مشروع السلام الكرديّ – التركيّ
وليد محمد بكر

مقدمة
يعود تاريخ وجود الشعبَين الكردي والتركي معاً في المنطقة إلى ما قبل ألف سنة، وكانت بينهما تحالفات ضدّ الرومان في زمن السلاجقة، وضدّ الصفويين أثناء حكم السلاطين العثمانيين، وحينها ظهرت الكثير من الإمارات الكردية شبه المستقلّة، وتخلّلتها بعض الانتفاضات الكردية حين يشتدّ الضغط عليها، وساهم الكرد في معارك التحرير الوطنية وشاركوا في تأسيس تركيا الحديثة، ولكن حين تم إنكار الحقوق الكردية والتي ذكرتها اتفاقية (سيفر 1920)، ظهرت عدة انتفاضات في /1925-1927- 1937/ لنيل حقوقهم المشروعة، لكن جوبهت تلك الانتفاضات بالحديد والنار، إلى أن تم تأسيس (حزب العمال الكردستاني) عام/1978/ الذي بدأ الكفاح المسلّح عام /1984/، ومنذ عام/1993/ طرحت قيادة الحزب عدّة مشاريع لأجل السلام لكن أفشلتها الحكومات التركية المتعاقِبة. سنتطرّق باستفاضة إلى “مبادرة السلام” الجديدة التي طرحها السيد “دولت بخجلي” زعيم الحركة القومية التركية، وأيّدها الرئيس التركي “أردوغان”، والتي استجاب لها القادة الكرد بالترحيب، وخاصة السيد “عبد الله أوجلان” أسير الحرية منذ ربع قرن والذي أبدى استعداده للعب دوره والمشاركة الفعّالة فيها، وضرورة السلام والوفاق وأهميته لشعوب المنطقة، وماذا عن مدى النجاحات والاخفاقات، وإذا ما أمكن إتمامها بنجاح كيف أنّها ستتغيّر وجه المنطقة من الأزمات والحروب إلى الرفاهية والسلام الدائم بين الكرد والشعوب المجاورة، وأن تعمّ الديمقراطية منطقة الشرق الأوسط.
أولاً: ظهور حركة حرية كردستان العصرية
في سبعينات القرن الماضي ظهر جيل من الشباب المثقّفين الكرد والترك في جامعات تركيا وناضلوا للتغيير الديمقراطي في تركيا والاعتراف بالحقوق القومية للكرد وأسّسوا حزب العمال الكردستاني (PKK) في 27/11/ 1978، ولكن بعد الانقلاب العسكري في تركيا في 12/9/1980جوبه الحزب والحركات اليسارية الثورية بالقتل والاعتقال والتعذيب في السجون؛ ممّا اضطرّ الحزب إلى إعلان الكفاح المسلّح في /15/8/1984 في سبيل تحرير كردستان ودمقرطة تركيا والمنطقة، والتفّ حوله الشعب من الأجزاء الأربعة لكردستان.
- المؤامرة الدولية لاعتقال السيد عبد الله أوجلان
طيلة سنوات الحرب لم تترك الحكومات التركية أسلوباً في الحروب إلّا واستخدمته من خلال أحدث التقنيات العسكرية وبدعم مفتوح من حلف الناتو وإسرائيل، وارتكاب العديد من الجرائم والأسلحة المحرّمة دولياً، واستخدام جميع أنواع الحروب الخاصة، وارتأت أنّه لو تم تفتيت الحركة من الداخل أو اغتيال قائدها “عبد الله أوجلان” سوف ينتهي “التمرّد” -كما تدّعي – وخاصة محاولة الاغتيال في 6/5/1996في دمشق، وعقدت اتفاقات مع النظام العراقي البائد، و اتفاقية أضنة /1998/م. مع سوريا إثر الضغط التركي وخلفها أمريكا (الحلف الأطلسي) على سوريا لأجل إيقاف دعم سوريا لحزب العمال الكردستاني، هذا وقد كان السيد “أوجلان” قد طرح عدّة مبادرات سلام ووقف لإطلاق النار من جانب واحد، منذ/ 1993- 1998/ جوبهت كلّها بتصعيد الحرب والقيام بحملات عسكرية كبيرة بقصد إنهاء الحركة لكن فشلت جميعها. حتى تم التخطيط لمؤامرة اختطافه في قرصنة دولية من نيروبي عاصمة كينيا في 15/2/1999 – والتي نعيش اليوم ذكراها السادسة والعشرين- وبعد /126/ يوماً من خروجه من دمشق في 9/10/1998باحثاً عن اللجوء في إحدى الدول الأوربية وطرح القضية الكردية في المحافل الدولية وحلّها بالطرق السلمية، وبعد محاكمة صورية تم الحكم عليه بالإعدام وحُوّل إلى سجن مدى الحياة عام/2002/.
