الجولاني والتحدّيات المقبِلة
د. مرشد اليوسف
الحكم الجديد في دمشق بزعامة السيد أبو محمد الجولاني، زعيم هيئة تحرير الشام، يقف أمام تحدّياتٍ كبيرةً وجوهريةً تعكس تعقيد المشهد السياسي السوري، ويبدو أنّ الخيارات أمامه محدودة؛ فإمّا أن يُرضيَ المتطرّفين والراديكاليين من أعضاء هيئته، أو أن يختار بناء دولة القانون والمواطنة ليرضيَ العالم.
فإذا ما اختار تعزيز التيّار المتشدّد داخل الهيئة فهذا يعني تكريس هوية جهادية متطرّفة للهيئة؛ وهو ما يعزلها دوليًا ويقوّض فرص الاعتراف بها وكذلك فرص تقديم الدعم الخارجي لها، كما أنّ ذلك قد يؤدّي إلى بروز صراعات داخلية مع الفصائل والجماعات المختلفة في المنطقة، بالإضافة إلى تعميق معاناة المدنيّين، وخاصة المرأة، في ظل نظام حكم صارم وغير متسامِح.
أمّا في المقابل؛ إذا ما اتّجه لبناء دولة القانون والمواطنة فإنّ ذلك يتطلّب تحوّلًا جذريًا في خطاب الهيئة وسلوكها، كما أنّ التأكيد على دولة المواطنة التي تعتمد على القانون واللامركزية قد يعزّز الاستقرار المحلّي، ويمنح نظام الجولاني فرصة لكسب الدعم الداخلي والخارجي.
وفي الواقع؛ فإنّ نجاح الجولاني في الخيار الثاني يتطلّب خطواتٍ عملية؛ مثل: التخلّي عن الإيديولوجيا الجهادية نهائيًا، والعمل على دمج المناطق السورية الخارجة عن سيطرة الدولة السورية، والانفتاح على الحلول السياسية، ومعالجة ملفّ الأقلّيات والقوميات، وخاصة ملف القومية الكردية (الذي سيكون أحد أكثر التحدّيات تعقيدًا)، وكذلك إقرار مبادئ المواطنة المتساوية، وتبنّي دستور يضمن المساواة لجميع المواطنين بِغَضّ النظر عن القومية أو الدين، والاعتراف بالتنوّع الثقافي واللغوي في البلاد، والتأكيد على الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية للأقلّيات بما يضمن مشاركتها الفعّالة في إدارة البلاد.
كما أنّ مسألة الدخول في حوار مباشر مع الإدارة الذاتية الديمقراطية في شمال وشرق سوريا وقوات قسد يجب أن تكون من أولى الأولويات؛ وذلك لإيجاد صيغة سياسية لشكل العلاقة بين الطرفَين، من خلال قبول مبدأ اللامركزية في إدارة البلاد، وضمان توزيع عادل للثروات، والاعتراف بالهوية والحقوق الثقافية الكردية؛ مثل التعليم باللغة الكردية، وتشجيع الأنشطة الثقافية التي تعزّز هوية الكرد، ومنح الكرد دوراً بارزاً في صياغة مستقبل سوريا، بما يعكس ثقلهم السكاني والسياسي، كل ذلك من الأمور الأساسية التي يمكن الاتفاق عليها بين الطرفَين.
وفي النهاية؛ ينبغي على السيد الجولاني، إذا ما أراد اختيار هذا الطريق، عليه أن يتحلّى برؤية استراتيجية وشجاعة سياسية للانتقال من قائد جماعة مسلّحة إلى رجل دولة يسعى لتوحيد البلاد وفق أسس مدنية وقانونية؛ فتحقيق التوافق مع الكرد سيُعَدُّ خطوة رئيسية نحو إعادة بناء سوريا دولةً متعدّدة القوميات تحترم حقوق الجميع.