الدبلوماسية العُمانية على ضفّتي الخليج الحيادية والتوازن

قد يعجب المرء ويقع في حيرة من أمره جرّاء السياسة العُمانية المختلفة عن المحيط العربي والمحيط الإسلامي، واتّخاذ دبلوماسية فريدة ومتميزة قائمة على الحيادية والتوازن بعيدة كل البعد عن الصراعات القومية والدينية في المحيط الدولي والإقليمي، بل نجاح السلطنة في لعب دور مميّز في تهدئة التوتّرات الدولية والاقليمية ولعب دور وسيط وسلمي محايد، ربّما يعود ذلك إلى الموقع الجغرافي لسلطنة عُمان وتاريخها السياسي والاجتماعي والثقافي الذي ترك أثاره على هذه السياسة المتوازنة والحيادية . ويبرز ذلك بوضوح من خلال علاقات عُمان مع ضفّتي الخليج وأقصد العلاقات مع الجمهورية الإسلامية في إيران وكذلك علاقات عُمان مع جاراتها العربية الخليجية وبشكل أخصّ مع مجلس التعاون لدول الخليج العربي وخاصة المملكة العربية السعودية. لكن قبل خوضنا في غمار الدبلوماسية العمانية المستقلّة لابدّ من الإشارة إلى دواعي وأسباب هذه الخصوصية في الدبلوماسية العمانية.

ولعلّ ذلك يرجع إلى ماضي دولة عُمان من الناحية الثقافية والاجتماعية لتبنّي عُمان للمذهب الأباضي الذي كان أثره واضحاً في الاختلاف والاستقلالية، وكان للبعد الجغرافي ثوابته في ترسيخ هذه العقيدة عند العُمانيين؛ فعمان تقع في الزاوية الجنوبية الشرقية من شبه الجزيرة العربية، ويعزلها عن المحيط الإقليمي جبال طبيعية عالية وتطلّ على المحيط الهندي وبحر العرب وعلى مضيق هرمز، وتشترك مع إيران في إطلالة مضيق هرمز، كما يفصلها الربع الخالي والصحاري الواسعة عن الشمال، وربّما العامل الجغرافي والعامل الثقافي يفسّر مقدرة العُمانيين على المقاومة العنيدة أمام البرتغاليين والإنكليز ويتمسّكون بثوابتهم الوطنية في التوازن والاستقلالية بعيداً عن تبعية دمشق الأموية وبغداد العباسية.

وكما تتحدّث عمان عن نفسها فهي دولة عربية إسلامية مستقلّة ذات سيادة تامة وعاصمتها مسقط وهي عضوة في جامعة الدول العربية وعضوة بمجلس التعاون الخليجي، استطاعت أن تنأى بنفسها عن الصراع الإقليمي والمذهبي بين الجمهورية الإسلامية في إيران والمملكة العربية السعودية؛ أي البعد عن الصراع السنّي الشيعي، كما حافظت سلطنة عُمان على أفضل العلاقات مع الولايات المتّحدة وبريطانيا ومنذ الحصول على الاستقلال. ومن الأدلّة على السياسة المميّزة لعُمان أنّها رفضت مقاطعة مصر بعد اتفاق كامب ديفيد بين اسرائيل ومصر عندما صدر قرار من جامعة الدول العربية ، وفي حرب الخليج الأولى 1980 م وقفت جميع الدول مع العراق وصدام حسين، ورفضت عُمان قطع علاقاتها مع إيران بل إنّ وساطتها الدبلوماسية أدّت إلى وقف إطلاق النار بين الدولتين (العراق وإيران) كما أنّ الدبلوماسية العُمانية برزت في موقف وزير خارجيتها يوسف بن علوي الذي رفض طرد سوريا من الجامعة العربية، بل أكثر من ذلك بدا موقفه المميز عندما قام بزيارة سورية مخالفاً بذلك دول مجلس التعاون الخليجي وأيضاً من مواقفها المتوازنة عندما سحبت الدول الخليجية سفراءها من قطر هي أبقت على سفيرها في قطر، بل دعمت الوساطة الكويتية وعملت بشكل فعّال على إنهاء الأزمة بين قطر وباقي دول الخليج  وحين دعا الملك السعودي عبدالله في قمة الرياض 2011م إلى الانتقال بمجلس التعاون إلى الإتحاد، رفضت سلطنة عُمان وبيّنت الرؤية العُمانية أنّها مع مجلس التعاون وليس الاتحاد مع باقي الدول العربية والخليجية.

أمّا عن علاقاتها مع الجمهورية الإسلامية فقد حافظت الدبلوماسية العُمانية على أفضل العلاقات مع إيران من حيث التوازن والديمومة، ولم تنجرّ للخطابات القومية والشعارات الإسلامية، وحافظت على الحيادية والتوازن مع الجميع حتى مع الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة وبريطانيا، وتاريخياً إيران منذ أيام الشاه دعمت سلطنة عُمان فترة حكم السلطان قابوس عندما أزاح والده عن السلطة عام 1970م ومدّت إليه إيران يد العون في القضاء على ثورة ظفار التي واجهت سلطة قابوس، وقد حفظ هذا الجميل السلطان قابوس، وعدا عن هذا الامر فهناك مصالح استراتيجية مشتركة بين الدولتين؛ فهناك رغبة عُمانية في استمرار حركة السفن في مضيق هرمز واستمرار استخراج الغاز الطبيعي من بعض الحقول المشتركة، ناهيك عن العلاقات التجارية والاقتصادية والحركة السياحية بين البلدين، وكذلك مشاركة الطرفين في مناورات بحرية عمانية وإيرانية في مضيق هرمز.

ولكن العمل الأبرز للدبلوماسية العمانية لعبها دور الوسيط بين إيران والدول الأوربية وإحداث تقارب واتفاق في الملف النووي الإيراني، وهي التي استضافت المفاوضات السرية بين الغرب وإيران التي أنتجت الاتفاق الأخير. وهذه  الدبلوماسية أتت ثمارها على الجانبين ، فقد تمّ تدشين خط ملاحي بين ميناء بندر عباس الإيراني وميناء صحار العماني، كما أن عُمان تستورد 10 مليار مكعب من الغاز الإيراني، إضافة إلى الكثير من المشاريع الاستثمارية بين الجانبين كإقامة مشاريع استثمارية إيرانية في سلطنة عُمان تتجاوز أكثر من أربعة مليار دولار.

باستثناء سياسة الحيادية والتوازن التي تلعبها سلطنة عُمان فإنّها تقف على مسافة واحدة من جميع الأطراف ولا تقف مع أية دولة ضد الأخرى، الأمر الذي يجعلها مقبولة من كل الأطراف الدولية وتكون في النهاية مثل “بيضة القبّان”، الأمر الذي أضاف لها مكانة مميزة في لعب دور الوساطة مع  الجميع وكثيراً ما تنجح الدبلوماسية العُمانية في هذا المجال وتعمل على ردم بؤر التوتّر وإقامة السلام والعمل من اجل التطور والتنمية.

والسؤال الذي يطرح إذا كانت سلطنة عُمان لم تقاطع النظام السوري وأبقت “شعرة معاوية” بينها وبين النظام فلماذا لا تسعى الإدارة الذاتية إلى إقامة علاقات دبلوماسية معها وإرسال ممثلية إلى مسقط للاستفادة منها ومن علاقاتها الدولية المتميزة؟.

زر الذهاب إلى الأعلى