المشاريع التي تخطّط لها القوى الإقليمية والدولية في الشرق الأوسط وسوريا

يمكننا اعتبار الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من أهم المناطق الجغرافية التي يمكنها التحكّم من خلالها بالطرق وعقدة الوصل العالمية؛ فهي في الأساس تتحكّم في الكثير من المضائق المائية والأجواء الجوية بالإضافة إلى المساحة البرّية الواسعة لاستثمارها للطرق البرّية والسكك الحديدية لإيصال وربط العالم ببعضه، سوريا جغرافياً يمكننا اعتبارها من الأجزاء الأكثر أهمية في هذه الجغرافيا، وعليه؛ فقد كانت دائماً وأبداً المحور الأساس في كلّ المشاريع الجيوسياسية والاقتصادية التي تخطَّط لهذه المنطقة، لما لها من أهمية في موقعها الاستراتيجي والجيوسياسي، ولذلك وبعد اندلاع ما بات يُعرَف بالربيع العربي الذي انطلق مع نهاية عام 2010م في تونس وامتداده إلى ليبيا فمصر فاليمن وهكذا وصولاً لسوريا، كان لا بدّ للقوى الإقليمية والدولية من التنبّه إلى ما يمكن حدوثه من حالة فوضى عارمة في المنطقة، والتركيز على إمكانية بقاء الاستقرار فيها والمحافظة على المصالح الدولية والطرق والممرّات التجارية العالمية.
بعض الطرق والممرّات القائمة والمشاريع المخطَّط لها بالفعل في الشرق الأوسط:
قناة السويس: ممّا لا شكّ فيه أنّه يمكننا اعتبار قناة السويس المصرية أهمّ مشاريع الربط ما بين الشرق والغرب، وهي من صنع البشر، وتكمن أهميتها في توفير الكثير من الوقت والمدّة الزمنية، وأيضاً في توفير المال والتكلفة على نقل البضائع، وبالتالي؛ بالإضافة إلى كونها الوارد السياحي لمصر، تُعتبَر من أهم مصادر الدخل للقطع الأجنبي لمصر، كما تلعب دوراً مهمّا في رسم سياسات مصر العامة وكيفية تعاملها مع الآخرين؛ وذلك بالاستفادة من موقعها الجيوسياسي والاستراتيجي، إضافةً إلى جعل مصر من الدول المحورية المهمّة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وبالتالي؛ يتيح لها لعب دور رئيسيّ في رسم سياسات المنطقة وإمكانية الاعتماد عليها في ذلك.
مشروع قناة بن غوريون أو القناة الإسرائيلية: هو مشروع مقترَح لقناة مائية، يهدف إلى ربط خليج العقبة بالبحر الأبيض المتوسط، وهو غير واضح المعالم من ناحية تنفيذه على المدى القصير أو المتوسّط، ولكنّه مشروع قائم بالفعل في المخطّطات الإسرائيلية التي تعتمد على المدى الاستراتيجي بعيد النظر، تُقدَّم القناة على أنّها منافس أو موازٍ لقناة السويس المصرية.
مبادرة الحزام والطريق (طرق الحرير الصيني): بطبيعة الحال؛ هو ليس مجرّد طريق واحد فقط، وإنّما عدّة طرق تتصل ببعضها لتشكيل شبكة ضخمة من الطرق، والتي بدورها تشكّل نوعاً من السلاسة وعدم خلق ازدحام مروري وتجاري، يمكن اعتبار مبادرة الحزام والطريق نوعاً من التحديث لطرق الحرير القديمة، بالإضافة إلى خلق طرق وممرّات جديدة تواكب التطوّر الحاصل في العالم المتسارِع، من خلال طرق برّية وبحرية وجوية، والتركيز على شبكة سكك حديدية متّصلة ببعضها.
