العالم على أعتاب حرب عالمية ثالثة “هرمجدون”

العالم على أعتاب حرب عالمية ثالثة "هرمجدون"

مع بداية الألفية الثالثة “القرن الحادي والعشرين” بدا العالم أمام تغييرات جذرية كصعود دول على الساحة العالمية كالصين والهند إلى جانب روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي” وفشل مجلس الأمن في حل الأزمات الدولية ورغبة الكثير من الدول بإجراء تعديلات على النظام الداخلي للأمم المتحدة والحصول على عضوية دائمة في مجلس الأمن ” الدول الخمس دائمة العضوية هي الولايات المتحدة وبريطانية وفرنسا والصين وروسيا” كدولة الهند وألمانيا وتركيا والبرازيل، ومع استماتة الولايات المتحدة والغرب في الحفاظ على النظام العالمي وسياسة القطب الواحد، واستمرار الأنظمة الدكتاتورية في الشرق الأوسط، واخطاء الدول الاستعمارية في القرن العشرين في ترسيم الحدود سيجعل العالم فوق صفيح ساخن ما يلبث أن ينفجر معلناً قيام حرب عالمية ثالثة خاصة مع تغير خارطة الحرب في أوكرانيا. فهل يشهد العالم حرب عالمية ثالثة تنخرط فيها جميع الدول وبشكل مباشر بعد حديث الرئيس الأمريكي عن معركة “هرمجدون” تلك المعركة التي تشير إلى نهاية العالم حسب المصادر التوراتية.

إنَّ تجاهل الأزمة السورية وانخراط الدول العظمى فيها وعدم تمكن المجتمع الدولي من إيجاد حل ينهي الأزمة، إلى جانب تضارب المصالح الدولية بحجة حماية أمنها القومي وفشل مجلس الأمن في إنهاء الأزمات الدولية واستخدامهم لحق النقض “الفيتو” بما يخدم مصالحهم وسياسة القطب الواحد، والتي أدت إلى تفاقم الخلافات بين الدول العظمى وشن حروب عديدة تحت مسميات كثيرة وما زاد من تعقيدها قيام روسيا بشنِّ حرب على أوكرانيا واحتلال أجزاء منها جعلت العالم أمام حرب عالمية ثالثة بالوكالة في الوقت الحالي.

إن إعلان بوتين الحرب على أوكرانيا واحتلال شرقي أوكرانيا وإجراء استفتاء فيها ومن ثم ضمها إلى روسيا بحجة أن غالبية سكانها من الروس وهي في نفس الوقت تتبع ازدواجية المعايير في مناطق أخرى خاصة في الشرق الأوسط بما يتلائم ومصالحها القومية وطموح بوتين بإعادة أمجاد الاتحاد السوفيتي كقطب ثان. وقيام الغرب بدعم كييف بمختلف أنواع الأسلحة وفرض عقوبات على روسيا بحجة قيام موسكو بشن عملية عسكرية على أوكرانيا وهي التي شنت حرباً في كثير من دول العالم وأول من استخدمت النووي في العالم  ضد اليابان “هيروشيما وناغازاكي” ، وتصرّ على سياسة القطب الواحد، هذه الأسباب وغيرها يحتم الجلوس إلى طاولة مفاوضات لإيجاد حلٍّ سلمي للأزمة الأوكرانية بعيد المنال.

كما أن بوتين كان يظن أن العالم سينقسم بين داعمٍ لها ومعارض على العملية العسكرية على أوكرانيا إذ تفاجأت بالضغط الكبير “العقوبات الاقتصادية” من قبل الغرب عليها والتي أثرت على مجريات الحرب حيث حاولت منذ اليوم الأول الوصول إلى كييف واحتلالها وإقامة حكومة موالية لها إلا أن الخسائر الروسية والدعم الغربي لكييف حال دون سقوطها مما أجبر بوتين لتغيير خططه الحربية “تقليص أهدافه ” والتوجه نحو الشرق والجنوب “دونيتسك ولوغانسك وخيرسون وزاباروجيا” واحتلالها وضمها إلى الأراضي الروسية بعد إجراء استفتاء فيها بالرغم من وجود رفض دولي للاستفتاء.

