قراءة تحليلية للمنطقة بعد السابع من أكتوبر

 

بعد العملية التي نفّذتها حركةُ حماس في السابع من أكتوبر وقيام إسرائيل بالرد على حماس وقطاع غزة، ظهرت مقولتان: الأولى أنّ ما بعد السابع من أكتوبر لن يكون كما قبله. والثانية: أنّ العمليّة قد أوقَفت التطبيع بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل.

هذه العملية أسفرت عن مقتل وأسر المئات من الإسرائيليين، حيث تكبّدت إسرائيل من هذه العملية خسائر كبيرة في الأرواح لم تشهدها منذ عقود. على الرغم من وجود استفهامات عديدة حول إسرائيل وعدم التصدّي لحماس والسماح لها بالتوغّل إلى داخل المستوطنات والتجوال فيها لأسباب تبدو حتى الآن مجهولة، إلّا أنّ الظاهر أنّ إسرائيل نجحت أمام المجتمع الدولي بتسويق نفسها على أنّها ضحيةٌ لإرهابِ “حركة حماس” وذلك لجعلها ذريعة للقيام بعملية عسكرية كبيرة على قطاع غزة وتبرير موقفها ضد حركة حماس، وتحقيق أهدافها في إنهاء حركة حماس.

 إلّا أنّ ذلك لا يعني أنّ إسرائيل تهدف من وراء عملية السابع من أكتوبر القضاء على حركة حماس فقط، خاصةً إذا أخذنا بعين الاعتبار التمركز العسكري للولايات المتحدة في شرقي المتوسط والبحر الأحمر. يبدو أنّ المنطقة مقبلة على تحوّلات جديدة سياسياً واقتصادياً وحتى عسكرياً بعد إنهاء حركة حماس في قطاع غزة. كما أنّ موقف الدول العربية لم يكن على مستوى الهجوم الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، وعلى ما يبدو أنّ هناك تفاهمات بينها وبين إسرائيل والولايات المتحدة.

أبرز المتغيرات التي قد تحدث في المنطقة

بالتزامن مع الحرب الإسرائيليّة على حركة حماس في قطاع غزة تتعرّض إسرائيل لقصف من حزب الله لبعض مواقعها في الشمال دون أنْ يكون هناك ردٌّ حازم من قبلها، ولا حتى على التهديدات الحوثية التي تُعرِّض مصالحها الاقتصادية في البحر الأحمر للخطر. فعدم وجود ردّ إسرائيلي على هاتين القوتين (حزبِ الله في لبنان وسوريا، والحوثيين في اليمن) يضع عدّة إشارات استفهام حول توقيت الرّدّ الإسرائيلي إذا أخذنا بالحسبان أنّ إسرائيل لا تريد في الوقت الحالي توسيع جبهاتها حتّى يتم القضاء على حماس وسلطتها على قطاع غزّة. ففي حال نجحت إسرائيل في تحقيق أهدافها في قطاع غزة وأمّنت جبهتها الداخلية، سيبدأ معها مسار التطبيع مع المملكة العربية السعودية عسكرياً ومن ثم اقتصادياً؛ أي التطبيع الكامل بين الطرفين، فالولايات المتحدة وفي إطار صراعها مع الصين اقتصادياً ومع روسيا عسكرياً قد تعمل على ربط منطقة الشرق الأوسط “القسم العربي” بتحالفات عسكرية تحت مسميّات مختلفة، كالتحالف الدولي ضد داعش، والتحالف العسكري الذي هو قيد الإنشاء ضد الحوثيين، وستضغط على الدول العربية للانضمام لهذا التحالف من خلال إحداث أزمات اقتصادية وعسكرية. ستعمل الولايات المتحدة من خلال التحالفات العسكرية ومن ثم المشاريع الاقتصاديّة على ربط المنطقة عسكرياً واقتصادياً بها، إلّا أنّ ذلك سيحمل معه رياح التغيير في المنطقة، فالصين لديها مشروعها الاقتصادي، وروسيا لديها مشروعها العسكري، إلى جانب التنسيق الكبير بين الطرفين. إنّ تعدّد المشاريع الاقتصادية والعسكرية، وخشية الدول العربية من تبعيتها لطرف واحد قد يؤدّي إلى حدوث أزمات جديدة في المنطقة.

التطبيع السعودي الإسرائيليّ

تحاول الولايات المتحدة إنجاح مسار التطبيع بين الطرفين، إلّا أنّ المملكة العربية السعودية ما تزال ترفض التطبيع الكامل مع إسرائيل لاعتبارات عربية “القضية الفلسطينية” ودينية “كونها تمثل الإسلام السنّي في العالم” إلّا أنّ المتغيرات الإقليمية العسكرية والاقتصادية، كالتمدّد الإيراني في العراق وسوريا ولبنان واليمن في السنوات الأخيرة، قد جعلت السعودية ضمن دائرة الخطر. إنّ اشتراكها مع إسرائيل في محاربة التّمدّد الإيراني، إلى جانب رؤية محمد بن سلمان الاقتصادية 2030 والمشروع الأمريكي الذي يربط الدول العربية بإسرائيل اقتصادياً، قد تدفع المملكة السعودية للتطبيع مع إسرائيل.

