المبادرة العربية لعودة سوريا للجامعة العربية

عبدالرزاق علي

من البدَهي أنّ الكارثة الطبيعية التي عصفت بسوريا قد سبّبت خراباً في المباني وأضراراً في الممتلكات وزهقاً لأرواح الآلاف من البشر واختباراً لقدرة الدولة وحرصها على اجتياز الكوارث وضربةً للاقتصاد السوري المتهالك أصلاً وفضحاً لأساليب وألاعيب الدولة التي تعاملت بازدواجية مقيتة في المناطق التي حدث فيها الزلزال؛ حيث سارعت ومن خلال إمكانياتها التي تكاد تكون محدودة إلى المناطق التي تخصّها وتهمّها لأنّها تحت سيطرتها فلذلك وجّهت فرق الإغاثة بمعدّاتها وآلياتها، في حين أهملت وأدارت ظهرها عن دراية للمناطق التي هي في عين العاصفة والتي تبتعد بضع كيلومترات عن مركز الزلزال وتركتها منكوبة لمصيرها المجهول، وخير مثال عن ذلك/جنديرس/ وغيرها والأكثر من ذلك فظاعة وإجراماً عرقلت بل منعت وصول فرق الإغاثة والإمدادات، ناهيك عن أعمال النهب والسرقة في تلك المناطق.

   هذه الكارثة كشفت المستور عن النظام والميليشيات التي تدور في فلك تركيا معاً، حيث سقطت ورقة التوت عن الجميع، وسارعت الدول على اختلاف مشاربها للتفاعل مع الكارثة لأنّها إنسانية وأرسلت فرق الإنقاذ والإمدادات الإغاثية برّاً وبحراً وجوّاً لإنقاذ ما أمكن إنقاذه، وتجلّى في هذه الكارثة الدور الذي تحلّت به قوات سوريا الديمقراطية؛ فقد كانت سبّاقة في إرسال ما أمكن من الوقود والإغاثات للمناطق المنكوبة رغم العراقيل والعقبات التي اختلقتها الجماعات الإسلامية المتطرّفة ورغم المواقف المتصلّبة من الحكومة السورية حتى في الكوارث الإنسانية.

   وكما يقول المثل الشائع) رُبّ ضارّة نافعة) حيث تعاملت وتعاطفت دول العالم إنسانياً مع هول الكارثة؛ لتتحوّل فيما بعد إلى تحوّل في المواقف واستدارة للزوايا الحادة دولياً وإقليمياً وداخلياً؛ وكنتيجة لذلك رفعت الولايات المتحدة قانون قيصر لمدّة ستة أشهر وكذلك حذت حذوها الدول الأوروبية، أمّا إقليمياً فقد أبدت الدول العربية اهتماماً أكثر لعل أبرزها التقارب السوري السعودي والزيارات المتكرّرة للإمارات، وزيارة وزير خارجية مصر وزيارة مقداد لكلّ من السعودية ودولة الإمارات والأردن ومصر كلّها حلحلت الأزمة السورية التي تفاقمت وتشابكت خيوطها وتعقّدت واستعصى حلّها. كلّ هذه الزيارات توّجت في خاتمة المطاف بمبادرتين عربيتين، أولها في جدة وثانيها في عمان، والهدف من هاتين المبادرتين تعويم النظام وإعادة سوريا إلى حضن الجامعة العربية وتغليب السياسة على العسكرة، وبموجبها يحق لسوريا استئناف دورها كدولة عضوة لحضور كافة القمم، ونالت هذه المبادرة الموافقة بالإجماع لإلغاء تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية وعودتها، لكن هذه العودة تكون مشروطة أو كما يسمّونها “خطوة مقابل خطوة” حيث يشمل كل المسارات وأهمها المسار السياسي والاقتصادي

فعلى الصعيد السياسي يتطلّب مثلاً عودة طوعية آمنة للاجئين إلى سكنهم، كذلك الإفراج عن المعتقلين السياسيين والكشف عن مصيرهم مروراً بالقرار ٥٤ ٢٢ بسلّاته الأربع، على سبيل الحصر التداول السلمي للسلطة – دستور جديد للبلاد – الانتخابات – مكافحة الإرهاب، أضف إلى هذا وذاك محاربة الآفة الخطيرة التي فتكت بالبلاد ووصلت شظاها لأوروبا وأغرقت الخليج والأردن بالمخدّرات وحبوب الكبتاغون.

هذه الموافقة المشروطة بالعودة للجامعة سوف تكشف حقيقة النظام فيما إذا كان جادّاً أم مراوغاً وقابلاً لتقديم التنازلات وهذا ما ستكشفه الأيام القادمة .

هذه المبادرة العربية أحدثت أفعالاً وردود أفعال أهمها الرد الأمريكي الذي رفض العودة والتطبيع ما لم يقرن الاستقرار السياسي والرد الاوروبي بلاءاتها الثلاثة (لا لتطبيع – لا لإعادة الإعمار – لا لرفع العقوبات عن سوريا) ومن هذه الزاوية سأتطرق إلى زيارة رئيس إيران في هذا الوقت بالذات هذه الزيارة تحمل في طياتها الكثير من الأهداف والمشاريع لعل أبرزها وضع سوريا ما بين السندان العربي والمطرقة الإيرانية. هذه الزيارة مدروسة وممنهجة وتأتي في سياق التأكيد على العلاقة التاريخية بين البلدين والشراكة التي تمتد جذورها إلى عقود لتبرهن وتعزز الثقة القائمة على المصالح الاقتصادية المشتركة ولفسح المجال لإيران لتكمل مشروعها في المنطقة ولتصدير أزمتها الداخلية والاقتصادية المتفاقمة ولتكمل مشروع الهلال الشيعي ولتصرف النظر عن برنامجها النووي. ولتعقد اتفاقات واتفاقات مع سوريا الضعيفة ولتستغل مواردها الاقتصادية وعلى وجه التحديد مناجم الفوسفات ولتؤكد لسوريا بأنها ضحت وضخت وأرسلت مليشيات تحت مسميات شتى لتقف معها في الخندق في أزمتها ولتشدّ من أزرها ولتتوغل أكثر فأكثر في مفاصل الدولة السورية ومن هنا يبرز السؤال:

– هل تنجح المنظومة العربية في سحب سوريا من حضن إيران؟

-وهل نظام الأسد سيتخلى عن إيران؟

– وهل يستطيع الأسد أن يتنصل من التزاماته تجاه إيران؟

– وهل يثق بالعرب أكثر من الإيرانيين؟

– وهل لديه الشجاعة الكافية في التضحية بإيران من أجل العرب ؟

أكاد أجزم بأنه عاجز وغير قادر على فض الشراكة مع النظام الإيراني وبمقاربة بسيطة سوف يتخلى عن المنظومة العربية لأنها ستقوده إلى نهايته المحتومة أما علاقته مع إيران ستزيد من عمره أكثر فأكثر فإلى المزيد من تشييد المصانع الذي يسهم بأطرافه الثلاثة كل من إيران وحزب الله وسوريا بصناعة المخدرات وتصديرها لكل العالم .

إذن هذه المبادرة إنما هي عبارة عن مناورات ومناكفات سياسية محضة سوف لن تسفر عن شيء ملموس في الواقع باعتقادي زيارة رئيسي أجهضت هذه المبادرة الجنينية قبل أن تكتمل مراحلها وقادم الأيام سيبرهن صحة ذلك .

المقالة تعبر عن رأي الكاتب

زر الذهاب إلى الأعلى