 المواقف الدولية تجاه ما يحدث

  • الموقف الغربي “الدول الأوروبية”

قبيل إعلان روسيا الحرب على أوكرانيا كانت العلاقات الأوروبية الروسية بشكلٍ عام معقدة، شملت التعاون المربح لكِلا الجانبين، مالياً واقتصادياً فألمانيا زادت من واردات الطاقة الروسية وتنفيذ مشروع  نورد ستريم 2  في فترة ولاية انجيلا ميركل بالرغم من المعارضة الكبيرة للولايات المتحدة لهذا المشروع وغيرها من المشاريع والاتفاقيات السياسية والاقتصادية والأمنية بين روسيا والدول الأوروبية. وما إن بدأت الدول الأوروبية رحلة الخروج من جائحة فيروس كورونا التي ضربت اقتصاداتها بقوة منذ بداية 2020 إلى منتصف العام الماضي، حتى فوجئت بكارثة الغزو الروسي لأوكرانيا، الذي يُعد أكبر اختبار تواجهه القارة منذ الحرب العالمية الثانية وهذا ما أثرَّ على العلاقة بين الطرفين وقبلها عندما احتلت روسيا شبه جزيرة القرم وضمتها للأراضي الروسية. وبدأت الدول لغربية تحاول فك ارتباطها مع موسكو بما يتعلق بالطاقة، وإنها مصره على عدم الاعتماد على الغاز الروسي مرة أخرى، وإزاحة روسيا كتهديد للنظام العالمي الذي بنته.

إلا ان اختلاف التصورات حول رؤية روسيا كتهديد عسكري في أعقاب ضم روسيا لشبه جزيرة القرم 2014 والخلافات حول جدوى العقوبات على روسيا وتأثيرها على اقتصاديات الدول الأوروبية وبنسب مختلفة، ووفق تقديرات متبانية حتى نهاية إبريل/نيسان الماضي، فإنّ النمو الاقتصادي الأوروبي سيتعرض لخسارة تراوح بين 0.5% و1% من ناتجه المحلي خلال العام الجاري، أي ما يتراوح بين 895 مليار دولار و1.79 تريلون دولار، وذلك وفقاً لتقديرات مصلحة الإحصاء الأوروبي “يورو ستات” لحجم الناتج المحلي الإجمالي للكتلة الأوروبية بنحو 17.9 تريليون دولارفي 2021، ويضاف إلى ذلك كلفة إعادة إعمار أوكرنيا المقدرة بنحو 600 مليار دولار. وفي تقرير للبنك المركزي الأوروبي صدر أخيراً، فإنّ الحرب الأوكرانية ستخفض النمو الاقتصادي بنسبة 0.7% إلى 3.7% خلال العام الجاري. كما أشار بنك الاستثمار العالمي غولدمان ساكس إلى أنّ الحرب ستخفض معدلات النمو الاقتصادي لمنطقة دول اليورو الـ 19 بنسبة 1.4%. كل ذلك لها انعكاسات كبيرة على اقتصاداتها في ظل إخفاقاتها في إيجاد بدائل للغاز الروسي وبنفس الأسعار.

