التحركات العسكرية في سوريا والتموضع العسكري الأمريكي الجديد

عباس شيخموس

عباس شيخموس
عباس شيخموس

ماتزال الساحة السورية تضم قوى عسكرية محلية وأجنبية حتى بعد سقوط نظام الأسد، ولكل منها أهداف واطماع ومشاريع، بالرغم ممّا شهدته المنطقة من حدوث تغيرات سياسية وعسكرية غيّرت الكثير من المعادلات السياسية والعسكرية التي كانت سائدة في فترة النظام البائد، إلّا أن القوة التي ما تزال مسيطرة سياسياً وعسكرياً هي الولايات المتحدة الأمريكية؛ فبعض الدول الإقليمية والدولية تراقب التحركات الأمريكية العسكرية في سوريا (باعتبارها القوة التي تقف حاجزاً أمام أطماعها) لتنفيذ اجندتها في مناطق الإدارة بشكل خاص وسوريا بشكل عام، فما أن تسمع تلك الدول بأنّ الولايات المتحدة تقوم بتحركات عسكرية كتغيير مواقعها أو خفض قواتها أو حتى الانسحاب تطلق تلك الدول تصريحات معادية للمنطقة، وتهدّد بتدخل عسكري بحجّة ما يسمّى بأمنها القومي ضد كل مَن يحاول المساس بوحدة الأراضي السورية أو تغيير شكل النظام المركزي، ولإضفاء الشرعية على تدخّلها العسكري تصرّح بأنّها مستعدّة للتعاون مع النظام السوري المؤقّت عسكرياً لمواجهة هذه التهديدات.

فبعد القضاء على داعش جغرافياً وإنهاء الدور الإيراني في سوريا وسقوط نظام الأسد، هل يعتبر ذلك مسوّغاً لانسحاب الولايات المتحدة عسكرياً من سوريا أم أنّ تحركاتها الأخيرة مجرّد تحرّكات تكتيكية تتماشى مع الوضع الراهن في سوريا والمنطقة أم أنّها تحرّكاتها لأهداف استراتيجية معيّنة؟

الولايات المتحدة من منطلق شرعية وجودها العسكري ليست لديها أي مشكلة في سوريا، والتي تعوّل عليها بعض الدول الإقليمية والدولية من أجل سحب قواتها من سوريا، طالما أنّها ضمن التحالف الدولي وهذا التحالف يعمل تحت قيادتها فهو بمثابة تفويض دولي لتواجدها العسكري في المنطقة. إلّا أنّ مستقبل الوجود العسكري الأمريكي غير واضح بشكل عام؛ ويمكن ربطه بناء على عدّة عوامل داخلية وخارجية، منها التطوّرات العسكرية والسياسية في سوريا بعد سقوط نظام الأسد البائد، والمواقف الإقليمية والدولية ونواياها في سوريا، إلى جانب أولويات استراتيجية الولايات المتحدة في سوريا والمنطقة.

باتت الخريطة العسكرية السورية نوعاً ما معقّدة بعد سقوط نظام الأسد وتأسيس جيش سوري جديد يضمّ في صفوفه مقاتلين أجانب تم تجنيسهم من قبل السلطة الجديدة، ورفض الفصائل والقوات المحلية الانخراط فيه لأسباب كثيرة؛ منها ما هو متعلّق بأجندة إقليمية أو بهيكلية الجيش السوري الجديد ودوره، والمرتبط بإشكالية الخلاف على شكل الحكم في سوريا.

