المرأة وظاهرة الأعمال الشاقة (العتّالة)

لدى القيام بجولة في أرياف وشوارع مدينة قامشلو والحسكة لا بد أن يلفت انتباه المرء مشهد غير مألوف بالنسبة لثقافة العمل لدى المجتمع المحلي، حيث يمكن بسهولة ملاحظة فتيات يقمن بإفراغ حمولة شاحنات ولساعات متواصلة، ومنهن من يقمن بأعمال العتالة في ورشات البناء والمزارع.

هذه الظاهرة تفرض تساؤلات عن السبب الكامن وراء اضطرار هؤلاء الفتيات للانخراط في هذه الأعمال وحمل  أثقال ربما تكون أثقل منهن في محاولة لفهم هذا الأمرحيث  تم إجراء عدة لقاءات مع عدد من هؤلاء العاملات في محلات بيع المواد الغذائية بالجملة في مدينة قامشلو، وذلك للتعرف على الظروف التي أجبرتهم على مزاولة هذا العمل.

حيث نوهت  سهام ذات 21  عاماً “لجأت إلى هذا العمل الشاق بسبب تدهور الوضع المادي لأسرتي ولكي أتمكن من مساعدة الأهل لأن المنزل الذي نسكن فيه إيجار، إنني أعمل ل 7 ساعات متواصلة وأتحمل كل هذه الساعات المتعبة لأنني مجبرة لكي أتمكن من تحسين وضعنا المعيشي قليلا، بالرغم من أنني أجريت عملية جراحية في إحدى فقرات الظهر، لكنني أواصل العمل وبالرغم من الألم الذي يلازمني، فقد تكون الحاجة أقوى وأشد وطأة من الألم الذي أعاني منه “.

 حيث أكدت سهام بإنها تتقاضى جراء هذا العمل الشاق وبشكل أسبوعي وأجرامقداره 50 ألف ليرة سورية، وبالرغم من هذا العمل المضني والشاق جدا، لكن بالمقابل فإن الأجر الذي تتقاضاه لا يكفيها، لكنها كما تقول لا تهتم برأي المجتمع فهي مقتنعة بهذا العمل لأجل العيش بكرامة.

وبدورها قالت ماجدة ذات 20 عاماً  بأنها مجبرة على هذا العمل بسبب وضعها المادي السيء فهي تحاول قدر المستطاع تقديم يد العون لأهلها، فهي تعمل لسبع ساعات متواصلة متحملة التعب والاجهاد، فكل ذلك يهون عليها مقابل ما تقدمه من راتب لعائلتها وذلك بهدف تحسين وضعها المعيشي، لكن وبالرغم من كل ذلك فإن ما تتقاضاه من أجر لا يكفيها، وخلال حديثها تلفت ماجدة إلى أنها لا تهتم كثيرا بحديث الناس ونظرة المجتمع لها بقدر اهتمامها بتوفير لقمة عيش كريمة لها ولأهلها.

أما بتول 18ربيعاً فتؤكد بأنها وبالرغم من أنها كانت تعمل وتحاول أن تكمل دراستها، فالظروف الاقتصادية الصعبة جعلتها تتأقلم إلى حدٍ ما مع ظروف العمل الصعبة وما بين متابعة دراستها، فهي لا تجد أي صعوبات أثناء عملها، لكنها تشير أيضا إلى أن معظم الفتيات اللواتي بعمرها باتوا يلجؤون إلى العمل، وبأنها تبحث عن فرصة عمل أخرى مناسبة إذا كان الراتب أفضل من الأجر الذي تتقاضاه الآن. فالوضع المعيشي الصعب جعلها تعمل منذ 4 سنوات تقريبا، فهي تعمل برفقة والدها وذلك نظرا لما تشعر به من مسؤولية كبيرة تجاه أسرتها وذلك بهدف توفير الظروف المناسبة للحياة الكريمة والمعيشة.

من جهتها تكلمت رسمية  20ربيعاً بعد انفصالي عن زوجي عملت بهذا المجال لأتمكن من إعالة نفسي” فهم كمكون عربي لا تجد أي مشكلة لكي تعمل إذا كان الهدف منه تحسين واقعها المعيشي.

وبحسب رسمية فإن المبلغ الذي تحصل عليه والذي يقدر ب 60 ألفاً ليرة سورية في الأسبوع تمنح جزءاً منه لمساعدة أهلها.

أما بالنسبة بسمة (23عاماً) فتبدأ حديثها بالقول:” رغم أنني وصلت إلى مراحل متقدمة من دراستي إلا أن الظروف المعيشية الصعبة كانت سببا في عدم متابعتي لدراستي لذا كنت مجبرة لترك مقاعد الدراسة، وها أنا أعمل لـ7 ساعات باليوم وكل ما يهمني الآن أن أقدم ولو جزءا بسيطا من المساعدة المالية إلى عائلتي لتحسين وضعنا المعيشي “.