- مبادرات السلام وخارطة الطريق
لقد تم إفشال المؤامرة حينما حدثت ردود الفعل من قبل الجماهير المؤيّدة لقائدها أوجلان، وخاصة إضرام العشرات النارَ في أجسادهم، وخروج مظاهرات عارمة في كافة أنحاء العالم تنديداً بمؤامرة الخطف، حينها قام السيد أوجلان بإطلاق مبادرات سلام، من وقف إطلاق النار (من جانب واحد) وانسحاب قوات (الكريلا) إلى الجنوب، وعودة مجموعات السلام إلى الوطن – لكن تم اعتقالهم ومحاكمتهم- فيستأنف الحزب العمليات العسكرية عام /2004/ نتيجة العنف المقابل من الدولة، وعندما صرّح أردوغان في “آمد-دياربكر” عام /2005/ بأنّه”يعتبر القضية الكردية قضيته” وأنّه سيحلّها، لم يتوانَ حزب العمال الكردستاني عن وقف إطلاق النار وإجراء مفاوضات سلام مع الدولة حينها حتى /2009/، لكن لم تتجاوب الدولة واعتقلت العديد من السياسيين والإعلاميين، ولم تخطُ الحكومات التركية خطواتٍ هامةً في تحقيق المطالب الكردية كالاعتراف بهويتهم ولغتهم وممارسة حريتهم السياسية، بل مارست سياستها السابقة في الإنكار ولكن بأسلوب ناعم؛ كفتح قناة ناطقة بالكردية عام/2008/وحرية تعليم اللغة اختيارياً في المدارس غير رسمية، تستكمل المفاوضات بعدها مجدّداً عام /2012 في أوسلو بالنرويج، أودى إلى إرسال رسالة سلام من “أوجلان” إلى نوروز آمد/2013/ وتشكيل لجنة الحكماء بعدها، وحوارات السلام في أوربا /2015/ واتفاق (“دولمة بخجة” ببنوده العشرة المقترحة من السيد أوجلان). لكن تظلّ القوى المهيمنة والدولة العميقة تُفشِل جميع مساعي السلام والانفتاح في إغلاق الأحزاب السياسية المقرّبة من الكرد واعتقال قياداتها والآلاف من أعضائها لأنّها هي المسيطرة على الأمور، حتى أنّها كانت خلف تفجير في أحد تجمعات حزب الشعوب الديمقراطي بديار بكر والجماهير الطلابية الثورية في سروج المؤيّدة لمقاومة كوباني عام/2015/.
في السجن طرح السيد (أوجلان) – كما بيّنّا – عدة مبادرات سلام؛ منها “خارطة طريق عام/2009” لحلّ القضية الكردية في تركيا، وطرح بعدها في مرافعته الأخيرة نظرية “الأمّة الديمقراطية” وأخوّة الشعوب لحلّ القضية الكردية وجميع القضايا المشابهة بأسلوب ديمقراطي عصري، لكن كانت الدولة التركية تتعاطى مع القضية بشكل تكتيكي وتتّخذ التقرّب من الكرد وسيلة للفوز في الانتخابات أو التظاهر بأنّها لا تعارض السلام وأنّها دولة ديمقراطية، وقامت منذ أكثر من أربع سنوات بقطع اتصال السيد أوجلان مع الخارج وفرض العزلة للضغط عليه ليعلن الاستسلام، مقابل تحسين وضعه، حيث يصف السيد أوجلان السجن بأنّه كالتابوت وأنّه فرع من (غوانتانامو).
ثالثاً: التدخّل التركي في الشأن السوري:
في الأزمة السورية كانت تركيا الجسرَ الداعم لجميع المتشدّدين الإسلاميين في العالم وخاصة “داعش” والمرتزقة، ودعمتهم للقتال في سوريا وخاصة ضدّ المناطق المحرّرة على يد وحدات حماية الشعب بدايةً في “سري كانية/2013” وكوباني عام /2014/، إلى احتلال عفرين وسري كانيه وكري سبي في /2018-2019/ وكذلك تل رفعت ومنبج /2024/ وتهديد كوباني من جديد عبر محاولة احتلال سد تشرين وجسر قرة قوزاق مع مرتزقتها من الجيش الوطني. وبحجّة الحفاظ على أمنها القومي وإحداث مناطق آمنة مازالت تركيا تهدّد الإدارة الذاتية الديمقراطية في شمال وشرق سوريا، بعد أن قامت بقطع المياه عنها وتدمير البنى التحتية خاصة عامي /2023-2024/، والقيام باغتيالات عديدة ضد نشطائها المدنيين والعسكريين؛ ونتيجة لكل هذه التدخّلات وضعت حكومة العدالة والتنمية – ذات التوجّه الإسلامي والمتحالف مع حزب الحركة القومية (MHP) – في حرج وأزمات داخلية وخارجية، سياسية واقتصادية. مما اضطرّها إلى إعادة العلاقات مع دول الخليج ومصر.
وبعد صراع دامَ أكثر من ثلاثة عشر عاماً بين النظام السوري والمعارضة، والذي لم يفضِ إلى نتائج ملموسة لحلّ الأزمة السورية؛ هاجمت مجموعات من هيئة تحرير الشام (هتش) في/27/11/2024 من إدلب وسيطرت على حلب ودمشق، فسارع أردوغان إلى إرسال وزير خارجيته ورئيس استخباراته الى دمشق لكسب المنافع وقطع الطريق أمام الاستحقاقات الكردية.
ولأنّ رياح التغيير في المنطقة تجري لصالح الكرد فإنّ النظام التركي، المُصاب بالفوبيا الكردية، يقف في وجه تلك الرياح، فيقوم بشتّى الوسائل لمنعهم من نيل حقوقهم العادلة، وعندما فشلت تركيا في القضاء على الكريلا في جنوب كردستان وعلى الإدارة الذاتية في شنكال وروج آفا بكافة السبل، تقوم بالضغط على الحكومة العراقية لتصنيف حزب العمال الكردستاني منظمةً إرهابية، والعمل على حضّ (هتش) في الهجوم على شرق الفرات، ويبدو أنّها لم تنجح في ذلك، لذا فقد بدأت بالإسراع وعلى مضض للّعب بورقة الإنقاذ الأخيرة ألا وهي العودة للتظاهر بعقد التصالح مع القضية الكردية عندها.
