الانتخابات التركية ومفصلية اللحظة وراهنيتها

” قراءة أولية “

كلّ المؤشرات تدَل على أن لا تغييرات كبيرة ومؤثّرة في تركيبة النظام التركي، لكنّ مطابخ رسم سياساته ستخضع حتماً للموازين الدولية وأطراف الصراع وموقع تركيا وثقلها في التوازنات الدولية، ناهيك عن الكمّ الهائل من المعضلات الداخلية والخارجية التي تثقل كاهل النظام التركي وتضعه على مفارق الطرق مع ضيق مساحة الخيارات، فبعد حصول “تحالف الجمهور” بقيادة حزب العدالة والتنمية الذي يتزعّمه أردوغان إلى جانب الحركة القومية المتشدّدة وأحزاب أخرى على نسبة 49.37%  من أصوات الناخبين، فيما حصل “تحالف الشعب” المعارض بقيادة كمال كليجدار أوغلو على نسبة 35.12 من أصوات الناخبين، ما يعني استحواذ حزب أردوغان وتحالفه على أكثر من 322 من مقاعد البرلمان البالغة 600 مقعد، رغم أنّه خسر 22 مقعداً بالمقارنة مع انتخابات 2018 حيث كان قد حصل على 344 مقعداً، فيما حصل تحالف كليجدار أوغلو المعارض على حوالي 213 مقعداً؛ أي بزيادة 24 مقعداً عن انتخابات 2018 حيث حصل وقتذاك على  189 مقعد، أمّا تحالف حزب الخضر اليساري فحصل على 61 مقعداً حيث خسر 7 مقاعد بالمقارنة مع الانتخابات السابقة.

وفقاً لهذه النتائج يكون أردوغان وكتلة حزبه مع حلفائه قد استطاعوا السيطرة على مفاصل القرار السياسي والاقتصادي، كون الكتلة البرلمانية الأكبر هي من تتحكّم بالأصوات داخل البرلمان في إصدار وسنّ القوانين والتشريعات، ومع ذلك لن يكون ذلك ربيعاً لأردوغان المثقل تحت عبء وضع اقتصادي خانق داخل تركيا، مع ازدياد التضخّم وانهيار الليرة التركية بموازاة ضغوطات شعبية ناتجة عن تدنٍّ رهيب في المستوى المعيشي للسكّان وانخفاض مخيف في القيمة الشرائية للعملة التركية.
سياسياً: يتطلّع أردوغان لإخراج نفسه من أكثر من مأزق سياسي وخاصة عودة الدفء إلى علاقته مع النظام السوري، مع ما يحمله هذا الدفء من ملفات كبيرة وحساسة يتوجّب عليه التعاطي معها بجدية وبعيداً عن المساومات والبازارات السياسية وأهم تلك الملفّات الاحتلال التركي لمناطق ومدن سورية  “عفرين وسري كانيي وكري سبي” ناهيك عن سيطرة المجموعات المسلحة المدعومة والمموّلة من تركيا على إدلب وريف حلب الغربي وحتى تخوم محافظة حماه، ولعلّ احتضان أردوغان للمعارضة السورية التي تدور في فلك الإخوان المسلمين وأعني هنا (الائتلاف المعارض) وما تسمّى بحكومتها المؤقتة أحد أهم المعضلات التي تواجه أردوغان وأركان حكومته.
إذًا؛ الملفّ السوري وبكلّ تشعّباته وتعقيداته، كفيل بأن يرهق أردوغان ويستنزفه سياسياً، ويلجم عربدته في حال أراد المضيّ قُدُماً نحو التطبيع الكامل مع النظام السوري، وهذا يبدو واضحاً على ضوء توجّهات سياساته الجديدة.
فممّا لا شكّ فيه أنّ أردوغان يلعب على حبال السياسة الدولية وتوازناتها، ولذلك أقحم نفسه في تلك التوازنات كلاعب رئيسي يساوم هنا ويقايض هناك وفق ما تتطلّبه مصلحته ومطامعه الشخصية كوريث شرعي للأتاتوركية، وكخليفة للمسلمين وكحارس أمين للماسونية العالمية.
في حين إذا فاز أردوغان بالرئاسة في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية في مواجهة مرشّح المعارضة كمال كليجدار أوغلو فإن ذلك يعني المزيد من شدّ الخِناق على حزب الشعوب الديمقراطي، والحركة التحرّرية الكردستانية، وزجّ مزيد من القادة والناشطين الكرد في السجون والمعتقلات، فلا مؤشّرات توحي ولا المناخات الداخلية تدّل على أيّ تنازل قد يُقدِم عليه أردوغان حيال القضية الكردية في تركيا، خاصة تناغمه المطلَق مع شريكه في البرلمان ” الحركة القومية ” واللذان يعتبران من أعتى أعداء الشعب الكردي، وسيعملان معاً للقضاء على أي مُنجَز كردي سواء في روج آفاي كردستان أو حتى في باشور كردستان، رغم ما تربطه من علاقات وثيقة مع حكومة إقليم كردستان العراق والحزب الديمقراطي الكردستاني، مع الإشارة إلى وجود قواعد عسكرية تركية في باشور تحت مختلف الحجج والذرائع.
وهناك سؤال يفرض نفسه وهو:
كيف ستتعاطى الولايات المتحدة الأمريكية مع سياسات أردوغان ومطامعه بعد الانتخابات…..؟
وهل للمتغيرات الدّولية ولعبة صراع الأقطاب مع ما تحمله هذه المتغيرات من إرهاصات توحي بولادة عالم متعدّد الأقطاب، أن تلجم المطامع العدوانية لأردوغان، وتكبح محرّكات آلته العسكرية…..؟
هذا ما سيتوضّح لاحقاً وفق ما يُرسم للمنطقة من الخرائط والسياسات في مطابخ مراكز القرار العالمي.

زر الذهاب إلى الأعلى