أردوغان بين المطرقة الأوروبية وسندان الداخل

إبراهيم بركات

 

من النافل القول بأنّ الصراع المُحتَدِم في تركيا بين رأس النظام رجب طيّب أردوغان وحزبه حزب العدالة والتنمية من جهة والمعارضة التركية من جهة أخرى، هو سباق نحو معارك انتخابية منها الرئاسية وكذلك النيابية.

حيثُ لا يمكن تناول هذا الصراع بمَعْزِل عمّا تشهده الساحة العالمية من صراعات متعدّدة الأوجه والتوجّهات، ولعلّ الحرب الروسية الأوكرانية هي إحدى تجلّيات هذا الصراع بعد أن بات حلف (الناتو) أحد اللاعبين الرئيسيّين في هذه الحرب، ممّا أرخى بظلاله على الاقتصاد العالمي وخاصة الأوروبي، بل وباتت مُفرَزات هذه الحرب المعيار الأساسي في تعافي اقتصاد هذا البلد أو ذاك.

وهنا يحاول أردوغان اللعب على مختلف الأحبال؛ فهو يجيد قواعد اللعب في الصراع مع الكبار وقادر على الإمساك بخيوط اللعبة بغية الحصول على ما يريد بغضّ النظر عن الآلية والأسلوب، وأردوغان مُدرك تمامًا أنّ الصراع الروسي الأمريكي وما يحمله هذا الصراع من مخاطرَ على الأمن العالمي سيفضي في النهاية إلى عالَم مُتعدّد الأقطاب، ثمّ إزاحة الولايات المتّحدة عن مركز القرار العالمي كقطب أوحد، وتأسيس عالَم جديد قائم على تعدّد المراكز والأقطاب.

من هنا تبدو تمامًا المخاطر المُحدِقة بأردوغان ونظامه ككل، بل بات مستقبله السياسي محاصَرًا بأكثرَ من استحقاق داخليًا وخارجيًا.

فمنذ عقدين وأكثر لم تشهد تركيا هذا الإرباك الداخلي وعلى كافّة الصعُد، وخاصة الحالة الاقتصادية التي باتت على شفير الهاوية؛ حيث يعيش الشعب التركي أزمة اقتصادية خانقة أثقلت كاهله، وبات يدرك أنّ مَا أوصله إلى هذا الحدّ هي سياسات أردوغان وتدخّلاته الخارجية العسكرية، سواء بشكل مباشر كاحتلال اراضٍ سورية “عفرين وسري كانيي وكري سبي” وتمويله اللامحدود لجماعات وتنظيمات مسلّحة في شمال غربي سوريا “إدلب”، ناهيك عمّا يستنزفه في معاركه غير المباشرة نتيجة تدخّله في ليبيا وغيرها.

المعارضة التركية تحاول قدر الإمكان حشد إمكانياتها في مواجهة أردوغان وحزبه تمهيدًا لإزاحته عن الحكم وإعادة تركيا إلى مسارها الطبيعي في علاقاتها الدولية، ورأب الصدع داخليًا على المستوى الاقتصادي والمعيشي للشعب التركي.

ورغم التباينات والخلافات بين الأحزاب السياسية المعارضة الستّة بما فيها حزب الشعوب الديمقراطي، وربّما فشل ما سُمّيت بـ “الطاولة السُّداسية” كون أحزاب الطاولة فشلت في الاتّفاق على مرشّح رئاسي موحّد في مواجهة أردوغان، كما أنّ مقرّراتها لم تكن على قدر طموح الشعب الكردي ومشاكله المتراكمة، لكن هناك إرهاصات توحي بأنّ التغيير قادم لا محالة.

فالعوامل الخارجية تتداخل وتلتقي مع العوامل الداخلية، حيث ضاقت الدول الأوروبية ذَرْعًا بمواقف أردوغان وخاصة معارضته الشديدة لانضمام السويد وفنلندا لحلف (الناتو)، وقضايا أخرى تثير أوروبا في العمق كابتزاز أردوغان لها بقضية اللاجئين وتحويلهم إلى ورقة ضغط عليها، وكذلك سجلّ النظام التركي الحافل بانتهاكات حقوق الإنسان؛ إذا أدركنا أنّ اعتقال القائد الكردي عبدالله أوجلان منذ أكثر من عشرين عامًا ليس بخافٍ على المحاكم الأوروبية ومنظّماتها التي تعني بحقوق الإنسان؛ فقد سبق للمحكمة الأوروبية في لوكسمبورغ أن طالبت تركيا بإعادة مُحاكمة القائد أوجلان وإطلاق سراحه كونه يدافع عن قضية شعبه، وكذلك باتت القضية الكردية وضرورة وضع حدّ لها من أهمّ العوامل الضاغطة التي تؤرّق أردوغان وأركان نظامه وحزبه، رغم تراجع ظاهريّ لهذه القضية المصيرية بالنسبة لتركيا ككيان وكدولة، لكنّها قد تعود إلى الواجهة في أيّة لحظة حين تتهيّأ لها الظروف والمناخات الداخلية والدولية.

فبالرغم من تجاهل الأحزاب المعارضة التركية لهذه القضية الحيوية بالنسبة لتركيا، ومحاولة تقزيمها وخاصة من جانب الحركة القومية؛ وهذا نابع من الروح العدائية والعنصرية تجاه الشعب الكردي تاريخيًا في تركيا، فلا شكّ بأنّ هذه القضية تُعْتَبر قنبلة موقوتة لا بدّ لها أن تنفجر ذات يوم.

مع دخول تركيا عام /2023/ ينتظرها أكثر من حدَث مفصلي قد يرسم معالم تركيا وتوجّهاتها المستقبلية كدولة؛ فالانتخابات الرئاسية في شهر أيّار، وفي شهر تموز القادم ستنتهي مفاعيل معاهدة (لوزان) التي وقّعتها تركيا مع الحلفاء في (لوزان) عام / 1923/، وهو ما قد يفتح صراعًا من نوع آخر بين تركيا واليونان وكذلك تركيا وأرمينيا، هذا الصراع قد يكون في أحد أوجهه إيذانًا بتفكّك الدولة التركية.

زر الذهاب إلى الأعلى