الحرب الروسية الأوكرانية في السياسة الروسية الأمريكية وانعكاساتها على دول العالم

لا يمكن تبرير أي حرب تحت أي مسمى، فأي حرب بين أي طرفين تدفع فاتورتها شعوب المنطقة وقد تصل تأثيراتها إلى دول كثيرة حول العالم وتجني ثمارها بعض الشركات العابرة للحدود، هذه الحروب والأزمات التي تفتعلها الدول الكبرى بحجة حماية أمنها القومي العابر للقارات. لعبة الأزمة السورية وسيطرة روسيا عليها ” إنشاء قواعد عسكرية جوية حميميم وبحرية طرطوس والسيطرة على مقدرات البلاد وعلى القرار السياسي” ومحاولاتها التمدد في الشرق الأوسط في تسريع الحرب الأوكرانية وتهديدها للنظام العالمي القائم على محاولات لإقامة نظام متعدد الأقطاب أو على الأقل أن تكون شريكة في هذا النظام.

إن الصراع القائم بين الروس والغرب حول ضمان مصالحهم العابرة للقارات تحت مسميات كثيرة أدخلت بلدان كثيرة عن طريق أنظمتها الحاكمة في حروب وأزمات في الأساس لم تكن بحاجة إليها وكان بمقدور أنظمة تلك البلدان تحييد بلادهم في الدخول في صراعات لا ناقة لهم فيها ولا جمل والتي لم تخدم شعوبها بقدر ما خدمت الدول العظمى في تحقيق مصالحها وأجندتها، إلى جانب تحولها ” الحروب والأزمات” إلى أزمات دولية عصيه عن الحل على المدى القريب والمتوسط  أثرت على الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وحتى العسكرية، كالأزمة السورية والليبية واليمنية والحرب الأذربيجانية الأرمنية وحرب روسيا في أوكرانيا وأزمة غربي إفريقيا. ومن أبرز هذه الحروب والأزمات التي ألقت بظلالها على السياسة العالمية الحرب الروسية الأوكرانية.

  • قبيل الحرب الروسية الأوكرانية

إن الأحلام الروسية في إنشاء نظام متعدد الأقطاب والمخاوف الأمريكية من ازدياد نفوذ روسيا عسكرياً وازدياد التبعية الأوروبية لروسيا من جهة حاجة أوروبا للغاز الروسي، جعلت الولايات المتحدة وروسيا تتخذ التدابير الوقائية لمواجهة أي تهديدات مستقبلية.

  • الولايات المتحدة الأمريكية

لا يمكن للولايات المتحدة السماح ببروز دول “روسيا أو الصين أو حتى أي دول أوروبية” تهدد مكانتها ونظامها العالمي القائم حتى وإن خاضت حروب في سبيل الحفاظ على نظامها. إلا أن السياسة الأمريكية باتت تقوم على دفع دول للدخول في صراعات مع تلك التي تهددها دون التدخل المباشر لما لها من تأثيرات كبيرة لا يمكن التنبؤ بنتائجها في حال خاضت حروب مباشرة مع تلك الدول. ولمواجهة التمدد الروسي عملت الولايات المتحدة على اتخاذ بعض التدابير التي يمكن تسميتها بالوقائية قبيل الحرب الروسية الأوكرانية منها:

  • انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان: لم يكن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان عشوائياً أو بسبب حركة طالبان والجماعات الجهادية، حيث من أهم الأسباب التي دفعت الولايات المتحدة بالانسحاب من أفغانستان جاء لقطع الطريق أمام أي محاولات روسية لدعم الجماعات الراديكالية الإسلامية لضرب الأهداف الأمريكية في المستقبل، كما فعلت الولايات المتحدة في دعم حركة طالبان والقاعدة لضرب القوات السوفيتية بعد قيام الأخيرة باحتلال أفغانستان 1979وإجبارها على الانسحاب. كما أن الولايات المتحدة كانت تلعب دور الشرطي في حفظ الأمن والاستقرار في أواسط آسيا والتي خدمت الصين بالدرجة الأولى للتمدد اقتصادياً في المنطقة وبالدرجة الثانية روسيا التي كانت تعاني من الهجمات الإرهابية.
  • انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني: حيث تعتبر إيران من أهم شركاء روسيا وإن كان الاتفاق النووي قد خدم الغرب في بعض الجوانب إلا أنه في نفس الوقت خدمت إيران وبالأخص في الأمور المالية وهو ما قد يساعد “في نظر الولايات المتحدة” إيران على دعم روسيا مستقبلاً في حربها مع أوكرانيا. لذا ارتأت الولايات المتحدة أن انسحابها من الاتفاق سيشكل ضغطاً على إيران ومنعها من تقديم الدعم الكبير لروسيا وعقد اتفاق جديد ببنود جديدة تضمن فيها الولايات المتحدة حياد إيران ستخدم حربها ضد روسيا في أوكرانيا.
  • التدخل في سوريا: تدخلت الولايات المتحدة في الأزمة السورية وبالشراكة مع قوات سوريا الديمقراطية لمحاربة الإرهاب “تنظيم داعش” وتمركزت في شرقي الفرات “مناطق الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا” بعد فشل مشروعها بتشكيل قوة عسكرية من الفصائل المسلحة في الشمال السوري. وتهدف الولايات المتحدة من تدخلها لمنع تفرد روسيا بسوريا، فسوريا هي بوابة روسيا نحو الشرق الأوسط والشمال الأفريقي وبوابة المشاريع الغربية نحو الشرق الأوسط وإن تفرد روسيا بسوريا يمنحها قاعدة متقدمة اقتصادياً وعسكرياً قد تؤثر على النفوذ الأمريكي في منطقة الخليج بشكل خاص والشرق الأوسط بشكل عام.
  • روسيا الاتحادية

بعد انهيار الاتحاد السوفياتي فقدت روسيا دورها كقطب ثاني وباتت دولة ضعيفة حتى مجيئ فلاديمير بوتين الذي بدأ يعمل على إعادة قوة روسيا في السياسة العالمية كقطب ثان ومع الانقلاب السياسي في أوكرانيا وتحولها من دولة مؤيدة لموسكو إلى دولة مؤيدة للغرب أدرك بوتين أن على روسيا اتخاذ بعض التدابير بهدف إعادة قوة روسيا ومواجهة المخططات الغربية التي تهدف إلى حصرها ضمن جغرافيتها ومنعها من التمدد.

