القمّة العربية والإسلامية غير العادية بين الآمال والواقع

القمّة بين الوضع الدولي والإقليمي:

عُقدت القمّة العربية والإسلامية غير العادية قبل أيام في الرياض بحضور معظم الرؤساء العرب وممثّلي الدول الإسلامية؛ وذلك سعياً لوقف الحرب في غزة، وإيقاف العمليات العسكرية والهجمات الإسرائيلية على بيروت في الضاحية الجنوبية في لبنان. خلال القمّة طالب الجميع بوقف فوريّ للحرب في غزة وفي لبنان، كما طالبوا بإدانة الهجمات الإسرائيلية في ما يشبه الإبادة الجماعية – كما وصفها معظم القادة في كلماتهم – وقد تبيّنت خلال القمّة المنعقدة في الرياض وحدة الموقف العربي والإسلامي تجاه الهجمات الإسرائيلية على بيروت في الضاحية الجنوبية وغيرها من المناطق اللبنانية، وأشار الجميع كذلك لضرورة وقف الحرب في غزة؛ وجاء ذلك تأكيداً للقمّة العربية والإسلامية التي انعقدت في الرياض في العام السابق 2023م.

في ظلّ الأحداث العالمية المتسارعة والعاصفة في العالم؛ لا تزال الحرب الروسية – الأوكرانية مستعِرة وتبلغ مداها بعد تقدّم الجيش الروسي باحتلال العديد من المناطق، وفي حمّى نشاط بوتين وجولاته في قمة بريكس ومحاولة تشكيل تكتّل اقتصادي ومالي في مواجهة الولايات المتحدة الامريكية، وفي ظلّ نشاط سعودي – أوروبي وعقد المؤتمر الأوربي والشرق أوسطي لتطوير العلاقات الاقتصادية لطرح حلّ للنزاع في الشرق الأوسط (وفق مفهوم حلّ الدولتَين) وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلّة؛ فالسعودية تقوم بنشاط دولي فعّال لحلّ أزمات الشرق الأوسط عبر القمم العربية والإسلامية والأوربية والآسيوية وغيرها، وفي الوقت الذي تقوم تركيا بشنّ الهجمات ضدّ كردستان الجنوبية، وتستهدف البنية التحتية والاقتصادية والنفطية في شمال شرقي سوريا بالطائرات المسيّرة مُستهدِفة نفوذ ومناطق الإدارة الذاتية، وتحرّض الخلايا التابعة لها من تنظيم داعش في مخيمات الهول في قسم المهاجرات، وتحاول العبث بأمن المنطقة في شمال شرق سوريا، فإنّ الرئيس التركي أردوغان الوقت نفسه يدعم القمّة العربية والإسلامية ويذرف “دموع التماسيح” على حماس والشعب الفلسطيني، ناهيك عن الحرب الدائرة في السودان بين الجيش السوداني والدعم السريع الذي يكاد لا يُذكر في وسائل الإعلام، عدا عن الهجمات الإسرائيلية على مخازن السلاح وعناصر حزب الله في سوريا في مناطق حمص والقصير ومناطق دير الزور.

  في خضمّ كل هذه التوتّرات الدولية والإقليمية والشرق أوسطية عُقِدت القمّة العربية والإسلامية غير العادية بعد انتهاء الانتخابات الأمريكية وفوز دونالد ترامب بالرئاسة ليعود ثانية إلى البيت الأبيض، وسط ترقّب لتغيير موازين القوى في الشرق الأوسط الذي فرضه واقع الهجمات الإسرائيلية؛ كنتيجة لمساندة حزب الله والحوثيين والحرس الثوري لحرب غزة ومساندة حماس، والتي لم تتطرّق إليها القمم العربية والإسلامية، واللافت أنّ دولة قطر عندما لمست أنّ التغيّرات القادمة لن تكون في صالحها ولا في صالح حماس فقد أعلنت سحب يدها من مفاوضات حماس، رغم أنّها قد لعبت أدوارًا في مفاوضات كانت تتم “تحت الطاولة” بين جميع الأطراف المتصارعة؛ بين أذرع إيران وإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية. الأمر نفسه ينطبق على دور سلطنة عمان في لعب دور “الوسيط” بين إسرائيل وإيران وبين إيران والولايات المتحدة الأمريكية.

