حرب غزة وتأثيرها على سوريا

جميع شعوب العالم ترفض الحروب وترفض قتل المدنيين من أي جهة كانت، إلا أن مصالح الدول “الأنظمة الحاكمة” تدفع جهات وأطرافا للقيام بحروب سواء أكانت داخلية أو خارجية بهدف الحفاظ على سلطتهم ومن أجل تحقيق مكاسب حتى وإن كانت على حساب شعوبهم والشعوب الأخرى.

بغضّ النظر عن الأهداف والدوافع والأطراف التي دفعت حركة حماس للقيام بهكذا عملية انتحارية في 7 أكتوبر وعلى إثرها تم أسر وقتل المئات من الإسرائيليين وقصف المدن والمستوطنات الإسرائيلية بعشرات الصواريخ، والتي تم ذكرها في تحليل سابق ومفصّل لمركز روج آفا للدراسات الاستراتيجية حول هجوم حماس بعنوان “مَن يقف خلف هجوم حماس؟ وإلى أين تتّجه الأحداث؟”. إلّا أنّه من المؤكّد أنّ هذه العملية قد أضرّت بالشعب الفلسطيني بشكل عام وقطاع غزة بشكل خاص، ومنحت إسرائيل الدوافع للقيام بعدوان همجي على الشعب الفلسطيني في غزة وفي الضفة الغربية.

كما لا يمكن إغفال قوة الاستخبارات الإسرائيلية “الموساد” إلى جانب CIA و MI6 وعدم معرفتها بتحرّكات حماس. إلّا أنّ الذي قد يبدو واضحاً أنّ إسرائيل كانت على علم بتحرّكات حماس، وأنّها أفسحت المجال لحماس بتنفيذ مهمتها على أكمل وجه؟ فلماذا لم تطلق صفارات الإنذار عند بدء الهجوم أو على الأقل؟ أين كان الجنود الإسرائيليون في أبراج المراقبة وعلى الحواجز والمتاريس؟ وأين كان الجيش الإسرائيلي الذي من المفترض أن يقوم بحماية المستوطنات الإسرائيلية القريبة من قطاع غزة والتي تحكمها حركة حماس المصنّفة كمنظمة إرهابية؟ هناك الكثير من الأسئلة التي يمكن طرحها والتي قد تثبت معرفة إسرائيل بهذه العملية، والضحية هم اليهود والفلسطينيون على حدٍ سواء.

الأهداف الإسرائيلية من حربها على حركة حماس في قطاع غزة

1- إظهار إسرائيل أمام المجتمع الدولي بأنّها ضحية الإرهاب، وهو ما يبرّر الصمت الدولي وبالأخص الدول العربية تجاه ردود فعل الجيش الإسرائيلي العنيف على قطاع غزة.

2- إنهاء سيطرة حركة حماس على قطاع غزة وتشكيل حكومة فلسطينية موالية لها في قطاع غزة بغض النظر إن كانت مرتبطة بالسلطة الفلسطينية أم لا، أو على الأقل حصر حماس في جنوب قطاع غزة وهذا الأمر يتعلق بضغط المجتمع الدولي تجاه إسرائيل من جهة وقدرة الجيش الإسرائيلي في السيطرة على قطاع غزة في أسرع وقت ممكن وإنهاء سلطة حماس على قطاع غزة.

3- تدمير جميع الأنفاق التي تشكّل تهديداً كبيراً على أمن إسرائيل.

4- إذا لم يكن هدف إسرائيل هو احتلال قطاع غزة، فإنّ إسرائيل ستعمل على تقسيم قطاع غزة على الأقل إلى قسمين شمالي وجنوبي، وإنشاء نقاط تمركز جديدة داخل قطاع غزة.

5- تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى مصر أو إلى دول أخرى تكون مستعدّة لاستقبالهم.

6- محاولة إنهاء أو إضعاف القضية الفلسطينية كقضية مركزية لدى العرب والتي قد تكون من المطالب الإسرائيلية مقابل التطبيع العربي معها، وإنشاء تحالف لمواجهة الخطر الإيراني على منطقة الخليج والعالم العربي.

7- إنهاء أو إضعاف الأذرع الإيرانية التي تهدّد أمنها القومي في المنطقة، وحتى التركية راعية الإرهاب وحليفة إسرائيل، كون تركيا تتزعّم الجماعات والحركات والتنظيمات الإرهابية التي قد تشكّل تهديداً مستقبلياً لها.