الحوثيون في اليمن:

كما هو الواقع فإنّ التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية منذ انطلاقته ضد الحوثيين وإعادة الشرعية لم يحقّق أهدافه في إعادة الشرعية إلى اليمن، سوى أنّ التحالفَ قد أوقف زحف الحوثيين نحو الجنوب. بالمقابل ازدادت هجمات الحوثيين على المملكة العربية السعودية وأصبحت تهدّدُ أمنها القومي، كما أنّ تكلفة هذه الحرب باتت تشكّل عبئًا كبيراً على المملكة؛ مما يؤثّر على “رؤية محمّد بن سلمان 2030” لذا تحاول المملكة من خلال تحسين العلاقات مع إيران التوصّل إلى حلّ سلمي للأزمة اليمنية.

ومع إعلان إسرائيل حربَها على حركة حماس وقطاع غزة، بدأ الحوثيون بقصف إسرائيل بالصواريخ البالستية والطائرات المسيّرة، والتي تم اعتراضها من قبل السفن الحربية الأمريكية في البحر الأحمر، كما قام الحوثيون بمنع أو احتجاز السفن التجارية الإسرائيلية وتهديد مصالحها الاقتصادية، دون أنْ يكون هناك ردّ إسرائيلي حتى الآن؛ والتي يمكن تفسيرها بانشغال إسرائيل بحربها على حركة حماس، ومنح الولايات المتحدة الدور الأكبر لإنشاء تحالفٍ عسكريٍّ عربي -أجنبي، لحماية الملاحة في البحر الأحمر على أنْ تنضم إسرائيل إليه بعد انضمام السعودية ومصر لهذا التحالف.

وبالتالي ستكون المملكة العربية السعودية وإسرائيل أمام عدوّ مشترك “الحوثيين” ويبدأ التنسيق الإسرائيلي- السعودي العسكري في محاربتهم وإنهاء خطرهم، ولإنهاء التهديدات الحوثية في البحر الأحمر وقد يطالب التحالف العربي بالسيطرة على ميناء الحُديدة وإعادته لسلطة عدن “الحكومة الشرعية لليمن” خاصة أنّ التحالف العربي أخفق في السيطرة على الميناء عام 2019. فتكون إسرائيل قد أَبعدت الحوثيين عن البحر، وأمّنت تجارتها في البحر الأحمر، وخدمت المملكة في قطع الإمدادات الإيرانية إلى الحوثيين عن طريق البحر “حيث يشكل ميناء الحُديدة المَنفذ الأكبر لإيران لإمداد الحوثيين بالسلاح”؛  وبالتالي سيكون أوّلَ تنسيق عسكري وإنْ كان محدوداً أو حتى غير مباشر “ضمن التحالف الدولي الجديد” بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل وبدايةَ التّطبيع، لذا فإنَّ ما يتم الترويج له بأنّ عملية السابع من أكتوبر قد أوقفت التطبيع السعودي مع إسرائيل، بل قد تسرِّع من مسار التطبيع بين الطرفين.

الرؤية الاقتصاديّة 2030 لمحمّد بن سلمان ومشروع “نيوم”

يعمل الأمير محمد بن سلمان وفق رؤيته 2030 على تحويل المملكة لأكبر مركز اقتصادي في المنطقة، ومشروع “نيوم” جزء مهم من هذه الرؤية، والتي سيتم إنشاؤها في شمال غربي المملكة في منطقة تبوك على سواحل خليج العقبة والبحر الأحمر بالقرب من الأردن وإسرائيل ومصر؛ ما يعني أنّ المشروع مرتبط بمصر والأردن وإسرائيل؛ أي سوف تكون هناك علاقات تجارية مع إسرائيل، والمشروع الأمريكي “الممر الاقتصادي الهند- أوروبا” الذي يبدأ بطريق بحري من موانئ الهند وصولاً لموانئ دولة الإمارات العربية، ثم الطريق البري “السكك الحديدية الذي يقطع الأراضي الإمارتية ويدخل أراضي المملكة العربية السعودية، وصولا للمملكة الأردنية، وأخيرًا إلى إسرائيل، ومن ثم باتجاه اليونان وصولاً لباقي دول أوروبا.

لذا فإنّ مشروع “نيوم” يحتاج إلى استقرار أمني في إسرائيل؛ لتنشيط الحركة التجارية من ميناء إيلات الإسرائيلي باتجاه موانئ حيفا وميناء غزة – بعد سيطرة الإسرائيليين عليها وتطويره بما يتلاءم مع الحركة التجارية في البحر الأحمر ومع المملكة السعودية- مما سيعطي مشروع “نيوم” دفعاً قوياً لتسريع إتمام هذا المشروع قبل 2030 ومع المشروع الأمريكي -في حال تم تنفيذه- سيمنح المملكة مكانة تجارية مميزة في المنطقة؛ لذا فالتطبيع السعودي- الإسرائيلي ضروري لكلا الطرفين اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً؛ لذا لا بدّ من قيام إسرائيل بإنهاء حركة حماس في قطاع غزة؛ لربط خليج العقبة بالبحر المتوسط، وإبعاد الحوثيين عن سواحل البحر الأحمر، من خلال السيطرة على ميناء الحُديدة لتأمين حركة التجارة في البحر الأحمر.

