روسياـ سياسة التحجيم والإضعاف ضد الجميع

تحارب قوات سوريا الديمقراطية اليوم على جبهتين، الأولى عسكرية ضد تركيا والوقوف في وجه هذه الهجمة الواضحة للعيان، والثانية سياسية متمثلة في التصدي للسياسة الروسية التي باتت معنية بشكل أو بأخر بشمال وشرق سوريا بعد الوساطة التي تبنتها بين الإدارة الذاتية الديمقراطية والنظام بشار الأسد، وبموجب ذلك دخلت على خط التهدئة مع تركيا ووقعت الاتفاق بينهما في سوتشي.

الأتفاق أفضى إلى تسيير دوريات مشتركة وانسحاب قوات سوريا الديمقراطية من الحدود بمسافة 30 كم عمقاً مقابل التزام تركيا بوقف إطلاق النار، والإبقاء على المناطق التي احتلتها في سري كانيه وكري سبي، ولكن الهجمات التي تشنها المرتزقة الإرهابين هي خرق واضح لعملية وقف إطلاق النار في منطقة تل تمر وريف سري كانيه والريف الشمالي في عين عيسى، و هي مناطق خارج نطاق التفاهمات التي جرت في سوتشي، وبالرغم من ذلك لم تلتزم تركيا بوقف إطلاق النار، وترافقت مع تلك  الهجمات الوحشية لتركيا تصريحات من الكرملين ووزارة الدفاع السورية تهدف إلى تفكيك قوات سوريا الديمقراطية التي أثبتت أنها القوة السورية الوحيدة المتماسكة والقادرة على تأمين الأستقرار وحماية المنطقة ، ووصفت وسائل الإعلام التابعة لروسيا والنظام قوات سوريا الديمقراطية بالقوات المنحلة.

ومن هنا يمكننا القول أن السياسة الروسية إزاء المكونات السورية وإدارتهم السياسية في شمال وشرق سوريا لم تتغير قيد أنملة بعد الاحتلال التركي لمدينة عفرين والتي كانت لروسيا دور رئيسي في ذلك، وذلك على خلفية التطورات التي حصلت سواء على الصعيد السياسي والموقف التي برزت إلى الوسط أو على الصعيد العسكري بعد الاتفاق الذي حصل في سوتشي مع تركيا، والانتشار العسكري لقوات النظام في بعض المناطق الحدودية في شمال سوريا والتكتيكات التي قامت بها هذه القوات على الأرض ويمكن إبراز تلك السياسة التي تهدف إلى إضعاف قوات سوريا الديمقراطية في النقاط التالية:

ـ الدعوة التي وجهها وزارة الدفاع السورية إلى مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية للانخراط ضمن قوات النظام، جاء ذلك البيان على لسان وزارة الدفاع ولكن بنكهة روسية، هدفها تفتيت قوات سوريا الديمقراطية من خلال تحجيمها وحصرها في وحدات حماية الشعب والمرأة على أنها قوة كردية فقط.