إن تأثير القرب الجغرافي للدول الأوربية “أوروبا الغربية ودول حلف الناتو في الشرق” مع روسيا واتخاذ الدول الأوروبية مجموعة كبيرة من التدابير استجابة للأزمة الأوكرانية التي شملت العقوبات الاقتصادية على روسيا والدعم الاقتصادي والعسكري والسياسي للحكومة الأوكرانية والاستعداد العسكري المعزز من خلال زيادة الإنفاق العسكري وبالأخص من قبل دول شرقي أوروبا المنضوية في حلف الناتو سيجعل من القارة الأوروبية تقبع تحت وطأة تحمل تكاليف تداعيات الأزمة الأوكرانية وشراء الطاقة بأسعار مرتفعة خاصة من الولايات المتحدة، وسيكون سبباً رئيسياً لخلق خلافات بينها خاصة في حال ازدياد السخط الشعبي الأوروبي الناجم عن تدهور الحالة الاقتصادية وتأثيرها على مستوى المعيشي لهم، ومدى قدرة الدول الأوروبية الاستمرار في دعم أوكرانيا عسكرياً ومالياً ووفق بعض المصادر فإن ألمانيا قد نفذ مخزونها من الأسلحة وما بقيَّ لديها لا يكفيها سوى يومين فقط في حال انخرطت في حرب. فتقاسم دول الدول الأوروبية تكاليف الحرب وخفض أسعار الطاقة من أهم العوامل التي قد تحد من حدوث خلافات بينها، إلا أن قرار أوبك+ بتخفيض إنتاجها لمليوني برميل يومياً متجاهلة مناشدات البيت الأبيض لمواصلة ضخ إمدادات النفط، وجعلت الدول الغربية تعيش حالة من الذعر من ارتفاع أسعار النفط، وقدرتهم على تحمل تكاليف الحرب في غياب أي حل سياسي على المدى القصير. ولا تتوقف الخلافات على الدول الأوروبية بل قد تنتقل الخلافات بين الدول الأوروبية إلى الولايات المتحدة على أسس تباين الخسائر والأرباح بين الطرفين.

إن سعي الدول الغربية بإلحاق الهزيمة بروسيا في أوكرانيا، قد تؤدي إلى عواقب وخيمة على استقرار القارة على المدى الطويل وقد تؤدي سياسة العقوبات على موسكو والدعم المالي والعسكري لكييف إلى اتساع نطاق العمليات العسكرية سواء في داخل أوكرانيا أو خارجها وليس من المستبعد انضمام دول حليفة لموسكو إلى الحرب رداً على الدعم العسكري الغربي لكييف والهزائم المتلاحقة للجيش الروسي في شرقي أوكرانيا، وإجبار الغرب للجلوس إلى طاولة مفاوضات.

  • الولايات المتحدة الأمريكية

قد تكون الولايات المتحدة بعيدة جغرافياً عن روسيا وأقل تضرراً من تأثير العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا بعكس القارة الأوروبية، إلا أن الولايات المتحدة التي تقف في وجه أي محاولة من الدول الكبرى “الصين وروسيا” في تغيير النظام العالمي  إلى نظام متعدد الأقطاب ومساعيها في الحفاظ على سياسة القطب الواحد يتحتم عليها دعم حلفائها اقتصادياً وعسكرياً وهو ما سينعكس عليها اقتصادياً فقرار أوبك+ بخفض إنتاجها بنحو مليوني برميل يومياً جعلت الرئيس الأميركي جو بايدن يوعز إلى وزارة الطاقة بتوزيع 10 ملايين برميل إضافية من الاحتياطي البترولي الاستراتيجي في السوق الشهر المقبل. والسحب من هذا الاحتياطي بحسب الحاجة، لحماية المستهلكين وتعزيز أمن الطاقة، وبالمقابل ستتشاور إدارة بايدن مع الكونغرس حول أدوات وآليات إضافية لتقليص سيطرة تحالف الدول المنتجة للنفط على أسعار الطاقة”. بمعنى فرض عقوبات على أعضاء أوبك مما يجعل العالم أمام عودة السياسية الأمريكية مع أو ضد بعد أحداث 11 أيلول، وهو ما قد يعني تعميق الخلافات بينها وبين شركائها الخليجيين وإعادة تقييم علاقتها مع “المملكة العربية السعودية”. كما أن ارتفاع أسعار الطاقة سينعكس إيجاباً على اقتصاد الولايات المتحدة والتي قد تكون بداية الخلافات بين الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، ولتجنب تأثير ارتفاع أسعار الطاقة على الدول الأوروبية وعلى العلاقة بين الطرفين، حاولت الولايات المتحدة الضغط على الدول الأوروبية لتحديد سقف أسعار الطاقة الروسية ولمنعها من الاستفادة من عوائدها في عملياتها العسكرية في أوكرانيا.