رابعاً: مبادرة “دولت بخجلي” التاريخية
- البداية: كانت من البرلمان التركي عندما قام “دولت بهجلي” رئيس حزب الحركة القومية (MHP) الحليف المتشدّد لحكومة أردوغان” بمصافحة أعضاء حزب “المساواة والشعوب الديمقراطي” (DEM)، ثم تلتها كلمة لبهجلي أمام نواب حزبه في البرلمان التركي يوم الأربعاء 23/10/2024 فاجأ بها جميع المراقبين حيث طرح مبادرة لحلّ القضية الكردية في تركيا – حسب مفهومه – فقد قال: “يمكن أن يأتِي أوجلان ويُلقي كلمة أمام نوّاب حزب المساواة والشعوب الديمقراطي (DEM) في البرلمان ويدعو أعضاء حزب العمال الكردستاني إلى الاستسلام”. كيف حدث هذا التحوّل المفاجئ من زعيم القوميين؟ فما الذي تغيّر وما هي المستجدّات التي ظهرت ليأتي هذا الإعلان المفاجئ؟ وهل حزبَا (MHP, AKP) “تحالف الشعب” جادّان في هذا التصريح؟ وما هي التطوّرات بعد ذلك، وما هو موقف الطرف الكردي منها؟ وماهي أسباب الإخفاق أو النجاح؟
- لماذا طُرِحت المبادرة في هذا التوقيت؟ وما هي أهدافها؟
بعد أن يئس التحالف الحاكم في تركيا بين حزب العدالة والتنمية (AKP) وحزب الحركة القومية (MHP) من القضاء على حركة حرية كردستان، وبعد اتّباعها كافة الطرق وأساليب الحرب غير الشرعية؛ لتصبح تركيا تعاني من عزلة دولية وتمرّ بأزمات داخلية وخارجية لاستهلاكها كافة قواها في تلك الحرب بسبب قيامها بتحالفات دبلوماسية واقتصادية براغماتية متناقضة لتجعل من نفسها قوة إقليمية في المنطقة، وبعد تأثير الحرب في غزة ولبنان على المنطقة، وتناقضات تركيا في إعلان دعمها للفلسطينيين في غزة وبنفس الوقت لا تقطع علاقاتها بإسرائيل. لكن لفشلها في القضاء على قوات حركة حرية كردستان وتقويض وإنهاء “الإدارة الذاتية الديمقراطية” في إقليم شمال وشرق سوريا رغم المحاولات العديدة، وتطوّرات الحرب بين إسرائيل وإيران وإمكانية تغيير خارطة المنطقة كما أعلنها “نتنياهو” رئيس الوزراء الإسرائيلي، تتسارع تركيا لإقامة التحالفات في المنطقة للحؤول دون أن يمسّها التغيير، وكانت تفعل المستحيل – ومنذ سنتين – للقاء الرئيس السوري بشار الأسد، وكانت تأمل ذلك حتى اللحظات الأخيرة قبل سقوط الأسد، لأجل حماية وإنقاذ حكومته المتضعضعة، وربّما لكسب الجماهير لبقائه في الرئاسة للأبد، ولم تنفع اللقاءات مع القادة الجدد في دمشق بعد سقوط نظام بشار الأسد، ولا دعمه لمرتزقة الجيش الوطني في العبور إلى شرق الفرات، ولم يبقَ أمامه اليوم سوى العودة للورقة الكردية للإنقاذ. يبدو أنّ التخوّف التركي شديد من تغيير الواقع الاستراتيجي في المنطقة؛ حيث تسعى الدول المهيمنة لتشكيل خارطة الشرق الأوسط من جديد بعد مئة عام من لوزان، وكذا أمريكا ودول الناتو وإسرائيل منزعجون من تصرّفات تركيا المناقضة لمصالحها، في تعاملها مع إيران ومحاولتها الانضمام لدول “البريكس” بجانب روسيا والصين المعاديتَين لأمريكا والغرب عموماً، ودعمها الواضح لداعش. فالهدف من مبادرة السلطة التركية الحاكمة هي:
- الإظهار للعالم وخاصة الاتحاد الأوربي – التي تدقّ أبوابه منذ عقود – أنها تريدون وتسعى إلى حل القضية الكردية بالطرق السلمية.
- العمل على خلق تناقضات بين السيد أوجلان وقيادة حزبه، وتقسيم الأحزاب والشارع الكردي بين مؤيّد للسلام وإنهاء الصراع، وبين مغالاة مَن يريد استمرار البقاء على العواطف الجياشة.
- سدّ الطريق أمام التدخّل الغربي والأمريكي – الإسرائيلي في المنطقة واستخدام القضية الكردية كعنصر ضغط عليها، في إعادة تشكيل المنطقة من جديد، وخاصة بعد التطوّرات في غزة ولبنان وسوريا.
