المستنقع السوري وقارب النجاة

سوريا كجزء مهم وأساسي من الشرق الأوسط والتي تتمتع بموقع استراتيجي وحيوي كانت منذ تأسيسها بعد الحرب العالمية الأولى عرضة للتدخلات الاستعمارية كان آخرها الاستعمار الفرنسي الذي جلا عن البلاد في 17 نيسان 1946.غير أن الدول الاستعمارية حتى بعد انسحابها عسكرياً من سوريا وتقسيمها للمنطقة، لم تتركها تعيش بأمان للحفاظ على مصالحها ولتبقى سوريا والمنطقة في وضع غير مستقر وصراعٍ دائمٍ، لذا تركت خلفها بؤر التوتر واوكلت من يمثلها في إدارة الدولة لتستطيع التدخل متى تشاء.

بعد الاستقلال لم تنعم البلاد كثيراً بالاستقرار، ففي 1949 تلقت الديمقراطية في سوريا ضربة موجعة، بقيام أول انقلاب عسكري في البلاد بقيادة حسني الزعيم. وتتالت الانقلابات حتى بعد انقلاب حزب البعث في 8 آذار1963 والتي كان آخرها انقلاب حافظ الأسد في عام 1970

حيث كانت مرحلة حكم حافظ الأسد أسوء مرحلة تعيشها البلاد، حيث جعل من نظام الحكم طائفياَ و تدخل في الحرب الأهلية اللبنــانية، و عزز عــلاقته مع إيران على أساس مذهبي وبنى علاقات عسكرية قوية مع الاتحــاد السوفييتي ومن بعدها روسيا، وعلى الصعيد الداخلي حول البلاد إلى دولة أمنية تسيطر عليها الفروع الأمنية و قوات عسكرية خاصة كالحرس الجمهوري,فَرضَ الاحكام العرفية كما جعل من حزب البعث مطية ووسيلة للسيطرة على المجتمع السوري عن طريق بعض القوانين مثل قانون رقم 8 الذي جعل من حزب البعث  قائداً للدولة والمجتمع, حتى بعد مماته وفي ظل النظام البعثي والحرس القديم تم إصدار عددٍ من القوانين والتشريعات التي انعكست سلباً على البلاد، أهمها القانون الذي جعل بشار الأسد وريثاً للحكم وغيرها من القوانين التي أفضت إلى الفساد وإلى الاختناق المؤسساتي, فبموجبها فقدت المؤسسات السياسية والاقتصادية قدرتها على التطور وتقديم الحلول المناسبة بل اختنقت وفقدت بوصلتها في طرح الحلول والتعامل السليم مع الأزمة, كل هذه السياسات الخاطئة أدت إلى نشوء أزمة عميقة في سوريا حيث شهدت البلاد عام 2011 أخطر المواجهات والتي أدخلت البلاد في أزمة اجتماعية وسياسية خطيرة لتصل إلى نزاع داخلي مسلح أثرت بشكل مأساوي في الوضع الإنساني للسوريين كما أدى إلى تدهور العلاقات الاجتماعية وانتشار التطرف والتعصب و تـأجيج الفكر المتطرف وسلوكيات الانتقام. لقد مر تسع سنوات وما زالت هذه الأزمة على أوجها ومازال النظام يروج لنظرية المؤامرة . بسبب عدم التعامل بجدية مع الأزمة وافتقارها إلى رؤية استراتيجية ووطنية للحل، مما جعل من سوريا عرضة للتدخل الإقليمي و الخارجي أدى إلى نشوء حرب شرسة بالوكالة بين هذه القوى وفي مقدمتها الدولة التركية التي استغلت الأزمة السورية وتدخلت مباشرة في سورية وفتحت الأراضي التركية براً وجواً للإرهابيين من كافة أنحاء العالم ودربتهم وسلحتهم لتكون أداة بيدها لتتدخل في أي منطقة من الأراضي السورية, بداية كانت الغاية الأساسية لها هي اسقاط النظام السوري وتسليم الحكم إلى الإخوان المسلمين وذلك من أجل بسط سيطرتها على كامل الأراضي السورية لا بل و ضمها إلى الدولة التركية لكن حلم العثمانيين الجدد لم يتحقق وذلك بفعل المقاومة التي أبدتها شعوب المنطقة خاصة في شمال وشرق سوريا الذين نظموا أنفسهم وأنشأوا إدارتهم الذاتية التي حضنت جميع مكونات الشعب السوري كما أسسوا تنظيمهم العسكري بداية تحت اسم وحدات حماية الشعب وبعدها قوات سوريا الديمقراطية و تصدت للإرهاب التركي ومرتزقته من داعش وجبهة النصرة وغيرها من التنظيمات الإرهابية ووفرت الأمن والأمان للمنطقة, لكن هذا التقدم وهذه المكاسب لم ترق للدول المهيمنة التي أبرمت عدة صفقات مع الدولة التركية وبالنتيجة احتلت تركية أجزاءً واسعة من الشمال السوري من سري كانيه حتى إدلب وتحت  حجج واهية تعمل الآن على شرعنة وجودها بل و تحاول السيطرة على المزيد من مناطق الإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية. وما نشاهده اليوم من تجاوزات للدولة التركية وخرقها للاتفاقيات والصفقات مع الدول المهيمنة و دول أستانا جعلت من المنطقة الشمالية وبالتحديد محافظة إدلب عرضة للهجوم من قبل الجيش السوري وحلفائه وتحت غطاء الطيران الروسي حيث استطاع الجيش السوري السيطرة على أراضي واسعة من هذه المحافظة و طرد مرتزقة تركية منها وبالمقابل تم تقديم المساعدة العسكرية من قبل الدولة التركية لهؤلاء المرتزقة استطاعوا استرجاع قسم من الاراضي التي خسروها, وهذا يدل ان الدول المهيمنة على الجغرافيا السورية  تريد إطالة أمد الحرب في سوريا لا حلها  .