على الرغم من الحرب التي تشنّها إسرائيل على حركة حماس تنحصر في قطاع غزة إلّا أنّ هناك دولًا إقليمية بدأت تستغلّ هذه الحرب لخدمة أجندتها في المنطقة، والسؤال الذي يمكن طرحه؛ كيف ستستغلّ هذه الدول الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في سوريا بشكل عام وعلى مناطق الإدارة الذاتية بشكل خاص؟ حيث شهدت المنطقة اضطرابات أمنية وعسكرية وعمليات تغيير ديمغرافية جديدة، فالساحة السورية التي باتت توجد فيها الدول العظمى والدول الإقليمية أصبحت مكاناً لتصفية الحسابات بين هذه الدول، إن لم يكن بشكل مباشر فعن طريق وكلائها، ومع استمرار الأزمات الإقليمية تستمرّ الأزمة السورية وتتأزّم أكثر وتستمر معها معاناة الشعب السوري.

أبرز الدول التي تستغل الحرب الإسرائيلية على حركة حماس لخدمة أجندتها في سوريا

تشكّل كل من إيران وتركيا تهديداً كبيراً على المنطقة، فلكلّ منهما مشروعهما التوسّعي في المنطقة العربية والكردستانية، وتعملان على خلق الأزمات والفتن لتمرير مشاريعهما في المنطقة، وعلى الرغم من كونهما من الدول التي تدّعي دعمها للقضية الفلسطينية والتي تشكّل القضية المركزية لدى العرب إلّا أنّ كليهما من صنع الغرب واليهود، فالدولة التركية العلمانية تأسّست بدعم غربي يهودي وتحوّلت من دولة علمانية إلى دولة إسلاموية، أيضاً بدعم غربي إسرائيلي بعد أن قدّم أردوغان فروض الطاعة للغرب وإسرائيل. أمّا إيران فمن دولة ملكية مؤيّدة للغرب إلى دولة إسلامية بدعم غربي إسرائيلي وتدعي محاربة الغرب وإسرائيل، فكلتا الدولتين تحاولان عن طريق الإسلام السياسي والتنظيمات المرتبطة بها وبمحور ما يسمّى بالمقاومة تمرير مشروعهما في البلاد العربية، وهي سياسة غربية “النظام العالمي” لخلق الفوضى والفتن واستمرار سيطرتها على الشرق الأوسط.

1- إيران:

على الرغم من كون إيران ضمن ما تسمّى بدول محور المقاومة إلّا أنّ الأكيد أنّ إيران منذ نشوء الجمهورية الإسلامية الإيرانية 1979 لم تقدم على أي خطوة من شأنها التأثير على إسرائيل أو الإضرار بها، أمّا أذرعها “المليشيات الإيرانية في سوريا وحزب الله في لبنان وما تقوم بها من قصف محدود للأراضي الإسرائيلية ما هي إلّا للاستهلاك الإعلامي، وتواجدها يأتي لزعزعة استقرار المنطقة وخلق الأزمات والتي تمنح الغرب المبرّرات للتدخّل في المنطقة. إلّا أنّ ذلك لا يعني أنّ لإيران مشاريعا استعمارية بحكم تاريخها الطويل في المنطقة، ويُعتبر المشروع الذي يربط طهران بالبحر المتوسط مروراً ببغداد ودمشق وبيروت من أهم المشاريع الإيرانية في المنطقة؛ كون الدول التي يمرّ فيها هذا الطريق متأزّمة، وبالتالي يمكن لإيران سياسياً واقتصادياً وعسكرياً ومن خلال أذرعها الخارجية إيجاد موطئ قدم لها في هذه الدول، وبناء قاعدة شعبية لها على غرار حزب الله وضاحيته الجنوبية في بيروت، تمكّنها من التدخّل في الشؤون الداخلية للدول العربية. إلّا أنّ ذلك لا يعني بالمجمل عدم وجود خلافات وتضارب مصالح بين إيران والغرب، فهناك صراع أو حرب بالوكالة بين إيران والقوات الأمريكية المتواجدة في شرق الفرات وفي قاعدة التنف، وهناك التطبيع العربي مع إسرائيل والمشروع العثماني الجديد في المنطقة، فكلّ ذلك يشكّل تهديداً على إيران ونفوذها في المنطقة؛ فإيران التي تدّعي أنّها تنتمي لما يسمّى بمحور المقاومة وأنّها تدعم القضية الفلسطينية تحاول استغلال هذه الحرب لخدمة أجندتها في سوريا، حيث تدفع إيران بوكلائها في سوريا “الميليشيات الشيعية” لقصف القواعد الأمريكية في شرق الفرات؛ في محاولة منها للضغط على الولايات المتحدة ومنعها من السيطرة على المنطقة الواقعة بين قاعدة التنف والبوكمال؛ حيث ازدادت وتيرة القصف الصاروخي وبالمسيّرات على القواعد الأمريكية في الآونة الأخيرة “بعد السابع من أكتوبر”. كما أنّ حزب الله يعمل على إشعال الجبهة الشمالية لإسرائيل ليس تضامناً مع غزة بقدر ما هو تنفيذا للأوامر الإيرانية، إلّا أنّ حزب الله يدرك تماماً مخاطر فتح جبهة مع إسرائيل على مكاسبه الجديدة في لبنان، لذا تبقى عملياته العسكرية ضمن نطاق ضيّق. ومع تنامي علاقة إيران بالحركات الجهادية في فلسطين كحركة حماس والجهاد الإسلامي باتت هذه التنظيمات بمثابة أذرع لإيران في فلسطين، ويتم تحريكها وفق الأزمات التي تمرّ بها إيران في المنطقة. فإيران تحاول توسيع دائرة الصراع وضمن نطاق محدّد بحيث لا تصل إلى صراع مباشر مع الولايات المتحدة أو إسرائيل، بل هدفها هو إجبار الولايات المتحدة للانسحاب من سوريا لتستكمل مشروعها التوسّعي والسيطرة على سوريا على غرار العراق، فزيادة عدد القتلى والجرحى في صفوف القوات الأمريكية أو زيادة الخسائر الأمريكية قد تجبر الولايات المتحدة للانسحاب من سوريا، أو على الأقل تخفيف الضغط عليها.