الأزمة السورية

إنّ التطبيع العربي الإسرائيلي سيؤدّي إلى خطوات جديدة في لبنان وسوريا لإضعاف النفوذ الإيراني، فإسرائيل وبعد الانتهاء من حركة حماس والحوثيين، قد تعمل على ضرب حزب الله في لبنان وسوريا، ويكون الدور العربي غضّ النظر عن إسرائيل، وإنهاء سيطرة حزب الله على الحكومة اللبنانية وتشكيل حكومة موالية لهم، ودعم إسرائيل في سوريا من خلال انشاء إدارات ذاتيّة في السويداء ودرعا، لإبعاد حزب الله والميليشيات الإيرانية عن الحدود الشمالية لإسرائيل، وضرب المشروع الإيراني في سوريا من خلال قطع الطريق بين البوكمال وقاعدة التنف وإلحاقها بالسويداء. لذا فإنّ العملية العسكرية في السابع من أكتوبر لم توقف التطبيع السعودي- الإسرائيلي، بل ستسرّع من عملية التطبيع بين الطرفين.

أمّا تركيا فلن تكون بعيدة عن تلك الأحداث؛ فالولايات المتحدة بحاجة إليها وإلى الفصائل الموالية لها في إضعاف إيران، من خلال منحها الضّوء الأخضر للسيطرة على حلب، وإنشاء إدارة في الشمال؛ حيث تهدف الولايات المتحدة من ذلك إحداثَ شرخ في العلاقات التركية الروسية. أما روسيا فهي إن لم تستطع إيقاف تركيا فإنّ لها استراتيجية قديمة وهي “سوريا المفيدة والحفاظ عليها” والتي تشمل دمشق حمص حماه إدلب والمنطقة الساحلية، بمعنى أنّ إدلب قد تشتعل مع التحرّك العسكري التركي على حلب ومنطقة الشهباء.

أمّا مناطق الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا فهي تعيش مجموعة من التحدّيات: الأولى: حصار منطقة الشهباء من قبل النظام وتجويع سكانها من أجل الحصول على تنازلات من قبل قوات سوريا الديمقراطية “اقتصادية وعسكرية” إلى جانب رغبة النظام وإيران في إعادة السيطرة على المنطقة كونها تشكّل بوابة تركيا ومرتزقتها للدخول إلى حلب. ثانياً: تحريك الإرهابيين في منطقة دير الزور تحت مسمّى “جيش العشائر” لخلق فتنة عربية- كردية. ثالثاً: التهديدات التركية وتهديدها لأمن واستقرار المنطقة، ومسعاها للحصول على ضوء أخضر للقيام بعملية بربرية ثالثة على مناطق الإدارة الذاتية، حتى الآن لم تعطِ الولايات المتحدة الضوء الأخضر لتركيا، لكن في حال حدوث تغيرات في الأزمة السورية فمن المحتمل منحها الضوء الأخضر في منطقة الشهباء وحلب؛ حيث ستهدف الولايات المتحدة ضرب العلاقات التركية -الروسية- الإيرانية في سوريا. إلّا أنّ الولايات المتحدة ستحافظ على وجودها في شرقي الفرات، وعلى تحالفها الدولي لمحاربة الإرهاب، وعلى شراكتها مع قوات سوريا الديمقراطية؛ فالولايات المتحدة هدفها ربط المنطقة عسكرياً بها، وستزيد من قوتها في سوريا والعراق “زيادة عدد الجنود، وإدخال أسلحة نوعية إلى المنطقة ” والتي سترتبط بالمتغيرات السياسية والعسكرية الإقليمية والدولية وتأثيرها على مصالحها في منطقة الشرق الأوسط.

يقول المفكر الكردي عبد الله أوجلان في المجلد الخامس: “لكي تُدركَ الدولة القومية بعين صائبة، يجب تحليل مكانتها ضمن النظام المهيمن، وعُراها التي تربطها بالرأسمالية والصناعوية، فالقول ببناء إثنية أو مذهب أو قوم، يفيد بعولمة الرأسمالية، ويدلّ بالتالي على الإسهام في الارتقاء بالاستغلال والدمار الأيكولوجي إلى أقصى الدرجات”.

 من هنا فإنّ الدول القوموية لم تعد تنفع النظام المهيمن؛ نتيجة تنامي علاقاتها مع الصين وروسيا، وباتت تشكّل خطراً عليها، كما أنّ إعادة ترميم هذه الأنظمة “القوموية” لن ينفعها، وبالتالي فإنّ المنطقة ذاهبةٌ نحو التغيير.

زر الذهاب إلى الأعلى