  • احتلال شبه جزيرة القرم: بعد خسارة روسيا للنظام الأوكراني الموالي لها بعد الانقلاب السياسي وتشكيل حكومة موالية للغرب ورغبتها بالانضمام إلى حلف الناتو، قررت روسيا احتلال شبه جزيرة القرم وضمها إلى أراضيها كخطوة استباقية لمنع حصار أسطولها في البحر الأسود، لما لها “شبه جزيرة القرم” من أهمية استراتيجية كونها مقر أسطول البحر الأسود الروسي وكذلك تؤمِّن التواصل مع القاعدة الروسية في ميناء طرطوس السوري بمعنى أن شبه جزيرة القرم بوابة روسيا نحو المياه الدافئة.
  • السيطرة على سوريا: تعتبر سوريا بموقعها الاستراتيجي بوابة الشرق الأوسط والقارة الأوروبية وطريق مهم لنقل الغاز من الخليج العربي “قطر ودول الخليج وإيران” إلى أوروبا بالإضافة إلى غنى سوريا بثروتها الغازية في شرق الفرات وفي البحر المتوسط، فقد ذكر تقرير لمركز فيريل للدراسات في برلين توقعاته بأن تحتل سوريا المركز الثالث عالمياً في إنتاج الغاز، فيما لو تمكنت من رفع قدرتها الإنتاجية إلى حدها الأقصى، وقد قدرت الهيئة الجيولوجية الأمريكية احتياطات سوريا من الغاز خاصة بعد إضافة العديد من الاكتشافات الجديدة بمقدار 28 تريليون متر مكعب. ولضمان روسيا أمنها القومي “الحفاظ على السوق الأوروبية من الغاز” ومنع من استخدام سوريا كممر لنقل الغاز تدخلت في سوريا عسكرياً بشكل مباشر بحجة الحفاظ على النظام السوري ومن ثم السيطرة عليها سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وإنشاء قواعد عسكرية متقدمة. بالرغم من طموح روسيا الوصول إلى المياه الدافئة إلا أن موقع سوريا كبوابة لنقل الغاز القطري الخليجي والإيراني أو غاز شرقي المتوسط إلى أوروبا دفعها للتدخل العسكري في سوريا بعد وصول النظام السوري لمرحلة شبه الانهيار عام 2015 لفرض سياستها على النظام والتحكم بالنظام السوي لمنعه من الانفتاح نحو الغرب.
  • أهمية تركيا: على الرغم من العداء التاريخي بين الطرفين وعدم اعتراف تركيا بضم شبه جزيرة القرم للأراضي الروسية، وتدخل تركيا في الأزمة السورية والصراع الروسي مع الجماعات الإرهابية المدعومة مع تركيا، إلا أن الأزمة السورية فتحت الطريق أمام الطرفين لفتح صفحة جديدة قائمة على المصالح لكلا الطرفين في سوريا، فالمصالح أو الأطماع التركية في الشمال السوري ودعمها للجماعات الإرهابية ألقت بظلالها على علاقتها مع الولايات المتحدة وفتحت الباب أمام روسيا لتقوية علاقتها مع تركيا كدولة ذات موقع جيوسياسي مؤثر في السياسة العالمية وكعضو في حلف الناتو يمكن من خلالها التأثير أو زعزعة هذا الحلف من خلال عقد صفقات عسكرية ” S400 ” ومحاولات بيع طائرات SU 34-57الحربية الروسية لها وإنشاء مشاريع مستقبلية لإنتاج منظومة S500 وغيرها من المشاريع العسكرية أو على الأقل تحييدها في الحرب الروسية الأوكرانية  وهو ما يفسر تجاهل روسيا لبعض الأحداث التي قامت بها تركيا ضدها “اسقاط الطائرة الحربية الروسية، مقتل سفيرها،…..”
  • بعد الحرب الروسية الأوكرانية
  • الولايات المتحدة
  • فرض عقوبات على روسيا: عملت الولايات المتحدة مع شركائها الغربيين على فرض عقوبات اقتصادية على روسيا نتيجة تدخلها العسكري في أوكرانيا، وذلك لإضعافها اقتصادياً وإجبارها للجلوس إلى طاولة المفاوضات وإنهاء الحرب.
