المجابهة بين أمريكا وإيران قد تتحوّل إلى “صراع مفتوح”

د. مرشد اليوسف

تحتلّ منطقة الشرق الأوسط بشكل عام وإسرائيل وسوريا بشكل خاص مكانة مهمة في السياسة الخارجية الأمريكية مقارنة بمناطق أخرى في العالم؛ وذلك بسبب أهميتها الاقتصادية وموقعها الجيوبوليتكي الإستراتيجي ومصادر الطاقة، والسيطرة عليها ستؤدّي الى ازدياد النفوذ الأمريكي في العالم بشكل كبير.

وضمن هذا السياق بدأ الاهتمام الأمريكي بمنطقة الشرق الأوسط في نهاية القرن الثامن عشر، حينما تطلّب الاقتصاد الأمريكي إقامة تجارة واسعة مع مختلف بلدان العالم.

وصل الأمريكيون الى الشرق الأوسط كمبشّرين للديانة المسيحية في البداية، وكانت أولى الإرساليات التبشيرية قد استقرّت في بلاد الشام خلال عام 1820م، ثم تطوّرت الى تأسيس المعاهد والمدارس في عام 1823م، وتلا ذلك تأسيس الجامعة الأمريكية في عام 1866 م.

 مع بداية القرن العشرين توسّع الاهتمام الأمريكي بمنطقة الشرق الأوسط عن طريق علماء الآثار والمبشّرين، فضلًا عن هجرة عشرات الآلاف من السوريين ومن سكّان الشرق الأوسط إلى أمريكا قبل الحرب العامية الأولى 1914 – 1918م؛ وأصبح الشرق الأوسط مهمًّا بعد ذلك للولايات المتحدة الأمريكية ولمصالحها في المنطقة، خاصة بعد قيام دولة إسرائيل.

وبالإضافة إلى ما تقدّم، يبقى النفط من العوامل الإستراتيجية المهمّة التي دفعت بأمريكا إلى الاهتمام بالشرق الأوسط وسوريا، خاصة بعد اكتشاف النفط في العراق عام 1927م، وتوقّع إمكانية وجود النفط في سوريا أيضًا.

ودخلت العلاقات الأمريكية -الشرق أوسطية مرحلة جديدة بعد اتفاقية سايكس بيكو، وخاصة بعد احتلال الفرنسيين لمناطق في الشرق الأوسط عام 1920م.

وانخرطت أمريكا في الشرق الأوسط بعد الحرب العالمية الثانية ضدّ التحرّكات الاستعمارية الفرنسية، ووقف الرئيس الأمريكي “ترومان” ضدّ الطموحات الفرنسية في الانتداب على سوريا، وبمساعدة أمريكا تمكّنت سوريا من الاستقلال عام 1946م.

وبشكل عام؛ فإنّ لأمريكا مجموعة من الأسباب والأهداف الاستراتيجية – وإن لم تعلن عنها- في الشرق الأوسط، وهي:

– الدفاع عن المصالح الإسرائيلية ودرء المخاطر عنها، واستبدال الصراع العربي – الإسرائيلي بالصراع العربي – الإيراني.

– حماية المصالح الأمريكية عبر حماية الأنظمة والحكومات والدول المنتجة للنفط  وتحديدًا دول الخليج العربي، واستكمال عملية استقطاب دول المنطقة باتجاه النفوذ الأمريكي، والعمل على دعم الأنظمة السياسية الحليفة لواشنطن.

– محاربة القوى الإرهابية والراديكالية والاصولية، وخاصة داعش والقاعدة، لضمان عدم تكرار سيناريوهات ومشاهد أحداث 11 أيلول عام 2001م.

– محاربة النفوذ الروسي  والإيراني في المنطقة،  والحيلولة دون توسّعه وانتشاره.

ونتيجة لهذه الدوافع والأهداف، تسعى أمريكا لإحكام سيطرتها على المنطقة، وإقامة  نظام إقليمي شرق أوسطي  جديد، تحتلّ فيه إسرائيل  مركز الريادة  والقيادة، وإعادة رسم الملامح  والخصائص السياسية  في دول المنطقة؛ كي تصبح أكثر انفتاحًا وديمقراطية، والحيلولة دون ظهور تيّارات راديكالية أو قوى سياسية مناوئة لأمريكا.

