أردوغان في الوقت بدل الضائع

شرفان سيف الدين

كما هو مقرر فإن تركيا مقبلة على انتخابات رئاسية وبرلمانية واسعة في الرابع عشر من شهر أيار المقبل، وكما يتبين للمتابعين والمهتمين بالشأن التركي (المختصين وغير المختصين)، فإنه لا يمكن حسم هذه الانتخابات كسابقاتها وذلك لعدة أسباب منها ما يتعلق بالأمور السياسة ومنها ما يتعلق بالاقتصادية ومنها ما يتعلق بالاجتماعية.

إنَ تسلط حزب العدالة والتنمية كحزب وأروغان كشخص على مفاصل الحياة السياسية والاقتصادية والأمنية بجميع توجهاتها وأشكالها منذ عام 2002م يعتبر السبب الرئيس لحالة الفوضى الحاصلة في البلاد، بدأ الحزب مساره في قيادة المجتمع التركي بشكل جيد(نوعاً ما)، فبدأ بالإصلاحات السياسية والاقتصادية في أول دورتين انتخابيتين عندما كان أردوغان في سدة الحكم في الإدارة التنفيذية (رئيس مجلس الوزراء)، كما أنه انفتح بعلاقات واسعة مع الدول الإقليمية ودول الجوار، حتى أنه كان هناك محاولات للتقرب من الكرد وإمكانية حل القضية الكردية ضمن إطار سياسي عام 2013م، لكن عند انتهاء المدة القانونية لشغل هذا المنصب بدأ أردوغان بالتفكير في كيفية بقائه في الحكم وبدأ مشواره الدكتاتوري في قيادة المجتمع التركي وتسلطه على السلطة. حيث يعتبر انقلاب تموز 2016م النقطة المفصلية والمحورية في تاريخ حكم العدالة والتنمية، هذا الانقلاب الذي ما زال يثير الكثير من اللغط وإشارات الاستفهام، فبدأ أردوغان وحزبه بعد ذلك بحملة واسعة من الاعتقالات في صفوف العسكريين والسياسيين والحقوقيين والصحفيين والنشطاء المدنيين, ولتنتهي الحياة المدنية والحريات بشكلها الفعلي الحقيقي على ارض الواقع، وتبدأ رحلة الصراعات (الدونكيشوتية) اللا متناهية داخلياً وخارجياً.

مشاكل أردوغان وحزبه الخارجية حدَث ولا حرج على المستويين الدولي والإقليمي بداية من مقتل السفير الروسي في أنقرة وإسقاط الطائرة الحربية الروسية في سماء سوريا مع بداية الأزمة السورية ومن ثم تقربه منهم وشرائه للمنظومة الدفاعية S400 الروسية، وتوقيف الأمريكان في المقابل لصفقة الطائرات F35، كانت الشرارة التي بدأ بها لعبه على حبال السياسة الدولية، وصراعه التاريخي مع الجارة أرمينيا وذلك بالدعم المباشر لأذربيجان في حربها الأخيرة، وتدخله المباشر في الصراع الليبي بدعمه لفايز السراج وإرساله للمرتزقة إلى الساحة  العسكرية الليبية، بالإضافة لدعمه المباشر لجماعة الإخوان المسلمين في مصر كانت من أهم الأسباب للمواجهة المباشرة مع جمهورية مصر، الصراع المستمر مع اليونان على قبرص وعلى رسم الحدود للمياه الإقليمية بينهم، الصراع التاريخي مع إيران على النفوذ الإقليمي، وأيضا التوتر مع المملكة العربية السعودية واستغلال حادثة مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، وكيفية استثماره في الابتزاز السياسي ضد المملكة واستهداف شخص ولي العهد، بالإضافة إلى الملف الأصعب والمعقد (الملف السوري)، بدعمه للفصائل العسكرية المسلحة وعلاقته المباشرة مع التنظيمات الإرهابية، وتدخله المباشر في احتلال الأراضي السورية وخلق حالة صراع مع الإدارة الذاتية ومؤسساتها، أيضاً مسألة اللاجئين السوريين واستضافتهم على الأراضي التركية وابتزاز المجتمع الأوربي بهذه الورقة، بفتح باب الهجرة أحيانا وطلب المساعدات المادية أحيانا أخرى……الخ.

