العلاقة التركية – العراقية الجديدة والأهداف الخفية

د. مرشد اليوسف

الزيارات المتكرّرة للمسؤولين السياسيين والعسكريين والأمنيين الأتراك إلى بغداد في الفترة الأخيرة خاصة زيارة وزير الدفاع التركي في 6 / 2 / 2024 التي جاءت بعد أسبوعين تقريبًا من زيارتين متتاليتين لإبراهيم  كالن، رئيس الاستخبارات التركي، توحي  بأنّ هناك أمرًا جللًا ينبغي مواجهته  .

 والخطاب الرسمي الذي يطلقه الطرفان العراقي والتركي   حول العلاقات الاقتصادية، وخاصة موضوع الشراكة الاقتصادية المزمع تنفيذها عبر شقّ طريق دولي يربط مياه الخليج العربي بالبحر الأبيض المتوسط مرورًا بالأراضي العراقية والتركية، ليس إلّا شكلًا من أشكال ذرّ الرماد في العيون، لأنّ تركيا تدرك أنّ هذا المشروع ليس إقليميًا وإنّما دولي، ويجب أن يكون للدول الكبرى رأي فيه، ليس هذا فحسب بل أنّ إيران وحدها -كدولة إقليمية مهيمنة على العراق- تستطيع تجميد مثل هذا المشروع أو تعطيله متى شاءت   .

 ولكن تركيا  تستغلّ ظروف العراق الاقتصادية السيئة  وحاجة العراقيين الى الماء، وتوهم السياسيين وحكّام بغداد بأنّ العائق الوحيد أمام هذا المشروع الاستراتيجي الذي سيجلب المنّ والسلوى للعراقيين مع حصة كافية من المياه، هو وجود حزب العمال الكردستاني في إقليم كردستان وجبال قنديل  .

ولهذا؛ فإنّ تركيا تكثّف جهودها ونشاطها، وتسعى جاهدة  لإبرام اتفاقية أمنية مع حكومة العراق  على غرار  الاتفاقية الأمنية التي عُقدت بين طهران وبغداد في عام 2023 والتي نصّت على  إنهاء الوجود المسلّح لكرد إيران ( في المناطق الحدودية ) المعارضين للنظام في طهران، وأن يكون الاتفاق ملزمًا  للطرف العراقي  .

خاصة أنّ الموقف الرمادي لحكومة العراق من حزب العمال الكردستاني -حسب رؤية تركيا- لم يعد يرضي تركيا، لذا فإنّها تريد توريط العراق  بشكل فعّال  في نشاطها العسكري  للقضاء ( المزعوم ) على الحزب الكردستاني، بعد أن فشلت تركيا منفردة  في القضاء عليه طوال عشرات السنين  .

وواضح أنّ تركيا تطرح على العراق مسألة القضاء على العمال الكردستاني كشرط ضروري لتنفيذ طريق التنمية المزعوم، بالإضافة إلى شروط أخرى أهمّها: الاعتراف رسميًا بالوجود العسكري التركي على أراضي العراق وإقليم كردستان، وإدخال القوات العراقية الى إقليم كردستان حتى نقطة الصفر على الحدود مع تركيا .

من المؤكّد أنّ المشهد قد أصبح واضحًا في الظاهر، ولكنّه معقّد وأخطر في العمق؛ فمطامع تركيا في العراق  قديمة، وحسب الميثاق الملي عام 1920 والخريطة المرفقة به، فإنّ حدود تركيا تصل إلى الموصل في شمال العراق، ولهذا تريد تركيا تثبيت أقدامها في العراق بشتّى الوسائل، ومن ثم إخراج حزب العمال الكردستاني من العراق بوسائل وتحالفات جديدة، ولا نستبعد تواطؤ جهات عراقية وإيرانية مع المخطّط التركي؛ لتقويض التجربة الفدرالية الكردية في جنوب كردستان أيضًا؛ فالصواريخ التي تُطلَق على إقليم كردستان  يمينًا وشمالًا، ومقصّ المحكمة الاتحادية التي تقصقص أجنحة الفيدرالية الكردية بلا وجل، وعزل إقليم كردستان من الناحية الاقتصادية من خلال طريق التنمية العتيد، إنّما هي دلائل على سوء نية الأطراف المعنية. وفي المقابل فإنّ التحرّكات الدبلوماسية التركية التي تهدف عسكريًا إلى افراغ مناطق شمال العراق من مقاتلي العمال الكردستاني، عبر تثبيت النقاط العسكرية التركية رسميًا في إقليم كردستان، ومن ثم تطويق إقليم كردستان وحزب العمال الكردستاني بالجيش العراقي من خلال الحدود مع تركيا، هي أيضًا دلائل أخرى على عمق المخطّط العدائي التركي .

 والهدف النهائي لهذه الخطّة الجديدة هو إعادة القضية الكردية الى المربّع الأوّل .

المقالة تعبر عن رأي الكاتب

زر الذهاب إلى الأعلى