الكرد، العامل الحاسم في الانتخابات التركية المصيرية

يوماً بعد يوم تتّجه أنظار العالم إلى الانتخابات التركية التي ستجرى خلال عشرة أيام والتي تعتبر مصيرية ليس فقط للمتنافسين من الحزب الحاكم بقيادة أردوغان أو المعارضة من الطاولة السداسية وحزب الشعوب الديمقراطي (6+1) بل وحتى للكرد والعرب والأذريين وغيرهم من الأعراق بالإضافة إلى الأتراك أنفسهم، بل هي ذات أهمية كبرى على الصعيدين الإقليمي والدولي.

فأردوغان الذي استلم السلطة منذ أكثر من عشرين سنة وإلى الآن يطمح إلى استعادة الأراضي المحيطة بتركيا بعد اتفاقية لوزان في عام1923م؛ أي بعد انتصار الحلفاء على دول المحور وفرض شروط على الأتراك (السلطنة العثمانية ) باعتبارها من دول المحور وتقليص حدودها إلى الجغرافية الحالية، وفق عقلية أردوغان وقادته والوصول بتركيا إلى حدود الميثاق الملي الذي يشمل شمال كلّ من سوريا والعراق مع أجزاء من أرمينيا وبلغاريا بالإضافة إلى  بعض الجزر اليونانية.

فالرئيس التركي أردوغان الذي عمل على تحويل تركيا العلمانية التي يقودها العسكر والتي تعتبر إرث مؤسّسها مصطفى كمال أتاتورك” وتمجيد العِرق التركي فيها وتفضيلهم على باقي القوميات والأعراق والذين هم أكثر عدداً من الأتراك أنفسهم  الذين ارتكبوا المجازر بحق الشعوب  من ” كرد وآشور وأرمن ” راح ضحيتها الملايين من الأبرياء كونهم يرون في تركيا على أنّها موطن الأتراك وحدهم وليس لأي عرق  آخر الحق في العيش في تركيا سوى تحت راية علم واحد وطن واحد وشعب واحد وهو الشعب التركي وعدم الاعتراف بالقوميات الأخرى.

فمجيء أردوغان للسلطة كسر الكثير من القواعد المتعارَف عليها قبله في الدولة العلمانية والتوجّه الغربي ومحاولة انضمامها إلى الاتحاد الأوربي، والتي فشلت في الانضمام إليها رغم كل المحاولات المستمرة؛ ولذلك أراد تغيير اتجاه بوصلته إلى الشرق نحو كل من الصين وروسيا بالإضافة إلى الدول الناطقة بالتركية وبشكل خاص أذربيجان والدول التي تقع على حدودها الشرقية، وتطوير فكرة الاسلام السياسي وموازاتها مع العلمانية، وبذلك يكون قد تجاوز جميع الخطوط الحمراء منذ تأسيس الجمهورية العلمانية وتقليص نفوذ الجيش الذي كان حارسًا للعلمانية بقيادة أتاتورك، ونتيجة  الصراعات التي تحدث في المنطقة فقد أرادت تركيا بعد استلام أردوغان أن تجد لها موطئ قدم في المنطقة ولعب دورٍ أكبر على الساحة الإقليمية والدولية والخروج من مستوى السياسات الداخلية إلى الخارجية، حيث تُعتبَر تركيا ثاني أكبر قوة في الناتو وتحالفت مع روسيا العدو التقليدي لأمريكا بعدما أرسلت آلاف الإرهابيين من المرتزقة السوريين والإرهابيين الإسلاميين إلى الكثير من الدول مثل ليبيا وأذربيجان، واستفزاز أوربا بورقة اللاجئين السوريين ومناطحة أمريكا في شرقي الفرات في المناطق الخاضعة لسيطرة قرات سوريا الديمقراطية  والقيام بعمليات عسكرية فيها تحت مسمّيات عدة، وكل هذه التدخّلات والمخطّطات التي عمل عليها أردوغان هي ملفّات لتحقيق المكاسب على حساب شعوب المنطقة وابتزاز الغرب بها واستخدامها وقت الحاجة لتحقيق مصالحه الشخصية. فمحليا ومع اقتراب الانتخابات لم  يجنِ أردوغان سوى الفشل على كافة الأصعدة “السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية والمعيشية وغيرها” من جهة نقمة المعارضة العلمانية والتي يقف من خلفها الجيش  والذي بدوره عمل على أسلمة جميع مفاصل الحياة في تركيا، وإبعاد العسكر عن ممارسة السياسة وتحجيم دورهم، وجعل المؤسّسة العسكرية في يده بعد الانقلاب الفاشل في “2016” حيث زج أردوغان كبار ضباط الجيش في السجون، وقام بتقليد الموالين له في المؤسسة العسكرية مناصب رفيعة، وبذلك سيطر على أهم ركن من أركان الدولة التركية، والهاجس الأكبر له في تركيا  هي القضية الكردية والتي كانت وستبقى فوبيا أيّة حكومة أو رئيس سابق أو مَن سيُنتخب من جديد، حيث أجمعوا على حلّها بالطرق العسكرية وما زالوا يحاولون دون أية نتيجة على مر السنين وتعاقب الحكومات على السلطة في تركيا، بعيداً عن حلّها بالطرق السلمية والديمقراطية عن طريق الحوار والتفاهم مع الكرد وممثّليهم من الأحزاب الكردية  والحكومات التركية المتعاقبة.