- زيارة العائلة للسيد “أوجلان” في السجن بعد 4/سنوات:
جاءت الزيارة في يوم طرح المبادرة من بهجلي، وبعد نحو /44/ شهراً من انقطاع الزيارات والأخبار عن صحة السيد أوجلان، تم السماح للمحامي وعضو البرلمان “عمر أوجلان” بزيارة عمه (عبد الله أوجلان) في السجن والاطمئنان على صحته، فعاد حاملاً معه رسالة مقتضبة منه – لمناصريه والدولة التركية – لكن لها معانٍ عميقة، وجاء فيها:” التجريد مستمر، إذا توفّرت الظروف المناسبة لدي القدرة على تغيير التطورات الجارية إلى أرضية حقوقية سياسية، لدي القدرة النظرية والعملية في ذلك، أستطيع طرح الطريق (الأسلوب) وأستطيع جلب رفاقي إلى العمل السياسي”. كان صدى الاطمئنان على صحته مريحاً لأنصاره وموضع اطمئنان لهم، ولكن يتّضح من الرسالة أنّ التجريد والعزلة المشدّدة لا تزال مستمرة، ويبدو أنّه كانت تجري مفاوضات طويلة من قبل قادة الدولة مع السيد “أوجلان” ليرسل بهكذا رسالة للشعب والحكومة. كما صرح السيد مراد قرة يلان الرئيس المشترك لمنظومة المجتمع الكردستاني (KCK) نشرته وكالة فرات (ANF) حيث قال: “تقدّمنا نتيجة كفاح شعبنا، القائد عبد الله أوجلان وحركتنا يدافعون عن الحلّ التفاوضي، لا حلّ سياسي بدون ضمانة سلامة القائد… فهو المفتاح لحلّ القضية الكردية لتحقيق السلام، نحن كحركة لسنا ضدّ عملية الحلّ الديمقراطي ومع ذلك لن نسمح بالسياسات المضلّلة الخادعة، حركتنا ستستند إلى توجيهات القائد”.
- زيارة قيادة حزب المساواة وديموقراطية الشعوب (DEM) إلى إمرالي:
بعد الزيارة الأولى لوفد (DEM) منذ أكثر من /4/ سنوات والمؤلّف من النائبين في البرلمان (بروين بولدان- سري سريا أوندر) إلى السيد أوجلان في السجن تم إصدار بيان مكتوب في 29/12/2024 ورد فيه:”” عرض السيد أوجلان الحلول الإيجابية للسيناريوهات المستقبلية المظلمة المفروضة، أمّا الإطار العام لأفكاره فتدور حول إعادة تعزيز أواصر الأخوة التركية – الكردية، لإنجاح العملية أكّد القائد” على جميع الدوائر السياسية في تركيا تقديم مساهمة إيجابية والنقاش في مجلس الأمّة التركي الكبير، القضية غير قابلة للتأجيل ولعدم التدخّلات الخارجية كما في أحداث غزة وسوريا، وأنّ مساهمات المعارضة ومقترحاتها ستكون لها قيمة كبيرة للنجاح، سيتشارك الوفد هذا النهج مع كل من الدولة والدوائر السياسية، أنا على استعداد ولديّ الكفاءة والتصميم لاتخاذ الخطوات الإيجابية اللّازمة وإجراء النداء الذي سيكون دليلاً قيّماً للغاية للتحوّل الديمقراطي””. متى ستبدأ العملية الحقيقية؟ أجاب عن هذا التساؤل السيد سري سريا أوندر عضو الوفد الزائر إلى إمرالي لوكالة ميزوبوتاميا في 13/1/2025 قائلاً إنّ موقف السيد عبدالله أوجلان والحركة الكردية واضحان بشأن عملية السلام، وعندما تصل الدولة إلى مستوى من الوضوح وتصبح أكثر شفافية ستبدأ العملية الحقيقية. وبعد لقائه بالأحزاب السياسية والبرلمان ودوائر مختلفة والسياسيين المعتقلين من حزبهم بمشاركة السيد أحمد ترك، وحسب وكالة فرات (ANF) قام وفد من حزب السلام وديمقراطية الشعوب الذي ضمّ (سري سريا أوندر وبروين بولدان) – الذي زار إمرالي – بإصدار بيان بأنّهم سيزورون السيد أوجلان وسيعملون جاهدين لضمان نجاح العملية.
بتاريخ 22/1/2025 زار الوفد إمرالي – للمرة الثانية – للقاء السيد أوجلان ودام اللقاء /4/ساعات وقالت عضوة الوفد (بروين بولدان) عن أوجلان قوله:” إنّ اللقاء يُعَدّ خطوة تاريخية، وأنّ البلاد تشهد مرحلة تاريخية، وينبغي على جميع الأطراف أن تتصرّف بشكل مسؤول للغاية في هذه المرحلة”.