2- تركيا:

تعتبر تركيا من أوائل الدول الاسلامية التي اعترفت بكيان إسرائيل في 28 آذار عام 1949، وأقامت معها علاقات اقتصادية وعسكرية ودبلوماسية، إلا أنها في نفس الوقت استغلت القضية الفلسطينية لتحقيق أجندتها. ومع صعود حزب العدالة والتنمية لسدّة الحكم في تركيا عام 2002 وما رافقه من خطاب قومي عثماني ديني، بدلاً من خطاب الدولة العلمانية الأتاتوركية، شكّل نقطة تحوّل في سلوك تركيا السياسي تجاه القضية الفلسطينية، وانطلق هذا التحوّل من البعد الأيديولوجي للفكر الإخواني لحركة حماس، ومن البعد الديني للقضية الفلسطينية، كون تركيا العثمانية ترى نفسها حامية العالم الإسلامي منطلقة ممّا يسمّى بإرثها العثماني، وعملت على دعم القضية الفلسطينية اقتصادياً وسياسياً من باب الضغط على إسرائيل للحصول على مكاسب اقتصادية وعسكرية وأمنية، ولتوضيح هذا الأمر وسياسة تركيا البراغماتية التي تخدم مصلحتها فقط لا غير، فما لم تفعله الدولة التركية العلمانية فعلتها الدولة التركية العثمانية بقيادة أردوغان، فأول ما قام به حزب العدالة والتنمية بعد وصوله إلى سدّة الحكم قيام رئيس الوزراء حينها (أردوغان) بزيارة إلى إسرائيل سنة 2005 والتي رافقه فيها وفد سياسي واقتصادي رفيع المستوى زاد عن مئة شخصية، وقيامه بزيارة قبر تيودور هرتزل مؤسّس الصهيونية، والتوقيع على وثيقة اعترف فيها بالقدس عاصمة لإسرائيل، فالتصريحات والمواقف التركية المناهضة لإسرائيل تعكس تناقضاً واضحاً بين الموقف التركي المُعلَن (الدفاع عن القضية الفلسطينية) وبين التعاون الثنائي غير المسبوق بين تركيا وإسرائيل في عهد أردوغان نفسه، حيث وصل حجم التبادل التجاري إلى أربعة مليارات دولار سنوياً، وتعتبر إسرائيل المورد الرئيسي للأسلحة لتركيا.