مشروع طريق التوابل (طريق التوابل الهندي): هي طريق تجارية تربط ما بين حضارات وقارّات العالم القديم من جنوب شرق آسيا مروراً بالشرق الأوسط والقرن الأفريقي فأوروبا، وبما أنّها كانت تركّز على تجارة التوابل بأنواعها، وقد سُمّي بهذا الاسم لأنّ الهند تنتج ما يقارب 75 % من الإنتاج العالمي من التوابل؛ وبما أنّ الهند، اليوم، تحتلّ المرتبة الخامسة عالمياً من حيث أقوى اقتصادات العالم، ولأنّها مجاوِرة للصين ومنافِسة قوية لها، خاصةً بعد تسجيلها معدّلاتِ نموّ بلغت 9 % خلال عام 2022م؛ فقد أصبحت هدفاً للدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، لخلق شراكات اقتصادية معها، وبالتالي؛ فهو مشروع قديم جديد، وقد تم الإعلان عن تجديده أو تحديثه على هامش القمّة الثامنة عشرة لمجموعة “العشرين” في نيودلهي الهندية في أيلول سبتمبر من عام 2023م بقيمة تقريبية تقارب 600 مليار دولار أمريكي، ويبدأ من الهند فالإمارات العربية المتّحدة فالمملكة العربية السعودية فالأردن فإسرائيل فالاتحاد الأوروبي.
طريق التنمية: يُعَدُّ ميناء الفاو الكبير في البصرة، جنوب شرق العراق، نقطة انطلاق لمشروع “طريق التنمية” الذي سيربط العراق بأوروبا من خلال تركيا، عبر محافظات الديوانية والنجف وكربلاء وبغداد والموصل، وهذا الطريق مازال قيد المناقشات والفكرة، ونسبة تنفيذه من عدمه متعلّق بالكثير من الحسابات الدولية والإقليمية على أرض الواقع.
مشروع خطّ السكك الحديدية الإيرانية: هو عبارة عن فكرة وخطّة استراتيجية إيرانية في عملية وصل ما بين ميناء الخميني في إيران وربطه بمدن عراقية جنوبية في القسم الذي يسيطر عليه التيّار الشيعي، وصولاً إلى مدينة البوكمال السورية ومعبر القائم، ومن هناك تفرّعه إلى خط يصل لمدينة التنف فالعاصمة السورية دمشق ومن ثم العاصمة اللبنانية بيروت، أمّا الخط الثاني فيَصل عن طريق البادية السورية إلى مدينة حمص ثم ميناء اللاذقية على الساحل السوري؛ لكن، وحسب المشهد الحالي خاصةً بعد سقوط النظام السوري، يبدو أنّ هذا المشروع قد تم وأده حتى قبل ولادته.
ممرّ الشمال – الجنوب: شبكة من الطرق البرّية والسكك الحديدية تسمح للبضائع الروسية بالوصول إلى المحيط الهندي وبالعكس، وجاءت فكرة المشروع أساساً من الحاجة بعد العقوبات الغربية على روسيا تحديداً، وبالتالي؛ قرّبت وعزّزت علاقاتها مع إيران أيضاً للاستفادة من بعضهما جغرافياً وسياسياً؛ حيث يلبّي هذا المشروع حاجة روسيا الدائمة للوصول للمياه الدافئة، وقد تم التوصّل إلى اتفاق بشأن إنشاء ممرّ النقل بين الشمال والجنوب في المؤتمر الأوراسي الدولي الثاني المعنيّ بالنقل، والذي عُقِد في سان بطرسبرغ في أيلول عام 2000م، حيث تمّ التوقيع على اتفاق ثلاثي بين روسيا وإيران والهند.