  • تثبيت وجودها في سوريا: بعد أن كانت هناك أصوات داخل الكونغرس لسحب الولايات المتحدة قواتها من سوريا، باتت الولايات المتحدة اليوم أكثر تمسكاً بشرق الفرات وتعمل على تقوية تواجدها في سوريا وتعمل على تقوية قوات سوريا الديمقراطية شريكتها في محاربة الإرهاب وتزيدها بالأسلحة النوعية. كما وتعمل على تضييق الخناق على النظام السوري الموالي لروسيا اقتصادياً وإعادة تفعيل قانون قيصر بعد تجميده إثر الزلزال المدمر الذي ضرب سوريا وتركيا، وفشل محاولة المملكة العربية في إعادة سوريا إلى مسارها العربي بعد الانفتاح العربي على دمشق وعودتها إلى الجامعة العربية بسبب تعنت النظام والإصرار على سياسته ورفضه سياسة خطوة مقابل خطوة. كما وتهدف الولايات المتحدة من فرض العقوبات على النظام إجباره على تقديم تنازلات. بالرغم من الدعم الروسي والإيراني للنظام “الذي لم يكن بدون مقابل حيث وضعت روسيا وإيران يديهما على كامل مقدرات البلاد” إلا ان هذا الدعم لن يستمر طويلاً فمن جهة لم يعد النظام يملك شيئاً حتى مطار دمشق الدول تم خصخصته، ولم تعد روسيا وإيران راغبة بالاستمرار بدعم هذا النظام المتهالك خاصة أن كليهما تواجهان عقوبات غربية وتأثير الحرب الأوكرانية على الاقتصاد الروسي وهو ما أدى إلى انهيار الليرة السورية ووصولها إلى مستويات تاريخية 16000 ليرة سورية مقابل الدولار نتيجة انخفاض الدعم الروسي والإيراني، كما وتهدف الولايات المتحدة بتحريك الشعب نحو ثورة شعبية ضد النظام الرافض لأي حل سياسي عربياً كان أم أممياً، وضد التواجد الروسي وسيطرته على مقدرات البلاد وهو ما قد يؤثر على التواجد الروسي في سوريا ويدفع سوريا نحو نظام لا مركزي.
  • إيران: لم يكن الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي الإيراني إلا من أجل الوصول إلى اتفاق جديد تضمن فيها الولايات المتحدة حياد إيران في الحرب وضمان عدم دعم إيران لروسيا في حربها مع أوكرانيا. ومن مصلحة إيران الوصول إلى اتفاق جديد بشروط تضمن فيها حقوقها المالية وتخفف العقوبات الغربية عليها. ونتيجة تدهور الأوضاع الاقتصادية في إيران فتحت الولايات المتحدة باب الحوار بين إيران ودول الخليج وبالأخص المملكة العربية السعودية في خطوة منها توجيه البوصلة الإيرانية نحو منطقة الخليج لتحسين وضعها الاقتصادي بدل التوجه نحو روسيا.
  • إيجاد طرق جديدة لنقل الغاز إلى أوروبا: لا يمكن للولايات المتحدة تغطيه احتياجات أوروبا من الغاز إلى جانب التكلفة الكبيرة للغاز الأمريكي التي تتحملها الدول الأوروبية، وفي سبيل الاستغناء عن الغاز الروسي يتحتم على الولايات المتحدة والدول الغربية إيجاد مصادر جديدة تؤمن فيها أوروبا حاجتها من الغاز وتقلل من تأثير تبعيتها للغاز الروسي، مما سيؤثر على روسيا بشكل كبير وتجعلها خارج نطاق التهديد.
  • إعادة تركيا إلى الحاضنة الغربية: على الرغم من كون تركيا عضو مهم في حلف الناتو إلا أن تركيا في السنوات الأخيرة وتحديداً بعد الانقلاب العسكري الفاشل 2016 تحولت تركيا نحو روسيا وبدأت معها علاقات سياسية واقتصادية وعسكرية وهو ما أغضب الغرب، إلا أن الولايات المتحدة لا يمكن لها في الوقت الحالي الضغط أكثر على تركيا لمنع من استغلالها من قبل روسيا، بل تحاول تدريجياً إعادة تركيا إلى الحاضنة الغربية. وتتوقف السياسة الأمريكية تجاه تركيا والضغط عليها على مجريات الحرب في أوكرانيا وعلى صراعها مع روسيا.
  • روسيا الاتحادية
  • الوقوف في وجه العقوبات الغربية: أثرت العقوبات الغربية على الاقتصاد الروسي وعلى تدهور العملة الروسية في البداية، إلا أن السياسة التي انتهجتها روسيا بربط الغاز بالروبل الروسي أوقف انهيار العملة الروسية لا بل أدى إلى تقويتها أمام الدولار، وعقد صفقات لنقل الغاز إلى الصين “مشروع قوة سيبيريا” أو لأي دول أخرى في آسيا كسوق يمكن لها من تصدير غازها حتى وإن كانت بأسعار رخيصة في خطوة لإيجاد أسواق إضافية بعد خسارتها جزء من سوقها الأوروبية لصالح الولايات المتحدة ولتأمين نفقاتها العسكرية في أوكرانيا.