 وحسب رأي العديد من  المحلّلين المتابعين لأزمات المنطقة؛ فإنّ ما حدث من تحوّلات  في المنطقة العربية ( ثورات الربيع العربي )  إنّما يدخل في سياق بناء مشروع الشرق الأوسط الجديد، وفق  نظرية “الفوضى الخلّاقة”، التي تعدّ أهم أعمدة الاستراتيجية الامريكية  لرسم الخريطة الجديدة  لمنطقة الشرق الأوسط، وتأتي تحالفات أمريكا  مع إسرائيل والسعودية وتركيا ضمن هذه الاستراتيجية.

التحالف بين أمريكا وإسرائيل:

من المؤكّد أنّ إسرائيل وُلِدت على يد بريطانيا؛ وهذا ما جعلها تحظى بدعم ومساندة الدول الغربية، ولاسيّما أمريكا التي رجّحت كفّة إسرائيل  في الصراع العربي – الإسرائيلي، وأثبتت إسرائيل أنّها قوة إقليمية قادرة على خدمة المصالح الامريكية والغربية؛ وهذا هو السبب الأساسي الذي دفع بأمريكا إلى التحالف مع إسرائيل، خاصة أثناء الحرب الباردة؛ حيث كان يُنظَر لإسرائيل على أنّها الحائط القوي  ضدّ النفوذ السوفييتي  في الشرق الأوسط، وبالرغم  من أنّ العالم  قد تغيّر بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، إلّا أنّ المنطق الاستراتيجي بين إسرائيل وأمريكا  لم يتغيّر، ولا تزال إسرائيل هي الحليف الاستراتيجي الأوّل لأمريكا  في الشرق الأوسط.

 والدولتان تتعاونان بشأن التهديدات الأمنية ومكافحة الإرهاب  في الشرق الأوسط،  ومنع الانتشار النووي  والتعاون  في مسائل تتجاوز القضايا الأمنية التقليدية.

السعي الإيراني والروسي لإخراج أمريكا من شمال وشرق سوريا:

من الواضح أنّ الخطر الروسي والإيراني ومعه خطر ميليشيات النظام السوري وحزب الله اللبناني، والميليشيات العراقية المتمثّلة بالحشد الشعبي وحزب الله العراقي قد تزايدَ على الوجود الأمريكي في شرق الفرات والعراق وإقليم كردستان في الآونة الأخيرة.

وترى أمريكا أنّ لإيران تاريخ طويل في الإضرار بالمصالح الأمريكية.

وترى أمريكا أيضًا أنّ روسيا تدعم إيران في عدائها للمصالح الأمريكية،  كما تقوم  بخروقات بروتوكول التنسيق الجوي بين الطرفين.

و يمكن القول بأنّ تمادي الميليشيات الإيرانية  ضد القواعد الأمريكية  في حقلَي “العُمَر وكونيكو” ( شرق الفرات ) واستخدام الطائرات المسيّرة ضدّ القوات الأمريكية في العراق، بغرض إخراجها من سوريا والعراق ( وفق المنطق الروسي والإيراني والنظام السوري) بات واضحًا، وبدأ يتصاعد بعد حرب غزة.

وبهذا الخصوص نشرت صحيفة “واشنطن بوست” في مطلع شهر حزيران الماضي  تقريرًا تضمّن  وثائق سرية  تتحدّث عن  خطة إيرانية لمهاجمة الأمريكيين  في سوريا.

وفي تقرير صدر عن موقع “المونيتور” قال مسؤول أمريكي  كبير أنّه رأى مؤشّرات على أنّ القادة العسكريين الروس في سوريا  ينسّقون بهدوء  مع الحرس الثوري الإيراني بشأن خطّة  للضغط على أمريكا لسحب قواتها من سوريا.

من جانبها قالت مديرة  الشؤون العامة للقوات  الجوية الأمريكية الوسطى  “تيريز سوليفان”:

“إنّ الطائرات الروسية  في سوريا تعمل  منذ مدّة  بطريقة  غير آمنة  وغير مهنية “.