الطرق القائمة والمشاريع المستقبلية في سوريا:
كما سبق ذكره أنّ لسوريا بموقعها الجيوسياسي والاستراتيجي أهمية كبيرة بالنسبة للقوى الإقليمية والدولية، وبالتالي؛ مع اندلاع الأحداث عام 2011م وبدء الحِراّك السلمي فيها كانت من الأهداف الأساسية للقوى الفاعلة، للاستفادة من جغرافيتها بشكل خاص في تطبيق المشاريع المتعلّقة بخَلْق نوع من الطرق والممرّات الدولية وجعلها نقطة وصل. من أهم الطرق البرّية الدولية في سوريا:
- الطريق الدولي أو طريق الحرير M42)): يربط ميناء اللاذقية بالحدود العراقية، ويُعَدُّ الطريق مهمّاً من الناحية الاستراتيجية والاقتصادية لكلّ من سوريا وإيران والعراق والصين، حيث يمكن استخدامه لنقل البضائع والمنتجات؛ ما يعني أنّ الطريق يلعب دوراً في تشبيك المحور الإيراني ويعزّز النفوذ الإيراني العسكري، كما يعزّز النفوذ الصيني الاقتصادي؛ وهو ما يعني عقدة تحالف صيني – إيراني إذا ما تحوّلت إيران لبوّابة التمدّد الصيني نحو المتوسّط.
- الطريق الدولي (M4): ويمتدّ من الحدود مع العراق إلى مدينة اللاذقية على ساحل البحر الأبيض المتوسط، أمّا الأهمية الاستراتيجية لهذا الطريق فتنبع من كونه صِلة وحلقة وصل استراتيجية بين أهم المناطق في سوريا، وهي المنطقة الشمالية والشمالية الشرقية والمنطقة الغربية والشمالية الغربية، كما أنّه يُعتبَر شرياناً حيوياً للتجارة والاقتصاد في سوريا؛ فيربط بين أهم المناطق الصناعية والتجارية في الداخل السوري مثل حلب وحماة وحمص والساحل، وبين المناطق التي تحوي المواد الأولية من المنتجات الزراعية والحيوانية في مناطق شمال وشرق سوريا؛ ولهذا يُعتبَر هذا الطريق خط الإمداد الرئيسي للبضائع والمنتجات بين هذه المناطق، وهو يصل بوّابة سوريا البحرية على البحر المتوسط بالداخل السوري.
- الطريق الدولي (M5): يبلغ طول هذا الطريق 450 كيلومتراً، ويمتدّ من معبَر نصيب على الحدود مع الأردن إلى معبَر باب السلامة ومعبَر باب الهوى على الحدود مع تركيا، عبر المدن الكبيرة مثل درعا دمشق وحمص وحماة وحلب، أمّا شمال مدينة حمص فيلتقي مع الطريق الدولي الواصل ما بين حمص والساحل السوري ومدنها طرطوس ثم بانياس ثم جبلة وصولاً إلى اللاذقية، كما أنّه في العاصمة دمشق يلتقي بالطريق الدولي الواصل مع الجارة لبنان، وتكمن الأهمية الاستراتيجية لهذا الطريق دولياً في أنّه يُعتبَر ممرّ التجارة البرّية بين أوروبا والخليج العربي.
بالإضافة إلى هذه الطرق القائمة بالفعل هناك بعض المشاريع والخطط؛ ونذكر منها:
- الخط العربي لنقل الغاز: يشمل كلّاً من مصر والأردن وسوريا، وقد بدأ مشروع خط الأنابيب في إطار الحوار الثنائي بين مصر والأردن في عام 2001م، وانضمّت لمذكّرة التفاهم فيما بعد كلٌّ من سوريا ولبنان، كما وقّعت إسرائيل وتركيا والعراق اتفاقياتٍ للتعاون في مشروع خط الأنابيب العابر للإقليم، وكما هو مخطّط له، فقد كان من المفترَض أن يكون لخطّ الأنابيب أهمية اقتصادية، ليس فقط للمنطقة العربية، بل لأوروبا وآسيا وأفريقيا، تدعم كلّ من أمريكا والمعسكر الغربي هذا المشروع؛ لما فيه من منافسةٍ مع المعسكر الشرقي، ونوعٍ من التطبيع غير المباشر مع الحليفة إسرائيل، وبالتالي؛ فإنّ المعسكر الشرقي – والمتمثّل بروسيا وإيران – يعارض هذا المشروع لما له من تأثير مباشر على مصالحه الاقتصادية والجيوسياسية.
