مؤتمر “وحدة الموقف لمكوّنات شمال وشرق سوريا” وردّ فعل الحكومة المؤقّتة في دمشق

عُقد مؤتمر وحدة الموقف لمكوّنات شمال وشرق سوريا في مدينة الحسكة بمقاطعة الجزيرة ضمن مناطق الإدارة الذاتية لإقليم شمال وشرق سوريا، يوم الجمعة 8/8/2025م، والذي شاركت فيه جميع المكوّنات من عرب وكرد وسريان وآشوريين وأرمن وإيزيديين وسُنّة وباقي الطوائف الدينية والعرقية، وشارك فيه أيضاً وعبر الزووم كلّ من زعيم الطائفة العلوية غزال غزال، وزعيم طائفة الدروز الشيخ حكمت الهجري؛ واللذَين عبّرا عن دعمهما للمؤتمر، وطالبا بنظام لامركزيّ في سوريا. عكس المؤتمر التنوّع الثقافي والديني والعرقي لجميع المكوّنات، ودعا للمشاركة الحقيقية في حكومة فعلية بنظام لامركزي تعدّدي ديمقراطي.

لقد مثّل المؤتمر صفعة حقيقية للحكومة المؤقّتة التي تحكم بأمر الواقع، وهي غير منتخبة، وجاءت بإعلان دستوري هشّ، ونظام مركزي عفى عليه الزمن ولم يعد مناسباً ولا صالحاً للاستمرار، ويبدو أنّ المؤتمر قد كشف النقاب عن نظام حكم الشرع وحكومته ذات الخلفية الجهادية المتطرّفة، والتي لا تلقى الدعم والتأييد سوى من جماعة الإخوان المسلمين وحزب العدالة والتنمية التركي ومَن على شاكلته وشاكلة فصائله الأجنبية، لقد أثار عقد مؤتمر وحدة الموقف للمكوّنات اهتماماً كبيراً لدى وسائل الإعلام، وتناقلته جميع وسائل الإعلام العربية والدولية والمحلّية، كما أثار كثيراً من الجدل والحوار حول الاتفاق بين الجنرال مظلوم عبدي والرئيس السوري المؤقّت أحمد الشرع.

في الوقت الذي تعقد فيه الدول الأوربية ودول المانحين لسوريا وإعادة الإعمار لقاءً تشاورياً في بلجيكا (بروكسل)، وقد تُعيد الكثير من الدول الأوربية المانحة – خاصة ألمانيا وفرنسا وغيرها- النظر في تقييم أداء حكومة الشرع بعد مؤتمر الحسكة وخرق الحكومة لاتفاق وقف إطلاق النار في عموم سوريا، ومهاجمة قوات سوريا الديمقراطية ومناطقها في منبج ودير حافر، ومهاجمة فصائل حكومة الشرع السويداء، وارتكابها المجازر بحق المدنيين؛ وهذا خرق آخر لوقف إطلاق النار في عموم سوريا بموجب اتفاق 10 آذار بين الشرع والجنرال مظلوم عبدي، وسط مراقبة الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوربية التي تنتظر من حكومة الشرع تقويم سلوكها، خاصة أعضاء مؤتمر بروكسل الذين قد يؤخّرون دعمهم لسوريا في مسألة إعادة الاعمار، كما سيُعقد في العاصمة الأردنية عمان مؤتمر من أجل تثبيت وقف إطلاق النار في السويداء بحضور الممثل الامريكي توم باراك؛ بمعنى أنّ الحكومة السورية المؤقّتة غير منضبطة في قراراتها ومواقفها تجاه الوضع الداخلي السوري، سواء في الساحل أو في الجنوب أو في شمال وشرق سوريا.

موقف حكومة الشرع المؤقّتة من مؤتمر وحدة الموقف في الحسكة:

عبّرت الحكومة السورية المؤقّتة عن رفضها لمؤتمر وحدة الموقف لمكوّنات شمال وشرق سوريا، الذي يؤكّد على نظام ديمقراطي لامركزي تشارك فيه جميع المكوّنات دون استثناء؛ وما أثار غضب حكومة دمشق هي مشاركة شيخ طائفة الدروز حكمت الهجري، وكذلك مشاركة زعيم الطائفة العلوية غزال غزال؛ فبدأت تكيل الاتّهامات للإدارة الذاتية بأنّها انفصالية وتدعو لمشروع انفصالي، كما أعلنت الحكومة السورية المؤقّتة رفضها المشاركة وحضور مؤتمر باريس المزمع عقده في قادم الأيام.

