الإدارة الذاتية كنموذج لحلّ الأزمة السورية

كورديار دريعي

طبعًا المسألة السورية مرتبطة بالسياسات الدولية ومشاريعها المتضاربة تجاه المنطقة، فالدول الإقليمية التي شهدت موجات الربيع العربي والتي انخرطت في ذلك، لا حلول لديها سوى إعادة وتدوير أنظمتها الاستبدادية وإنكار الحقوق، سواء لشعوبها أو للقوميات والأقلّيات التي قد وجدت نفسها بحكم الاتفاقات الدولية ومن ضمنها لوزان 1923  ضمن حدود هذه الدول، كالكرد والأمازيغ وغيرهم، أمّا بالنسبة للدول الكبرى فإنّ الأزمة السورية جزء من عموم الأزمات التي تشهدها المنطقة والعالم، سواء الصراع الروسي الصيني الأمريكي حول النفوذ وطبيعة النظام العالمي الذي سيتشكّل، أو الحرب الدائرة في أوكرانيا كحرب “كسر العظم” ما بين الانفراد الأمريكي الغربي بالنظام العالمي وفرض الهيمنة من جهة، وروسيا الساعية للعودة كقطب ثانٍ في العالم ومن يقف خلفها من الأنظمة الشمولية والديكتاتورية ككوريا والصين وإيران وتركيا من جهة أخرى، ولهذه القوى رؤىً مختلفة حول الحلول في سوريا.

فروسيا ومَن خلفها لا يريدون تغييرًا ديمقراطيًا في المنطقة من  شأنه التأثير حتمًا على طبيعة أنظمتها ذاتها؛ لذلك تسعى لإبقاء الوضع كما هو والعمل على إعادة الأوضاع في المنطقة إلى  ما قبل موجات الربيع العربي التي بدأت في 2010-2011 وكأنّ شيئاً لم يكن.

أمّا القوى الغربية فتدرك استحالة استمرار الهيمنة والأمن في الشرق الأوسط، من خلال النماذج السابقة للحكومات وطبيعة الدول القومية الفردية والعائلية والشمولية، ولذلك تسعى إلى فرض النموذج البديل من خلال تقسيم الدول داخليًا من دون المساس بالحدود الدولية، سواء على شكل  الفدراليات أو الإدارات الذاتية، وذلك لتحجيم هذه الدول والتحكّم بها بعد أن أصبحت الدول المركزية عائقًا أمام المشاريع الغربية ومساهمة في استفحال أزماتها العامة.

لذلك وبحسب المشاريع المتضاربة للقوى الكبرى فإنّ النموذج الذي سيفرض نفسه هو نموذج القوى التي تفرض انتصارها في الحرب الأوكرانية، والتي هي في حقيقتها ليست  حربًا محلّية أو محصورة  بين  دولتَين متنازعتَين، وإنّما هي حرب عالمية ثالثة ولكن تُدار في إطار جغرافية محدّدة؛ نتيجة حجم ونوعية الأسلحة الفتّاكة التي إن توسّعت ساحة المواجهات فقد تؤدّي إلى تدمير العالم، ويبدو أنّ روسيا لن تتمكّن من الخروج منتصرة؛ وبالتالي فإنّ النموذج الغربي أو الأمريكي للحلّ سيكون هو السائد في الشرق الأوسط ومن ضمنها سوريا.

أمّا بالنسبة للإدارة الذاتية الديمقراطية كحلّ لعموم سوريا فإنّ ذلك بالدرجة الأولى مرتبط بمدى التوافق ما بين مفهوم الأمّة الديمقراطية كنموذج حلّ لعموم الشرق الأوسط وبين الرؤية الغربية التي تتشابه مع مفهوم الأمّة الديمقراطية في مفاهيم الإدارات الذاتية والفدراليات كمفاهيم، ولكنّها تختلف من حيث المضمون وجوهر هذه  المفاهيم، لكن ونتيجة لكسب الإدارة الذاتية شرعيتها  كمفهوم ديمقراطي جامع لكلّ المكوّنات في المنطقة، إلى جانب النجاحات العسكرية ضدّ الإرهاب على أرض الواقع، وتحوّلها إلى شريك فاعل ضمن التحالف الدولي والقوى الرئيسية في فرض الأمن والاستقرار في المنطقة، ومواجهة التمدّد الإرهابي والتمدّد الإيراني في سوريا، وإدارة المنطقة من خلال مؤسّساتها المدنية ( الخدمية والاقتصادية والاجتماعية ) إلى جانب الدور المميز للمرأة في مفاصل الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والعسكرية، فقد أثبتت أنّها النموذج الأفضل للحلّ في عموم سوريا، حتى باتت مناطق سورية عديدة تدعو إلى الاقتداء بالإدارة الذاتية حتى عسكريا في مواجهة الإرهاب، فالإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا هي النموذج الأقرب للحل في سوريا ويمكن تعميمها من خلال تشكيل الإدارات الذاتية في المناطق المختلفة وإن كانت في الجوهر مختلفة عن جوهر الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا ولكن ليست متضاربة معها في الاطار العام.

لذلك؛ فالإدارة الذاتية في شمال وشمال شرق سوريا (روجافا) قد تحوّلت فعلًا إلى نموذج للحلّ في عموم سوريا، بعد أن باتت الحلول الأخرى سواء الروسية أو الإيرانية أو التركية وحتى ما تسمّى بالمعارضة السورية حلولًا لاغية للحل؛ لأنّها  تقدّم  حلولا مرتبطة بالأجندات ومصالح هذه الدول ولا تقدّم حلولا تكون  لصالح الشعب السوري عامة، في الوقت الذي فرضت فيه الإدارة الذاتية نفسها كنموذج حلّ من خلال التطبيق العملي لمفهوم الأمّة الديمقراطية كنموذج وطني جامع يلقى قبولًا دوليًا نسبيًا وقبولًا داخليا شيئًا فشيئًا، وما دعوات الحراك الشعبي في السويداء لتشكيل إدارة ذاتية مماثلة إلّا تعبير عن بداية كسب نموذج الإدارة الذاتية في شمال وشمال شرق سوريا للقبول الداخلي وكنموذج حلّ للازمة السورية.

زر الذهاب إلى الأعلى