ـ التهاون الذي ظهر على ساحة المعارك بعد انتشار قوات النظام في جبهات القتال وتبين بأن قسد لوحدها تقاتل بالرغم من الترويج الإعلامي التابع لنظام لهذه القوات، وهذا ما يفيد بأن روسيا تحاول التحكم بطرفي الصراع الذي أعلنته تركيا من خلال عمليتها العدوانية على شمال شرق سوريا، فروسيا بهذه المحاولة تريد الاستفادة من هذا الصراع ووضعه تحت قبضة سياساتها التي تهدف إلى إضعاف قوات سوريا الديمقراطية، فمن ناحية تسمح لتركيا بشن الهجمات على المناطق التي تقع خارج نطاق التفاهمات التي جرت بينهما وحتى بين أمريكا وتركيا قبل الدخول العسكري الروسي إلى المنطقة الشمالية، ووضع قوات سوريا الديمقراطية في وضعية “التفاوض تحت النار” طريقة تعاملت بها روسيا مع الفصائل التي كانت تسمى بالمعارضة العسكرية السورية، بغية إجبار قسد على الرضوخ لمطالبها، ومن ناحية أخرى الاستفادة من كذب ونفاق تركيا من خلال المواقف الروسية المتفهمة للهواجس الأمنية التركية والتي تطلقها تركيا مراراً للحفاظ على أمنها القومي، فسياسة تركية كانت تريد من خلال هذا شعار(امنها القومي)احتلال كامل شمال سوريا وتقوية ورقتها السياسية في اللعبة السورية من خلال أجنداتها المتمثلة بحركة الإخوان المسلمين، ولكن روسيا استطاعت أن تستفيد من ذلك أيضاً على حساب قسد ، فقامت بإفساح مجال محدود لها على الأرض خارج المناطق التي احتلتها في ريف سري كانيه الجنوبي والشرقي و الريف الشمالي من عين عيسى، لتقوم روسيا باستقدام تعزيزات عسكرية الى المنطقة  وبالتزامن مع ذلك يحاول النظام وروسيا إعادة السيطرة على المنطقة كما كانت قبل الأزمة، وتصريحات النظام ورئيسه بشار الأسد تفيد بذلك.

ـ إنشاء مركز تنسيق عسكري مشترك في عين عيسى، وذلك لتعزيز نفسها كضامن للمناخ السياسي والعسكري في شمال وشرق سوريا في ظل تفعيل مسار الحوار مجدداً بين الإدارة الذاتية الديمقراطية والنظام، لتوطيد قدمها أكثر في المنطقة والسيطرة على مفاصل الخلافات والتناقضات وتوظيفها في سياق رؤيتها للصراع السوري.

ـ الانسحاب التكتيكي لقوات النظام من غربي مدينة زركان إلى شرقها، إجراء أعطت لتركيا ومرتزقتها دافع لتصعيد هجماتها على المنطقة، بالرغم من عودة قوات النظام مجدداً إلى تلك المنطقة، وكانت محاولة من روسيا للضغط على قسد للرضوخ لمطالبها.

ما يمكن فهمه من مسار السياسة الروسية في سوريا, إدراك موسكو لطبيعة القوى المعنية بالصراع السوري، فمنذ تدخلها بنت سياساتها على استغلال المصالح المتضاربة للقوى الفاعلة في الأزمة،

وعلاقة الدول الإقليمية بتلك القوى المحلية في سوريا، حيث عملت روسيا على تمثيل الضامن للعمليات التي جرت في عموم المناطق السورية من خلال إبعاد المخاوف الأمنية لتلك الدول وخاصة الحدودية مع سوريا, ففي الجنوب مع الأردن وإسرائيل وفي الشمال الغربي (عفرين)، مقابل تخلي هذه الدول بما فيها تركيا عن أجنداتها والقوى المرتبطة بهم في تلك المناطق التي جرت فيها تعويم نظام بشار الأسد، ما حققته روسيا في سوريا جاءت على خلفية تشتت  حلف الناتو والدول الأوربية وتراجع دور الولايات المتحدة الأمريكية في سوريا، كل هذه الأمور سنحت الفرصة لروسيا بالتقدم وتحقيق مكاسب على الأرض وترجمته سياسياً من خلال مسار استانة و سوتشي واللافت أن روسيا تمارس تلك السياسة حتى ضمن محورها المتمثل بالنظام وإيران والصراع على المناطق والمواقع, وتقسيم قوات النظام إلى فيالق تبين ذلك بكل وضوح. وبناءً على ذلك تحاول موسكو منذ دخولها بشكل مباشر في شمال سوريا عقب الاحتلال التركي سري كانيه وكري سبي العمل على سلك نفس المسار الذي اتبعته منذ قدومها إلى سوريا كلما سنحت لها التطورات والمستجدات التي تعززت من التراخي وتراجع دور الولايات المتحدة الأمريكية.

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى