تأجيل زيارة أردوغان المرتقَبة إلى واشنطن… الأسباب والتداعيات

بعد أن كانت المنطقة تترقّب زيارة أردوغان إلى واشنطن في 9 أيار للقاء بايدن، وما سيسفر عنها من تفاهمات واتّفاقات مرتبطة بالمنطقة، وخاصة بعد تهديدات أردوغان العدوانية بصيف حارّ على مناطق الإدارة الذاتية لإقليم شمال وشرق سوريا وعلى مناطق الدفاع المشروع في باشور كردستان، تأتي الخارجية التركية لتعلن عن تأجيل اللقاء. حيث قال المتحدّث باسم وزارة الخارجية التركية “إنّ زيارة أردوغان إلى الولايات المتحدة، والمقرّرة في 9 أيار، تقرّر تأجيلها إلى موعد لاحق يناسب الجانبين”، وأضاف “إنّ سبب التأجيل ناتج عن تضارب المواعيد، وإنّ البيت الأبيض يتطلّع إلى زيارة أردوغان في وقت يكون مناسبًا للطرفَين”.

عند التمعّن في أقوال المتحدّث باسم الخارجية التركية نجد أنّ هناك تناقضًا في أقواله بين “تضارب المواعيد” وبين “أنّ البيت الأبيض يتطلّع إلى زيارة أردوغان وفي وقت يكون مناسباً للطرفين”:

1-      إنّ تحديد الموعد تمّ تحديده في وقت سابق وبما يتوافق جدول أعمال كلٍّ من الطرفين، وإنّ تأجيل اللقاء سببه إلغاء أحد الطرفين للقاء.

2-      وإنّ الوقت غير مناسب للولايات المتحدة للقاء أردوغان، وهذا الأمر يتعلّق بتصريحات أردوغان الأخيرة وتهديداته على المناطق المذكورة، والتي ستهدّد الوجود الأمريكي في المنطقة.

3-      إنّ الرفض جاء من قبل الولايات المتحدة، وإنّ الرئيس الأمريكي لا يرغب في مقابلته في الوقت الحالي؛ بسبب تصرّفاته المناهضة للاستراتيجية الأمريكية في المنطقة.

بغضّ النظر عن الطرف الذي قام بتأجيل اللقاء أو ربّما إلغائه، إلّا أنّ هذا التأجيل لم يأتِ من فراغ ولم يحدث بسبب تضارب في المواعيد؛ بل لأسباب يمكن ربطها بشكل مباشر بالموقف التركي في المنطقة وتهديدات أردوغان الأخيرة على المناطق المذكورة.

فبعد قيام أردوغان بمحاولات لترتيب أوراقه الإقليمية تجهيزاً لعدوانه المرتقَب “زيارة أردوغان لأربيل وبغداد وقبلها زيارة وزير الخارجية التركي إلى بغداد، إلى جانب الدعم التركي لإسرائيل في حربها على قطاع غزة وعلى حركة حماس” لم يبقَ لأردوغان سوى الحصول على الضوء الأخضر من واشنطن ودعمها، وإنّ زيارته هذه كانت لوضع النقاط على الحروف.

فما هي الأسباب التي أدّت إلى تأجيل اللقاء؟ وما هو موقف الولايات المتحدة من العدوان التركي المرتقَب؟

  • الأسباب المتوقّعة من تأجيل اللقاء

تشهد العلاقات التركية الأمريكية مزيداً من التدهور وعدم الثقة في السنوات الأخيرة؛ نتيجة للسياسة التركية وأطماعها في المنطقة، ومطالب أردوغان بحصّة أكبر بعد احتلاله لعفرين وسري كانيه وكري سبي لاستكمال أطماعه التوسّعية في المنطقة، والتي أثّرت وتؤثّر على الوجود الأمريكي في المنطقة؛ “فالانسحاب الأمريكي من المناطق الحدودية، ودخول القوات الروسية وقوات النظام إلى شرقي الفرات وسيطرتها على القواعد الأمريكية من المناطق التي تمّ الانسحاب منها، سببه الاجتياح التركي لكري سبي وسري كانيه ” والرفض التركي للاستراتيجية الأمريكية في المنطقة خاصة المتعلّقة بالشراكة مع قوات سوريا الديمقراطية، والدعم المستمرّ لها لمكافحة الإرهاب، هذا إلى جانب تنامي العلاقات التركية الروسية ومحاولات دولة الاحتلال التركي المستمرّة للتطبيع مع النظام السوري. لذا؛ فإنّ تهديدات أردوغان بشنّ عدوان على مناطق الإدارة الذاتية وعلى مناطق الدفاع المشروع سيؤثّر بشكل كبير على الوجود الأمريكي. ففي الوقت الذي تحاول فيه الولايات المتحدة مع التحالف الدولي وشركائها في المنطقة -ومن ضمنها قوات سوريا الديمقراطية- نشر الأمن والاستقرار في المنطقة بعد هزيمة تنظيم داعش وسقوط خلافته المزعومة عام 2019 وملاحقة خلايا داعش في المنطقة، يأتي أردوغان ليعلن أنّ المنطقة ستشهد صيفًا حارًّا، ما يعني إشعال المنطقة ووضعها في دوّامة صراع وأزمات ستستغلّها التنظيمات الإرهابية، إلى جانب بعض الأطراف المحلّية والإقليمية لشنّ هجمات على القواعد الأمريكية في العراق وسوريا، والتأثير على مكانة الولايات المتحدة في المنطقة، ومع موقف حكومة بغداد التي تطالب الولايات المتحدة بسحب قواتها من العراق، فإنّ العدوان التركي سيؤثّر على وجودها في المنطقة، وخاصة في شرقي الفرات، والتي قد تؤدّي بالولايات المتحدة لسحب قواتها من المنطقة، الأمر الذي يعني فسح الطريق لروسيا وتركيا وإيران والنظام للتمدّد في المنطقة؛ كون هذه الأطراف تخلق الفتن والأزمات لإجبارها “الولايات المتحدة” للانسحاب من المنطقة؛ بغية ملء الفراغ الذي سيخلّفه الانسحاب الأمريكي. لذا؛ فإنّ أيّ عدوان تقوم به دولة الاحتلال التركي – بدون موافقة الولايات المتحدة- سيؤثّر على استراتيجيتها في المنطقة – والتي تتمحور حول الحفاظ على مناطق نفوذها في الشرق الأوسط – أمام التمدّد الروسي والصيني.

أمّا تركيا فتحاول دفع الولايات المتحدة لإنهاء شراكتها مع قوات سوريا الديمقراطية ووقف دعمها العسكري لها وإنهاء الإدارة الذاتية ومشروعها الديمقراطي. لذا؛ تعمل على زيادة الضغط على الولايات المتحدة من خلال شنّ عدوان عسكري على مناطق الإدارة الذاتية؛ لاستكمال مشروعها التوسّعي في المنطقة. فدولة الاحتلال التركي من خلال مشروعها العثماني ترى في الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية عائقًا كبيرًا أمام استكمال مشروعها في المنطقة. ومع خسارته في الانتخابات البلدية وفقدانه مدنًا ومناطق كثيرة لصالح حزب الشعب الجمهوري وحزب المساواة والديمقراطية الكردي، والأخير يرفض أيّ عدوان تركي على الكرد سواء في مناطق الدفاع المشروع أوفي روج آفا، فإنّ أردوغان يعمل على تعويض خسارته من خلال خلق الذرائع والتهم الباطلة بحق قادة حزب المساواة والديمقراطية. ولأنّ العدوان التركي المرتقَب سيخدم أردوغان داخلياً وخارجياً، نجده يستميت للحصول على الضوء الأخضر الأمريكي.

إلّا أنّ استمرار الدعم الأمريكي لقوات سوريا الديمقراطية، ورفضها لأيّ عدوان تركي على المنطقة -وبالأخص على مناطق الإدارة الذاتية- وإقامة تحالف بين قوات سوريا الديمقراطية وبيشمركة طلباني “بافل طلباني” من خلال تشكيل وحدة دفاع جوّي؛ حيث أكّد قائد قوات التحالف الدولي “ماثيو ماكفرلين” أنّ واشنطن على أهبة الاستعداد لإرسال منظومة دفاع جوّي من طراز “ثاد” برفقة فريق من المختصّين في مجال تدريب الدفاع الجوي لإجراء تدريبات مشتركة، ومن ثم نشر تلك المنظومات على نقاط قسد وقواعد التحالف الدولي في سوريا وفي باشور كردستان. فهكذا شراكة وبدعم من الولايات المتحدة والتحالف الدولي ستؤثر بشكل كبير على مخطّطات أردوغان لشنّ عدوانه، فأردوغان حاول الحصول على تأييد أو على الأقل تحييد حزب الاتحاد الوطني بقيادة بافل طلباني في عدوانه على المنطقة، فدولة الاحتلال التركي تعتمد بشكل كبير على طيرانها الحربي في قصفها المستمرّ على المناطق الأمنة. لذا فالرفض الأمريكي والدعم العسكري من قبل الولايات المتحدة وتسليمها منظومة دفاع جوي تُعتبَر من أهم الأسباب التي أدّت إلى تأجيل اللقاء أو حتى إلغائه.