   الجدير بالذكر أنّ المملكة العربية السعودية قد قطعت شوطاً في تحسين علاقاتها مع إيران في الآونة الأخيرة، تلاه حضور إيراني في القمّة العربية والإسلامية لكن دون حضور الرئيس الإيراني “بزشكيان” الذي أثنى على الدور السعودي في عقد القمّة المذكورة لإدانة إسرائيل ودعم حلّ إقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران عام 1967م، وكذلك تحدّث وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان خلال كلمته حول إدانة الهجمات الإسرائيلية على الأراضي الإيرانية، على خلفية الردّ على الهجوم الإسرائيلي على إيران؛ وذلك حتى لا تتوسّع هذه الحرب إلى حرب إقليمية شاملة تكون نتيجتها القضاء على جميع المصالح الحيوية والنفطية والاقتصادية والاستراتيجية في الشرق الأوسط للدول الأجنبية، وفي مقدّمتها الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوربي وروسيا، وجمهورية الصين الشعبية التي تمثّل منافسًا قويّاً للولايات المتحدة الأمريكية في المحيط الهادئ وبحر الصين وفي تايوان التي تمثّل القوة المنافسة الناعمة التي يمتد نفوذها المالي والاقتصادي إلى القارة الإفريقية، وتحلّ تدريجيًا محلّ الدول الاستعمارية القديمة خاصة فرنسا.

الآمال والتوقّعات العربية والإسلامية:

تأمل الدول العربية والإسلامية وقفًا فوريًّا للحرب وتحقيق تهدئة واستقرارًا نسبيًّا على الأقل في المنطقة، وإعادة إعمار لبنان وغزة جراء الدمار الممنهَج الذي تقوم به إسرائيل منذ عام وحتى اليوم، وتأمل الدول العربية والإسلامية – وخاصة المملكة العربية السعودية – بحلّ الدولتَين، وإقامة الدولة الفلسطينية ونيلها العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، ورفض الهيمنة الإسرائيلية على الضفّة الغربية، وتشكيل لجنة وزارية منبثقة عن المؤتمر تواصل وتتابع القرارات المنبثقة في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، وتؤكّد ضرورة إدخال المساعدات الدولية والعربية والإسلامية إلى غزة ولبنان، وضرورة رفع الحظر عن القوات الدولية “اليونيفيل” واستكمال دورها الإيجابي في التهدئة ووقف الحرب، وكذلك رفع الحظر عن المنظمة الدولية التي ترعى شؤون اللاجئين “الأونوروا” والسماح لها باستكمال دورها الإنساني في غزة، كما تأمل الدول العربية والإسلامية السعي لتجميد عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة والجمعية العمومية، خاصة إذا لم توقف الحرب في لبنان وفي غزة، يأتي ذلك رغم توجّس وحذر معظم الدول العربية والإسلامية من تولّي الرئيس الأمريكي المنتخَب دونالد ترامب؛ كونه سبق له أن تعامل مع الشرق الأوسط في السابق، والذي أعرب عن رغبته في وقف الحروب في المنطقة والعالم وفق رؤيته، والذي سبق له أن وافق على نقل العاصمة الإسرائيلية إلى القدس واعترف بها، كما سبق له أن انسحب من الاتفاق النووي مع إيران وفرض عقوبات على إيران وجمّد أموالها في البنوك العالمية، ولاتزال هناك أكثر من شهرين حتى يدخل ترامب البيت الأبيض ويتسلّم زمام الأمور. لذا؛ إنّ النشاط العسكري الإسرائيلي محموم في الفترة القادة حتى تتمكّن من الانتصار الحقيقي على حماس وتقضي على القوة العسكرية لحزب الله وتتمكّن من تقليم أظافر إيران وأذرعها في المنطقة (في سوريا ولبنان واليمن والعراق) لإعادة إيران إلى حجمها الطبيعي في المنطقة، وهذا ما نتحدّث عنه في قادم الأيام بخصوص تغيّر موازين القوى في منطقة الشرق الأوسط؛ فإسرائيل تستغلّ هذه الفترة لاستكمال أهدافها في قطع طريق وشريان الإمدادات إلى حزب الله عبر سوريا عن طريق البوكمال.