لكن بسمة تؤكد بأنها تفكر أحيانا بنظرة المجتمع إليها وبطريقة تفكيرهم لكنها لا تسطيع أن تفعل شيئا حيال ذلك وكل ما يهمها أن تستلم راتبها في نهاية كل أسبوع “فتعب العمل وساعاته الطوال المرهقة لها ولجسدها النحيل، يهون تماما عندما تجد نفسها بأنها تساهم ولو بشكل بسيط من تحسين واقعهم المعيشي”.

ولتسليط الضوء أكثر على هذه الظاهرة ومعرفة تفاصيلها قمنا بزيارة إلى هيئة الشؤون الاجتماعية والعمل في مدينة قامشلو، وخلال لقائنا مع الرئيسة المشتركة للهيئة أكدت “هندرين سينو”

 بأن الأوضاع الراهنة في هذه الأيام والوضع المعيشي الصعب والذي بات متدهوراً جداً ونتيجة للأوضاع الاقتصادية، لم يعد بإمكان الرجل لوحده العمل وتلبية متطلبات الحياة الصعبة، بل أصبحت المرأة أيضا تعمل لتحسين وضعها المعيشي سواء لمساعدة الأهل أو لتحسين وضعها وعدم طلب العون المادي من أحد ، ولذلك لجأت المرأة العاملة بالاعتماد على نفسها والعمل بالعتالة.

فوضع هؤلاء الفتيات الصغار وهن يقمن بهذه الأعمال الصعبة والمتعبة بهدف تأمين لقمة العيش، هو وضع صعب للغاية ، لكن وكما تعرفون في الوضع الحالي ليست لدينا إمكانية كافية لدعم الاقتصاد وكذلك فتح المشاريع وتأمين العمل  فكل التطورات التي تحدث الآن سواء كانت اقتصادية أو سياسية أو عسكرية لها تأثير كبير على عدم إكمال مشاريع الإدارة الذاتية وبالتالي الفائدة منها لكننا نجد في النهاية بأن عمل الفتيات هو محل احترام وتقدير لأن عملهم وتفكيرهم بهذه الطريقة والاعتماد على أنفسهم من أجل العيش بكرامة، لذلك نحن نتمنى أن نوفر لهم فرص عمل مناسبة ، نحن كهيئة شؤون العمل نحاول أن نجد حلولا مناسبة لهذه الظاهرة ولتلك الفتيات وعملهن بالعتالة، لذلك عندما يسود الأمان في المنطقة سيتم فتح مشاريع لتأمين فرص عمل مناسبة ملائمة لهم ولمستواهم الدراسي.

وبدوره قال الباحث الأجتماعي “كرديار دريعي ” ظاهرة عمل المرأة في الأعمال التي لا تناسب تكوينها الجسدي كرفع الأحمال الثقيلة أو العمل في البناء والأعمال القاسية الأخرى ترتبط بالدرجة الأولى لعدم توفر فرص العمل بما يناسب قدراتها خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية غير المستقرة  في عموم سوريا ومنها شمال شرق سوريا نتيجة للحرب المستمرة منذ 2011 وتدمير جزء من البنية التحتية ,إلى جانب تراجع العمل الزراعي لأسباب مختلفة ومن ضمنها الجفاف  لذلك  ونتيجة لصعوبة ظروف المعيشة فإن المرأة أيضا تسعى إلى العمل ولكن لانعدام المشاريع والمنشأت وورش العمل القادرة على استيعاب النساء العاملات إلى جانب تطلب فرص العمل الأخرى مهارات وإمكانيات فكرية او امتلاك مهنة معينة ,تدفع بالنساء للعمل في الاعمال  العضلية القاسية وبأجور بخسة , ونتيجة لاستمرار حالة اللاستقرارواستمرار التهديدات العسكرية على المنطقة فمن الصعب إيجاد المشاريع الكبيرة أو المتوسطة لاستيعاب النساء العاملات ولكن يمكن للإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا تقديم المشاريع الصغيرة  المناسبة للنساء ودعمها إلى جانب تأهيلهن لمهن مناسبة لقدراتهن.

“نلاحظ أنّ الشعور بالمسؤولية في مساعدة الأهل، وتحسين الوضع المعيشي، والمعاناة من جهد العمل مع عدم الاهتمام برأي الناس يعتبر من الدوافع المشتركة لهؤلاء الفتيات في مزاولة مهنة العتّالة، وهذا ما يؤكد على أن المرأة لا تزال مصدراً للعطاء والتضحية على الرغم من القيود الاجتماعية المتخلفة المفروضة عليها. “

زر الذهاب إلى الأعلى