تعمل الولايات المتحدة  من جهة على تحويل أوكرانيا مستنقعاً لروسيا لاستنزاف جميع قدراتها العسكرية والاقتصادية وتحييدها كدولة عظمى أو على الأقل جعلها ترفع راية الاستسلام والجلوس إلى طاولة المفاوضات لتقديم التنازلات، فالدعم العسكري الأمريكي غير مسبوق لكييف والذي اقترب من 28 مليار دولار يعكس جدية الولايات المتحدة في إطالة الحرب وإلحاق الهزيمة بالجيش الروسي بعد تحويل أوكرانيا إلى مستنقع لا يمكن لروسيا الخروج منه إلا بالاستسلام “الانسحاب” والرضوخ للمطالب الغربية. ومن جهة أخرى تحاول الولايات المتحدة إضعاف حلفاء روسيا في محيطها الجيوسياسي عن طريق النزاعات المسلحة ” أرمينيا وأذربيجان، طاجيكستان وقيرغيزستان ” وظهور احتجاجات في إيران الحليف الرئيسي لروسيا وأزمة تايوان مع الصين بعد زيارة بيلوسي لتايبيه وغيرها من الأزمات والمخططات التي تهدف إلى عزل روسيا وجعلها وحيدة في أوكرانيا أو على الأقل تشتيت تركيزها عن عمليتها العسكرية في أوكرانيا نحو محيطها الجيوسياسي.

كما أن دعمها العسكري غير المسبوق لكييف  “هذا الدعم أثرَّ على مخزون الولايات المتحدة من بعض الأسلحة والتي تحتاج إلى سنوات لإعادة مخزونها لمستويات ما قبل 24 شباط بداية العملية العسكرية الروسية” إلى جانب الدعم الغربي في وجه الآلة الروسية وفي غياب أي أفق لبوادر الحل السياسي الذي سينهي الحرب في أوكرانيا وعدم تقديم أي طرف لتنازلات سينعكس سلباً على الأمن والسلم الدوليين وبالتالي زيادة الأزمات الدولية والخلافات والتي قد تنعكس على خريطة التحالفات والشراكات عالمياً وعلى الأزمة الأوكرانية.

  • روسيا

لا يمكن مقارنة القوة الروسية بالقوة الغربية سياسياً واقتصادياً فمازال الاقتصاد الروسي يعتمد على عوائد النفط والغاز وغيرها من السلع الأساسية، إلا أنها دولة مسلحة نووياً وقوة عسكرية كبيرة “الثانية عالمياً” بعد الولايات المتحدة وذات مساحة شاسعة “الأولى عالمياً”، إلا أن ذلك لا يؤهلها حالياً بأن تكون القطب الثاني في السياسة الدولية.

إن أطماع بوتين في اعادة أمجاد الاتحاد السوفيتي وتوسيع حدود روسيا على حساب جيرانها وتعقيد الأزمات الدولية وهي قادرة أيضاً على أن تلعب دوراً في إنهاء تلك الأزمات كالأزمة السورية جعلت الدول المعنية “الدول الأوروبية” في حالة عدم ثقة بالرغم من وجود تفاهمات واتفاقيات بالامتناع عن استخدام القوة ضد بعضهم البعض، وضمان سيادة وسلامة الدول واستقلالها، وحل النزاعات بالوسائل السلمية وفقاً لمبادئ الأمم المتحدة وتحت مسؤولية منظمة التعاون والأمن في أوروبا. إن السياسة التي اتبعتها الولايات المتحدة وحلف الناتو منذ انهيار الاتحاد السوفيتي تجاه روسيا أدت إلى انعدام الثقة بين الحلف وروسيا على الرغم من توقيع روسيا والولايات المتحدة وحلف الناتو في فرنسا خلال اجتماع قمة حلف شمال الأطلسي في باريس في 27 مايو/أيار 1997على قانون عرف  بـ القانون التأسيسي لحلف الناتو وروسيا بشأن العلاقات والتعاون والأمن المتبادلين ، الأمر الذي شكل خارطة طريق للتعاون بين حلف الناتو وروسيا وبوادر لعصر جديد يقوم على مبدأ التعاون غربي – روسي، إلا أن توسع الناتو نحو الشرق وانضمام دول شرقية على الحدود الروسية إلى الحلف خلق نوع من التوتر بين الطرفين وزاد من تعقيد الأمور رفض الناتو تقديم ضمانات لموسكو بعدم ضم أوكرانيا قبيل العملية العسكرية الروسية على أوكرانيا، وتوجه فنلندا والسويد لنيل عضوية الناتو.

