الانتخابات التركية والديمقراطية العرجاء

 

الديمقراطية التركية العتيدة هي ديمقراطية الانتخابات (أي ديمقراطية عرجاء) ولهذا فإنّ نتائجها لا تقدّم الشيء الكثير لشعوب تركيا وخاصة الشعب الكردي الذي يبلغ تعداده أكثر من عشرين مليون نسمة.

وفي كلّ مرّة تعلن فيها تركيا عن موعد الانتخابات التشريعية تقف المحكمة الدستورية العليا بالمرصاد أمام حزب الشعوب الديمقراطي الذي يمثّل غالبية الكرد في تركيا وتصدر الأحكام الجائرة بحقّه.

وكالعادة فإنّ المحكمة الدستورية العليا في الخامس من يناير قضت بتجميد حسابات حزب الشعوب وتجميد الدعم المخصّص له من الخزانة التركية مؤقّتًا.

و اتّخذ هذا القرار بأغلبية الأصوات مقابل سبعة أصوات معارضة، وجاء قرار المحكمة بناء على طلب قدّمه باكير شاهين المدّعي العام لمحكمة النقض في 19 ديسمبر(المنصرم ) معتبرًا أنّ حزب الشعوب لديه علاقات عضوية مع حزب العمال الكردستاني.

وقد أعلن الرئيس المشترك لحزب الشعوب الديمقراطي السيد مدحت سنجار في 16 يناير المنصرم: ” أنّ قضية الإغلاق لها طابع سياسي والغرض منها هو قمع السياسة الديمقراطية وتنفيذ خطط تصفية حزب الشعوب الديمقراطي “.

ورغم أنّ حزب الشعوب الديمقراطي طلب تأجيل إجراءات الإغلاق والتجميد إلى ما بعد الانتخابات، إلّا أنّ رغبته قد قوبلت بالرفض من جانب المحكمة.

 وقد ألمح مدحت سنجار إلى خطورة عملية الإغلاق، وأشار إلى الاستعدادات والسيناريوهات الضرورية لمواجهة الموقف ولكن دون أن يحدّدها.

والحقيقة أنّ الدفع بقضية الإغلاق يتمّ بشكل أساسي من قبل حزب الحركة القومية حيث خرج (دولت بهشلي) زعيم الحزب المذكور بتصريحات حادّة انتقد فيها المحكمة الدستورية وطالبها بإصدار قرار الإغلاق بأقرب وقت ممكن.

أمام هذه الأحدث فإنّ الخريطة الانتخابية التركية ( مع بدء العدّ التنازلي لموعد الانتخابات) عشية الانتخابات تبدو منقسمة بشكل حادّ، حيث ينسّق حزب أردوغان (العدالة والتنمية) مع حزب الحركة القومية من طرف، بينما في المقابل تنسّق  ستّة أحزاب من المعارضة خطواتها على منصّة سداسية بقيادة حزب الشعب الجمهوري وزعامة كلشدار أوغلو، أمّا حزب الشعوب الديمقراطي فلا يزال حتى الآن خارج هاتين المجموعتين، وإذا استمرّت الخريطة الانتخابية على ما هي عليه فربّما يستعدّ حزب الشعوب  للمنافسة في الانتخابات بمرشّح خاص بموجب التحالف الذي أسّسه مؤخّرًا مع خمسة أحزاب (تحالف العمل والحرية) وهي: حزب العمّال التركي وحزب العمل وحزب الحركة الاجتماعية وحزب الحركة العمالية واتّحاد مجالس الاشتراكية.

ويرى حزب الشعوب بأنّه “بيضة القبّان” وصانع الملوك في الانتخابات التركية المقبلة كناية عن ترجيح الكفّة التي ينضمّ إليها.

وإذا صدر قرار المحكمة الدستورية التركية العليا بالإغلاق الدائم، فإنّ حزب الشعوب الديمقراطي سيرسل نوّابًا إلى البرلمان عبر قوائم تابعة لأحزاب أخرى، وسبق أن حلّت محاكم تركيا أحزابًا كردية في الماضي، لكنّ أحزابًا كردية أخرى سرعان ما أعلنت عن تشكيلها بأسماء جديدة.

وفي الختام فإنّ انتخابات 2023 ستكون من أهم الانتخابات التركية التي ستشهد أكثر التجاذبات وأشدّ التوتّرات السياسية، وربّما تصل إلى حدّ “كسر العظم” بين الأطراف المتنافسة، وعلى هذا الأساس وصفها أردوغان ذات مرّة بالانتخابات الحاسمة والمصيرية.

زر الذهاب إلى الأعلى