- تفاصيل اللقاء الأخير مع “أوجلان” وطروحاته للبدء بعملية السلام
تحدث مصدر مسؤول من حزب المساواة وديمقراطية الشعوب إلى وكالة “JINNEWS ، حول تفاصيل اللقاءات التي جمعت وفد الحزب والسيّد عبد الله أوجلان، قائلاً أنّ القائد عبدالله أوجلان شدّد على أنّ الأهمية تكمن في الظروف والإمكانات اللازمة لتطوير العملية السلمية، إلّا أنّ المباحثات لا تدور حول الحلّ والسلام في شمال كردستان وتركيا فقط، وإنّما يتم النقاش حول إيجاد حلّ ووضع ديمقراطي للشعب الكردي في الأجزاء الأربعة (تركيا، إيران، سوريا، العراق). وبيّن المصدر أنّ إحدى البنود التي يتم النقاش حولها من أجل خلق حل وسلام دائم، هي التحضير لأرضية مناسبة، مضيفاً بالقول: “هناك آراء تطرح إعداد إطار حقوقي وديمقراطي حول تهيئة جميع الشعوب في تركيا للتساوي في الحقوق والديمقراطية”، ولفت المصدر المسؤول إلى أنّ القائد عبد الله أوجلان نظر بشكل إيجابيّ إلى مضامين اللقاءات التي أُجرِيت مع الأحزاب السياسية في تركيا، وأردف قائلاً: “من الناحية التاريخية، يحاول السيد عبد الله أوجلان للوصول إلى حلّ بدون عنف، وأنّ الأمر لن يكون سهلاً بدون معالجة مصدر انعدام الحلّ والعنف”، واستدرك بالقول: “لحلّ القضية، يجب قبل كلّ شيء إلغاء العمل بالدستور الذي يعمل على إنكار الآخرين ويخلق نظاماً غير ديمقراطيّ”. وركّز المصدر المسؤول على بناء حلّ لامركزي، وتابع: “في هذه اللقاءات، الحلّ الوحيد الذي ظهر والذي من شأنه أن ينقذ تركيا وسوريا والعراق وحتى إيران هو بناء أسس الديمقراطية والسلام مع جميع الشعوب”.
- ردود الفعل حول اللقاءات في إمرالي
عقدت نائبة رئيس حزب المساواة وديمقراطية الشعوب (DEM) ) كليستان كلج كوج يكيت في البرلمان مؤتمراً صحفياً لفتت الانتباه إلى لقاء وفد حزبهم في 22 كانون الثاني من العام الجاري مع السيّد أوجلان والذي استغرق /4/ ساعات، وقالت – حسب صفحة( المبادرة السورية لحرية القائد عبدالله أوجلان): “في هذا اللقاء تم مشاركة الحوار مع الأحزاب السياسية والانتقادات والأفكار والآراء واقتراحات هذه الأحزاب للقائد (آبو)، حيث تم تقديم تقييمات موسّعة حول كل ذلك، علينا أن نوضّح أنّ القائد (آبو) هو فرصة من أجل موضوع الحلّ، هو واضح في موقفه حيال شعوب تركيا وشعوب الشرق الأوسط والحل الديمقراطي للقضية الكردية، وكما ذكر بذات نفسه أنّه في هذه المرة لا بدّ أن يتمّ حلّ هذه القضية”. كما أشارت إلى أنّه يجب تقييم هذه الفرصة التاريخية بشكل جيّد، وقالت: “علينا أن نتحاشى الأقوال والمحاولات التي من شأنها أن تتسبّب في ضياع هذه الفرصة التاريخية، لذلك ومن أجل أن تأتي نقاشات الحلّ التي يأملها الشعب بنتائج مثمرة وإيجابية، يجب على الحكومة أن تولي الأهمية إلى اتّخاذ خطوات عملية، المسألة لن تتقدّم من خلال الأقوال والزيارات فقط، ولذلك من أجل إرساء الإطار القانوني بسرعة، يجب أن يقوم البرلمان بمسؤولياته، ولكي لا تضيع هذه الفرصة التاريخية للتوصّل إلى حلّ ديمقراطي للقضية الكردية، فلابدّ من تحسين ظروف عمل السيد أوجلان على الفور، ورفع العزلة عنه، وتوفير الرعاية الصحّية له، ويجب أن يتمّ إطلاق سراحه على الفور”.
– رئيس حزب الحركة القومية “دولت بهجلي” الذي بدأ بطرح المبادرة، وبعد الزيارة الثانية لوفد حزب الديمقراطية والتقدّم إلى إيمرالي، عقد أول اجتماع جماعي لحزبه، حيث قال (حسب موقع الأخبار التركية): “إنني أتمنى بصدق أن تكون المفاوضات بين وفد حزب الديمقراطية والتقدّم وإيمرالي دعماً غير مشروط لتركيا خالية من الإرهاب وأن يتم إجراء الدعوة المنتظرة في أقرب وقت ممكن…
– الرئيسة المشتركة لحزب (DEM) “تولاي حاتم أوغلو” تحدّثت بتاريخ 28/1/2025 في اجتماع حزبها في البرلمان عن اللقاء فقالت:” إنّ خارطة الطريق الناتجة عن زيارة إمرالي هي موضوع تنتظره جميع الشعوب بشغف”، وأضافت: “أنّ أوجلان أشار في الاجتماع الأخير إلى نهج “بهجلي” الذي سيكون مدخلا تاريخياً لخدمة السلام إذا التقى بعقل الدولة”، وأشارت “أنّ دعوة أوجلان واضحة وأنّ سحب تركيا إلى أرضية الديمقراطية هو الحل الوحيد لإنقاذها من الأزمات”.