  • تداعيات تأجيل اللقاء

تُعتبَر تركيا حليفة الولايات المتحدة، وتتلقّى الدعم المستمرّ عسكرياً واقتصادياً منها ومن الدول الغربية، إلّا أنّ أطماع أردوغان التوسّعية ومطالبته بحصّة أكبر في المنطقة وتنامي علاقة تركيا مع روسيا قد أثّرت على ثقة الولايات المتحدة بالدولة التركية، وإنّ سياسة أردوغان قد فسحت المجال أمام روسيا للتمدّد في المنطقة وأضعفت النفوذ الأمريكي في سوريا؛ فالعدوان التركي المرتقَب سيُدخل المنطقة في دوّامة من الصراعات والأزمات التي ستؤثّر على مناطق نفوذها في المنطقة وفي الشرق الأوسط. ولمنع أردوغان من تنفيذ عدوانه، ولأهمية دور حزب الاتحاد الوطني الكردستاني وقواته العسكرية بقيادة بافل طلباني في مجريات العدوان المرتقب، عملت الولايات المتحدة على مشروع لتدريب قوّة مشتركة بين قسد وبيشمركة طلباني للدفاع الجوي وتسليمها منظومة “ثاد”. وبالتالي؛ فإنّ هذا الأمر قد يكون بمثابة رسالة مباشرة من الولايات المتحدة لأردوغان للتعبير عن الرفض التامّ للسياسة التركية في المنطقة، وأنّه غير مرحّب به أو أنّه على الأقل لن يحصل على الضوء الأخضر الأمريكي وعلى دعمها، وأنّ عدوانه في حال حدوثه مصيره الفشل، وقد تكون نهاية لحكمه الذي استمرّ ما يزيد عن عقدين من الزمن.

وفي سياق أسباب تأجيل أو حتى إلغاء اللقاء بين الطرفين، هل سيؤثّر ذلك على التهديدات التركية أم أنّ أردوغان سيمضي في تهديداته لتنفيذ عدوانه على المنطقة، خاصة بعد فشله في الحصول على الضوء الأخضر الأمريكي، وفي ظل السياسة الأمريكية التي تشير بشكل شبه قطعي إلى رفض العدوان التركي؟ أم أنّ تصريحات أردوغان ستذهب أدراج الرياح؟ أم أنّه لن يتمكّن حتى من الاستمرار في قصف البُنى التحتية لمناطق الإدارة الذاتية في المستقبل القريب؟ وبالتالي؛ في ظلّ صراع المعسكرَين الغربي والشرقي على النظام العالمي؛ حيث يستميت الأول للحفاظ على نظامه العالمي وعلى مناطق نفوذه، أمّا الثاني فيحاول تغيير النظام العالمي والتمدّد بما يخدم مصالحه العالمية بالاعتماد على الأنظمة المركزية المستبدّة في منطقة الشرق الأوسط، وفي ظلّ ظهور بوادر تمرّد بعض الدول الإقليمية على سياسة الولايات المتحدة وخروج هذه الدول عن الدور المناط بها، إلى جانب السياسة الإسرائيلية في المنطقة؛ يمكن القول أنّ رياح التغيير ستهبّ على المنطقة، أو أنّ مشروع الأمّة الديمقراطية سيولد من رحم هذا الصراع بقوة؛ ليعيد المنطقة إلى مسارها الطبيعي ويعيد للشعوب حقوقها المسلوبة منذ مئات السنين في الحرية والديمقراطية والمساواة والعيش المشترك.

زر الذهاب إلى الأعلى