مخططات أردوغان في الشمال السوري تلجمها مواقف حلفائه

مخططات أردوغان في الشمال السوري تلجمها مواقف حلفائه

تراجعت حدة التصريحات التي أطلقها أردوغان، حول التهديد بالهجوم العسكري على الشمال السوري، بحجة إقامة «المنطقة الآمنة»، والمراد منها تركياً، احتلال الشريط الحدودي، وإقامة مستوطنات للمهجرين من الداخل السوري لفرض سياسة الأمر الواقع في إطار تثبيت تغيير ديموغرافي في المنطقة. ويبدو أن هذا التراجع يعود لمواقف الدول الحليفة لتركيا، وذلك لاتساع دائرة الرفض لهذا الهجوم المحتمل.

رغم الحرب الأوكرانية وتداعياتها العالمية والعقوبات الغربية على روسيا والاستمرار في تسليح القوات الأوكرانية. حتى الآن، يبدو أن الموقف الأمريكي والروسي لا يختلف عن الموقف الأوروبي برفض أيّ هجوم عسكري تركي على الشمال السوري لما لذلك من تداعيات سلبية وكارثية.

الموقف الأمريكي جاء واضحاً على لسان وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكين الذي قال إن “القلق الذي يساورنا هو أن أي هجوم جديد من شأنه أن يقوض الاستقرار الإقليمي ويوفر للجهات الفاعلة الخبيثة فرصاً لاستغلال عدم الاستقرار”. فأمريكا تدرك أن خطط النظام التركي لا علاقة لها بالعودة الطوعية للاجئين السوريين إلى بلادهم، وإنما احتلال المنطقة وتغيير جغرافيتها وضرب السلم الأهلي بين مكوناتها وذلك من خلال استهداف قوات سوريا الديمقراطية التي تعتبرها الولايات المتحدة وحلفاء أنقرة في الغرب حليفاً وثيقاً في الحرب على تنظيم “داعش” الإرهابي. فأي هجوم عسكري تركي على المنطقة سيهدد الاستقرار الإقليمي والحملة العسكرية ضد تنظيم “داعش” الإرهابي.

كما شكلت عودة القوات الأمريكية لقاعدة “خراب عشك” في جنوب مدينة كوباني بعد أن أخلتها سابقاً، رسالة واضحة للنظام التركي برفض أي هجوم عسكري على كامل شرق الفرات.

فخلال الهجمات السابقة، استطاع النظام التركي والفصائل الإرهابية التابعة له وبالتنسيق مع روسيا، احتلال مئات الكيلومترات من الأراضي في الشمال السوري. ولاقت هذه الهجمات انتقاداً من قبل حلفاء تركيا في حلف شمال الأطلسي (الناتو) وبخاصة الولايات المتحدة. كما عمدت بعض الدول من بينها السويد وفنلندا الراغبتين في الانضمام إلى الناتو إلى حظر توريد الأسلحة إلى النظام التركي. وهذا ما يعلل رفض أنقرة انضمامهما إلى لناتو الآن.

وبالنسبة للموقف الروسي، يبدو هذه المرة أنه يختلف عن السابق، حيث أعلن المبعوث الروسي إلى سوريا، ألكسندر لافرنتييف، أن “روسيا تعتبر عملية تركيا العسكرية المحتملة في سوريا «هو عملٌ غير حكيم» لأنها قد تتسبب في تصعيد الوضع وزعزعة الاستقرار”. ولكن تزامناً مع التصريحات الروسية، هناك أوراق يتم التفاوض عليها بين الجانبين حول إعادة فتح المجال الجوي التركي لانتقال الطائرات الروسية والموقف التركي من انضمام فنلندا والسويد إلى حلف الناتو، وكذلك عبور السفن الحربية من مضيقي البوسفور والدردنيل.

