فتح المعابر وترميم المتهالك
عبدالرزاق علي
تركيا (الأردوغانية (وسوريا) الأسد) تلعبان معاً لعبة” القط والفأر” على متن قطار التطبيع المتهالك على الجغرافية السورية، وذلك على حساب فلول الثورة المتشرذمة والفصائل) المتطرّفة والمعتدلة (المتمركزة في الشمال السوري على الشكل التالي :وأذكر على سبيل الحصر أحرار الشام وأحرار الشرقية وفيلق الشام وفرقة الحمزات وفرقة السلطان مراد بزعامة التركمان وفرقة الشاه سليمان (العمشات) بزعامة محمد الجاسم، فالمعابر تقع في جغرافية هذه الفصائل، بالإضافة إلى المشهد الذي يزداد تعقيداً في إدلب؛ حيث هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) وكذلك فصيل الحزب الاسلامي التركستاني، كما نرى فإنّ المشهد يعجّ بهذه الفصائل المتناقضة فيما بينها (موالاة ومعارضة)، وهي موزّعة جغرافياً ومرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالحكومة التركية إداريا واقتصادياً وعسكرياً.
لقد حان الوقت لتزويد قطار التطبيع بالوقود، ووقودها هي تلك الفصائل التي ارتهنت لتركيا وتحوّلت لمرتزقة لتصبح كبش فداء لفتح المعابر وتسيير القطار، فمنها مَن تلتزم الصمت والموافقة؛ ومنها مَن تعارض وهي ثلّة قليلة لا تستطيع مقاومة السيل الجارف، ومنها مَن تفكّر باللجوء إلى برّ الأمان في شرق الفرات. أمّا الشعب – وكالعادة – يشجب ويردّد وينتفض ويرفض من خلال الاحتجاجات والمظاهرات، ويمانع فتح المعابر وتسليم رقابه للجلاد؛ لكنّه في النهاية سيذعن للأمر الواقع ويرضخ للقوة.
وأيضاً مَن يعارض فتح معبر أبو الزندين هم مَن تتضرّر مصالحهم المادية والسلطوية للفصائل المتمركزة والمستفيدة، لكن قد “ذاب الثلج وبان المرج” وتعثّرت سياسة أردوغان الخارجية منها والداخلية، وأصبحت صورته مهتزّة كورقة التوت دولياً وإقليمياً وداخلياً، لقد أصبح أردوغان على مفرق طرق، وأضاع بوصلته وبات ممزّقاً تستغلّه روسيا من جهة وأمريكا تغلق الباب بوجهه من جهة، والمعارضة تضيّق عليه الخناق وتصفعه في الانتخابات البلدية الأخيرة من جهة أخرى، وهو المثقل بالاقتصاد المتهالك والبطالة المتضخّمة وانخفاض قيمة عملته وارتفاع أسعار المواد الأولية إلى مستويات قياسية، بالإضافة إلى عبء اللاجئين السوريين؛ كلّها عوامل وضعته في موقع لا يُحسَد عليه، لقد تلاشت كل مشاريعه واختفت خطوطه الحمراء وفقد توازنه، فهو كالحرباء، أليس هو القائل إنّ )”بشار) مجرم وقاتل وأخطر من تنظيم الدولة الإسلامية، وكيف سنبني مستقبلاً مع رئيس قتل من مواطنيه أكثر من مليون مواطن” وهو الآن يهرول نحوه، إنّها مفارقة غريبة وعجيبة؛ ومردّ ذلك إلى سياسته الرعناء، لقد فشل فشلاً ذريعاً في مشروعه الإخواني وتطبيق الميثاق الملّي.
السؤال الذي يُطرح هو: لماذا تغيّر موقف تركيا الآن؟
التغيير في الموقف التركي لم يأتِ منفصلاً عن زحمة الأحداث المتسارعة، داخلياً وخارجياً، وسلسلة المواجهات السياسية والفواعل الإقليمية، ولعلّ أهمها:
- إصرار الولايات المتحدة على دعم قوات سوريا الديمقراطية.
- الضغط الروسي (عرّاب القضية( والإيراني على النظام التركي لتأهيل نظام الأسد.
- تراجع شعبية حزب العدالة والتنمية في الآونة الأخيرة.