التوتّر المستمرّ بين أمريكا و”محور إيران”:

السؤال المهم الذي يشغل العالم هو:

ماهي أسباب قيام أمريكا بنقل التعزيزات العسكرية  والآلاف من قوّات المارينز وعشرات المدمّرات والبوارج الحربية وحاملات الطائرات إلى الشرق الأوسط وسوريا في هذا الوقت بالذات؛ أي بعد أحداث غزة في 7 / 10 / 2024م؟

لاشكّ أنّ التوتّر قد ازداد  بين الطرفين الأمريكي والإيراني  بعد حرب غزة  إلى درجة غير مسبوقة، ويتّبع حلفاء إيران سياسة الهجمات المتدرّجة  ضدّ القوات الأمريكية وصولًا إلى موعد الانتخابات الأمريكية، وتتزايد الإشارات إلى أنّ إيران تدفع وكلاءها في المنطقة إلى توسيع  دائرة الحرب بحسب مجلة “الإيكومينست”  البريطانية.

ووصفت مجلة “الإيكومينست”  منطقة الشرق الأوسط  بأنّها على شفير  الحرب،  مشيرة إلى أنّ حدود إسرائيل الأربعة  تشهد توتّرا (حزب الله من الشمال، وسوريا والميليشيات الإيرانية والحشد الشعبي العراقي من الشرق، وغزة من الجنوب، وصواريخ الحوثيين من اليمن …إلخ)

أعتقد أنّ التدخّل المباشر من إيران  كدولة  في الصراع بين إسرائيل وحماس أمرٌ مُستبعَد في الوقت الحاضر، فإيران  تدرك بأنّ أي تدخّل منها في الصراع  سوف يجعلها  في مواجهة أمريكا والغرب  مباشرة، وسوف تدمّر إسرائيل  قدرتها العسكرية، كما أنّ حلفاء إيران  – وخاصة الروس وبكين –  لن يقفوا إلى جانبها؛ لأسباب تتعلّق بمصالحهما الاستراتيجية.

والهجمات المحدودة والمتدرّجة من قبل وكلاء أمريكا يجنّب إيران  دخول المواجهة المباشرة مع أمريكا، ولكن إذا فشلت المفاوضات السرية  بين الطرفين الأمريكي والإيراني حول كيفية إنهاء الحرب في غزة ( ذكر موقع “ميدل إيست”  البريطاني قيام مسؤولين سعوديين كبار بنقل الرسائل بين إيران وأمريكا ) فحينئذ ستتوسّع رقعة الحرب، ولن تقتصر على حماس وحزب الله اللبناني والحوثيين في اليمن، فالعراق أيضًا مرشّح للدخول في الصراع العسكري؛ وبالتالي يصبح الوضع بين الطرفين مفتوحًا على كلّ الاحتمالات، مثل ضرب إيران في عُقر دارها، وإثارة السنّة في العراق، وإثارة موضوع كركوك مع إقليم كردستان العراق، وتعزيز وتجديد فكرة استقلال كردستان العراق.

ولكن باعتقادي، إنّ مسألة الحرب الشاملة ضدّ إيران وحلفائها وميليشياتها  في سوريا ليست واردة  في الوقت الحاضر، ولن  يُقدِم عليها الرئيس بايدن، وذلك لعدّة أسباب؛ من أهمّها:

– إنّ الرئيس  على أبواب الانتخابات، وهو معنيّ  بتهدئة الأوضاع في سوريا والشرق الأوسط أكثر من أي وقت آخر.

– إنّ أمريكا مُنشغِلة ومُنخرِطة في الحرب الروسية الأوكرانية بشكل أساسي.

– التحسّب للخطر الصيني الذي يهدّد أمن ومصالح أمريكا، وهو ليس ببعيد بنظر الأمريكيين.