يبدو أن بوتين قبيل عمليته العسكرية لم يكن يدرك تماماً مقدار قوة الغرب وتضامنهم ضده في حال نفذ عمليته العسكرية على أوكرانيا أو أنه عول على انقسام الغرب  بين معارض ومحايد كتغليب بعض الدول الأوروبية مصالحهم الاقتصادية “ألمانيا” على الانخراط في حربٍ مع روسيا. إلا أن بوتين فوجئ بمقدار العقوبات على موسكو والتي طالت حتى الرياضة، والدعم العسكري الغربي لكييف والتي تزداد كماً ونوعاً مع مرور الوقت. فقد بات بوتين يدرك حجم الضغوطات الغربية عليه في أوكرانيا وخشيته من الهزيمة، مما قد يدفع به لزيادة قصفه للبنى التحتية في جميع المدن الأوكرانية واستخدام الأسلحة الحديثة على نطاق واسع وليس من المستبعد أن تنخرط بيلاروسيا في الحرب إلى جانب موسكو وتوسيع نطاق الجبهات أملاً بإحداث ضغط على الدول الأوروبية وزيادة مخاوفهم من أن تطالهم الحرب وحدوث حرب عالمية ثالثة في القارة والتي ستكون بداية لتحول الحرب العالمية الثالثة بالوكالة إلى حرب عالمية ثالثة تنخرط فيها الدول بشكلٍ مباشر.

  • الصين

تعتبر الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة وتطمح في تبوء الصدارة العالمية وهو ما يشكل هاجساً بالنسبة للولايات المتحدة في إزاحتها كأكبر اقتصاد في العالم. إلا انه بالرغم من قوة الصين الاقتصادية إلا أنها لديها من المشكلات والأزمات التي تجعلها غير قادرة على الخوض في صراع عسكري مع الولايات المتحدة أو تكون نداً للولايات المتحدة عسكرياً أو تتخذ مواقف قوية تجاه الصراع القائم فالمحيط الجيوسياسي لصين أغلبهم حلفاء أو شركاء للولايات المتحدة “تايون واليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا….”  وتشابك اقتصادها مع الاقتصاد الأمريكي، كما أن الولايات المتحدة تملك قدرة على تأجيج الأزمات في الداخل الصيني “أقليات الإيغور المسلمة- تركستان الشرقية”، وخارجها “أزمة تايوان والدعم العسكري الأمريكي لتايبيه وأزمة الحدود بين الصين والهند” وتزويد استراليا بغواصات نووية وإنشاء تحالف أمني بين أمريكا وبريطانيا وأستراليا لمواجهة نفوذ الصين في المحيطين الهادي والهندي، إلى جانب ملف حقوق الإنسان، هذا إلى جانب إن القوة الصينية رغم ضخامتها إلا أنها محصورة ضمن حدودها، كل ذلك وغيرها من الأسباب التي تجعل من الصين تقف نوعاً ما موقف الحياد تجاه الصراع الغربي الروسي. فالصين يبدو أنها لا تحبذ الانخراط في أي عمل عسكري يؤثر على اقتصادها وعلى مكانتها العالمية.

إلا أن خشية الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة من الصين هي زيادة نفوذها على روسيا التي تعاني من أزمة اقتصادية نتيجة العقوبات وبالتالي قد ترمي موسكو بنفسها في أحضان التنين الصيني لشراء غازها ونفطها بدلاً من الدول الأوروبية وفي ظل الضغوطات الغربية على بكين وموسكو قد يؤدي بهما إلى زيادة التنسيق العسكري والاقتصادي والتي قد تتحول إلى اتفاقيات وشراكات استراتيجية خاصة أنهما عضوان رئيسيان في منظمة شنغهاي وبريكس، مما قد يؤثر على النظام العالمي الحالي.

