الصراع على سوريا بين التوافق والتضارب في المصالح

تعتبر الأزمة السورية التي بدأت في عام 2011 والتي ماتزال مستمرة من أعقد الأزمات التي مرت على العالم منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، نتيجة تدخل الكثير من دول العالم في الأزمة السورية “روسيا والولايات المتحدة وتركيا وإيران ودول الخليج والدول الأوروبية” واختلاف أهداف هذه الدول في سوريا سواء في احتلال مناطق من سوريا أو نهب خيراتها عن طريق إقامة مشاريع استثمارية أو السيطرة على القرار السياسي فيها. إن تعقيد الأزمة السورية  واختلاف الأهداف وعدم وجود رغبة حقيقية في حل الأزمة من قبل هذه الدول جعلت الأزمة السورية تتحول إلى أزمة دولية والتي قد تنتهي بحرب دولية، فبالعودة إلى مسار الأزمة السورية وتطورها خلال السنوات الثماني الماضية نجد أن من بين هذه الدول هناك أربع دول تتحكم في الأزمة السورية بشكل رئيسي ولكل منها أهدافها الخاصة وهي:

روسيا الدولة التي تدخلت في الأزمة السورية وبشكل مباشر في عام 2015 وهدفها حماية أمنها القومي وقطع الطريق أمام المشاريع الغربية في نقل الغاز من الشرق الأوسط نحو أوروبا عن طريق سوريا والتي كانت ستضعف روسيا اقتصادياً من خلال تقليص صادراتها من الغاز نحو الدول الأوروبية مما يعني فقدان روسيا لمكانتها كأكبر مصدرٍ للغاز للقارة الأوروبية، وإنشاء قواعد عسكرية لها في سوريا “طرطوس وحميميم وتحويل مطار قامشلو لقاعدة عسكرية” لمحاصرة قاعدة أنجرليك التي تحوي على أسلحة نووية وشلها، لذلك تحاول روسيا على جذب تركيا نحوها بهدف تفكيك حلف الناتو وحرمان الناتو من الاستفادة من الموقع الاستراتيجي لتركيا في حال نشوب حرب مستقبلية بين روسيا وحلف الناتو واستخدام أراضيها لنقل الغاز الروسي، لذا غضت روسيا النظر عن مقتل سفيرها في أنقرة وإسقاط طائرتها ومقتل طياريها ومنحت الضوء الأخضر لتركيا لاحتلال عفرين ، هذه السياسة نجحت إلى حد ما في إبعاد تركيا عن حلف الناتو خاصة بعد تضارب الأهداف التركية مع الأهداف الغربية وبالأخص بعد محاولة انقلاب 2016 في تركيا.

أما تركيا فيعمل أردوغان بعد فشله بإسقاط النظام وتحويل سوريا إلى دولة إخوانية والسيطرة عليها، البدء بتنفيذ الميثاق المِلّي والذي يهدف لاحتلال الشمال السوري بالكامل ومن ثم باشور كوردستان وإحداث تغيير ديمغرافي في المنطقة لإضعاف التواجد الكردي في المنطقة ومن ثم التمدد إلى باقي الدول بحجة التركة العثمانية، مستغلةً موقعها الاستراتيجي و كعضو في حلف الناتو والذي هو بحاجة لهذا الموقع التركي كخط دفاعي أول ضد روسيا بالإضافة إلى تهديده للغرب بملف المهجرين وبالتنظيمات الإرهابية. لذا نجد الغرب ومنها الولايات المتحدة تغض نظرها عن المجازر التركية وتنظيماتها الإرهابية بحق شعوب المنطقة ومنح الولايات المتحدة الضوء الأخضر لتركيا باحتلال مناطق شمال وشرق سوريا “كري سبي وسري كانيه” ومن جهة أخرى وبنفس الأسباب و بحكم سيطرتها على كافة المنظمات الإرهابية من جبهة النصرة وداعش وأخواتهما استطاعت التقرب من الروس وعقد صفقات معها على حساب الشعب السوري و احتلت مناطق واسعة من الشمال السوري.