وإذا كانت مسألة الحرب الشاملة ضد إيران وميليشياتها في العراق وسوريا ولبنان وفي العراق واليمن غير مُتوقّعة في الوقت الحاضر، فلماذا كلّ هذه العسكرة وهذه التحشّدات والجيوش الأمريكية إذًا؟

والجواب عن هذا السؤال ليس سهلًا، ولكن هناك سيناريو مُحتمَل بخصوص إيران وأذرعها في المنطقة، بالإضافة الى مجموعة من الرسائل المُوجّهة إلى الخصوم وإلى الأصدقاء والحلفاء في الشرق الأوسط، وهي:

ا – السيناريو المُحتمَل بخصوص إيران: وهو أن تقوم أمريكا  في المرحلة الأولى بالردّ على إيران ووكلائها في المنطقة  بقدر الضرر الذي يصيبها من هؤلاء أو أكثر قليلًا (سياسة ردّ الأفعال)، وإذا ما تمادَت إيران مع وكلائها وتجاوزت الخط الأحمر (ضرب البوارج والقوات الأمريكية  وإسرائيل بالصواريخ البالستية من داخل إيران)؛ حينها ستقوم أمريكا وإسرائيل معًا بضرب عمق إيران  ومنشآتها النووية  ضرباتٍ ساحقة وماحقة، وسيكون قطع أيدي أذرع إيران  وميليشياتها في كلّ من سوريا والعراق واليمن،  وحزب الله في لبنان النتائج المحتملة من أهم أهداف  القوات الأمريكية المحتشدة.

 وهناك رسائل موجّهة للخصوم وللأصدقاء والحلفاء:

– بالنسبة للخصوم:

تريد أمريكا أن ترسل رسالة قوية إلى روسيا؛ بأن تلتزم داخل الأراضي السورية ببروتوكول التنسيق الجوّي بين الطرفَين، وألّا تتجاوز حدود الاتفاقيات الموقّعة بينهما بخصوص سوريا.

– بالنسبة للحلفاء والأصدقاء:

تريد أمريكا أن تضغط على حلفائها وأصدقائها القدامى في السعودية والخليج، بأنّها مُلتزِمة بتحالفاتها معهم؛ من خلال ضرب الحوثيين، وحماية ناقلات البترول عبر الخليج، وأنّ عليهم فرملة توجّهاتهم التصالحية مع إيران وسوريا …. الخ.

النتائج المحتمَلة لعملية “السيوف الحديدية” (حرب إسرائيل ضد غزة) على إيران ووكلائها:

أطلقت إسرائيل عملية “السيوف الحديدية” في 8 / 10 /2023 متوعّدة حركة “حماس” بدفع ثمن كبير لهجومها على إسرائيل  في 7 / 10 / 2023م. ومن جهة أخرى  تعمل إيران  على توظيف عملية “طوفان الأقصى” لتعزيز موقعها كفاعل إقليمي  يصعب تجاوزه.

ورغم الحرص الإيراني على تجنّب الحرب  فإنها تواجه في الواقع  ظروف سيئة  تتمثل في الآتي:

– تتعرّض حماس ( حليفتها ) للتدمير أمام عينيها، ولا تستطيع التدخّل لإنقاذها من بين سيوف  إسرائيل؛ وهذا يقلّل من هيبتها ومصداقيتها، ويضعف قوى المقاومة التي تتزعّمها إيران.

– تزداد احتمالات  إندلاع الحرب بين إسرائيل وحزب الله  في لبنان، وهذا ربّما ينتج عنها  تدمير  قدرات حزب الله التي استثمرت فيها إيران مدة طويلة، وهذا ممكن أن  يؤدّي الى انجرار إيران مُرغَمة إلى الحرب، وهذا ليس لصالحها.

– انتصار إسرائيل في غزّة سيؤدّي حتمًا إلى تعزيز التحالفات بين إسرائيل والدول العربية؛  وبالتالي سيؤدّي إلى إخراج إيران كفاعل إقليمي، وعزلها عن محيطها العربي.

– إذا سقطت حماس وسقط حزب الله اللبناني  في مواجهة إسرائيل؛ فإنّ ذلك سيكون بداية لانهيار المشروع الإيراني في الشرق الأوسط.

المقالة تعبر عن رأي الكاتب

زر الذهاب إلى الأعلى