– يشكّك الرئيس المشترك لمنظومة المجتمع الكردستاني (KCK) السيد “جميل بايك” حول نيّة الدولة في المبادرة، وذلك خلال حديث بثّته قناة “ستيرك” فيقول: “أردوغان وحزب العدالة والتنمية يريدون إحياء عصر العثمانية، وليست لديهم النية ولا خطّة لحلّ القضية الكردية في تركيا، وعملية السلام وهمية لديه، لا يمكن لتركيا أن تقاتل الكرد وتزعم في الوقت نفسه أنّها تسعى إلى السلام، إذا كان السلام هو الهدف فلابدّ أن تتوافق الأفعال مع الخطابات، إنّهم يتوهّمون حين يظنّون أنّ أمامنا وأمام إمرالي طريق وحيد، مما يضطرّنا إلى اتباعه، إنّ حزب العمال لديه خيارات أخرى كثيرة ومسارات متعدّدة ومفتوحة أمامهم، فيجب ألّا يقعوا في الوهم… إذا كانت تركيا جادّة بشأن السلام فليس من الأخلاقي ولا السياسي أن يبقَى زعيمنا معزولاً، وكي يتمكّن من لعب دوره بحرية يجب تغيير ظروفه ليستطيع التحدّث واتخاذ القرارات، على تركيا أن تعيد النظر في نهجها…”.
خامساً- مآلات الإخفاق والنجاح لمبادرة السلام
يبدو أنّ حلّ القضية الكردية المستعصية والمعقّدة (في تركيا) منذ ما يزيد على قرن من الزمان يلزمها الكثير من الترتيبات والاستعدادات وحتى تهدئة النفوس وتغيير الذهنيات من كلا الجانبَين؛ فالتجييش العاطفي من قبل العقلية الطورانية التركية ضدّ كل ما هو غير تركي يلزمه الكثير من العمل.
- على صعيد عوامل الإخفاق:
- تعتقد الحكومة التركية، ومعها جميع الحكومات السابقة، أنّه عندما يطرح الجانب الكردي مبادرات سلام فإنّه خاسر عسكرياً وضعيف وخائر القوى ومسلوب الإرادة، وأنّ النظام التركي هو المنتصر، وبالتالي؛ على حزب العمال الكردستاني الانصياع والقبول بالشروط التركية، وعلى رأسها إلقاء السلاح والاستسلام وإعلان الندم؛ وهذا لن ما لن يسهم في بناء السلام.
- النظر إلى حزب العمال الكردستاني بأنّه قلّة ولا يمثّل كافة الشعب الكردي، وأنّ قائده أسير ورهينة لديها – ووضعه في ظروف عزلة مشدّدة – وبالتالي؛ هم مجبرون على قبول شروطهم لإطلاق سراحه.
- يعتقد النظام التركي أنّ حزب العمال مرتبط بإيران وروسيا والنظام السابق في سوريا، وباعتبار أنّ الأطراف السابقة قد خسرت المعركة ولم يبق لديها نفوذ في المنطقة، وبالتالي؛ على الحزب أن يقبل بالأمر الواقع، وأنّ أمريكا ربما ستنسحب من المنطقة ولن تدعمه.
- هناك صراع وتنافس على الزعامة التركية بين قيادة “تحالف الشعب” نفسها، الحركة القومية (MHP) ورئيسها “دولت بخجلي” والرئيس التركي “رجب أردوغان” رئيس حزب العدالة والتنمية (AKP)، كلٌ يريد أن يصبح البطل المنقِذ لتركيا من أزماتها؛ فالرئيس أردوغان يأمل أن يكسب الأصوات الكردية لصالحه للبقاء في الرئاسة لفترة ما بعد /2028/، أمّا “بخجلي” والذي كان من المتشدّدين ضدّ الحقوق الكردية فيسارع إلى الانطلاق بالمبادرة والسعي لنجاحها لإنقاذ الدولة ولكسب أصوات الناخبين والذي تراجعت نسبته إلى المرتبة الثالثة، وحتى إذا اشتدّ الخلاف وقام “أردوغان ” بعرقلة المبادرة – والذي قد يؤدّي إلى نسفها كما حدث سابقاً – بإقصاء إدارات حزب المساواة وديمقراطية الشعوب (DEM) من البلديات والبرلمان، والتصريحات المتشدّدة حيال المبادرة من “عمر جليك” الناطق باسم حزب السيد أردوغان والتي يقول فيها: “ليس هناك لا مفاوضات ولا ضمانات، وعليهم فقط إلقاء السلاح.” وكذلك تصريحات “أوميت أوزداغ” اليميني و(القومي المتشدّد) زعيم حزب “النصر” المنشق عن حزب دولت بخجلي (MHP) بأنّه ضدّ المبادرة، وقد اعتقل في 20/يناير/كانون الثاني من الشهر الماضي بتهمة إهانة الرئيس وخطابه التحريضي على الكراهية؛ كلّ ذلك ربما سيدعو إلى إجراء انتخابات مبكّرة.
- هذه المبادرة، والتي أتت من طرف دولة بخجلي، تعتمد على قمّة العداء للكرد في السياسة التركية ويؤيّدها الرئيس التركي، لم تكن لولا أنّها أحسّت بأنّه ستطالها رياح التغيير في الشرق الأوسط والتي لوّحت بها أمريكا وإسرائيل مؤخّراً، وكانت بدايتها من العراق واليوم سوريا وربما غداً تركيا وإيران، لذا؛ ترى أنّها ستسبق التطوّرات وتتنازل عن عنجهيتها كي لا تخسر المزيد. لذلك نرى إلحاحها في الضغط على السيد “أوجلان” بتوجيه أنصاره في الجبال بإلقاء السلاح – وهو يعاني في ظروف عزلة شديدة، ومازالت القيادة التركية تنعت الحزب وقائده بالإرهاب- وهو مطلبها الأول، مع أنّ إلقاء السلاح منطقياً سيكون في آخر المطاف بعد ضمان الحل السياسي العادل وعبر البرلمان والدستور.
