الاحتجاجات في إيران

أ‌.عبد الرزاق علي

الاحتجاجات ليست وليدة هذه اللحظة إنما توالت وتتالت بشكل دراماتيكي دون أي اكتراث بالاعتقالات التي نالت منهم. فشرارتها الأولى كانت في مطلع آيار حيث طالب المعلمون الإيرانيون بزيادة الأجور وأخرها كانت في المنطقة الكردية جراء قتل الفتاة الكردية الطالبة الجامعية والبالغة من العمر ٢٢ عاماً (مهسا أميني) تحت التعذيب بحجة مخالفتها لقانون شرطة الأخلاق في إيران ، هذا العمل الشائن أشعل الجمرة من تحت الرماد وأنهض طائر الفنيق حاملاً شعلتها الفتيات الإيرانيات على قيادة هذه الاحتجاجات حيث قمن بحرق حجابهن وقص ضفائرهن ورفعن شعارات مناوئة للنظام وصرخن بملء حناجرهن شعار المرأة- الحياة- الحرية عنواناً ورمزاً لهذه الاحتجاجات ،حيث عمت هذه الاحتجاجات جميع أنحاء البلاد واستجابت لها الجامعات والأرياف والمدن وشاركت فيها كافة الشرائح لأن الظلم والفساد والحرمان وحّد جميع فئات الشعب على اختلاف مشاربهم في سيلٍ عارم يقوض سلطة الملالي ويدك معاقلهم ولم تكتف هذه الاحتجاجات حدود البلاد بل طار صداها في الآفاق خارج البلاد لتعمّ في سائر أنحاء العالم منددين بالظلم والطغيان وانتهاك حقوق الإنسان . ولم يعد خافياً على أحد بأن لهذه الاحتجاجات أسباب كثيرة لكنني سأسردها على سبيل المثال لا الحصر منها: الارتفاع في أسعار المواد الغذائية الأساسية والتي هي احتياجات أولية للمواطن الإيراني نتيجة الاقتصاد الهش والمشلول الذي أنهكه العقوبات الأمريكية ناجماً عن ذلك ارتفاع معدلات الفقر وانتشار البطالة واقتراب التضخم من ٤٠% مع عجز في الميزانية حيث بلغ نحو ٢١ مليار دولار وما زيد الطين بلة الحرب الأوكرانية الروسية وتداعياتها وكذلك تعطل الصفقة النووية مما ذكّاها وزادها اشتعالاً وركب موجتها الدول الغربية والذين جمعتهم مخاطر النووي الإيراني معاً ومن ورائهم اسرائيل في تقديم وسائل الاستمرار لهذه الاحتجاجات من آليات للاتصال الاجتماعي عبر الأقمار المرسلة ليتم البث والإرسال وفضح أساليب معاملة النظام لهذه الاحتجاجات وما تلاها من أفعالٍ للقادة العسكريين وأقوالٍ لرئيس إيران حيث قال عن المحتجين بأنهم أسراب ذباب يطوفون في الشوارع وسنسحقهم وسندعم أعمال الحرس الثوري الإيراني والباسيج بقمع أصوات الحرية ناهيك عن سوء إدارتهم للبلاد أمثال كوردستان و عبادان وغيرهم من المحافظات ومعاملتهم بأنهم مواطنون من الدرجة الثانية وتجلّى ذلك في اضطهادهم قومياً وإقصائهم عن مراكز القرار وتهميشهم وإلقاء الأحكام الجاهزة والتهم المسبقة ووصفهم بصفات لا تمت للمواطنة بشيء أما حروب هذا النظام في الخارج في كل من سوريا والعراق واليمن ولبنان وفلسطين إنما هي لأهداف سياسية ودينية ولزعزعة الأمن والاستقرار في هذه البلدان وضخ مليارات الدولارات على حساب الشعب الإيراني .وكنتيجة لما سبق انعكست هذه الأعمال على الاقتصاد الإيراني المتردي أصلاً مما دفع بصعود وتيرة الاحتجاجات بشكل منقطع النظير في كافة أنحاء البلاد بينما سارعت الحكومة بالوعود تارة وبالقمع تارة أخرى لكن المشكلات الاقتصادية المتأصلة زادت هذه الاحتجاجات انفجاراً مرة تلو الأخرى وتزيدها زخماً وعنفواناً مما جعلها تفقد بوصلتها في الهيمنة والسيطرة بل بتصديرها خارج البلاد من خلال قصفها للسليمانية بالطيران وزعمها بملاحقة مسببي هذه الاحتجاجات كمبررات لتصدير أزمتها الداخلية المتفاقمة منذ أربعة عقود بمحاربة الكرد وضرب مقرات أحزابهم وقصف المؤسسات المدنية وقتل المدنيين الأبرياء ومن بينهم أطفال مدارس الأمر الذي لاقى شجباً واستنكاراً وإدانةً من المجتمع الدولي لأن العالم بأسره على دراية تامة بما يجري في إيران من ظلم واضطهاد لكافة الشرائح ومعظم الأقليّات وبالتحديد الكردية منها حيث اعتاد هذا النظام القائم على حرمان الناس من حقوقهم القومية وإقصائهم وزجهم في السجون وهي دولة الإعدامات الأولى في العالم والتي لم يسلم من شرها حتى النساء وهي وصمة عار على جبين هذه الطغمة الحاكمة، ويرى الباحثون والمحللون بأن تفرد هذه الطغمة بمقاليد الحكم في إيران وسياستها الممنهجة تجاه الأقلّيات وعزلتها وعدم امتثالها بالمواثيق الدولية وحّد العالم بأكمله في مواجهتها ومواجهة مخططاتها في الداخل والخارج ويتضح ذلك جلياً في الاحتجاجات التي تدعم وتسند من الخارج وأنا أرى كمتابع متواضع للشأن الإيراني بأن هذه الاحتجاجات ستستمر وتتواصل لأن وقودها جميع الطبقات في المجتمع الإيراني ولأن الدول المعنية بتحجيم إيران ووضع حدٍ لها ولبرامجها النووية وتدخلها في شؤون دول الجوار ستسعى جاهدة بتجميع المعارضات في لقاءات شتى وصهرهم في معارضة قوية قوامها الكرد على غرار ما جرى في العراق و سوف يرسم لهم مخططات ويعقدون ندوات ولقاءات ويضعون الخطط للتخلص من هذا النظام المقيت القائم على ولاية الفقيه إلى دولة تسترد مكانتها بين الدول وإلى نظام ديمقراطي يحقق الحقوق لكافة المواطنين بموجب دستور عصري ومتقدم.

المقالة تعبر عن رأي الكاتب

زر الذهاب إلى الأعلى