فهذه الإيضاحات تقودنا إلى جملة من الأسئلة أهمها:
- لماذا يهرول أردوغان نحو التطبيع؟
- لماذا يبادله الأسد بالتغزّل الخجول؟
- لماذا تدعم روسيا وتساند وتخطّط لهذا التقارب؟
- لماذا يعارض سكّان الشمال هذا التطبيع وفتح المعابر؟
- ما هو مصير الفصائل الموالية والمعارضة؟
- ما هو الموقف الأمريكي؟
- ما هو موقف الإدارة الذاتية لإقليم شمال شرق سوريا؟
- ما هو الدور الإيراني؟
- وهل سيتكلّل هذا التقارب وفتح المعابر بالنجاح؟
- مَن المستفيد الرابح والمتضرّر الخاسر؟
- ما الغاية منها وما هي أهدافها ونتائجها؟
كل هذه الاسئلة تثير إشارات استفهام لتحليل ما يجري على الأرض، ولقراءة الآفاق المستقبلية ووضع الاحتمالات والسيناريوهات المتوقّعة والمتوخّاة؛ لوضع المواطن السوري والعالم في صورة الواقع، وما تتمخّض عنه من آثار، لضمان عدم انجراره وراء الدعاية.
نستنتج أنّ الهدف من فتح المعابر هو البحث عن مخرج من الأزمة الاقتصادية المتفاقمة، وتنشيط المبادلات التجارية، وقطع الطريق أمام المبادرة العربية في المنامة ومخرجاتها، والتي باتت تنفتح على نظام بشار الأسد من خلال الملاحة المدنية وتزويده بالمشتقّات النفطية وفتح السفارات، والأهم من وراء ذلك تشكيل جبهة )روسية، تركية، إيرانية، سورية) للضغط على أمريكا لإجهاض مشروع الإدارة الذاتية.
– وهذا من دواعي سرور بشار الأسد ونظام إيران اللّذَين تجمعهما المصالح ضد الكرد في هذا المضمار. لكن على الضفة الأخرى أصبح مشروع الإدارة الذاتية لإقليم شمال وشرق سوريا واقعاً على الأرض (شاء مَن شاء وأبى مَن أبى)، أمّا عرّاب القضية (روسيا) فتريد أن تخرج من المستنقع الأوكراني ولا تريد أن تخسر مكانتها الجيوسياسية في الشرق الأوسط، بل لتتفرغ لحربها ضدّ الأوكرانيين الذين أحرجوه باحتلال إقليم كورسك.
أمّا المعارضة المرتزقة فهي برسم البيع في المزاد العلني بعد أن انتهى دورها من المشهد السياسي والعسكري التركي، ولا يخفى علينا أنّ النظام العراقي يحنّ إلى عروبته ويكرّس عداءه للكرد من خلال المساهمة في هذا الإطار.
ولا يغيب عن بالنا أبداً أنّ الإدارة الذاتية هي التي قارعت الإرهاب وضحّت بآلاف الشهداء، وتقف إلى جانب الشعب ولمصلحة الشعب بكافة مكوّناته، فهي تبحث عن حلول شاملة وكاملة لا عن فتح معبر هنا وهناك، ولا يعنيها موقف وزير خارجية سوريا والوفد المرافق له الذي انسحب من قاعة الجامعة العربية أثناء إلقاء وزير خارجية تركيا )هاكان فيدان) كلمته احتجاجاً ورفضاً، علماً أنّها على دراية تامة بأنّ العلاقات السورية – التركية لم تنقطع يوماً، وأنّ قطار التطبيع يسير من وراء الكواليس؛ فلا داعي لمثل هذه المسرحية الهزلية المعروضة للاستهلاك الإعلامي.
أمّا الموقف الأمريكي فهو ضدّ التطبيع وفتح المعابر وإعادة الدكتاتور إلى السياسة الإقليمية؛ فهي تسعى دوماً لحلول شاملة لا جزئية مقطّعة الأوصال؛ سوريا لكل السوريين وفقا للشرعية الدولية /٥٤ ٢٢/
– ما هو السيناريو المتوقّع؟
يمكن الحكم على هذا المشروع بالفشل؛ لأنّه مبنيّ على مصالح دول متناقضة شكلاً ومضموناً من حيث الاستراتيجيات المتداخلة؛ فالحل يجب أن يكون عاماً وشاملاً تشارك فيه كل الدول الداخلة في الصراع السوري، ويجب أن يستند إلى مرجعية دولية لتلافي الإخفاقات الجزئية المتكرّرة هنا وهناك وما بين دولة ودولة أخرى، كما يجري الآن، وأن ينال هذا الحلّ رضى الشعب السوري جملة وتفصيلاً.
المقالة تعبر عن رأي الكاتب