- هناك بعض الأطراف – القوميين الكلاسيكيين والذين يجيشون العواطف القومية وهم ساكنون بلا حراك – من الجانب الكردي يريدون الاستفادة من عملية السلام واستغلال الظروف لمصالحهم وأجنداتهم في إمكانية الوصول إلى كردستان مستقلّة، وبالتالي؛ سيتم فقدان الفرصة الكبيرة للسلام وللحرية أيضاً، وهذا احتمال ينطوي على مخاطر كبيرة.
- أمّا على صعيد عوامل نجاح المبادرة:
- تأتي المبادرة من رأس التيار القومي المتشدّد في البلاد، حزب الحركة القومية (MHP)؛ وهذا يعني أنّه سيضمّ تحت جناحه كافّة المعترضين حتى يبدو أنّه هو نفسه ممثّل الدولة العميقة.
- التجاوب بإيجابية من كافة القوى والتيارات السياسية التي زارتها لجنة إمرالي، وخاصة رأس المعارضة متمثّلة في حزب الشعب الجمهوري (CHP)، وتصريحات قادة حزب العمال المؤيّدة للمبادرة، وأعلنوا أنّهم مع موقف قائدهم لكن من الضروري أن يتم تحسين ظروفه ليتصرّف بحرية.
إنّ مشروع السلام سينقذ تركيا و(تحالف الحكومة) من أزماتها الداخلية (الاجتماعية والاقتصادية) والعلاقات الخارجية والتي أوقعها النظام الحاكم في حرج وصراع مع معظم دول المنطقة والعالم، وخاصة الاتحاد الأوربي والناتو وأمريكا وإسرائيل، وأسلوب تركيا البراغماتي لم ينجِها، وكذلك تعاونها مع (روسيا وإيران والصين) أعداء حلفائها أمريكا والناتو الأساسيّين؛ نتيجة عزمها الشديد لإنهاء حركة حرية كردستان والحقوق الكردية وتدخّلها في الأجزاء الأربعة لكردستان وخاصة في روج آفا. نتيجة عنادها في عدم اتّباع الحل السلمي والإصرار على الإنكار والإمحاء، رحلت العديد من الحكومات وقادة الجيش وأتت أخرى عديدة وبقيت القضية الكردية بلا حل وبقيت تُشغل الرأي العام؛ فالرئيس الراحل “تورغوت أوزال” راح ضحية السلام، أمّا الرئيس الحالي “أردوغان” فمن المؤكّد أنّه سوف يرحل نتيجة عدم اتّباع نهج السلام.
سادساً: موقف الطرف الكردي الحَذِر
- بعض الأطراف الكردية ذات الذهنية المتخلّفة والمتشبّعة بالفكر القوموي يتخوّف من المبادرة على أنّه سيتم التخلّي عن القومية الكردية وكردستان، وعلى العكس؛ فقد اتّخذ السيّد “أوجلان” من أمن الكرد وحريتهم في جميع الأجزاء أساساً لنضاله منذ نصف قرن، ولأجل الوصول إلى ذلك في ظروف التطوّرات في المنطقة والعالم ودراسة أسباب إخفاق الثورات السابقة والتطوّرات السريعة للسياسة العالمية، طرح نظرية (الأمّة الديمقراطية) والتي ستكون عماد الحلّ السلمي والعصري للقضية الكردية في الأجزاء الأربعة لكردستان.
- ينتظر الطرف الكردي ردوداً وتجاوباً إيجابياً من الأطراف المقابلة وما ستقوم به الحكومة؛ فتصرّفاتها لا تريح الكرد، خاصة أنّها تسمّي المبادرة بعملية إنهاء الإرهاب، ولا تدعو إلى سلام شامل ومتكامل، ووضعت “الوكلاء” بدل رؤساء البلديات المنتخَبِين، وقامت باعتقال السياسيين لأسباب مختلفة، وكذلك هجماتها المستمرة على روج آفا.
- كما في المرات السابقة؛ يمكن أن تماطل الحكومة التركية في اتخاذ خطوات إيجابية لبوادر الحلّ، ويمكن أن تسعى لكسب المزيد من الوقت في انتظار الموقف الأمريكي الجديد من احتمالية انسحابها من المنطقة، والضغط لوضع شروط تعجيزية صارمة من قبل الحكومة الجديدة في دمشق حول تسليم السلاح وحلّ “قسد” والانضمام الفرديّ للجيش السوري وإنهاء الإدارة الذاتية.
إنّ سياسة إنكار الحقوق الكردية ومجابهتها بالعنف من قبل الحكومات التركية المتعاقبة لم تعد تجدي نفعاً، ولم تعد سياسة الدولة القومية تتماشى مع عصر الحداثة والعولمة، وقد آن الأوان لتغيير تلك السياسة. ولوضع حد لحرب طالت أكثر من/50/ عاماً خلّفت عشرات الآلاف من القتلى وإحراق القرى وتهجير السكان وتسبّبت بخسائر مادية كبيرة، صرّح المحامي والنائب في البرلمان “عمر أوجلان” قبل أيام لوسائل الإعلام:” على الدولة التركية إعادة النظر في خطابها بشأن الكرد، وأن تعمل على تصحيحه، إنّ الكرد متحمّسون ويريدون حلّاً سلمياً لهذه القضية لكن حتى الآن لا يوجد شيء ملموس، ولا وضوح كافٍ”، مؤكّداً “أنّ اللغة التي تستخدمها الدولة ليست إيجابية، وهناك تساؤلات حول إمكانية تغيير النظام لموقفه”.
