل على أن الجيش لم يدخل بشكل كامل تحت عباءة حكومة أردوغان.

 وثمة مجريات عسكرية حدثت خلال الأشهر الأخيرة تدل على ما تم ذكره في المقدمة:            

ـ مع بدء تسيير أولى الدوريات المشتركة بين التحالف الدولي وقوات من الجيش التركي بالتنسيق المسبق مع قوات سوريا الديمقراطية، سرعان ما ظهرت تباينات في التصريحات بين القيادات التركية من الجيش بقيادة خلوصي أكار والحكومة بقيادة رجب طيب أردوغان، تجلت فيها التناقضات حول الألية الأمنية وليست المنطقة الأمنة حسب الراوية التركية، للحفاظ على أمن الحدود والأمن المستتب في شمال وشرق سوريا من أي هجوم تشنه القوات التركية ومرتزقتها.

ـ حيث أعلن خلوصي أكار وزير الدفاع التركي والمؤيد لمسار العدالة والتنمية، عقب تسيير الدوريات في مدينة كري سبي (تل أبيض) بأن الأمور تجري كما اتفقنا عليها مع الولايات المتحدة الأمريكية في شمال سوريا، مما يعني أن مضمون الاتفاق بين أمريكا وتركيا هو ما تم تنفيذه على أرض الواقع في مدينة كري سبي (تل أبيض)، تسيير دوريات مشتركة فقط بين الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا وبالتنسيق مع قوات سوريا الديمقراطية، وعلى أثر تسيير أولى الدوريات صرح أردوغان بأن أنقرة غير راضية على الآلية الجديدة مع الولايات المتحدة في شرقي الفرات وشمال سوريا، وهذا ما يعكس مدى التناقضات الموجودة  في الرؤى بين المؤسسة السياسية والعسكرية حول مسار السياسة الخارجية العسكرية.  

ـ وثمة بادرة أخرى قبل قيام الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا بالاتفاق على تسيير الدوريات المشتركة، ألا وهي إقدام خمس ضباط من الجيش على تقديم استقالتهم على خلفية القرارات الصادرة من مجلس الشورى العسكري من ترقيات للضباط وتهميش الآخرين الذين يعملون على خط النار في إدلب السورية وباكور كردستان، والجنرالات الخمسة آثنان منهم مسؤول ونائبه وهو قائد العمليات العسكرية التركية في إدلب، والثلاثة الآخرين مسؤولون عن ملف حزب العمال الكردستاني، وتزامن ذلك مع الفشل الذي مني به الجيش التركي في باشور كردستان بعد  إطلاق سلسلة من العمليات العسكرية تحت مسمى (المخلب) مما أظهر زيف وكذب مسؤولي حكومة أردوغان للرأي العام في تركيا حول الاقتراب من القضاء على حزب العمال الكردستاني.

ـ وأيضاً في سوريا استطاعت قوات النظام التقدم في الريف الجنوبي واستعادة مدينة خان شيخون من مرتزقة تركيا ومحاصرة نقطة المراقبة التركية، دون أي تحرك من قبل تركيا على ذلك وهذا يدل على التفاهم التركي الروسي حول خان شيخون، ولكن محاصرة نقطة المراقبة كانت تعتبر بمثابة إهانة واستخفاف للجيش التركي بحسب كثير من ضباط الجيش سواء ضمن الجيش أو الهاربين إلى الخارج، مما دفع ذلك الأمر بقائد العمليات العسكرية التركية في إدلب على تقديم استقالته من الجيش وحدوث ترقيات ضمن الجيش للضباط المقربين من حكومة العدالة والتنمية.    

  ـ إصدار مجلس الشورى العسكري برئاسة أردوغان في بداية شهر آب المنصرم قرار الترقية للضباط وتمديد الخدمة، قرار نفذ على خلفية الانتماء والولاء لحزب العدالة والتنمية وليس حسب الترتيب العسكري المعتمد على الخبرة والكفاءة وهؤلاء الضباط الذين تم ترقيتهم على علاقة وثيقة بالحزب، وآخرون شملتهم الترقية أدخلهم أردوغان إلى صفوف الجيش عقب المحاولة الانقلابية لطي صفحة الانقلابات ومنع حدوثه، وتعمل حكومة أردوغان على نشر أيديولوجيتها الإسلامية داخل المؤسسة العسكرية، وهذا يعني بأن عناصر الجيش وصف الضباط وغيرهم يتعرضون لظاهرة التدين القسري.

ويضاف إلى ذلك قيام أردوغان بتأسيس كيانات إرهابية إسلاموية متطرفة أشبه بالفرق الحميدية أيام السلطنة العثمانية تعمل داخل تركيا وخارجها وهذه الكيانات على صلة وثيقة بالمنظمات الإرهابية في الخارج، وتكون مناوئة لأي عمل عسكري داخل تركيا في حال حدوثه ضد أردوغان.  

 

زر الذهاب إلى الأعلى