قسد والتحالف ضد الإرهاب

تكتسبُ منطقة الشّرق الأوسط أهمّية كبيرة في النظام الدّولي على العديد من الأصعدة، خاصة على الصعيدين الجيوسياسي والطاقة، إلى درجة أنه يمكن اعتبارها مفتاح السيطرة على العالم، وانطلاقا من هذه الأهمية فقد كانت ولا تزال هذه المنطقة محط اهتمام العديد من القوى الكبرى خاصة الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وحالياً الصين. فمن الناحية الجيوسياسية إن الحصول على مكانة مهمة في هذا المجال سيسهل الأمر في تحقيق باقي الأهداف الاستراتيجية الأخرى ليس في المنطقة فحسب بل على المستوى العالمي أيضا، أما من ناحية الطاقة، فهناك العديد من الدوافع التي تتحكم في التحركات الأمريكية والروسية والصينية، سواء في الحفاظ على مناطق نفوذها أومن أجل الوصول إلى مصادر الطاقة التي تزخر بها منطقة الشرق الأوسط أو لتأمين وصول إمدادات النفط والغاز الطبيعي عبر تلك المنطقة، كل هذه العوامل جعلت منطقة الشرق الأوسط ساحة صدام وتصارع بين القوى العظمى.

 ومع صعود قوة روسيا مجدداً بقيادة بوتين بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، بدأت الولايات المتحدة تعمل على تعزيز قوتها الشاملة وتسعى لتقوية مكانتها العالمية، وحماية مصالحها الاستراتيجية في العديد من المناطق من التمدّد الروسي أو التمدّد الصيني الاقتصادي “مبادرة الحزام والطريق”، خاصة في منطقة الشرق الأوسط. بالرغم من القبضة العسكرية الأمريكية على منطقة الخليج إلا أنّ الخاصرة الضعيفة في الحفاظ على مصالحها تكمن في كلٍّ من العراق وسوريا فالعراق باتت منطقة غير آمنة بالنسبة للقوات الأمريكية بسبب النفوذ الإيراني وميلشياتها العسكرية “الحشد الشعبي” التي تهدد القوات الأمريكية وتطالبها بالانسحاب من العراق، لذا أضحى باشور كردستان الملاذ الآمن للقوات الأمريكية في العراق. أما سوريا ومنذ بداية أزمتها حاولت الولايات المتحدة إنشاء قوة عسكرية يمكن الاعتماد عليها في محاربة الإرهاب وتجد موطئ قدم لها في سوريا، فبدأت بمشروعها بتشكيل قوة عسكرية من الفصائل المسلحة السورية في تركيا (ومنطقة التنف) لمحاربة التنظيمات الإرهابية ورغم الدعم اللوجستي والمالي والعسكري إلا أنّ هذا المشروع فشل نتيجة ارتباط تلك الفصائل بجهات خارجية ولم تكن على قدر من الثقة إلى جانب تحول جميع هذه الفصائل إلى تنظيمات إرهابية وأخيراً تمَّ إدراجها على قوائم الإرهاب، فكان لا بد من الاعتماد على قوة بديلة يمكن الاعتماد عليها في محاربة الإرهاب مما أدى بالولايات المتحدة التوجه نحو وحدات حماية الشعب في شمال وشرق سوريا والتي تحولت فيما بعد إلى قوات سوريا الديمقراطية التي ضمت كافة مكونات المنطقة، وقد نتج عن هذا التعاون تفاهم أمريكي روسي على جعل نهر الفرات الخط الفاصل بين القوتين، وقد استطاعت هذه القوة وبدعم من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة من دحر تنظيم داعش. هذه القوة التي أصبحت قوة وطنية رئيسية على الجغرافيا السورية، خاصة بعد أن أصبحت قوة منظمة ومدربة يربو عدد أفرادها عن 100 ألف مهمتها حماية مناطق الإدارة الذاتية من التنظيمات الإرهابية وتأمين الأمن والاستقرار لأكثر من أربعة ملايين مواطن من جميع مكونات الشعب السوري.

إن قيام الولايات المتحدة باتخاذ قسد شريكاً لها في محاربة الإرهاب لم يأت من فراغ بل من الحقائق التالية.

  • نجاح وحدات حماية الشعب في التصدي لتنظيم داعش الإرهابي وحماية مناطقهم من التنظيمات الإرهابية.
  • تحول وحدات حماية الشعب إلى قوة وطنية “قسد” بعيدة عن التطرف وتضم كافة مكونات الشعب السوري، وهذا ما جعل الولايات المتحدة أكثر تمسكاً بها وتزيد من دعمها العسكري وتخصص جزءاً من ميزانيتها لها.
  • التواجد العسكري الأمريكي في المنطقة بات ضرورياً لمنع التمدد الإيراني في المنطقة وهذا يتطلب استمرار شراكتها مع قسد.

 وكذلك إعاقة تنامي النفوذ الصيني على اعتبار أن سوريا هي بوابة الشرق “الصين” على البحر المتوسط، وتشكل طريقاً رئيسياً لمصادر الطاقة خاصة الغاز من دول الخليج إلى أوروبا في حال تم تنفيذ مشاريع لنقل الغاز والنفط إلى أوروبا.

  • خطر تنظيم داعش وعودته مجدداً إلى جانب خلاياه النائمة ما يزال قائماً وهذا يستوجب دعم قوات سوريا الديمقراطية أكثر وتطوير قدراتها القتالية والأمنية في ملاحقة خلايا داعش في المنطقة ومنع عودته من جديد.
  • التواجد الأمريكي في المنطقة يعيق من محاولات النظام السوري وحلفائه من إعادة سيطرتهم على المنطقة وممارسة سياسة استبدادية مماثلة للسياسة التي كانت متبعة قبل الأزمة

هذا وقد كشف جو بايدن في أول خطاب له أمام موظفي وزارة الخارجية في واشنطن عن الخطوط العريضة للدبلوماسية الأمريكية الجديدة، لا سيما إزاء قضايا الشرق الأوسط وروسيا. وقال “أمريكا عادت. وعادت الدبلوماسية الأمريكية إلى المنطقة” فيما تعهد بـ”بناء تحالفات دولية جديدة” مع التصدي بقوة لروسيا والصين.  لذا فإن الصراع  بين الولايات المتحدة من جهة وروسيا والصين من جهة أخرى وأمام التمدد الإيراني والتركي في منطقة الشرق الأوسط وهذا ما يجعل من الولايات المتحدة أكثر تمسكاً بمناطق نفوذها وحلفائها في أي منطقة من الشرق الأوسط، كما لا يمكن للولايات المتحدة التفريط بقوة جديدة على الأرض تتمتع معها بشراكة وبعلاقة قوية لدولٍ تشكل تهديداً على هيمنتها العالمية. إلا أن الخطر الذي يهدد تلك العلاقة، يكمن في التهديدات التركية المستمرة على مناطق الإدارة الذاتية وفي كيفية تعامل الولايات المتحدة مع تركيا في الحفاظ على السلام والاستقرار النسبي في شمال شرق سوريا.

زر الذهاب إلى الأعلى