وفي هذا السياق فإن الصراع الغربي الروسي سيضع العالم أمام أزمة اقتصادية حادة “ركود اقتصادي” فقد حذر مدير البنك الدولي ديفيد مالباس، ومديرة صندوق النقد الدولي كريستينا جورجيفا من ركود اقتصادي سيضرب العالم العام المقبل، ووفق تقديرات جورجيفا قدرت المبلغ الإجمالي الذي يمكن خسارته حتى العام 2026 بسبب التباطؤ الاقتصادي بـ 4 تريليونات دولار. إن القرب الجغرافي بين روسيا وأوكرانيا والقوة العسكرية التي تمتلكها روسيا ولم تظهرها حتى الآن في معاركها في أوكرانيا والتي ماتزال ضمن نطاق العمليات العسكرية فإن مؤشر الانتصار على المدى المتوسط قد يصب في صالح روسيا حينها ستكون الدول الغربية في مأزق كبير وقد تزيد من ضغوطاتها على الدول التي ماتزال ترفض المشاركة في فرض عقوبات على روسيا ولها تأثير جيوسياسي على مسار الصراع الغربي الروسي كالدولة التركية حينها ستكون الأخيرة نتيجة الضغوط الكبيرة عليها من قبل حلفائها الغربيين مجبرة للوقوف بشكل مباشر معهم  في فرض عقوبات على موسكو وبالتالي ستكون روسيا في موقفٍ لا يمكن لها التساهل تجاه تركيا ومنعطفاً في العلاقات بين الدولتين والذي قد يظهر تأثيره حينها في الشمال السوري. بالرغم من ذلك لا يمكن لأحد التنبؤ بنتائج الصراع الغربي الروسي في أوكرانيا، فالدعم العسكري الغربي المستمر كماً ونوعاً  واستمرار سياسة العقوبات الاقتصادية على موسكو وتغيير التكتيكات الروسية في أوكرانيا بجعل كل المدن الأوكرانية في مرمى الصواريخ الروسية واحتمالية التوجه نحو استخدام الأسلحة الحديثة أو حتى الأسلحة النووية التكتيكية “غير استراتيجية” المصممة لإنجاز أهداف عسكرية محدودة مع استمرار الأزمات الدولية دون بوادر لأي حل وظهور أزمات جديدة والمصالح الدولية والاصطفافات الجديدة ومفرزات الصراع الغربي الروسي في تغيير سياسة الكثير من الدول الإقليمية والعالمية بما يخدم مصالحها وتحافظ على أنظمتهم وبالتالي ستنعكس على الصراع القائم في أوكرانيا وقد تظهر بوادر هذه الخلافات في مونديال قطر ذلك الحدث الكروي الكبير الذي مُنع روسيا من المشاركة فيه نتيجة العقوبات الغربية، وتوافق هذا الحدث مع قرار أوبك تخفيض إنتاجها.

إن التدخل العسكري الروسي في سوريا 2015 والسيطرة عليها سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وتنامي علاقتها مع تركيا منحتها دافعاً قوياً لشن عمليتها العسكرية على أوكرانيا، كما أن خشية الدول الأوروبية من حدوث حرب عالمية ثالثة في القارة على غرار الحرب العالميتين الأولى والثانية ومع تعقيد الأزمة السورية من قبل طرفي الصراع  والتمدد الإيراني فيها والمخاوف الإسرائيلية وفي حال تدهورت العلاقة بين الروس والأتراك فقد تتحول سوريا إلى ساحة صراع لتصفية الحسابات بدلاً من أوكرانيا، وستلعب تركيا وأطماعها التوسعية الدور الرئيسي بنقل حلبة الصراع وتصفية الحسابات بين القوى العظمى من أوكرانيا إلى سوريا، وإن حديث بايدن وغيره من الزعماء الغربيين عن معركة “هرمجدون” مؤشر “وإن كان تستند لمصادر دينية” على أن سوريا ستكون مركز صراع دولي “حرب عالمية ثالثة” أو كما يطلق عليها حرب نهاية العالم.

زر الذهاب إلى الأعلى