وسورياً، تحاول موسكو إنزال أردوغان من أعلى الشجرة بعد تهديداته الأخيرة بالهجوم على الشمال السوري، وذلك بإقناع النظام التركي بالتخلي عن مصطلح “المنطقة الآمنة”، واستبداله بمصطلح “الحزام الأمني”، أي استبدال الهجوم العسكري بعملية سياسية تقود إلى انتشار قوات النظام السوري على الحدود وبغطاء روسي، مقابل تنفيذ أنقرة تعهداتها فيما يخص ملف إدلب.

وتحاول روسيا تعزيز نقاط وجودها في قاعدة عين عيسى في الرّقة. وفي مطار قامشلو. وهذه الخطوة عبارة عن رسالة روسية إلى أنقرة، مفادها أن رغم التفاهمات بين الجانبين بخصوص الحرب الأوكرانية والتنسيق فيما يخص مسار أستانة سورياً، موسكو ترفض أي هجوم عسكري تركي جديد على الشمال السوري.

أما الموقف الأوروبي، فهو يأتي في إطار الحث على ضبط النفس بخصوص الهجوم العسكري التركي المحتمل في شمال سوريا، بمعنى آخر، اللجوء إلى الوسائل الدبلوماسية بدلاً من العسكرية. فالقلق الأوروبي يأتي بالدرجة الأولى من إعادة إحياء التنظيمات الإرهابية في الشمال السوري، كما أن ظروف العودة الآمنة للاجئين السوريين لم تتحقق بعد. ولا يزال الاتحاد الأوروبي حتى الآن محافظاً على سياسته في دعم اللاجئين في الدول التي تستضيفهم.

إن الرفض الدولي للهجوم العسكري التركي على الشمال السوري، جعل النظام التركي يدرك أنَّ مخططه بإقامة ” المنطقة الآمنة” في شمال سوريا سوف يضعه في مواجهة مباشرة، مع الولايات المتحدة وروسيا، ويبدو أن رئيس النظام التركي بات يدرك أيضاً أن الضغط على الاتحاد الأوروبي في قضية اللاجئين ورفض توسيع “الناتو” شمالاً لن يغير موقف الاتحاد الأوروبي من تعذر قبول تركيا عضواً الاتحاد.

وبناءً على ما سبق، تعتبر السياسة الخارجية في تركيا انعكاساً للسياسة الداخلية. فتشير استطلاعات الرأي إلى تراجع كبير في شعبية رئيس النظام التركي أردوغان وحزبه الحاكم في الانتخابات القادمة. كما أن رئيس النظام التركي فشل حتى الآن في إيجاد حلول للسياسة الاقتصادية والنقدية المتأزمة في البلاد.

إنّ أردوغان المأزوم داخلياً وخارجياً يتطلع من خلال اختيار سبيل القتال ضد مقاتلي حزب العمال الكردستاني والتهديد بهجوم عسكري على الشمال السوري كوسيلة لتحقيق أهداف سياسية وقومية يصرفها في الداخل التركي قبل الانتخابات القادمة.

إذاً هناك تحديات عدة تعيق الهجوم العسكري التركي على المنطقة والمراد منه إقامة مخطط استيطاني ومنها: أن هذا المخطط يحتاج إلى سنوات وليس لأشهر لتنفيذه، كما أنه لم يحظ بموافقة إقليمية ودولية حتى الآن، والإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا موجودة وترفض هذا المخطط.

بالإضافة إلى ذلك، موقف اللاجئين أنفسهم الذين قد لا يقبل بعضهم الانتقال إلى هذه المناطق التي تعاني من فلتانٍ أمني، فضلاً عن موقف السكان الأصليين لتلك المناطق الرافضين لتوطين سكان آخرين في مناطقهم. وفي حال تم تنفيذ المخطط فكيف سيتم إدارة الموارد الاقتصادية في المنطقة؟ وهي تعاني أصلاً من أزمات معيشية خانقة.

زر الذهاب إلى الأعلى