النظام السوري الجديد

بعد سقوط نظام الأسد البائد وسيطرة هيئة تحرير الشام على السلطة تم تشكيل حكومة انتقالية برئاسة أحمد الشرع، إلّا أنّ الولايات المتحدة الأميركية قد أبلغت البعثة السورية في نيويورك، عبر بعثتها الدائمة لدى الأمم المتحدة، من خلال مذكّرة رسمية تقضي بتغيير وضعها القانوني من بعثة دائمة لدولة عضو لدى الأمم المتحدة إلى بعثة تمثل حكومة غير معترَف بها من قبل واشنطن؛ ويُعدّ هذا القرار تطوّراً سياسياً ودبلوماسياً بالغ الأهمية، إذ يعكس موقفاً أكثر حدّة تجاه الحكومة السورية المؤقّتة التي جاءت بعد سقوط نظام الأسد. إلّا أنّها منحت استثناءات لبعض الشخصيات في الحكومة السورية المؤقّتة لتمثيل سوريا في بعض الاجتماعات الدولية. كما أنّ إسرائيل حتى الآن لا تعترف بالسلطة السورية وتصفها بالإرهاب، كما أنّ محاربة مكوّنات الشعب السوري ورفض تمثيلهم في الحكومة السورية الانتقالية، ومنعهم من المشاركة في بناء مستقبل سوريا رغم النداءات الدولية التي تطالب الحكومة الانتقالية بحماية تلك المكوّنات والحفاظ على حقوقها، تجعل سوريا غير مستقرة وتدفعها نحو نفق مظلم.

قد لا تشكل الحكومة المؤقتة في سوريا أي تهديد فعليّ على الولايات المتحدة وإسرائيل، إلّا أنّ وجود عناصر متشدّدة لا تحمل الجنسية السورية وتقلّدها مناصب عسكرية فيما يسمّى بالجيش السوري الجديد، والإسلام الراديكالي الذي وجد في سوريا تربة خصبة لها، وخروج مظاهرات متفرّقة – حتى وإن كانت صغيرة – تطالب بالجهاد يُعَدُّ مؤشّراً على تنامي الفكر الإسلامي الراديكالي، وهو ما يشكّل عامل تهديد فعليّ للولايات المتحدة الأمريكية ولإسرائيل.

هو ما يعني ترتيبات عسكرية جديدة تتماشى مع الوضع السياسي والعسكري في سوريا، خاصة مع وجود قوات عسكرية محلّية وخارجية.

القوى العسكرية المحلّية

الجيش السوري الجديد الذي تم إنشاؤه من قبل السلطة الجديدة في دمشق، ويحاول بسط سيطرتهِ على كامل الأراضي السورية، ويضمّ في صفوفه عناصر أجنبية تم تجنيسها من قبل النظام الجديد بحجّة أنّها حاربت النظام البائد، كما أنّ بعض الفصائل المنضوية تحت رايتها متّهمة بارتكاب مجازر بحق المكوّن العلوي في الساحل؛ وهو ما وضع استفهامات كبيرة حول وطنية الجيش السوري، وولّد مخاوف لدى الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل. كما أنّها ترفض أي تشكيلات عسكرية خارج إدارتها وإن كانت ترغب بالانضمام إلى الجيش السوري الجديد وفق رؤية جديدة حول هيكلية الجيش السوري.

أمّا ما يُسمّى بالجيش الوطني السوري “مرتزقة تركيا” وأغلب فصائلها فترفض الاندماج في الجيش السوري الجديد لغايات قد تكون متعلّقة بالمحاصصة، وقسم انضمّ إلى الجيش السوري الجديد، وجميعها تعمل وفق الأجندة التركية وتعتبر ذراع تركيا العسكري لتنفيذ مخطّطاتها في سوريا، سواء في الشمال السوري المحتلّ أو لمحاربة قوات سوريا الديمقراطية، أو داخل الجيش السوري الجديد.

جيش سوريا الحرة والذي تم تشكيله من قبل التحالف الدولي في منطقة التنف، والذي بات يتمدّد في البادية السورية وصولاً إلى الضمير في شمال شرق دمشق؛ لنشر الأمن والاستقرار في تدمر والضمير بعد سقوط النظام البائد.

قوات سوريا الديمقراطية أكبر قوة عسكرية في سوريا وأكثرها تنظيماً وموثوقية في محاربة الإرهاب، وهي شريكة التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش، وهي القوة العسكرية في مناطق الإدارة الذاتية لإقليم شمال وشرق سوريا، ولديها رؤية عسكرية تتناسب والوضع القائم في سوريا “بناء هيكلية جديدة للجيش السوري”، وهو ما وضعها في مواجهة مع تركيا الرافضة لأي تغيير في شكل الجيش السوري الجديد.

