مقترحات غراهام للشمال السوري والتهديدات التركية.

مقترحات غراهام للشمال السوري والتهديدات التركية.

 

يعيش الشمال السوري “أجواءَ ساخنة” تفرضها تهديدات رئيس النظام التركي بشن عدوان عسكري جديد على منطقتي، تل رفعت ومنبج في ريف حلب الشمالي وسط غموض يحيط بالتوقيت، والخريطة الجديدة التي سترسم في المنطقة، إلى جانب مواقف الفاعلين المحليين والدوليين.

وفي خضم هذه التطورات وصلت وفود رفيعة المستوى، من بينها زيارة السيناتور الأميركي ليندسي غراهام، إلى شمال شرقي سوريا، بعد جولة في المنطقة بدأت من تركيا للتوسط بينها وبين قوات سوريا الديمقراطية بما يُحقّق مصالح الطرفَين، ويمنع حصول عدوان عسكري في المنطقة، بالتوازي مع زيارة وفد من التحالف الدولي إلى كوباني ومنبج بريف حلب، حيث تم التباحث حول تهديدات النظام التركي والتحدّيات الإنسانية التي يمكن أن تنشأ بسبب أيّ عدوان عسكري تركي.

وأوضح ليندسي غراهام معالم رؤيته الشخصية والتي لا تحمل إعلامياً أيّ صفة رسمية من خلال مقال نشره على شبكة «فوكس نيوز» الأميركية، حيث رأى أن المشكلة في شمال شرق سوريا تُقسَم إلى قسمَين: الأوّل متعلق بمخاوف “الأمن القومي” لتركيا حليفة الولايات المتحدة في الناتو، والثاني بقوات سوريا الديمقراطية التي شاركت في محاربة تنظيم داعش الإرهابي، علماً أن غراهام يعلم جيداً بأن أي عدوان تركي على المنطقة لن يستفيد منه سوى تنظيم “داعش” وهذا ما يقلل من تفاؤله في رؤيته للمنطقة.

وفقاً لغراهام، يكمن الحل في معالجة ما يسميه النظام التركي بمصالح “الأمن القومي” من خلال إنشاء “منطقة عازلة” بينها وبين قوات سوريا الديمقراطية. وبحسب محللين يقوم “الأمن القومي” التركي على احتلال الأراضي وطرد السكان الأصليين (الكرد) منها وقمعهم وملاحقتهم أينما كانوا. كما أن طرح مقترح “منطقة عازلة” على الحدود من غير وجود أيّ إجراءات عملية على الأرض، يجعله أقرب إلى محاولة استرضاء قوات سوريا الديموقراطية في حال وقوع عدوان تركي غرب الفرات.

وبالإضافة إلى وجود تعقيدات عديدة تتعلّق بالجهة التي ستدير هذه المنطقة المقترحة، والقوات التي ستؤمّن الحماية لسكّانها، والقوات التي ستراقبها. وبالتالي هو مقترح غير قابل للتحقُّق، خاصة أنه لا يأخذ في الحسبان وجود كافة القوات في المنطقة.

أما المقترح الثاني لغراهام، هو تطوير العلاقات التجارية والاقتصادية بين النظام التركي ومناطق الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا من بوابة الامتيازات الاقتصادية والاستثمارات النفطية والعودة بالفائدة على سوق النفط العالمية، واقتصاديات شمال شرق سوريا وتركيا. عملياً هذا المقترح يتناقض مع واقع الثروة النفطية في سوريا وكذلك يتجاهل حقوق الشعب السوري في الاستفادة من ثرواته.

ورغم أن غراهام يعتبر من الداعمين للتحالف الأمريكي مع قوات سوريا الديمقراطية، إلا أنه في الوقت نفسه يعتبر من أشد المدافعين عن التحالف مع النظام التركي وكسبه في صف الغرب. وربما تندرج زيارة غراهام إلى المنطقة بالتزامن مع الإعلان عن تفاهم عسكري مهم في شكله وتوقيته، بين قوات سوريا الديمقراطية ودمشق بوساطة روسية في سياق السعي للتأثير على هذا التفاهم وكذلك استيعاب ضغوطات قوات سوريا الديمقراطية، وتلويحها بأن أي عدوان جديد للنظام التركي في المنطقة سيقوض حملتها ضد تنظيم داعش الإرهابي.

وبالتالي، تحمل مقترحات السيناتور الأمريكي مسعيين أساسيين:

1-خدمة الأهداف والأجندة التركية على حساب الشعب السوري ككل، وهذا ما يجعل التحمّس لما يطرحه غراهام غير وارد من قبل الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا التي أعلنت دخول المنطقة في “حالة الطوارئ” لمواجهة التهديدات التركية المستمرة.

2-تعميق الخلافات بين روسيا والنظام التركي وصولاً ربما إلى حالة اشتباك في الأزمتين الأوكرانية والسورية، وكذلك كبح جماح روسيا وإيران في المنطقة.

وأمام هذه التحولات والتطورات المتسارعة، لا يزال النظام التركي يصر على موقفه من شن عدوان عسكري محدد الأهداف، فيما جددت إيران بخلاف تصريحاتها السابقة رفضها القاطع لأي عدوان مؤكدةً على الحل السياسي للأزمة السورية. إذاً يبقى الشمال السوري أمام أحد السيناريوهين:

الأول: هو تراجع النظام التركي عن تهديداته بشن عدوان عسكري على المنطقة، وهذا مرتبط بالموقف الروسي. فوفقاً لمراقبين، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لن يوافق على أي مقايضة في سوريا لا تخدم معركته العسكرية والاقتصادية مع أوروبا وأمريكا من خلال الحرب الأوكرانية، وهذ ما يدفع الأمور نحو حل سياسي.

أما الثاني: حدوث عدوان عسكري تركي وإن كان محدوداً وسريعاً وهذا ما يحتاج إليه رئيس النظام التركي من أجل مصالح انتخابية خاصةً مع تراجع شعبيته في الداخل التركي. وربما قد ترتد تداعيات هذا العدوان نتيجة التفاهم العسكري بين قوات سوريا الديمقراطية ودمشق على المناطق التي يحتلها النظام التركي وذلك بتحريرها والقضاء على الفصائل الإرهابية التابعة لها.

يبدو أن مصير هذا العدوان التركي المحتمل على الشمال السوري سيتقرر في التاسع عشر من الشهر الجاري، حيث اللقاء الذي سيجمع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب أردوغان بالرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في طهران.

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى