بانوراما سياسية “قراءة المشهد كماهو”

ابراهيم بركات

في خضمّ الأحداث التي تشهدها ساحة الشرق الأوسط يبرز الانفتاح العربي ولو نسبيًا على النظام السوري، ولعلّ السعودية كانت سبّاقة في كسر الجليد نحو دمشق، فبعد تسريبات إعلامية رافقت بوادر الانفتاح السعودي على النظام السوري، كانت زيارة وزير الخارجية السوري “مقداد” إلى الرياض ثم زيارة مماثلة لوزير الخارجية السعودي لدمشق واجتماعه مع الرئيس، ترجمة واضحة لما ترمي إليه السعودية ومن خلفها الإمارات والأردن، هذه الدول التي تعمل على عودة النظام لجامعة العربية وكذلك دعوته لحضور القمة العربية التي ستعقد في الرياض في الفترة القادمة، فيما تعارض مصر وقطر والمغرب هذا المسعى وتعارض عودة النظام السوري إلى الصف العربي.
بموازاة تسريبات صحفية حول شروط السعودية والدّول الداعمة لمسعاها للنظام السوري، هذه الشروط التي يعتبرها المراقبون مدخلاً لعودة النظام السوري إلى حاضنته العربية، رغم اعتبارها شروطًا تعجيزية لا يمكن للنظام القبول بها، ومنها:
–  اطلاق سراح الألوف من المعتقلين السياسيين.
–  فتح باب الحوار والتفاوض الجدّي مع المعارضة، والالتزام بتنفيذ القرار الدولي 2254
 – وضع حد للوجود الإيراني على الأرض والتخلّي عن كافة الاتفاقيات الاستراتيجية والاقتصادية مع النظام الإيراني.
–  الكشف عن مصانع تصنيع “الكبتاغون” وطرق تهريبها.
–  تأمين العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى ديارهم.
هنا علينا الأخذ بعين الاعتبار التوجّه السياسي السعودي الجديد نحو الصين وتالياً محاولة الابتعاد أو الخروج من تحت العباءة الأمريكية، لكن هناك أكثر من مؤشّر يدلّ على أنّ أمريكا غير بعيدة عمّا يجري، وبالتالي فهي موافقة على التوجّه السعودي والعربي نحو دمشق.
فالنظام السوري الذي واجه مطالب الشعب السوري بالإصلاحات بالرصاص والحل العسكري لا يمكنه الرضوخ لمثل هذه الشروط بسهولة، ناهيك عن التعقيدات على الأرض كالوجود الإيراني وحزب الله اللبناني والاحتلال التركي للمناطق السورية وتموضع مجموعات مسلّحة ارهابية كجبهة النصرة وداعش وغيرها في إدلب ومناطق واسعة من ريف حماه وغيرها.
أما شمال وشرق سوريا حيث تتمركز قوات سوريا الديمقراطية عسكرياً، والإدارة الذاتية سياسياً فلا يمكن تجاهل أو تهميش هذا الواقع بوجود التحالف الدولي الذي يدعم قوات سوريا الديمقراطي كحليف له.
ناهيك عن الحاضنة الشعبية التي تتمتّع بها قوات سوريا الديمقراطية ومجلس سوريا الديمقراطية، مع وجود شبكة علاقات سياسية واسعة لـ مسد داخلياً وعلى المستوى الدولي.
ولا يمكن قراءة هذا الواقع بمعزل عن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية، وما يمكن أن تفرزه هذه الانتخابات، قد تكون ارهاصات التغيير في داخل تركيا مازالت غير واضحة لكن اردوغان في أكثر من مأزق داخلياً وخارجياً، حيث الاقتصاد شبه منهار مع تضخم ليس له مثيل من قبل، فبات العسكر الورقة الاخيرة بيد أردوغان ولعل محاولته الفاشلة باغتيال الجنرال مظلوم عبدي في السليمانية وقصف مطارها يأتي في هذا الإطار، حيث التخبّط من أردوغان مع انتعاش آمال مرشّح المعارضة وتقليص فرص اردوغان.
ما يمكننا الرهان عليه في روج آفاي كردستان هو قوتنا الداخلية على أرض الواقع، كذلك تحالفنا مع المحيط الكردستاني المتمثّل بالاتّحاد الوطني الكردستاني وحزب الشعوب الديمقراطي، هذا الحلف الذي يجب الرهان عليه في أي مشروع كردستاني قادم، هذا الحلف الذي يمثل إرادة الشعب الكردي والقضية الكردية خارج المفاهيم الكلاسيكية التي عفى عليها الزمن، ولن يكون للعائلة أو العشيرة موطئ قدم في سيرورة النضال التحرري الكردستاني القادم.
إنّ تشابك وتداخل المصالح بين أعداء الكرد مع أطراف تدّعي بأنّها تعمل لمصلحة الكرد لن تكتب لها الديمومة والنجاح؛ كونها قائمة على أسس مصالح مشتركة وضيّقة بعيدة كل البعد عن مصلحة الشعب الكردي.

وهنا لا بدّ من الإشارة إلى فشل الاجتماع الرباعي الذي ضمّ وزراء الدفاع ومسؤولي الاستخبارات لكل من روسيا وتركيا وسوريا وإيران والذي عُقِد في موسكو يوم أمس، حيث كان من أهداف الاجتماع محاولة فتح قنوات التواصل بين دمشق وأنقرة دون شروط مسبقة من النظام السوري، الذي يرفض أيّ تقارب بينه وبين النظام التركي قبل انسحاب القوات التركية من المناطق السورية التي يحتلّها “عفرين وسري كانيي وكري سبي”
إنّ ردع النظام التركي للتوقّف عن العدوانية تجاه الشعب الكردي وشعوب المنطقة يتطلّب تكاتف الجهود من الجميع لاستئصال هذا الورم السرطاني من جسد الشرق الأوسط.
وإنّ المسيّرات التركية وكان آخرها منذ حوالي أسبوع التي أدى إلى استشهاد هفال باران لن تنجح في زرع الخوف والرهبة والاحباط بين الشعب الكردي في روج آفا.

زر الذهاب إلى الأعلى