إلى جانب فصائل جديدة “المجلس العسكري للسويداء، وحركة رجال الكرامة” يتم تشكيلها أو تحديثها في منطقة السويداء إلّا أنّها لا تمتلك رؤية واضحة حول شكل النظام في سوريا أو حتى حول مهامّها كقوة شبه مستقلّة أو منضوية تحت راية الجيش السوري الجديد.

على الرغم من توقّف شبه تامّ للعمليات العسكرية، خاصة بين قوات سوريا الديمقراطية ومرتزقة تركيا على محور سد تشرين، وفي عموم سوريا، لكن يبقى احتمال حدوث صراع داخلي قائماً ما دامت تلك الفصائل لا تملك رؤىً وطنية موحّدة لإنهاء الأزمة السورية وبناء سوريا الجديدة وتتحرّك وفق أجندة خارجية.

الوجود العسكري الأجنبي في سوريا

تتواجد قوات خارجية فاعلة في سوريا “القوات الروسية وقوات الاحتلال التركي وقوات أمريكية ومعها قوات التحالف”، وقد أثّر سقوط الأسد على موازين القوى؛ فبعد أن كانت القوات الروسية هي المسيطرة، باتت اليوم محصورة ضمن قواعدها العسكرية “قاعدة حميميم الجوية، وطرطوس البحرية، ونقطة عسكرية في مطار قامشلو”

تأتي التحرّكات العسكرية في سوريا وفق التغيّرات السياسية والعسكرية التي تشهدها سوريا بشكل خاص ومنطقة الشرق الأوسط بشكل عام ووفق استراتيجية كل دولة.

 لعبت القوات الروسية دوراً كبيراً في تثبيت نظام الأسد وكانت لاعباً أساسياً في الأزمة السورية، إلّا أنّ سقوط حليفها الأسد تسبّب بتقويض التحرّك الروسي في سوريا، وباتت روسيا متقوقعة في قواعدها العسكرية إلى حدّ كبير؛ وذلك نتيجة توقّف العمل بالاتفاقيات الموقّعة بين روسيا والنظام البائد من قبل سلطات النظام الجديد في دمشق، ومصير قواعدها العسكرية في سوريا ودورها في مستقبل سوريا. رغم ذلك تحاول روسيا إعادة مكانتها؛ لذا تستغلّ الأوضاع في منطقة الساحل من خلال التمدّد في المنطقة وزيادة تحرّكاتها هناك، إلى جانب وجود تفاهمات عسكرية غير معلنة مع الولايات المتحدة.

أمّا تركيا (حليفة الولايات المتحدة) فلا تقلّ خطراً عن إيران ومشروعها الشيعي في سوريا، بل قد تتفوّق عليها في بعض النواحي؛ فهي تمتلك مشروعاً عثمانياً بصبغة إخوانية في سوريا، ولديها مخطّطات عدوانية تجاه المكوّنات السورية، وتجاه مناطق الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية. بالرغم من انحسار مشروعها الإخواني في الشمال السوري المحتل إلّا أنّ سقوط نظام الأسد وسيطرة هيئة تحرير الشام على السلطة في دمشق قد أعاد إحياء أطماعها على كامل الأراضي السورية؛ حيث باتت سوريا بنظرها ساحة مفتوحة لأطماعها وكأنّها ولاية تركية، وهو ما قد يشكّل خطراً على أمن إسرائيل، خاصة أنّ لتركيا علاقات قوية مع الإسلام الراديكالي. إنّ محاولة إقامة قاعدة عسكرية لها في العمق السوري “تدمر” مؤشّر واضح على نوايا تركيا في سوريا، وقيام إسرائيل بضرب المواقع التي زارها الوفد العسكري التركي لإنشاء قواعد عسكرية فيها دليل على مخاوف إسرائيل من التمدد التركي في سوريا، ودليل على أنّ إسرائيل لن تسمح بتهديد أمنها القومي من قبل أي جهة حتى وإن كانت حليفة لها؛ لذا تعمل تركيا على تثبيت وجودها أكثر في الشمال السوري المحتل والتمدد أكثر، حيث وضعت دولة الاحتلال التركي يدها على مطار منغ العسكري، وتتطلّع للتمدد في الساحل السوري لغايات سياسية واقتصادية. ولم تتوقّف محاولاتها عند إنشاء قاعدة لها في العمق السوري، بل تحاول إدخال منظومة S400 إلى سوريا؛ وهو ما يعني فرض حظر طيران على المناطق السورية الشمالية وفصلها عن سوريا وضمّها إلى الأراضي التركية في حال سُمح لها بذلك، بمعنى أنّ تركيا باتت تعمل على تقسيم سوريا.

أمّا بالنسبة للتحرك العسكري الإسرائيلي فقد استطاعت إسرائيل استغلال الأوضاع السياسية والعسكرية في سوريا؛ حيث سيطرت على المنطقة العازلة ووريف القنيطرة وجبل الشيخ، وقامت بإنشاء منطقة عازلة بحجّة حماية أمنها القومي من الجماعات الراديكالية، ويبدو أنّ بقاءها في الجنوب الغربي السوري هو تموضع استراتيجي طويل الأمد. تراقب إسرائيل التحركات العسكرية من جانب النظام الجديد في سوريا عن كثب، وتمنع عودة النفوذ الإيراني إلى سوريا، وتبقى لدى إسرائيل مخاوف حقيقية من التمدّد التركي العثماني في سوريا والذي يهدّد أمنها القومي.

لذا؛ تبقى الساحة السورية ساحة صراع غير مباشر بين هذ القوى العسكرية المتواجدة في سوريا؛ نتيجة تضارب الأطماع والأهداف، خاصة بين الدور الإسرائيلي الجديد والأطماع التركية في سوريا. وقد يؤدّي هذا الأمر، كمرحلة انتقالية، إلى توزيع مناطق النفوذ في سوريا أو إلى تحديد الخطوط الحمراء فيما بين تلك القوى؛ بغية خفض التصعيد وتجنّب صراع عسكري محتمَل بينها، وبالأخص بين حلفاء الولايات المتحدة (إسرائيل وتركيا).

التواجد العسكري الأمريكي في سوريا

التواجد العسكري الأمريكي في سوريا، والذي يمتدّ إلى عام 2014 بعد ظهور تنظيم داعش وتمدّده في سوريا والعراق، وحتى اليوم، والذي تخلّلته تحرّكات وانسحابات جزئية عام 2019م، كان مرتبطاً بمحورين:

المحور الأول: القضاء على تنظيم داعش ومنعه من العودة، وهنا الولايات المتحدة مرتبطة بشراكتها مع قوات سوريا الديمقراطية كقوة برّية لديها إمكانيات كبيرة قادرة على مواجهة الإرهاب، وقد أثبتت نفسها في حروبها مع تنظيم داعش ودحره من خلال تنسيقها الكبير مع التحالف الدولي، وما تزال هذه المهمة وهذا التنسيق مستمرَّين في ضرب خلايا داعش وقادته المتواجدين في سوريا والذين انتشروا في الداخل السوري بعد سيطرة هيئة تحرير الشام على السلطة في دمشق.

المحور الثاني: المتعلق بالتمدّد الإيراني في سوريا، والمرتبط بالأمن القومي الإسرائيلي، حيث كان التمدّد الإيراني في سوريا زمن النظام الأسد البائد يشكّل تهديداً كبيراً للقواعد العسكرية الأمريكية في شرقي الفرات، كما يهدّد الأمن القومي الإسرائيلي رغم الضربات الإسرائيلية على المواقع العسكرية ومخازن ومصانع الأسلحة الإيرانية في سوريا.

إنّ سقوط الأسد وانتهاء النفوذ الإيراني في سوريا وخروج سوريا من كونها دولة حليفة لإيران وانتهاء ما تسمّى بدول محور المقاومة والممانعة، وتقويض الوجود العسكري الروسي في سوريا، قد خلق معادلات جديدة على الساحة السورية، وتترتّب عليها ترتيبات جديدة تتعلّق بالنظام الجديد وخلفيته الإسلامية الراديكالية، وبالمقاتلين الأجانب والأطماع التركية في السيطرة على سوريا، وبالأمن القومي الإسرائيلي ودوره الجديد.