  • الوقوف في وجه المشاريع الغربية لنقل الغاز: تكمن قوة روسيا عدا العسكرية في مكانتها أكبر مصدر للغاز إلى أوروبا، هذه المكانة مكنت روسيا من مد نفوذها إلى الكثير من الدول الأوروبية. إلا أن الولايات المتحدة نجحت إلى حد ما في إضعاف النفوذ الروسي في أوروبا والتقليل من صادرات روسيا من الغاز إلى أوروبا إلا أن حاجة أوروبا إلى الغاز وعدم قدرة الولايات المتحدة من تغطية السوق الاستهلاكية الأوروبية من الغاز ترتب عليها إيجاد مصادر جديدة سواء من الخليج العربي أو من شرقي المتوسط أو الشمال الإفريقي أو من غرب أفريقيا، ففي حال نجحت الولايات المتحدة والغرب في نقل الغاز من هذه المصادر وتنويع مصادرها من الطاقة والتخفيف من اعتمادها على روسيا، فإن ذلك يعني موت روسيا اقتصادياً أو على الأقل ستكون تحت رحمة الصين المنفذ الوحيد لتصدير غازها إليها. لذا نجد روسيا متمسكة بسوريا وتحافظ على نظامها وتقف في وجه أي حل سياسي قد من شأنها تهدد مصالحها في سوريا. وتتدخل في غرب إفريقيا وتدعم عملية الانقلاب في النيجر لمنع من تنفيذ مشروع نقل الغاز العابر الصحراء من نيجيريا إلى أوروبا عبر النيجر، كما أن الشركة الروسية المتحدة للمعادن (OMK) أصبحت شريكا رئيسياً في المشروع “المشروع البحري لنقل الغاز النيجيري إلى المغرب فأوروبا” إلى جانب شركاء دوليين آخرين. كما أنها تقف في وجه خط أنابيب ترانس قزوين التركمانستاني للغاز لنقل الغاز عبر أذربيجان فتركيا إلى أوروبا وهو ما يفسر وقوف روسيا إلى جانب أذربيجان في حربها مع أرمينيا. والوقوف في وجه مشروع نقل الغاز من شرقي المتوسط “إسرائيل ومصر” عبر تحويل تركيا كممر لنقل غازها إلى أوروبا بدلاً من أوكرانيا، كما أن تركيا بأن تكون مركزاً لنقل الطاقة إلى أوروبا وتتنافس مع مصر على هذا المركز لذا تقف في وجه هذا المشروع من خلال قبرص الشمالية “قبارصة الأتراك” والاتفاق البحري مع حكومة الوفاق الليبية.
  • تحييد تركيا: فتركيا العضو في حلف الناتو تشكل تهديداً لروسيا في حربها في أوكرانيا في حال توجهت تركيا نحو الغرب وعملت على تطبيق العقوبات الغربية على روسيا وعلى زيادة دعمها العسكري لكييف وهي مطالب غربية على أنقرة تنفيذها. وفي سبيل تحييد تركيا في صراعها مع الغرب في أوكرانيا تعمل على تمتين علاقتها الاقتصادية معها كممر جديد لنقل غازها إلى أوروبا بدلاً من أوكرانيا وهو ما تصبو إليه الدولة التركية كمركز عالمي لنقل الطاقة إلى أوروبا، إلى جانب تنفيذ مشاريع الطاقة “محطات نووية لإنتاج الطاقة الكهربائية”، كونها تدرك حجم الضغوط الغربية عليها وسوء الأوضاع الاقتصادية وتدهور الليرة التركية إلى جانب سياستها في الآونة الأخيرة التي تشير إلى عودتها للحاضنة الغربية. لذا تعمل على غض الطرف عن بعض سلوكيات تركيا التي أثرت عليها ” نقل قادة كتيبة آزوف إلى أوكرانيا” في خطوة لإبقائها حيادية قد الإمكان في هذه الحرب لكسب المزيد من الوقت.
  • تقوية المنظمات الدولية التي تشارك فيها كمنظمة شنغهاي ومنظمة بريكس وبالأخص الأخيرة لتوسيعها من خلال ضم دول جديدة “إيران ومصر” وقد تتحول هذه المنظمة إلى منظمة عسكرية “شبيهة بحلف وارسو” في المستقبل وإن كان هذا الاحتمال شبه مستحيل في الوقت الحالي، إلا أن الهدف الرئيسي لروسيا تكمن في إضعاف هيمنة الدولار عالمياً والتعامل بالعملة المحلية بين دول المنظمة في تعاملاتها التجارية بدلاً من الدولار، فاستغناء هذه الدول عن الدولار في تعاملاتها التجارية ستكون ضربة قوية للولايات المتحدة وكسر هيمنة الغرب على الاقتصاد العالمي.
  • نتائج الصراع الروسي الغربي في أوكرانيا

