وجهة نظر في الاتفاق الثلاثي (الأمريكي – الأردني – السوري) حول السويداء
د. أحمد سينو

لا ندري على وجه الدقّة جدوى عقد مثل هذه الاتفاقية نيابة عن سكان السويداء ذوي الغالبية الدرزية في الجنوب السوري، الاتفاقية التي عُقِدت برعاية أمريكية ممثّلة بتوم برّاك، ورعاية عربية ممثّلة بالأردن ووزير خارجيتها أيمن الصفدي، وبمشاركة أسعد الشيباني وزير الخارجية السوري، وغاب عنها ممثّلو الدروز مثل الشيخ حكمت الهجري أو اللجنة القانونية العليا في محافظة السويداء. يبدو أنّ الاتفاق جاء لاستكمال التفاهمات الأمنية بين حكومة الشرع المؤقّتة وإسرائيل، والتي يجري العمل عليها للاتفاق مع إسرائيل ولم يُعلَن عنها بعد، ومن المرجّح أنّها سترى النور في قادم الأيام.
غياب الشيخ الهجري عن حضور الاتفاق يثير الشكوك حولها، وغالباً لن يحقق الاتفاق النجاح المرجوّ؛ ربما لأنّ الظروف المناسبة لم تتهيّأ بعد، خاصة ما يتعلّق بالحكومة السورية المؤقّتة وغير المنتخبة، والتي تعمل بشكل ارتجالي دون الاعتماد على دستور دائم، وتعمل وفقاً لإعلان دستوري يفتقر إلى الحدّ الأدنى من الموضوعية والاتزان، والحكومة تعمل دون برلمان ودون انتخابات شفّافة، وتعمل على مقاس الشرع (الجولاني سابقاً). الهجري وممثّلوه لم يحضروا الاتفاق ولم يوقّعوا عليه؛ لأنّ غالبية البنود التي تؤكّد سيطرة السلطة السورية على محافظة السويداء تفتقر إلى المصداقية والثقة المفقودة بين الجانبين؛ وذلك بسبب المجازر والانتهاكات التي شاركت فيها الفصائل الأجنبية، وشاركت فيها قوات الأمن العام التابعة لحكومة الشرع، وكذلك بسبب تحريض الشرع نفسه للعشائر باسم “الفزعة”، والذي نسي أنّ الدروز جزء أصيل من الشعب السوري.
وبالتالي؛ فقد رفض أهل السويداء هذا الاتفاق الثلاثي بين برّاك والصفدي والشيباني جملة وتفصيلاً، وقاموا بما يشبه الاستفتاء على حق تقرير المصير، وأنشؤوا لذلك أكثر من 10 مراكز للتوقيع، مع عرائض تعبّر عن أصوات السكان في المحافظة من المكوّن الدرزي. قد تكون الظروف الدولية والاقليمية غير مواتية حالياً لإعلان الانفصال والاستقلال؛ ولكنّها تعبير عن إرادة السكان في حق تقرير المصير والاستقرار والرغبة في العيش الكريم. قد تحقّق الإدارة الذاتية لسكان السويداء تغييراً في حكومة الشرع المؤقّتة، ويُصار إلى تشكيل حكومة جديدة في سوريا بموجب القرار الأممي (2254) القاضي بتشكيل حكومة جديدة انتقالية، وانتخابات شفّافة، وبرلمان منتخَب، ودستور دائم، وقد تكون هناك لجان دولية تشارك فيها الحكومة السورية للتحقيق في الجرائم والمجازر، إلّا أنّ تلك اللجان لن تحظى بالثقة والمصداقية من قبل بني معروف؛ فقد تعرّضوا للخطف والاغتصاب والأسر على يد الأمن العام وفصائله المنفلتة، كما تعرّض شيوخ الطائفة الدرزية والمسنّون للإهانة والقتل والعبث بلحاهم وشواربهم؛ فالثقة لا يمكن أن تعود بهذه الحكومة غير الشرعية ذات الخلفية الجهادية المتطرّفة، والتي جلّ همّها إرضاء أمريكا والدول الأوربية وتركيا والدول الخليجية، كما ورد في الاتفاق بند حول مجلس المحافظة في السويداء، والذي سوف يجري فيه تمثيل كل المناطق مثل الشهباء وصلخد وغيرهما، وتمّ الحديث كذلك عن تبادل المختطَفِين والأسرى بين الطرفين؛ وذلك لخلق نوع من الثقة والمصداقية، وكأنّ الطرفَين ليسا بسوريَّين، وهناك بند حول الشرطة المحلّية التي يجب أن تكون من أبناء المحافظة، ويجب أن تضمّ المكوّنات الأخرى من المسيحيين والعشائر وغيرهم لتحقيق التعدّدية والتشاركية (حسب زعمه)، كما تمّ الحديث عن تقديم المساعدات الإنسانية والطبية، وتعويض المتضرّرين، وغير ذلك من الوعود المعسولة المتعلّقة بالاستقرار وإعادة الإعمار وجلب الاستثمارات وغير ذلك، والتي تُثار حولها الكثير من الشكوك. الجدير بالذكر أنّه لولا تحقيق تقدّم في المفاوضات مع إسرائيل فيما يخصّ الجنوب، بما فيها السويداء المحاذية للحدود الإسرائيلية، لَمَا تمّ هذا الاتفاق الثلاثي المعلَن عنه قبل أيام؛ فضرورة تسوية وضع الجنوب السوري، المشار إليه سابقاً، كانت حاجة أمريكية في المقام الأول؛ وقد قام الشيباني برفقة توم برّاك بزيارة واشنطن من أجل استكمال الاتفاق بين سوريا وإسرائيل بالدرجة الأولى، وكذلك من أجل رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا، وخاصة قانون “قيصر” الذي يبدو أنّه من الصعوبة بمكان أن ينجح الشيباني وبرّاك برفعه عن سوريا؛ لأنّ القانون ذو علاقة بالكونغرس وليس بالسلطات التنفيذية في الولايات المتحدة الأمريكية، ومن خلال الاتفاق يمكن ملاحظة ما يلي:
1- الحكومة السورية غير جادّة في اتّفاقها مع الأردن وأمريكا؛ فلو كانت جادة لما استمرّت في القتل والحصار والمجازر، ولاستدعت الشيخ حكمت الهجري أو اللجنة القانونية العليا في السويداء، ولبادرت باتّخاذ خطوات تعزّز الثقة من خلال إطلاق سراح النساء المخطوفات.
2- الاتفاق الذي أصدره الشيباني يختلف عن الاتفاق العائد للسويداء الذي أصدره الصفدي من خلال موقع الخارجية الأردنية؛ وهذا يدعو إلى إثارة الشكوك في مصداقية الشيباني ونواياه غير السليمة.
3- والملاحَظ أيضاً أنّه تمّ فرض الاتفاق من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل؛ وذلك كضرورة لإنجاز الاتفاق الأهم، ونعني هنا الاتفاق مع إسرائيل.
4- من الملاحَظ أنّ الشعب قد فقد الثقة بالحكومة السورية المؤقّتة؛ وقد عبّر عن ذلك من خلال العرائض والاستفتاء وإبداء الرغبة بالاستقلال.
5- لم تُشكّل لجان أممية صرفة للتحقيق في المجازر والانتهاكات؛ علماً أنّ الدروز يرغبون في عدم مشاركة الحكومة السورية في اللجان الدولية والأممية.