أمام هذا الواقع الأليم والتطورات الجديدة، ثمة أسئلة كثيرة تطرح، لعل أهمها إلى متى ستدور رحى الحرب السورية وما هو السبيل لوقفها؟ وإذا كان جميع الأطراف المعنية  بالأزمة يطرحون الحل السياسي ، فلماذا تستمر هذه الحرب؟

كما هو معلوم فمنذ بداية الأزمة السورية ترفع جميع الدول والقوى والأطراف المعنية وغير المعنية بالأزمة السورية شعار الحل السياسي ولكن للأسف دون جدوى، فالأزمة السورية اقتربت من عامها العاشر، دون أن يظهر في الأفق أي حل سياسي. جدير بالذكر أنه من أجل حل الازمة السورية تبنى مجلس الأمن الدولي رقم 2254 بالإجماع وذلك بتاريخ 18 كانون الأول / ديسمبر 2015 والمتعلق بوقف إطلاق النار والتوصل إلى تسوية سياسية للوضع في سوريا ووضع دستور لها ولكن دون نتيجة أو تطبيق على أرض الواقع.

لهذا لا بد من القول إن أي حوار أو عمل من شأنه أن يسهم في تأمين الاستقرار في سوريا، وينهي الحرب ويعمل على إعادة الإعمار و عودة المهجرين يجب أن يكون غايةً لكل المعنيين بالأزمة السورية, وفي مقدمتهم النظام السوري وذلك بتغيير عقليته وذهنيته العسكرية في ايجاد الحلول وفتح حوار جاد مع كافة مكونات الشعب السوري من أجل وضع حد لهذه الكارثة وإيقاف تدخل الجهات التي تعمل على استمرار الحرب السورية وتحقيق اجنداتهم وبناء مشاريعهم على حساب الشعب السوري, وبالأخص الدولة التركية وإنهاء احتلالها.

فسوريا بلد التنوع والثقافات واللغات والمذاهب والمعتقدات والقوميات لذا لا يمكن استمرار نظام الدولة القوموية الواحدة والثقافة واللغة الواحدة بتاتاً، بالتأكيد هذا النهج الشوفيني القوموي المتمثل بحزب واحد يتعارض مع حقيقة التنوع والتعدد الموجود في سورية والتي جلبت كثير من المصاعب ومزيدا من الدماء.

خلاصة القول لا النظام ولا الدول المهيمنة والمحتلة للاراضي السورية لديها النية في ايجاد حل سياسي للأزمة السورية فجل تحركاتهم منذ بداية الازمة السورية عن الحل السياسي كانت سلعة للاستهلاك فقط ولم يستطيعوا ايجاد حل توافقي لأن النية لديهم معدومة.

فالحل الأمثل يجب أن يكون سورياً سورياً ألا  وهو الاعتراف بموزاييك المجتمع السوري وبناء حوار جاد بين جميع مكونات الشعب وبناء سوريا ديمقراطية لا مركزية وبمشاركة جميع أطياف الشعب السوري وصياغة دستور ديمقراطي دون تدخل خارجي وتقديم البديل لهذا النظام اللاديمقراطي والمتناقض مع حقيقة المجتمع السوري وتنوعه والذي أفلس في تقديم أي حل، وتقديم البديل المناسب والصحيح الذي يتمكن المجتمع من خلاله وبكل مكوناته التعبير عن نفسه وحل جميع القضايا وإنهاء الاحتلال. وهذا يؤكد أن الإدارة الذاتية الديمقراطية هي الحل الأمثل لتحقيق تلك الأهداف وحل جميع القضايا العالقة والتي تنسجم مع واقع المنطقة وتاريخها وميراثها وثقافتها وتنوعها وانسجامها التاريخي, وكحل دائم ومشرف ليس للمجتمع السوري فحسب بل يُعتبر النموذج الأمثل لحل جميع مشاكل الشرق الأوسط, فمن خلال هذا النموذج تستطيع الشعوب الاستمرار في وجودها، من دون الإنصهار والذوبان ، فكل ثقافة تحيا بهويتها الخاصة ضمن الثقافة العامة, وكل مجتمع له إدارته الخاصة.

زر الذهاب إلى الأعلى