القمّة العربية والإسلامية، ورغم أهميتها، إلّا أنّها لم تأتِ ثمارها؛ كون أغلب الدول التي أظهرت موقفا موحّداً تجاه إسرائيل هي نفسها تدور في الفلك الأمريكي والأوروبي والفلك الروسي أو الصيني، كما أنّها تجنّبت أن تحمّل الفصائل والاذرع الإيرانية مسؤولية استمرار الحرب؛ لأنّها استمرّت في غيّها بمساندة حماس في غزة، وتجنّبت القمّة الإشارة إلى إيران (لا من قريب أو بعيد) ولعلّ هذا هو سبب عدم حضور الرئيس الإيراني بزشكيان؛ في إشارة إلى تجنّب الإحراج الدبلوماسي في الوسط العربي والإسلامي. من الملاحَظ أنّ الرئيس التركي أردوغان قد انسحب أثناء إلقاء الرئيس السوري بشار الأسد كلمته، أو أنّه قد تعمّد عدم الحضور؛ وهو ما يشير إلى أنّ مساعيه لم تثمر حتى الآن في تطبيع العلاقات مع النظام السوري، ويشير من جانب آخر إلى تعنّته ورغبته في  استمرار هجماته على الأراضي السورية في شمال وشرق سوريا، وهو أمر ثابت في السياسة التركية (العثمانية) التي تؤكّد استمراره في قضم الأراضي السورية في سري كانيه وكري سبي وعفرين وقبلها لواء إسكندرونة، ويكيل التهم لقوات سوريا الديمقراطية، وهو مَن يقوم بالاحتلال والاعتداءات بالمدفعية والمسيّرات والتفجيرات عبر أعوانه وجواسيسه في شمال شرق سوريا؛ فالحاضرون في المؤتمر على اطّلاع تامّ بكلّ أعماله اعتداءاته.

التوقّعات خلال المرحلة الانتقالية حتى تسلّم ترامب:

من المتوقّع أن تستمرّ إسرائيل في هجماتها وتصعّد من عملياتها العسكرية في لبنان وفي الضاحية الجنوبية، وتستمر كذلك بضرب مواقع حزب الله في سوريا وتستمرّ بضرباتها على طريق وشريان إمداد حزب الله في الأشهر والأيام القادمة، إلى أن تضع الحرب أوزارها في لبنان على الأقل بتطبيق القرار الدولي 1701 ويحلّ الجيش اللبناني محلّ حزب الله على الحدود مع إسرائيل.

ويُتوقَّع أيضًا استمرار الهجمات التركية على مناطق الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، عبر تنظيم داعش وخلاياه النائمة في مخيمات الهول، وكذلك أن تتابع استهداف البنية التحتية النفطية والصناعية وضرب اقتصاد الإدارة الذاتية وإلحاق أكبر قدر من الاضرار، بانتظار الضوء الأخضر من ترامب في قادم الأيام، والتي نعتقد أنها لن تلبّي طموحات أردوغان ورغباته، وستّتجه الأمور باتجاه حلّ الأزمة السورية، ومن المتوقّع أيضًا أن تضعف الأذرع الإيرانية والفصائل المسلّحة من حزب الله والحوثيين والحشد، في اتجاه استقرار الأوضاع في الشرق الأوسط والاعتراف بالإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، ومن المتوقّع أيضًا أن يتم الإعلان عن الإدارة الذاتية في السويداء ضمن إطار سوريا لامركزية ديمقراطية، وكذلك من المتوقّع القضاء على حماس عسكرياً وتُدار غزة من قبل السلطة الفلسطينية في رام الله بمشاركة من جناح حماس السياسي إن توفر.

 

زر الذهاب إلى الأعلى