إن دكتاتورية وانفراد أردوغان في القرار كان السبب الرئيس لابتعاد أقرب رفاقه عنه بداية من عبد الله كول مروراً بوزيره السابق علي بابا جان وليس انتهاءً بأحمد داود أوغلو، علاوة على كل ما سبق كان للتضخم الاقتصادي دوراً بارزاً على تدهور شعبيته وشعبية الحزب، وما زاد الطين بلة الزلزال الأخير الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا، هذا الزلزال الذي عرّا الغطاء الأخير لكل من النظامين التركي والسوري، وأكد على عدم جاهزية أي منهم من ناحية الدفاع المدني، كما أكد على أن الصرف اللا متناهي والتركيز على الجانب العسكري والتسليح والدخول في صراعات عبثية لا طائل منها ولا حتى أطر أو مخطط زمني للخروج منها.

مما لا شك فيه أن أردوغان اليوم يعيش في أسوأ حالاته السياسية كما تبدو من خلال استطلاعات الرأي الأخيرة، فهو الآن يلهث هنا وهناك على المستوى الإقليمي والدولي وحتى المحلي، ويسابق الزمن لإصلاح ما أفسده عبر السنوات الماضية، وقد تعتبر هرولته باتجاه دمشق والمصالحة مع رأس النظام إحدى أهم التناقضات التي يعيشها اليوم، وأيضا تقربه من السعودية كنوع من التسول السياسي لجني بعض المال للتغطية على التضخم الاقتصادي في حكومته، كما أن خارجيته تقوم بعمل مكوكي إلى مصر لتوطيد وإعادة العلاقات السياسية والتجارية معها، أيضا زيارة رئيس الوزراء العراقي الأخيرة إذ تعبر عن مدى تضيق الخناق عليهم وذلك لسبب عدم اهتمامهم بالملف العراقي أصلا والتعدي السافر على حدودهم الشمالية بحجج مكافحة الإرهاب والمحافظة على الأمن القومي. كل هذه التحركات تتم في وقت لم تتوضح فيه صورة الانتخابات القادمة بعد، رغم اتفاق قادة الأحزاب الستة أو ما بات يعرف بالطاولة السداسية التي تضم كل من (كمال كليجدار أوغلو حزب الشعب الجمهوري، ميرال أكشنار حزب الجيد، كرم الله أوغلو حزب السعادة، علي باباجان حزب الديمقراطية والتقدم، أحمد داؤود أوغلو حزب المستقبل، غول تكين أويصال الحزب الديمقراطي). على تقديم مرشح واحد متفق عليه وهو كمال كليجدار أوغلو زعيم حزب الشعب الجمهوري كمنافس لأردوغان، والذي بدوره يتحالف مع دولت بهجلي زعيم حزب الحركة القومية التركي، هاتين القوتين اللتين تحظيان بنفس القدر من الحظوظ في المنافسة، لكن يبقى هناك حزب الشعوب الديمقراطي ذو الأغلبية الكردية هو (بيضة القبان في نظر الكثير من المتابعين والمهتمين بهذا الشأن)، الحزب المذكور وقبل أيام قليلة وفي بيان رسمي أعلن عن عدم تقديم أي مرشح عن الحزب، كما أنه لم يعلن بشكل رسمي عن دعمه لأي طرف بعينه.

أردوغان حالياً في سباق مع الزمن ويلعب في الوقت بدل الضائع، من حيث المصالحات الإقليمية وذلك لخلق حالة من التوازن الدولي، من خلال الوساطة ما بين روسيا وأوكرانيا من الناحية الاقتصادية، وهرولته نحو الدول العربية مثل السعودية ومصر والعراق وسوريا كما أسلفنا سابقاً، وأيضا محاولاته للتقرب مع اليونان….الخ. وداخلياً يحاول استرضاء الداخل المنهار بفعل الزلزال الأخير، كل هذا للفوز بولاية ستكون الأخيرة له في حياته السياسية إذ ما نجح فيها، في المقابل يرى بعض المحللين والمتابعين أنه ربما يقوم أردوغان بعمل متهور يعيد تركيا إلى حقبة الانقلابات العسكرية، إذا لم ينجح في هذه الانتخابات. في كل الأحوال تبقى جميع الاحتمالات واردة وممكنة وغير مستبعدة على الأنظمة الشمولية التي تحاول بشتى السبل القضاء على الحرية واستغلال القيادة كغطاء وحصانة لعدم المحاسبة في قادم الأيام.

زر الذهاب إلى الأعلى