لذا فإنّ أي تصريحات من قبل أردوغان مناهضة لإسرائيل أو داعمة للقضية الفلسطينية ما هي إلّا خطابات جوفاء لتحريك مشاعر المسلمين؛ كون القدس وفلسطين لهما مكانة كبيرة في قلوبهم، وتخدم فكره العثماني الجديد في العالم الإسلامي. فأردوغان لا يمكن له مجرّد التفكير في اتخاذ خطوات جدية تخدم القضية الفلسطينية أو تضرّ بالأمن الإسرائيلي؛ لأنّه يدرك تماماً أنّ استمرار وجوده في سدّة الحكم يأتي بدعم غربي إسرائيلي له، لذا فهو يكتفي بإطلاق الخطابات الرنّانة فقط، ومن جانب آخر تحاول دولة الاحتلال التركي استغلال الحرب الإسرائيلية على حركة حماس وعلاقتها بحركة حماس  مع دعمها لإسرائيل في الحصول على مكاسب جديدة في سوريا، فبعد احتلال كري سبي وسري كانيه يحاول أردوغان الضغط على الولايات المتحدة للحصول على ضوء أخضر للقيام باجتياح بربري جديد على شمال وشرق سوريا، كما يحاول استغلال معاناة الشعب الفلسطيني من خلال استقبال الفلسطينيين المهجّرين وتوطينهم في المستوطنات التي تم بناؤها في عفرين والشمال السوري وبدعم قطري إخواني وحتى فلسطيني “عن طريق منظمات خيرية تابعة لحركة حماس والجهاد الإسلامي”؛ كون أردوغان يخشى عودة المهجرين السوريين الذين تم توطينهم في عفرين إلى مناطقهم الأصلية بعد حلّ الأزمة السورية؛ لذا فإنّ توطين الفلسطينيين قد ينهي هذه المخاوف، ولا يمكن استبعاد وجود تفاهم تركي إسرائيلي حول توطين الفلسطينيين في عفرين وكري سبي وسري كانيه. ومقابل دعمه لإسرائيل يحاول أردوغان الضغط على الولايات المتحدة من خلال زيادة وتيرة الخطابات المعادية لإسرائيل والولايات المتحدة لدعمها في عدوانها على الإدارة الذاتية وفضّ شراكتها مع قوات سوريا الديمقراطية.

فأردوغان بسياسته البراغماتية لن يتوانى ولو للحظة في استغلال جميع الأزمات الإقليمية والدولية لخدمة مشروعه “العثمانية الجديدة” والقضاء على الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا ومشروعها الديمقراطي.

3- روسيا:

بعد تدهور العلاقات الروسية الإسرائيلية بعد 2014 بعد الاحتلال الروسي للقرم، وبالأخصّ بعد الحرب الروسية الأوكرانية ووقوف إسرائيل إلى جانب أوكرانيا سياسياً وعسكرياً إلى جانب استهداف إسرائيل للقواعد الإيرانية في سوريا، تحاول روسيا استغلال أحداث غزة للضغط على إسرائيل وذلك من خلال إفساح المجال للميليشيات الإيرانية للتمدد ولو بشكل محدود في الجنوب السوري وإطلاق بعض الصواريخ على إسرائيل. كما أن بوتين من خلال رفضه للسياسة الغربية تجاه بعض القضايا الإسلامية “حرق القرآن والرسوم المسيئة” ورفضه للعدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني وعلى قطاع غزة، يحاول كسب العالم الإسلامي والعربي لخدمة صراعه مع الغرب وتخفيف العقوبات الغربية عليه من خلال انفتاح العالم الإسلامي على روسيا كدولة تقف في وجه النظام العالمي بقيادة الولايات المتحدة؛ فروسيا تضغط على إسرائيل بما يخدم حربها في أوكرانيا وفي الأزمة السورية.

4- الولايات المتحدة الأمريكية:

 لا يمكن إغفال قوة الولايات المتحدة سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وقدرتها على تكييف الأزمات لخدمة سياستها العالمية. فالولايات المتحدة بعد الاجتياح العراقي للكويت تمكنت من التمركز في منطقة الخليج وإنشاء قواعد عسكرية لها، ومع تغير موازين القوى في العقدين الأخيرين وبروز الصين وروسيا كقوّتَين منافستَين لها على النظام العالمي وتمدّدهما في الشرق الأوسط، تحاول الولايات المتحدة استغلال حرب إسرائيل على حركة حماس ومحاربة الإرهاب، من جهة إعادة ترتيب أوراقها وزيادة تواجدها العسكري في منطقة الشرق الأوسط وبالأخص في شرقي المتوسط وفي سوريا والعراق كبوّابتَين لكلّ من الصين وروسيا للتمدّد نحو منطقة الخليج العربي وشمال أفريقيا، ومن جهة أخرى حماية إسرائيل ومنع  اتّساع نطاق الصراع في المرحلة الحالية، ورسالة قوية لأي طرف قد يمسّ مصالحها في المنطقة؛ وبالتالي فإنّ الولايات المتحدة تزيد من تواجدها العسكري في الشرق الأوسط في ظلّ الصراع الأمريكي الروسي والصراع الأمريكي الصيني.

