التهديدات التركية والضوء الأخضر الأمريكي

التهديدات التركية والضوء الأخضر الأمريكي

بعد اعلان بوتين الحرب على أوكرانيا بدأت الدول الغربية بفرض عقوبات على موسكو إلا أن هذه العقوبات لم تؤثر على روسيا بشكلٍ كبير أو حتى عزلها دولياً كون هناك دول محورية ترفض المشاركة في هذه العقوبات، بل انعكست عليها سلباً مما أدى إلى ظهور خلاف بين دول الاتحاد الأوروبي حول جدوى العقوبات على موسكو، الأمر الذي قد يؤثر على الصراع القائم بين الغرب وروسيا في أوكرانيا. لذا بدأت الولايات المتحدة بالضغط على منظمة أوبك وبالأخص دول الخليج لزيادة الإنتاج وتخفيض أسعار النفط عالمياً، وإيجاد طرق جديدة لنقل الغاز إلى أوروبا سواء عبر شمال أفريقيا أو عبر الشرق الأوسط، وتركيا قد تكون لاعباً اساسياً كمعبر لنقل الغاز إلى أوروبا، إلى جانب موقعها الجيوسياسي الذي يزيد من فعالية العقوبات الغربية على روسيا. من هنا بدأت تركيا تستغل الحرب الروسية الأوكرانية لتحقيق مطامعها في سوريا ومن بين هذه المطامع الحصول على موافقة دولية لعمليات الاستيطان في الشمال السوري ” الحزام الأسود” تحت ذريعة إعادة مليوني لاجئ على حساب أبناء المنطقة، والحصول على الضوء الأخضر الغربي للقيام باجتياح عسكري جديد في شمال وشرق سوريا، كل ذلك يندرج ضمن تنفيذ مخططها الاستعماري الميثاق الملّي في سوريا.

إن قيام الولايات المتحدة بإعفاء مناطق الإدارة الذاتية من عقوبات قيصر في هذا التوقيت قد يكون خطوة أولية لإيجاد طريق لنقل الغاز والنفط من باشور كردستان ومناطق الإدارة الذاتية إلى أوروبا مروراً بالشمال السوري وتركيا باتجاه أوروبا، هذه الخطوة فيما لو دخلت حيذ التنفيذ ستصطدم بمعارضة كل من تركيا وروسيا وإيران لأن هكذا خطوة ستمنح الإدارة الذاتية نوعاً من الاستقلال الاقتصادي وقد يؤدي في نهاية المطاف إلى الاعتراف السياسي بها، كما أن تركيا لن تسمح بمرور غاز ونفط المنطقة عبر أراضيها إلا بعد منحها الضوء الأخضر في السيطرة على الشمال السوري وبعمق 30كم، من ناحية أخرى قد تهدف الولايات المتحدة من خلال رفع العقوبات عن المنطقة والسماح للشركات الأجنبية بالاستثمار في المنطقة إلى دفع تركيا لتهديد المنطقة من أجل الاصطدام بروسيا. حيث بدأت تركيا تتحرك لمنع إنعاش المنطقة اقتصادياً حيث زادت من وتيرة زعزعة استقرار المنطقة من خلال تكثيف طائراتها المسيرة في الأجواء وإرهاب أبناء المنطقة إلى جانب زيادة وتيرة القصف وذلك لمنع دخول الشركات الأجنبية إلى مناطق الإدارة الذاتية، كما تستغل تركيا طلب فنلندا والسويد في الانضمام إلى حلف الناتو للحصول على الشرعية الدولية لمستوطناتها في الشمال السوري “الحزام الأسود” والحصول على الضوء الأخضر الغربي للقيام باجتياح عسكري جديد لمناطق الإدارة الذاتية، فحاجة الغرب إلى تركيا في صراعهم مع روسيا على الساحة الأوكرانية قد تمنحها الضوء الأخضر وهو ما يراهن عليه أردوغان حيث قال في خطاب متلفز “قمنا باستعداداتنا وأكملنا خطط العملية وأعطينا التعليمات الضرورية”، مضيفا أن الهجوم قد يبدأ “في أقرب وقت، اليوم أو غدا” وتابع “سنقوم بهذه العملية على الأرض ومن الجو”، مشيراً إلى أنها ستدور شرق الفرات. وقد لا يشمل الضوء الأخضر الأمريكي كامل شمال وشرق سوريا وبعمق 30كم في الوقت الحالي وإنما مناطق معينة وخارج سيطرتها من أجل إرضاء تركيا وخلق خلافات تركية روسية. لذا فأن المنطقة الواقعة بين كري سبي وجرابلس أي منطقة كوباني قد تكون المنطقة المستهدفة في الوقت الحالي وذلك لربط المناطق التي يحتلها الجيش التركي في سري كانيية وكري سبي بمنطقة ما يسمى بدرع الفرات، هذه المنطقة باتت تحت النفوذ الروسي بعد الانسحاب الأمريكي الأخير عام 2019. فهل ستسمح روسيا لتركيا بشن اجتياح جديد، مقابل الحصول على ضمانات بعدم انخراطها في الحرب الأوكرانية أو على الأقل اتخاذ موقف الحياد في الصراع الغربي الروسي، أم أنها ستعمل على مقايضة تلك المنطقة المستهدفة بمناطق في جنوب إدلب “طريق M4” الممتد بين سراقب – أريحا – جسر الشغور. أو أن روسيا ستمنع تركيا من القيام بأي عملية عسكرية جديدة كون تركيا عضواً في حلف الناتو والمناطق التي تسيطر عليها تركيا تعتبر بشكل غير مباشر مناطق تابعة للنفوذ الغربي. ويبقى الهدف الروسي في الوقت الحاضر الحفاظ على علاقتها مع تركيا وعدم السماح للغرب في التأثير على هذه العلاقة مما قد يتعكس عليها سلباً في الأزمة الأوكرانية.