 يبدو أنّ الإدارة الذاتية قد كشفت النوايا الخفية لحكومة الشرع تجاه المكوّنات السورية؛ فبعد المجازر التي ارتكبتها تلك الحكومة في الساحل السوري بحقّ الطائفة العلوية بحجّة محاربة فلول النظام السابق، وبعد ارتكاب المجازر والانتهاكات في السويداء وتدخّل إسرائيل لحماية الدروز وضربها لوزارة الدفاع السورية نتيجة ارتكاب الفصائل غير المنضبطة للمجازر وتحريض العشائر لخلق فتنة طائفية مستدامة؛ كانت تلك الحكومة تريد بعدها الالتفاف على الإدارة الذاتية والقيام بتحريض قوميّ وخلق فتنة بين العرب والكرد، لكنّ الإدارة الذاتية كانت مدركة للمخطّطات التي يمكن أن تُحاك ضدّها وضدّ شعوب شمال وشرق سوريا؛ فقامت بخطوة مدروسة وعقدت مؤتمر وحدة الموقف في مدينة الحسكة، في خطوة لفتت أنظار العالم إلى حسن إدارتها والوفاق الذي أقامته بين جميع المكوّنات في شمال وشرق سوريا، وقد حمّلت الحكومة السورية قوات سوريا الديمقراطية المسؤولية، كما اعتبرت أنّ الإدارة الذاتية قد ضربت المسار الأخير في نعش المفاوضات بين الجانبَين، وأنّها تحاول تدويل القضية السورية، واستجلاب التدخّل الخارجي، وأنّها خرقت اتفاقية 10 آذار بين الجنرال مظلوم عبدي والرئيس السوري المؤقّت أحمد الشرع .

الموقف التركي من مؤتمر وحدة الصف في الحسكة:

ليس من الصعوبة بمكان الإحاطة بالموقف التركي؛ ففي الوقت الذي كان فيه المؤتمر منعقداً، كان وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في زيارة إلى دمشق، ومنها جاءت مواقف الحكومة السورية المؤقّتة مواكبة للموقف التركي الذي لعب دوراً في تأجيل مؤتمر باريس، ولو مؤقّتاً، خشية تدويل القضية السورية، خاصة أنّ قوات سوريا الديمقراطية تحظى بتأييد أوربي ودولي في محاربة الإرهاب، خاصة من فرنسا التي سينعقد فيها المؤتمر، وألمانيا وبريطانيا؛ فتركيا لديها مخاوف من أن تحظى الادارة الذاتية بالدعم والتأييد الدولي في المؤتمر، وأن تأتي المخرجات لتحقيق مطالب الإدارة الذاتية ومطالب كافّة مكوّنات الشعب السوري، ومن ثم يكون سابقة في منطقة الشرق الأوسط وتتضرّر تركيا وفق منظورها (المنظور التركي)؛ لأنّ تركيا بجغرافيتها الواسعة والهامة فيها مكوّنات من العرب والكرد والعلويين والأرمن والبلغار واليونانيين، وبالتالي تخشى أن تطالها الفيدرالية التي تسمّيها “التقسيم”، كما تخشى أنّ تفقد تركيا مركزيتها كدولة قوموية في الشرق الأوسط وفق المنظور التركي.

 رغم المفاوضات الجارية مع حزب المساواة والشعوب وفق نداء القائد أوجلان، والعمل على تشكيل لجان في البرلمان التركي لتسوية القضية الكردية وتعديل الدستور التركي؛ إلّا أنّ المخاوف لا تزال قائمة من حزب العدالة والتنمية التركي، وعلى الرغم من الموافقة التركيّة على اتفاق 10 آذار بين الشرع ومظلوم عبدي، ماتزال تركيا تصرّ على نزع سلاح قوات سوريا الديمقراطية، وتريد ألّا يتجاوز اتفاق 10 آذار بعض الإدارات المحلية والبلديات، على غرار البلديات التركيّة.

وهذا الموقف يُساق على إيران أيضاً؛ فهي بدورها تخشى أي تغيير في منطقة الشرق الأوسط، خاصة أنّها تضمّ شعوباً كثيرة وأقاليمَ واسعة من عربستان وكردستان وبلوشستان وأذريين وغيرهم، وهي مع أذرعها، الحشد الشعبي في العراق، وحزب الله في لبنان، ما تزال في حرب مع إسرائيل، خاصة في غزة.