رغم القضاء على تنظيم داعش جغرافياً إلّا أنّ خلايا التنظيم ما تزال نشطة في المنطقة؛ وهو بهذه الحالة ما يزال يشكّل تهديداً فعلياً، وإمكانية عودته مازالت قائمة في ظل غياب قوة عسكرية متكاملة في سوريا (باستثناء قوات سوريا الديمقراطية والتي تعمل في مناطقها، وبعض العمليات المشتركة في العمق السوري) تعمل على محاربة التنظيمات الإرهابية؛ وما رفض دول التحالف لطلب النظام الجديد في سوريا بانضمام الجيش السوري الجديد للتحالف الدولي لمحاربة داعش، إلّا لعدم ثقة التحالف الدولي بهذا الجيش، خاصة بعد انضمام المقاتلين الأجانب إلى صفوفه ومنحهم الجنسية السورية. أمّا إيران ورغم انتهاء وجودها الفعلي في سوريا فلديها من الإمكانيات التي تسمح لها بالعودة إلى سوريا من خلال العشائر المرتبطة بها أو من خلال قاعدتها الشيعية في سوريا، لذا؛ يبقى الخطر في سوريا قائماً ولا يمكن إغفاله بمجرد انتهاء العمليات العسكرية فيها.

أمّا بالنسبة للتحرّكات العسكرية للقوات الأمريكية، والتي تراقبها الدول الإقليمية والعالمية عن كثب في سوريا، ورغبتها بخفض عديد قواتها في المنطقة وتخفيف تواجدها في الريف الشرقي لدير الزور أو حتى الانسحاب من سوريا بناءً على قرار الكونغرس الأمريكي بالانسحاب من سوريا صيف 2026، فقد تكون طبيعية وفق مجريات الواقع العسكري في سوريا، وقد تكون مرتبطة بسياسة ترامب الخارجية؛ ومن هذا المنطلق يمكن تصنيف التحرّكات الأمريكية إلى تكتيكية وأخرى استراتيجية:

تحرّكات تكتيكية: قد تأتي هذه التحرّكات العسكرية الأمريكية، إعادة التموضع وتخفيف عدد قواتها، بعد وقف شبه كامل للعمليات العسكرية في منطقة سد تشرين والقيام ببناء قاعدة لها بالقرب من منطقة السد، وقد تكون قاعدة لمراقبة وقف العمليات العسكرية بين قوات سوريا الديمقراطية ومرتزقة تركيا، وقد تكون مرتبطة بانخفاض معدل العمليات العسكرية في عموم سوريا، كما أنّ التواجد العسكري الأمريكي في سوريا قد خلق نوعاً من التوازن العسكري في سوريا، ويُعتبَر صمّام أمان لإسرائيل ضدّ مَن يحاول تهديد أمنها القومي، أو لمنع نشوب صراع بين القوى الحليفة، وذلك بعد محاولات تركيا بناء قاعدة عسكرية لها في عمق سوريا “تدمر” وما نجم عنه من حدوث خلافات كبيرة بين تركيا وإسرائيل.

تحرّكات استراتيجية: وهي مرتبطة بسياسة ترامب الخارجية بتخفيض النفقات وفرض السلام عبر القوة، والتركيز على الخطر الصيني الكبير الذي يهدّد مكانتها العالمية؛ وهو ما قد يدفع بترامب إلى تقليص القوات الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط عموماً والتركيز على منطقة المحيط الهادي ودول جنوب شرق آسيا (حلفاء وشركاء الولايات المتحدة)، ومنح الفرصة لإسرائيل لاستلام ملف الشرق الأوسط من البوابة السورية؛ حيث تعمل الولايات المتحدة على فسح مجال أكثر لإسرائيل لاستلام الملف السوري، خاصة بعد بروز الدور الإسرائيلي في المنطقة بعد السابع من أكتوبر؛ فالتحرّكات العسكرية الأمريكية تتناسب وقوة إسرائيل في سوريا، إلى جانب استراتيجية إسرائيل الهادفة لأن تكون القوة الإقليمية الأولى في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما صرّح به بنيامين نتنياهو: “قلت مرارا أنّنا سنغيّر وجه الشرق الأوسط، وهذا ما ننفّذه بالفعل حالياً”. لذا؛ لا بدّ من وجود قوة شرق أوسطية قادرة على حماية المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة في المنطقة، وإسرائيل هي وكيلة الولايات المتحدة وقد يزداد هذا الدور بعد التطبيع العربي الكامل مع إسرائيل، ولا يمكن استبعاد إنشاء تحالف عربي – إسرائيلي – أمريكي في المنطقة؛ ممّا قد يحدّ من التطلّعات التوسّعية لبعض الدول الإقليمية.