وفي هذا السياق فالولايات المتحدة من الممكن أن تمنح الضوء الأخضر لتركيا للقيام باجتياح جديد على شمال وشرق سوريا إلا أن هذا الضوء سيكون مرتبط بالأزمة الأوكرانية وعلاقة تركيا بروسيا كون الولايات المتحدة والدول الأوروبية فشلت حتى الآن في إركاع روسيا بل باتت العقوبات التي فرضتها على روسيا تنعكس عليها سلباً لذا أصبح من الضروري على الغرب استدراج تركيا إلى صفها في نزاعها السياسي والاقتصادي مع روسيا، أما روسيا فهي تدرك تماماً بأن تركيا غير قادرة على الخروج من العباءة الغربية وأنها لن تبقى على الحياد لفترة طويلة تجاه الأزمة الأوكرانية خاصة أن تركيا تدعم أوكرانيا عسكرياً من خلال تزويدها بالطائرات المسيرة وأن احتلال تركيا المزيد من الأراضي سيخلق أزمات مستقبلية معها. لذا فهيَّ أمام خيارين إما مقايضة منطقة بمنطقة أو إجبار قسد على السماح بعودة النظام إلى شمال وشرق سوريا بحجة أن ذلك سيمنع تركيا من القيام باجتياح المنطقة، أما الخيار الثاني فهيَّ منع تركيا من احتلال المزيد من الأراضي من خلال إرسال رسائل مبطنة لها كقصف بعض المواقع حتى تتوضح السياسة التركية تجاهها خاصة بما يتعلق بالأزمة الأوكرانية.

أخيراً في كل الاحوال تبقى المنطقة معرضة للتهديدات التركية أو للمساومة وعلى حساب شعوب المنطقة وكل ذلك متعلق بأهداف ومصالح الدول العظمى ويبقى خيار المقاومة وتوحيد الصف الوطني تجاه الأطماع التركية الخيار الوحيد والوقوف بوجه الحزام الأسود الذي تنوي دولة الاحتلال التركي إنشائه وتوسعته، الأمر الذي من شأنه أن يمنع تهجير أبناء المنطقة ومنع تكرار كارثة عفرين وكري سبي وسري كانييه بعد الاجتياح التركي.

زر الذهاب إلى الأعلى