على الرغم من أن الحرب القائمة بين روسيا وأوكرانيا إلا أن الحقيقة التي أصبحت واضحة للعالم هو صراع روسي غربي على الأراضي الأوكرانية، وبما أن هذا الصراع يشارك فيه دول عظمى فأن تأثيراتها لن تتوقف عند الحدود الأوكرانية بل ستطال تأثيراتها الكثير من دول العالم وقد يزداد نطاق العمليات العسكرية أو الصراع الروسي الغربي لتعبر الحدود الأوكرانية إلى مناطق ودول عديدة تتضارب فيها مصالح كِلا الطرفين. ومن النتائج التي قد تترتب على هذا الصراع: 

  • زيادة التوترات والعقوبات الأمريكية على الدول التي تتجه نحو روسيا أو تتعامل معها وتخدم السياسة الروسية والصينية وتؤثر على سياستها ومكانتها في العالم إلى جانب التدخلات الروسية في الازمات الدولية كالأزمة الأذربيجانية والأرمينية والأزمة الليبية والسورية وأزمة غربي إفريقيا، ورفضها لأي تسويات داخلية أو خارجية تنهي أو تخفف من حدة هذه الأزمات.
  • اتساع ظاهرة الحروب الأهلية في العالم وبالأخص تلك الدول التي تقع ضمن المشاريع الغربية لنقل الغاز إلى أوروبا سواء أكان المسبب الولايات المتحدة والغرب أو روسيا.
  • إمكانية اتساع نطاق الحرب في أوكرانيا وانخراط بعض الدول في هذه الحرب بشكل مباشر وإن كان هذا الاحتمال مستبعداً بسبب خشية أوروبا وروسيا من تحول هذه الحرب إلى حرب عالمية ثالثة على أراضيها، حتى وإن ما يحدث هي حرب عالمية بالوكالة إلا هذه الاحتمال يبقى قائماً نظراً لعدم تحكم الأطراف في مجريات الحرب والضغوط الكبيرة على الأطراف المتصارعة.
  • أكثر الدول التي قد تتأثر بمجريات الحرب الروسية الأوكرانية أو الصراع الروسي الغربي وقد تنعكس عليها سلباً هي الدولة التركية نتيجة السياسة التي انتهجها أردوغان بابتعاده عن حلفائه الغربيين وتوجهه نحو روسيا وإقامة علاقات سياسية واقتصادية وعسكرية والتي من شأنها أن تنعكس على تركيا على المدى المتوسط فأردوغان الذي عمل على استغلال الأطراف المتصارعة سواء في أوكرانيا أو في سوريا من أجل الحصول على مكاسب من كلا الطرفين هذه المكاسب سيكون لها ثمنها خاصة عند احتدام الصراع بين الأطراف المتصارعة ودور تركيا الكبير في ذلك الوقت الذي قد يتحتم عليها إما العودة إلى الحاضنة الغربية وهو ما يعني تدهور العلاقات مع روسيا والتي ستنعكس حينها على الأزمة السورية.
  • الأزمة السورية إلى مزيد من التدهور اقتصادياً وعسكرياً: إن العقوبات الأمريكية والسياسة الدوغمائية التي ينتهجها النظام وتبعيته الكاملة لروسيا وإيران في القرار السياسي السوري أثر على محيطها العربي على الرغم من محاولات الدول العربية الانفتاح على سوريا وإعادتها إلى محيطها العربي كل ذلك أنعكس على الوضع الاقتصادي للبلاد نحو الأسوأ وقد تنهار الليرة السورية بشكل كامل وتصل إلى مستويات أعلى بكثير من المستويات الحالية مما يفاقم الوضع المعيشي للسكان وبالتالي ستشهد المناطق السورية حركات أو ثورات شعبية تطالب باللامركزية وهو ما يعني حرب أهلية جديدة في سوريا. أما عسكرياً وهي مرتبطة بتدهور الوضع الاقتصادي من جهة فقد يدفع النظام لتجنب الغضب الشعبي وقد يكون بدعم إيراني وروسي لارتكاب حماقات بشن هجمات على القوات الأمريكية بحجة أن ما يحدث في سوريا من تدهور اقتصادي هو وجود القوات الأمريكية في مناطق الإدارة الذاتية. كما أن دور تركيا في الصراع الروسي الغربي في أوكرانيا وعودة تركيا إلى الحاضنة الغربية ستنعكس بشكل رئيسي على الشمال السوري المحتل حينها لن تقف روسيا مكتوفة اليدين ولن تكون هناك خطوط حمراء وقد تبدأ عملية تحرير الشمال السوري. فسوريا في ظل الصراع الروسي الغربي والأطماع التركية في الشمال السوري وفي مناطق الإدارة الذاتية وأمام غياب القرار السياسي السوري وتدهور الأوضاع الاقتصادية مقبلة على مرحلة جديدة من الصراعات والاقتتال الداخلي.

في هذا السياق من التنافس بين الدول الكبرى في الحفاظ على النظام العالمي أو تشكيل أنظمة جديدة لتقاسم ثروات العالم وبجملها تخدم مصالحها لا مصالح الشعوب وبالتالي فإن العالم سيشهد نتيجة هذه الصراعات أزمات اقتصادية ومجاعات في الكثير من دول العالم وبالأخص الدول الفقيرة التي هي دول خاضعة لتلك الدول الكبرى، وتترتب على الدول سياسية جديدة محورها الانفتاح على كل الدول الكبرى وعدم الاعتماد على دولة واحدة.   

   

زر الذهاب إلى الأعلى