الولايات المتحدة التي تحالفت مع قوات سوريا الديمقراطية كشريك في مكافحة الإرهاب والذي نتج عن هذه الشراكة القضاء على تنظيم داعش الإرهابي ذراع تركيا في المنطقة، إلا أن الولايات المتحدة انسحبت من الشمال السوري ومنحت الضوء الأخضر لها باحتلال منطقة سري كانيه وكري سبي، هذه الخطوة من الولايات المتحدة تأتي للحفاظ على تركيا كحليف في الناتو ولمنع زيادة الخلافات بينهما أو حدوث اصطدام بين الجيشين وهو ما تسعى إليه روسيا، لذا بعد هذا الانسحاب نجد التصريحات التركية تجاه الولايات المتحدة  أو بالعكس بعد احتلالها لمنطقة سري كانيه وكري سبي قد خفت حتى أنها انعدمت لهذا  تحاول الولايات المتحدة إعادة تركيا إلى حاضنتها وهو ما بدا واضحاً من خلال رغبة ترامب في زيادة قيمة التبادل التجاري مع أنقرة من 20 إلى 100 مليار دولار. كما أن الولايات المتحدة من خلال انسحابها من الشمال السوري وضعت تركيا مباشرة  في مواجهة روسيا الأمر الذي من شأنه أن يساهم في حدوث خلافات روسية تركية وبالتالي فك ارتباط تركيا بروسيا، وقد يكون إعلان الولايات المتحدة بأن وجودها في المنطقة هو حماية أبار النفط  “لمنع تنظيم داعش الاستفادة منها” تمهيدا لانسحابها الكامل من سوريا باستثناء قاعدة التنف بعد ضمان حصتها من النفط ، كما أن قوات سوريا الديمقراطية كقوة عسكرية متمرسة في الحرب لا يمكن تجاهلها لذا فإن الولايات المتحدة وبالتعاون مع التحالف ستحافظ على شراكتها مع قوات سوريا الديمقراطية وتقديم الدعم لها لمنع ظهور داعش من جديد والحفاظ عليها أمام التمدد الروسي في المنطقة ومن أجل ذلك تطالب الولايات المتحدة الدول الأوروبية بإعادة إعمار شمال وشرق سوريا. وأمام الموقع الاستراتيجي لتركيا فإن كل من الغرب وروسيا يعملان على كسب تركيا، فالغرب من أجل إعادة تركيا إلى حاضنتها، لا تحاسب تركيا على انتهاكاتها في شمال وشرق سوريا سواء باحتلال المنطقة أو بارتكابها المجازر وتغض النظر عن الاستفزازات التركية أملاً منها بعودة تركيا، وبالمقابل روسيا تعمل على جر تركيا إلى طرفها، أما النتيجة ستكون عودة تركيا إلى الحاضنة الغربية كون تركيا ليس لها القدرة على ترك حلف الناتو ومواجهة العقوبات الاقتصادية والذي يعني دمار تركيا اقتصادياً وعسكرياً، كما أن عودة تركيا إلى الحاضنة الغربية “الولايات المتحدة” يعني تضارب المصالح التركية الروسية فالتنازلات الروسية كانت من أجل إبعاد تركيا عن حلف الناتو في هذه الحالة ستعمل روسيا على جذب قوات سوريا الديمقراطية من خلال إنجاح المفاوضات بين قسد والنظام بضمانة روسية وقد يتم منح خصوصية لقوات سوريا الديمقراطية أو حتى منح المنطقة حكماً ذاتياً ودفع قوات النظام لضرب إدلب لإخراج القوات التركية ومرتزقتها من إدلب وعفرين وسائر المناطق الشمالية والتي ستكون نهاية “حلم أردوغان”  في الشمال السوري، مما قد يجبر أردوغان للتدخل في إدلب مستغلاً عضوية تركيا في حلف الناتو ظناً منه بأن الناتو سيتدخل لحمايته من روسيا مما قد يؤدي إلى نشوب حرب بين الجيش التركي وقوات النظام المدعومة من الميليشيات الإيرانية ومن الطيران الروسي حيث ستعمل روسيا على ضرب التنظيمات الإرهابية وقد يكون ذلك بالتعاون مع قوات سوريا الديمقراطية كون قوات النظام ليس لديها القدرة على مجابهة تلك التنظيمات ومنع تقديم أي دعم عسكري لهذه التنظيمات وبذلك تكون بداية النهاية لتركيا وتنظيماتها الإرهابية في سوريا، وهو ما يخدم الأهداف الإيرانية في سوريا. وبسبب الخشية من توسع نطاق الحرب وخروج الحرب عن السيطرة مما قد يؤدي إلى استخدام الاسلحة النووية خاصة أن الدول الأوروبية قد عانت من ويلات الحروب ” الحرب العالمية الأولى والثانية” وعدم رغبتها بتدمير اقتصادها من أجل أردوغان ولتفادي ذلك فإن حلف الناتو لن يتدخل في هذه الحرب، بل قد يعمل في الداخل التركي لإزاحة أردوغان من الحكم الذي أصبح يشكل تهديداً لها بسبب سياسة أردوغان العدوانية والاستفزازية لهم وإعادة النظام العلماني إلى تركيا، كما إن تلك الحرب ستؤثر على الاقتصاد الروسي بشكل كبير وهو ما يخدم السياسة الأمريكية تجاه روسيا عدوها القديم.

زر الذهاب إلى الأعلى