وفي ظلّ هذه الصراعات والمشاكل داخل تركيا وخارجها، وكذلك الزلزال المدمّر الذي حدث  في تركيا يدخل أردوغان الانتخابات وهدفه الوحيد هو الفوز بها ولو بالقوة ليكون بمثابة الأتاتورك الثاني لمئوية الجمهورية التركية بعد دخولها مئة عام من تأسيسها، وليس هناك خيار آخر أمامه سوى الفوز؛ لأنه في حال فشله في الانتخابات ستنفتح عليه أبواب الجحيم  من كل الجهات.

ويمكن وضع عدّة احتمالات لما ستفضي إليه الانتخابات في الأيام القادمة المتبقية:

الاحتمال الأول: تحالف أردوغان مع حزب الحركة القومية “دولت بهشلي “وحزب الهدى الإسلامي “حزب الله التركي” وبعض الأحزاب الصغيرة ذات الطابع الإسلامي أيضًا، واستثماره التطبيع مع دمشق حيث تُجرَى اللقاءات على قدم وساق، ومحاولة إعادة العلاقات مع الدول العربية بشكل خاص مصر والسعودية، والعمل على ورقة اللاجئين السوريين الحاصلين على الجنسية التركية والذين في حال فوز المعارضة سوف يُرَحّلون إلى سوريا؛ ولذلك فإنّ اللاجئين السوريين سوف يصوّتون لأردوغان خوفاً من المعارضة، فأردوغان سوف يستفيد من أصوات المجنّسين السوريين للتصويت له، والتركيز على علاقته ببوتين الذي سيساعده في الانتخابات ويدَعمه بعدّة ملفّات في حال فوز أردوغان، ومنها ملف الغاز الروسي  وملف الحبوب الأوكراني؛ كون تركيا تطمح  بأن تمرّ عبر أراضيها أو عبر مضائقها البحرية، وعدّة أوراق أخرى أهمها الطاقة من “النفط والغاز” المستخرَج من حقول تركية وتسخيرها في خدمة الحملة الانتخابية للفوز بها.

الاحتمال الثاني : تحالف أحزاب المعارضة  السداسية  مع التحالف الكردي بقيادة حزب الشعوب الديمقراطي والأحزاب الديمقراطية والتكتّلات اليسارية المنضوية تحت سقف التحالف الكردي وتصويتهم “لكمال كوليتشدار أوغلو “مرشّح المعارضة للرئاسة التركية سيغير الموازين وسترجّح كفة المعارضة؛ لأنّ الكرد في تركيا هم رأس الحربة والبطاقة الذهبية لأيّ طرف  في حال دعمهم لأي طرف؛ ولذلك يتخوّف أردوغان كثيراً من هذا التحالف ويتهم ” كوليتشدار أوغلو ” بتعامله مع الإرهابين أي “HDP”حزب الشعوب الديمقراطي وأنه من أصول كردية “عَلوي ” وهو وتر لطالما كان يعزف عليه أردوغان في جميع  الانتخابات السابقة والتي كانت تحصل في تركيا، وهذا التحالف سيمنع أردوغان أن يفوز من الجولة الأولى وسوف تلحقها جولات أخرى وتحالفات أخرى للفوز بها .

الاحتمال الثالث: أن يخسر أردوغان الانتخابات الرئاسية والغالبية البرلمانية في تركيا، وعندها بكل تأكيد لن يسلّم أردوغان كرسيّ الرئاسة التركية بسهولة ولا مفاتيح قصره لأحد، ولذلك سوف يماطل أردوغان في تسليم السلطة أو يعيد الانتخابات مراراً وتكراراً حتى يفوز بها وبحجج واهية، أو أن يقوم بتحريك جيشه من المرتزقة والشرطة للسيطرة على كل شيء وبالقوة واعتقال رؤساء أحزاب المعارضة وزجّهم في السجون والبقاء على عرشه بالقوة.

الاحتمال الأخير والأكثر دموية: في حال عدم تركه السلطة والفوز بالقوة عن طريق تزوير الأصوات أو السيطرة عليها بالقوة المسلّحة فإنّ مستقبل تركيا سوف يتّجه تحو منعطف خطير ألا وهو تقسيم تركيا إلى مناطق نفوذ كما حدث في سوريا تكثر فيها عمليات الاغتيال والقتل ويذهب ضحيتها الألاف من الأبرياء دون ذنب.

فالخلاصة: إنّ هذه الانتخابات التي ستُجرى في تركيا في الأيام المعدودة القادمة سترسم مستقبل تركيا في المقام الأول، كما سترسم سياسات المنطقة إقليمياً ودولياً، إما أن تساعد على حلّ بعض القضايا العالقة في المنطقة أو تزيدها لهيباً أكثر فأكثر.

زر الذهاب إلى الأعلى