خطر داعش وأدوات ابتزاز إقليمية تزيد من تعقيد المشهد السوري

وليد الشيخ

 

بعد سنوات من الصراع السوري، لا تزال التحدّيات السياسية والأمنية قائمة، ويبرز خطر تنظيم “داعش” كتهديد مستمرّ لأيّ استقرار مُحتمَل، وفي ظلّ التداعيات الأمنية الناجمة عن صراع القوى الداخلية والابتزاز التركي المستمرّ من خلال استخدام مرتزقة فصائل الجيش الوطني، يتفاقم الوضع في شرق الفرات؛ وهو ما يجعل المشهد أكثر تعقيدًا وأشدّ خطورة.

“داعش” خطر قائم خلال الفترة الراهنة؛ فعلى الرغم من الضربات التي تلقّاها تنظيم “داعش”، إلّا أنّ خلاياه النائمة ماتزال نَشِطة في مناطق مختلفة، خاصة في شرق الفرات، ويعتمد التنظيم على استغلال الأوضاع الهشّة، سواء نتيجة النزاعات بين الأطراف السورية أو الفراغات الأمنية الناتجة عن تعدّد الجهات الفاعلة.

البيئة المواتية للنشاط الإرهابي:

استمرار النزاعات بين الإدارة الذاتية وقسد من جهة، ومرتزقة فصائل الجيش الوطني المدعومة تركياً من جهة أخرى، يشكّل أرضية خِصبة لتحرّكات “داعش”؛ فالخلافات تُضعِف الجبهة الداخلية، مّما يسمح للتنظيم باستعادة قدرته على التجنيد وتنفيذ الهجمات.

كما أنّ تسرّب الأسلحة من مخازن النظام نتيجة للعمليات العسكرية المختلفة، قد ساهم في تسليح خلايا “داعش” بشكل مباشر أو غير مباشر؛ وهو مّا يعزّز من قدراتها اللوجستية، خاصة أنّ السلاح قد أصبح مُشاعا إثر ترك الجيش السوري سلاحه في الطرقات.

 

التدخّل التركي ودور فصائل الجيش الوطني

تركيا وأداة الفصائل:

تعتمد تركيا على مرتزقة فصائل الجيش الوطني في تحقيق مصالحها داخل سوريا، بما في ذلك إضعاف الإدارة الذاتية وممارسة ضغوط على قوات سوريا الديمقراطية؛ هذه الاستراتيجية تؤدّي إلى خلق حالة من عدم الاستقرار الأمني والسياسي في المنطقة، وقد بدا ذلك جليّاً عندما توجّهت فصائل المعارضة لتحرير سوريا من النظام البعثي، وفي الوقت نفسه أطلق مرتزقة الفصائل عملية عسكرية استهدفت فيها تل رفعت ومنبج، وما تزال تلك الفصائل مستمرّة في قصف سدّ تشرين؛ حيث تهجّر بسبب ذلك عشرات الآلاف من الأهالي، في الوقت الذي يعود فيه بقية السوريين إلى مدنهم، ولا يقتصر القصف على سدّ تشرين فحسب، وإنّما يستمرّ في ريف تل تمر وعين عيسى وكوباني.

التعدّيات المستمرّة على شرق الفرات والهجمات المتكرّرة التي تنفّذها الفصائل على المناطق الواقعة تحت سيطرة قسد تُضعِف البنية الأمنية في المنطقة وتفتح المجال أمام “داعش” للتغلغل فيها.

 

الأزمات الإنسانية ومخيّم الهول:

يشكّل مخيّم الهول أحد أبرز النقاط التي يستغلّها “داعش” كقاعدة خلفية للنشاط الإرهابي، ومع وجود آلاف العوائل المشتبَهة بانتمائها للتنظيم، يمثّل المخيم تحدّياً أمنياً وإنسانياً؛ وقرار الإدارة الذاتية بالبدء بتفكيك المخيّم يُعَدُّ خطوة جريئة، ولكنّها تحتاج إلى دعم دوليّ لضمان عدم تحوّل المخيّم إلى بؤرة أكثر خطورة.

 

أهمية الحوار السياسي والحلول الوطنية:

الحلّ الأمثل لمواجهة خطر “داعش” يكمن في تحقيق توافق سياسي بين جميع الأطراف السورية، بما فيها الإدارة الذاتية وقسد والحكومة المؤقّتة.

مؤتمر الحوار الوطني المزمَع عقده يمثّل فرصة حقيقية لتحييد التدخّلات الخارجية، بما في ذلك التدخّل التركي، وإذا ما تم تمثيل كلّ المكوّنات السورية بشكل عادل، فإنّ المؤتمر يمكن أن يحقّق انطلاقة جديدة للسلام.

 

حصر السلاح بيد الدولة:

هذه الخطوة ضرورية لإيقاف الفوضى الأمنية التي توفّر بيئة خِصبة لنشاط التنظيمات الإرهابية. وأهم التوصيات التي يجب العمل عليها في هذا الإطار هي:

  • دعم دولي لتفكيك مخيّم الهول:

يجب أن يكون تفكيك المخيّم مصحوباً بإجراءاتٍ إنسانيةٍ وأمنيةٍ، بحيث تضمن عدم انتقال خطر التنظيم إلى مناطق أخرى.

  • وضع حدّ للتدخّلات التركية:

يجب العمل على الحدّ من التدخّل التركي في الشأن السوري، وكذلك يجب دعم جهود وقف التعدّيات على شرق الفرات.

  • تعزيز الحوارات السياسية:

يجب أن تركّز الحوارات على بناء دولة مدنية ديمقراطية تضمّ جميع المكوّنات السورية وتضمن حقوق الجميع.

  • تكثيف الجهود الأمنية لملاحقة خلايا “داعش”:

يحتاج الوضع الراهن إلى تنسيق أمني عالي المستوى بين الأطراف السورية والدول الإقليمية المعنية لمحاربة التنظيم.

يبقى خطر تنظيم “داعش” مرتبطاً، بشكل مباشر، بالصراعات المستمرّة في سوريا، وخصوصاً في شرق الفرات؛ فاستمرار التعدّيات من قبل مرتزقة فصائل الجيش الوطني، المدعومة تركياً، والتدخّلات الخارجية تُعيق أي تقدّم نحو الاستقرار. لذا؛ فإنّ الحوار الوطني، وحصر السلاح، ووضع حدّ للتدخّلات الخارجية يجب أن يكون ضمن الأولويات الأساسية لضمان مستقبل آمن ومستقرّ للسوريين كافة.

زر الذهاب إلى الأعلى