قراءة في مستقبل حرب غزة وتداعياتها على الشرق الأوسط
د.أحمد سينو
لاتزال الحرب في غزة مستمرّة إثر عملية /7/ أكتوبر على يد حركة “حماس” واعتقال الرهائن الإسرائيليين والأمريكيين وغيرهم، ولازال الاجتياح الإسرائيلي مستمرًّا في نواحي غزة بحثًا عن الرهائن ومحاولة القضاء على حركة “حماس” الفلسطينية، وقد ترافق ذلك بتدمير شبه كامل لقطاع غزة وتعطيل للبنية التحتية؛ الأمر الذي تسبّب بنزوح كبير للسكان وقتل الآلاف من النساء والأطفال والشيوخ، ناهيك عن المدنيين الذين قضوا تحت الأنقاض، وما زاد الأمر سوءًا هو شحّ المساعدات الإنسانية التي تقدّمها منظمة الأمم المتحدة (الأونروا) والتي اتُّهِمت مؤخّراً بالتعاون مع حماس، كما أنّ الحكومة الإسرائيلية برئاسة نتنياهو وكذلك الكنيست الإسرائيلي اتّهما حماس بالإرهاب، واتّهماها كذلك بسرقة المساعدات الإنسانية التي تقدّمها المنظّمات الدولية للشعب الفلسطيني الذي يعاني الجوع والعطش والمأوى، وقد جاء ذلك في خطاب أمام الكونغرس الأمريكي يوم أمس في 7/24/ 2024م وسط تفاعل الأعضاء من الجمهوريين والديمقراطيين، ويبدو أنّ الحرب في غزة تكاد تضع أوزارها في الأيام القليلة القادمة وفق المقترح الإسرائيلي الذي تبنّاه الرئيس الأمريكي (جو بايدن)، وسيكون ذلك على ثلاث مراحل، وما إصرار الرئيس الإسرائيلي على الانتصار في هذه الحرب إلّا لحماية حكومته من السقوط، ووضع نهاية لهذه الحرب وإعادة الرهائن إلى بيوتهم والوصول لتسوية سياسية تحقّق مستقبلا أفضل لكلا الجانبين المتحاربين، وقد لعبت كلّ من مصر وقطر دور الوسيط لإنهاء هذه الحرب التي تبدو عبثية، ويتضمّن وقفًا كاملًا لإطلاق النار مع انسحاب إسرائيلي من جميع مناطق غزة، وإطلاق سراح الرهائن من كلّ الجنسيات، بمن فيهم الرهائن الأمريكيين، وذلك مقابل إطلاق سراح المئات من السجناء الفلسطينيين وتدفّق المساعدات الانسانية بمعدل 600شاحنة يوميًا، وتستمرّ المفاوضات بين حماس وإسرائيل لتأكيد إنهاء الأعمال القتالية وإطلاق سراح جميع الرهائن، وصولاً إلى المرحلة الأخيرة التي سوف تتضمّن إعادة إعمار كبيرة وشاملة لجميع مناطق غزة.
والسؤال الكبير الذي يُطرح هنا: أين تقف الدول العربية من عملية وقف إطلاق النار في غزة وإنهاء حالة الحرب الدائرة والمستعرة هناك منذ أشهر، خاصة الدول الخليجية كالسعودية وقطر والبحرين وعمان، ومصر والأردن؟ الغالب أنّ هذه الدول المذكورة تريد إنهاء الحرب وتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط؛ فغالبية الدول المذكورة لها علاقة مع إسرائيل، كما أنّها دول تربطها بالولايات المتحدة الأمريكية علاقات صداقة، ولا تتوافق مع نهج “حماس” الراديكالي المتطرّف؛ وليس ببعيد أن تكون هذه الحرب العبثية قد جاءت لإجهاض الاتفاق السعودي – الإسرائيلي المزمَع عقده واستكماله، ولإيران دور بارز في إنهاء هذه الشراكة الجديدة التي كانت قيد الإنجاز، لأنّها سوف تشرعن التطبيع مع إسرائيل في كلّ الدول الإقليمية، وربّما تلتحق دول جديد بهذا الاتجاه؛ الأمر الذي سيؤثّر سلباً على الدول التي تدّعي الممانعة وربّما الحياد؛ كما هو الأمر بالنسبة للبنان.