- خط الغاز القطَري – التركي: هو اقترح قطَري ببناء خط أنابيب غاز طبيعي عبر المملكة العربية السعودية والأردن وسوريا، ومن سوريا يتفرّع الخط إلى ثلاثة فروع: فرع إلى طرابلس لبنان، وفرع إلى اللاذقية السورية، والفرع الثالث إلى تركيا. كان الهدف من الخط هو ربط قَطَر مباشرة بأسواق الطاقة الأوروبية، وقد رفضت سوريا في عام 2009م السماح لخط الأنابيب بالمرور عبر أراضيها؛ وهو ما أدّى إلى فشل المشروع، وكانت أسباب الرفض تعود إلى طبيعة العلاقات السورية – الإيرانية، والخوف من أن يؤدّي إلى تعزيز النفوذ السعودي على سوريا، والمحافظة على العلاقات مع روسيا، وقطع الطريق أمام المنافسة الخليجية في الأسواق الأوروبية مع الغاز الروسي.
- خطّ الغاز الإيراني: خطّ الأنابيب الإسلامي الإيراني يمتدّ من الجانب الإيراني من حقل الغاز الإيراني في الخليج العربي مروراً بالعراق عبر سوريا، ثم يتفرّع إلى ثلاثة فروع من حمص: تتوزّع إلى اللاذقية وتركيا وموانئ لبنان؛ الهدف الرئيس من هذا المشروع هو أن يكون بديلاً للمشروع القطَري، وكذلك ضخّ الغاز الإيراني لأوروبا، وتعزيز المكانة الجيوستراتيجية والاقتصادية لإيران، والتحايل على العقوبات الغربية.
- خطّ غاز كركوك – بانياس: يُعتبَر هذا الخطّ – إلى حدّ ما – مشروعاً قديماً جديداً؛ لأنّه، في الأساس، قد بدأ مع تطوير نظام نقل الطاقة الإقليمي عام 1952م في الشرق الأوسط، تم الانتهاء من بناء خط أنابيب النفط الخام من حقل نفط كركوك في العراق إلى ميناء بانياس السوري، وتوقّف العمل فيه لغايته؛ بسبب التغيّرات الجيوسياسية في المنطقة بدءاً من تغيير النظام العراقي عام 2003م وحتى تغيير النظام السوري نهاية العام المنصرم.
ممّا لا شكّ فيه أنّ معظم الصراعات والنزاعات تحمل في داخلها نواة اقتصادية صِرفة، وأنّ ما جرى ويجري في سوريا ما هو إلّا خير دليل على ذلك؛ فروسيا وإيران مثلاً ما كان دخولهما المباشر في سوريا إلّا لحماية مصالحهما بالدرجة الأولى، والاستفادة من سوريا وجغرافيتها، وما كان النظام السابق سوى أداة لتنفيذ أجنداتهما الخاصة، وحتى بعد أربعة عشر عاماً من الدعم والمساندة تم الاستغناء عنه بمجرّد انتهاء دوره في اللعبة السياسية الدولية وتقاسم المصالح، كما أنّه يمكننا الاستفادة ممّا سبق بتطبيقه على الوضع الحالي الذي يجري على الأرض؛ وذلك من خلال تحديد كلّ من المستفيد والخاسر فيما يجري حالياً، وبالتالي؛ يمكننا تحليل ما يمكن أن يحدث في قادم الأيام، بأنّ السلطة الحالية – وكما يبدو – ربّما لن تكون في المستوى المأمول منها حيال تطلّعات الشعب السوري المستقبلية.