سابعاً: في المحصِّلة
إنّ وضع الدولة التركية محرج جداً؛ نتيجة نفاد كل قواها، حيث مارست جلّ سياساتها للسيطرة على سوريا والقضاء على الإدارة الذاتية الديمقراطية وقواتها، ونتيجة اتّضاح سياساتها الخاصة للعالم يتم استبعادها من تحديد شكل ومستقبل النظام في سوريا، فتركيا تسلّقت قطار التغيير في سوريا – الذي تقوده أمريكا وإسرائيل- وتحشر نفسها فيه، إلّا أنّ مهندسِي اتفاقية (سايكس بيكو) هم الآن مَن يصمّمون اتفاقيات “ابراهام” وقد تم استبعاد تركيا بالإضافة أردوغان من هذه الخطط، وحتى حرمانها من خط التجارة “الهندي-الخليجي- الأوروبيي” عبر إسرائيل – وهي احدى أسباب إشعالها مع إيران لحرب غزة- وتم استبعادها عن ملف الوضع السوري ومستقبل سوريا في اجتماع العقبة في ديسمبر /2024 و اجتماع الاتحاد الأوربي وأمريكا بروما في إيطاليا بداية يناير من هذا العام، وبالتالي؛ ليس أمام تركيا سوى العودة وإصلاح نفسها من الداخل حتى تستطيع حلّ أزماتها الداخلية، وعلى رأسها القضية الكردية؛ وحينها ستُفتَح أبواب الاتحاد الأوربي أمامها – والتي تدقّها منذ عقود – وستلعب دورها الجيوستراتيجي بقوة في المنطقة.
ثامناً: بانتظار الخطاب التاريخي
هذا ما نراه حول التحوّل الكبير والمفاجئ في السياسة التركية اتجاه القضية الكردية، هذا وقد تحدّث قبل أيام (وفق جريدة زمان التركية) السيد “تونجر بكرهان” – الرئيس المشترك لحزب المساواة وديمقراطية الشعوب (DEM) – خلال كلمته في اجتماع الكتلة البرلمانية للحزب قائلا: ” إنّ الأيام المقبلة ستشهد دعوة تاريخية من أوجلان، وأنّهم يدعمون هذه الدعوة، مطالباً الحزب الحاكم بأداء دوره في هذه القضية التاريخية، وأكّد بكرهان “أنّ الدعوة التي سيطلقها أوجلان هدفها بناء تركيا الديمقراطية من أجل حلّ جذري ودائم للقضية الكردية”.
على الكرد جميعاً اغتنام الفرصة وعدم تفويتها، وعلى الدولة التركية أن تتجاوب مع المبادرة بشكل جدّي، وليس أمام الدولة التركية طريق آخر للخلاص، سوى الاستمرار بشكل فعّال في المبادرة وفتح آفاق حوارات السلام المظفّرة للنهاية، ولا بدّ أن يعمّ السلام بين جميع الشعوب والمكوّنات في المنطقة؛ فإذا تم السلام بين الكرد والترك سيتحوّل إلى نموذج يُحتذَى به في المنطقة – وخاصة في سوريا، والصراع بين الفلسطينيين وإسرائيل- وستكتسب الدولة التركية قوّة كبيرة وستنجو من المخاطر التي تحدّق بها؛، بحيث تكسب جميع الكرد في المنطقة إلى جانبها وسيقويان معاً، وكما نجح السلطان سليم الأول في كسب الإمارات الكردية القوية إلى جانبه في حربه مع الصفويين وانتصر في معركة “جالديران” عام /1514/م.، والتي غيّرت تاريخ المنطقة لقرون، إنّ السلام في المنطقة سيفتح لأبنائها وأجيالها آفاق وأبواب مستقبل زاخر وغنيّ.
إنّ حل القضية الكردية في الأجزاء الأربعة حلّاً جذرياً وإرساء قواعد السلام والأخوة على أسس متينة هو الركن الهام في الاستغناء عن تداعيات أزمات الدولة القومية التي أحدثتها بين المجتمعات، وذلك لبناء مستقبل مشرِّف لأبناء المنطقة. وفي انتظار الخطاب التاريخي؛ على القيادتَين والشعبَين الكرديّ والتركيّ القيام بواجباتهما الوطنية لأجل إنجاح المشروع لإرساء الديمقراطية في تركيا والمنطقة، والبدء بمرحلة جديدة من الأمن والتعايش السلمي في المنطقة.
وأخيراً؛ حتى تتكلّل عملية السلام بالنجاح يجب مشاركة وإشراف وضمان أطراف دولية يهمّها الأمن والسلام في المنطقة، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، لحلّ قضية عمرها أكثر من قرن، تسبّبت بها قوى الهيمنة العالمية آنذاك، وما عليهم اليوم سوى تصحيح ما ارتكبوه من أخطاء ومظالم بحق شعوب المنطقة، وخاصة الشعب الكردي التوّاق إلى السلام والعيش الآمن ضمن أمم حرّة ديمقراطية مع جميع شعوب المنطقة.