لا يمكن إغفال الدور الأمريكي السياسي والعسكري الكبير في سوريا، سواء في الحد من العمليات العسكرية في سوريا، أ تشكيل عائق أمام المخطّطات التركية التوسّعية في سوريا، إلّا أنّ وجودها العسكري يأتي في المقام الأول لحماية استراتيجيتها في المنطقة ولحماية أمن إسرائيل، لذا؛ ومن هذا المنطلق تأتي تحرّكاتها العسكرية بإخلاء بعض القواعد أو إنشاء قواعد جديدة أو خفض عدد قواتها. لذا فإنّ مسألة بقائها، سواء بتغيير تموضعها العسكري وتخفيض عدد قواتها أو حتى الانسحاب من سوريا، مرتبط باستراتيجيتها الشرق أوسطية واستراتيجيتها في مواجهة الخطر الصيني وبالدور الإسرائيلي في سوريا.

لذا؛ قد تعتمد السياسة الأمريكية، القائمة على فرض السلام عبر القوة، منح فضاء أكبر لحلفائها وشركائها للقيام بالمهام التي كانت على عاتق الولايات المتحدة، وفي المقابل ستكون تحت حمايتها وعدم التخلّي عنها ” إعادة بناء الثقة إلى حلفائها وشركائها”، وهو ما حدث عندما حاول ترامب سحب قواته من سوريا والتخلّي عن قسد؛ ما جعلها في مواجهة غير عادلة أمام الجيش التركي، حيث خسرت فيها قوات سوريا الدمقراطية منطقتَي كري سبي وسري كانيه قبل أن يتراجع ترامب عن قراره ويعلن الاحتفاظ بجزء من قواته في سوريا، إلى الانسحاب من أفغانستان والتخلّي عن حليفها، أو حتى في أوكرانيا؛ وهو ما أدّى إلى زعزعة الثقة بين الولايات المتحدة وحلفائها. فالأخطاء التي ارتُكِبت سابقاً وأثّرت على مكانة الولايات المتحدة بين حلفائها وشركائها والتي خدمت أعداءها في المقام الأول قد لا تتكرّر، وقد تعمل الولايات المتحدة خلال إدارة ترامب على حمايتهم وتقويتهم مقابل القيام بالمهام الموكلة إليهم، ومن ضمنهم قوات سوريا الديمقراطية كقوة تمنع من عودة تنظيم داعش إلى المنطقة. لذا فإنّ تخفيض قواتها في سوريا أو حتى سحب قواتها بشكل كامل لن يغيّر من المعادلة شيئاً؛ لأنّها ستكون على تنسيق ودعم مباشر معها “التحالف الدولي” وتحت حمايتها من التهديدات التركية، وقد نشهد عملية سلام بين قوات سوريا الديمقراطية وتركيا برعاية أمريكية.

 بالرغم من أنّ هناك بعض الأهداف الاستراتيجية والتكتيكية لتواجد قواتها في شرقي الفرات ومنطقة التنف السورية (كمحاربة الإرهاب وعدم السماح بعودة تنظيم داعش من جديد، ومنع عودة النفوذ الإيراني بعد سقوط نظام الأسد، وحماية أمن إسرائيل ودعم دورها في سوريا أو حتى حماية شركائها في المنطقة)، لكن ورغم ذلك يبقى تواجدها العسكري في سوريا قضية معقّدة ومثيرة للجدل لا يمكن التنبّؤ بمستقبلها في ظل إدارة ترامب وسياسته الخارجية.

زر الذهاب إلى الأعلى
RocketplayRocketplay casinoCasibom GirişJojobet GirişCasibom Giriş GüncelCasibom Giriş AdresiCandySpinzDafabet AppJeetwinRedbet SverigeViggoslotsCrazyBuzzer casinoCasibomJettbetKmsauto DownloadKmspico ActivatorSweet BonanzaCrazy TimeCrazy Time AppPlinko AppSugar rush