5– النظام السوري:

يعتبر النظام السوري أحد الأنظمة العربية التي استغلّت القضية الفلسطينية للحفاظ على نظامها، فرغم تدهور العلاقات بين النظام والحركات الفلسطينية بعد الأزمة السورية فالنظام السوري يحاول إعادة علاقته مع تلك الحركات لإعادة استغلالها من جديد، كما أنّ تجاهل النظام لقصف الميليشيات الإيرانية للمناطق الإسرائيلية والسماح لها بالتمدّد في الجنوب السوري يأتي بهدف الضغط على إسرائيل وإعادة مقولة ” أمن النظام السوري هو من أمن إسرائيل” وعلى إسرائيل والغرب تحقيق مطالبه في شكل الحلّ للأزمة السورية ودعمه اقتصادياً ورفع العقوبات عنها.

لذا يحاول النظام استغلال حرب إسرائيل على حركة حماس، ودفع الميليشيات الإيرانية وحزب الله بشكل غير مباشر لقصف المواقع الإسرائيلية وتوسيع نطاق الحرب، وأنه قادر على كبح هذه الميليشيات ومنعها من تشكيل خطر على أمن إسرائيل؛ وبالتالي فإنّ النظام يسعى لإعادة ترتيب أوراقه على حساب القضية الفلسطينية والحرب الإسرائيلية ضدّ حركة حماس.

مستقبل سوريا ومناطق الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا

تحاول الدول المتصارعة في سوريا استغلال الأزمات الإقليمية والدولية لخدمة مشاريعها الاستعمارية، فأردوغان حليف الغرب وأكبر شريك اقتصادي وعسكري لإسرائيل في المنطقة، ويحاول الاستفادة من الحرب القائمة بين إسرائيل وحماس بإقامة مخيّمات فلسطينية في المستوطنات الإخوانية العثمانية في الشمال السوري، والاستفادة من التوتّر العسكري للحصول على ضوء أخضر للقيام باجتياح عسكري على مناطق شمال وشرق سوريا، أو على الأقل غضّ الطرف عن قصفها للبُنى التحتية للإدارة الذاتية وعمليات قتل المدنيين والعسكريين في المنطقة باعتباره حليفًا مهمًّا للغرب في المنطقة. أمّا إيران، فالضغوط الأمريكية والغربية عليها ووقوفها في وجه مشروعها الشيعي في المنطقة ومحاولتها قطع الاتصال بين العراق سوريا “المنطقة الواقعة بين قاعدة التنف والبو كمال” كل ذلك يدفع إيران لتحريك أذرعها في سوريا لضرب القواعد الأمريكية في شرق الفرات؛ لذا فإنّ هاتين الدولتين “إيران وتركيا” مع النظام السوري تعمل على تعقيد الأزمة السورية أكثر، لتمرير مشاريعها والوقوف في وجه المشروع الديمقراطي للإدارة الذاتية ومنع المشروع من التمدّد في باقي المناطق السورية؛ لذا ستستمرّ الأزمة السورية مع غياب الحلول في المرحلة المقبلة، وستتأزّم بشكل أكبر نتيجة انعكاس الأزمات الإقليمية على الأزمة السورية.

وفي هذا السياق لا يمكن إبعاد الأزمة السورية وتأثّرها بأي أزمة تحدث سواء أكانت دولية أو إقليمية، فسوريا باستمرار أزمتها وتواجد الدول العظمى “الولايات المتحدة وروسيا” والإقليمية “إيران وتركيا”  فيها واختلاف مصالحها ومشاريعها “المشروع العثماني الجديد، والمشروع الشيعي، والتمدّد الروسي الصيني، وحماية النظام العالمي الحالي من قبل الولايات المتحدة وصراعها مع روسيا والصين، والأمن الإسرائيلي، وتنامي المشروع الديمقراطي من قبل الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا” كلّ ذلك جعل من سوريا ساحة لتصفية الحسابات فيما بينها، وهو ما يجعل من سوريا وأزمتها الحالية بؤرة لاندلاع حرب إقليمية كبيرة، ومع استمرار استغلال القضية الفلسطينية، واستمرار الأزمة السورية ودوغمائية النظام وتواجد القوى المحتلّة في سوريا، وتجاهل المشروع الديمقراطي للإدارة الذاتية كحل ينهي الأزمة؛ لتستمرّ الأزمات في المنطقة، وستبقى الأنظمة العربية أسيرة الدول العظمى وأسيرة مخاوفها من المشاريع الاستعمارية في المنطقة.

زر الذهاب إلى الأعلى