والسؤال الآخر المطروح: ما موقف إيران من حرب غزة؟
إيران هي الداعم الأوّل لحركة “حماس”، وهي المحرّك لعملية /7/ أكتوبر؛ وذلك للضغط على إسرائيل وعلى الولايات المتحدة الأمريكية لأسباب تتعلّق بالملف النووي الإيراني العالق، ورفع العقوبات الاقتصادية عن إيران، والإفراج عن المليارات الإيرانية المجمّدة في بنوك الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، والاعتراف بدور إيران الإقليمي ونفوذها ومصالحها في الشرق الأوسط، خاصة بعد الانتخابات الإيرانية التي أدّت إلى فوز الإصلاحي (مسعود بزشكيان) الذي وعد بالانفتاح على الغرب لتحقيق المآرب الإيرانية، والذي يعاني صعوبة في تشكيل حكومته ووزرائه، ولا يتوقّع المتابع استجابة سريعة من إيران لوقف هذه الحرب؛ بسبب تصريحات “بزشكيان” نفسه والذي أظهر التشدّد حيال إسرائيل وأعلن دعمه الكبير لحركة “حماس”، ولكن إيران قد تنسّق مع روسيا والصين لتمرير بقاء “حماس” ودورها في فلسطين؛ لأنّ كلًّا من روسيا والصين قد لعبتا دوراً رئيسًا ومحوريا لتوحيد الفصائل الفلسطينية، وجرى ذلك في موسكو وتوّج بتوحيد فصائل “منظمة التحرير الفلسطينية” في العاصمة الصينية بكين بما فيها “فتح وحماس” مع 14منظمة فلسطينية، وليس ببعيد أن تلعب كلّ من بكين وموسكو دورًا في عقد مؤتمر دولي تشارك فيه الأمم المتحدة لإنهاء الحرب وإعادة الاستقرار إلى منطقة الشرق الأوسط، ويضغط الطرفان على إيران لتمرير إنهاء حالة الحرب؛ في المقابل تحصل إيران على بعض المكتسبات من الغرب؛ مثل رفع العقوبات الاقتصادية، والمرجّح أنّه لا الولايات المتحدة ولا إسرائيل تميلان إلى عقد هكذا مؤتمر؛ لأنّ كلًّا من “حركة حماس” و”الجهاد الإسلامي” لا تعترفان بالوجود الإسرائيلي، ومن الصعوبة بمكان قبول مشاركة “حماس” أو “الجهاد” في إدارة غزة بعد الانتهاء من هذه الحرب التي أطلقنا عليها اسم الحرب “العبثية”، ووفق المنظور الأمريكي والاسرائيلي سوف تُدار غزة بعد الحرب دون “حماس” و”الجهاد الإسلامي” والمنظّمات الراديكالية.
حرب غزة وتأثيراتها على سوريا:
بعد الاتفاق على إنهاء الحرب في غزة، لا بدّ أن تترك آثارًا كبيرة على منطقة الشرق الأوسط وعلى سوريا، وسوف يتوصّل الجميع إلى أنّ الاحزاب والحركات الراديكالية المتطرّفة لا جدوى منها ولا مستقبل لها في المنطقة، وهذا ما سيترك أثره على “حماس” وعلى “حزب الله” وعلى الفصائل الإيرانية و”الحرس الثوري” في سوريا، الأمر الذي سيؤدّي إلى تحجيم دورها، وأيّ تصعيد منها سيؤدّي إلى انتحارها وانتهاء دورها، وهو ما قد يدفع النظام السوري للدخول في مفاوضات مع تركيا أو ربّما تؤدّي لانسحاب تركي من سوريا على مراحل، وتلعب روسيا حاليًا دوراً كبيرًا في هذا المجال؛ لوجود رئيس النظام السوري بشار الأسد في موسكو، وربّما تستعيد الصين دورها أكثر في الشرق الاوسط وتساند روسيا وإيران لتحقيق تسوية أو صفقة، كما فعلت في الاتفاق السعودي – الإيراني، وتنجح في تقارب ثلاثي (سوريّ – إيرانيّ – تركيّ) في ظل عودة العلاقات السورية مع الدول العربية وعودتها إلى الجامعة العربية، وتنجز بعض الخطوات مع الدول العربية في سياسة “خطوة مقابل خطوة” في ظلّ محاولات النظام السوري إجراء بعض التغييرات وإقبال 8 دول أوروبية لإعادة العلاقات مع النظام السوري ومحاولات لإنعاش الاقتصاد السوري، وفتح بعض الطرق والممرّات التجارية، خاصة في الشمال السوري.
آثار حرب غزة على الإدارة الذاتية الديمقراطية في شمال وشرق سوريا:
يبدو أنّ الإدارة الذاتية تدعم الاستقرار في الشرق الأوسط، وتريد إنهاء الحرب في غزة بما يضمن حق الجميع في العيش وتقرير مصيره بنفسه وتحقيق الأمن والسلام للجميع على أساس قوانين الأمم المتحدة والقوانين الدولية، والإدارة الذاتية تدعم أيضًا كلّ مساعي السلام والحلّ في سوريا بموجب القرار الأممي /2254/ وحلّ الأزمة السورية بطرق دبلوماسية تفضي إلى تأمين حقوق جميع المكوّنات، وهي مستعدّة للدخول في مفاوضات مع النظام السوري، وسبق لها أن قدّمت مقترحات للحلّ في سوريا على أساس اللامركزية في الحكم ومشاركة الجميع في كل الموارد الاقتصادية، كما ترغب في أن تكون لديها مشاركة فعّالة في اللجنة الدستورية المشلولة لتفعيلها من جديد، وتقدّم مقترحات تساعد كلًّا من النظامَين السوريّ والتركيّ في حلّ أزمة اللاجئين السوريين، وأعلنت استعدادها لاستقبال الآلاف منهم.
الإدارة الذاتية منفتحة على جميع الحلول الوطنية التي تحقّق التنمية والازدهار والاستقرار لكل سوريا والمنطقة، كما أنّها منفتحة على أيّة مبادرة دولية روسية أو صينية أو أمريكية تؤدّي إلى تحقيق الأمن والسلام؛ رغبةً منها في تحقيق أماني شعبها من كلّ المكونات (العرب والكرد والسريان والأرمن والآشوريين وغيرهم).
المقالة تعبر عن رأي الكاتب