السيناريوهات المتوقعة من اجتماع أستانا القادم

خضر الجاسم

تتجه الأنظار خلال الأيام القادمة إلى العاصمة الكازاخية نور سلطانوف ( أستانا سابقاً) في الثاني والعشرين من الشهر الحالي، بعد أن أعلن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، عن اجتماع جديدٍ، رفيع المستوى للدول الضامنة لـ«مسار أستانا».وسيحضر الاجتماع ممثلون رفيعو المستوى للدول الضامنة، روسيا وتركيا وإيران، فضلاً عن وفود من النظام السوري والمعارضة، إلى جانب مراقبين من الأردن والعراق ولبنان، وممثلين عن الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر. وسيعقد الاجتماع في ظل تمدد جبهة النصرة في الشمال السوري وتدهور الاقتصاد السوري ومحاولات تركيا توحيد الفصائل المسلحة (المرتزقة) ومحاولة النظام التركي التطبيع مع النظام السوري وخسائر روسيا في أوكرانيا إثر “انسحابها من مدينة خيرسون الاستراتيجية” والاحتجاجات الإيرانية… فما هو المتوقع من هذا الاجتماع؟

ستحتضن العاصمة الكازاخية نور سلطانوف في الثاني والعشرين من الشهر الحالي، اجتماعاً يضم كلاً من روسيا وتركيا وإيران على أمل أن يحمل في جعبته الجديد في الملف السوري بخلاف الاجتماعات الأخرى التي انعقدت دون أن تسمن أو تغنِ من جوع فيما يخص تحديد أجندة سياسية ذات فاعلية لإنهاء الأزمة السورية. فاجتماع أستانة القادم سيعقد في وسط مجموعة من المتغيرات السياسية العميقة لهذه الدول الثلاث والتي ستلعب دوراً مفصلياً في تحديد الأجندة السياسية للاجتماع الثلاثي وعلى أساسه حينئذ يمكن الحديث عن النتائج المتوقعة منه أو مخرجاته وفق هذه المتغيرات العامة. لقد فشل الاحتلال التركي بمنح الضوء الأخضر لجبهة تحرير الشام لتمددها في مدينة عفرين بالبقاء على أمل تحقيق الطموح التركي في السيطرة على مناطق واسعة بالوكالة عنه على امتداد الشريط الحدودي من مدينة عفرين المحتلة حتى مناطق شمال وشرق سوريا وصولا إلى الحدود العراقية(حسب المخطط التركي لإنشاء منطقته الآمنة المزعومة) حيث اصطدم ذلك بالرفض الأمريكي، وبحجة ضبط المنطقة أمنياً فقد عزز الاحتلال التركي من نقاطه العسكرية في كل من عفرين وإدلب، وذلك لهدفين اثنين؛ الأول، نية الاحتلال التركي بإعادة نحو مليون لاجئ سوري قبل شهر حزيران/يونيو القادم، والثاني، إبعاد قوات سوريا الديمقراطية “قسد” عن حدودها الجنوبية إلى عمق 30 كم ولكن من الممكن أن تقبل بعمق أقل من ذلك إذ لا يهم من سوف يحل مكان “قسد” في هذه المنطقة الحدودية أو الشريط الحدودي، سواء كانت المعارضة المسلحة أم جيش الحكومة السورية. ويقدم الاحتلال التركي نفسه على أنه تقدم خطوة إلى الأمام بتجميل صورة ما يسمى بالجيش الوطني من خلال توحيد فصائله المتناحرة التي هي حتى الآن ورغم مرور نحو خمس سنوات على تشكيلها، ما زالت حبراً على ورق وغير وارد حالياً.

تعتبر روسيا وإيران أن هذه الجزئية مهمة للغاية من أجل تحييد الفصائل المسلحة وهي خطوة من أجل تعويم النظام السوري إقليمياً بما ينسجم مع رؤية الأردن للحلّ في سوريا التي ستحضر الاجتماع هي والعراق ولبنان حيث تعرض هذا الطرح لعرقلة وتجميد في ظل تزايد عمليات التهريب ( المخدرات) عبر الحدود السورية- الأردنية، ومخاوف عدة من النشاط الإيراني في الجنوب السوري. وتدفع روسيا وإيران للتفاوض مع الاحتلال التركي باتجاه الاستيلاء على المعابر الحدودية التي تسيطر عليها الفصائل المسلحة حيث تعتبران بأن السيطرة على هذه المعابر ذات أهمية بالغة لإنعاشه من الضائقة الاقتصادية جراء استنزاف كافة مخزون العملة الصعبة بالمصرف المركزي الذي تم به تمويل كل العمليات العسكرية السورية منذ ما يزيد عن عقد من الزمن، إضافة إلى فرض عقوبات قيصر التي أدت إلى ضعف في تمويل المستوردات ذات القطع الأجنبي الكبير. وتتعالى في الآونة الأخيرة تصريحات مسؤولي الجانبين التركي والسوري عن إمكانية التطبيع بين الطرفين مع النظام السوري ورفع مستوى اتصالات أنقرة مع حكومة دمشق من المستوى الأمني إلى المستوى الدبلوماسي تحت مسمى لا خلاف أبدي في السياسة وكل شيء قد يتغير والكلام لأردوغان.

وتشترط روسيا لهذا الغرض على الاحتلال التركي استتاب الأمن من أجل سحب بعض القطعات العسكرية من جنودها في سوريا لترحيلهم إلى معارك أوكرانيا إثر انسحابها الأخير من مدينة خيرسون الاستراتيجية لروسيا التي ضمها الكرملين بشكل غير قانوني في عام 2014 ونظراَ لموقعها على نهر دنيبرو في شبه جزيرة القرم، فقد منع الأوكرانيون الإمدادات الحيوية بعد ضم شبه جزيرة القرم، واعتبر بوتين الحاجة إلى استعادتها أحد الأسباب وراء قراره غزو أوكرانيا. واستعانت روسيا بحربها هذه بالإمداد العسكري الإيراني من الطائرات المسيرة الانتحارية بعد أن أثبتت فاعليتها في المعارك فيما بدا ترجيح دفة المعركة للروس في بعض المواقع القتالية بينما استطاعت أن تتقدم خطوة على الصعيد الخارجي خاصة في العراق بعد تشكيل الحكومة إضافة إلى ضبط إيقاع طبول الحرب مع إسرائيل بعد أن وقعت لبنان اتفاقاً معها لترسيم الحدود بموافقة حزب الله اللبناني المدعوم إيرانياً بينما على الصعيد الداخلي تعاني من احتجاجات شعبية عارمة مطالبة بإسقاط نظام الملالي.

وعليه، وفي ضوء ما تقدم، يمكن تحديد أبرز المخرجات المتوقعة من اجتماع أستانا بين الدول الثلاث، والذي من المحتمل أن يفضي إلى تغيّرات حقيقية في المشهد السوري بعضها في الوقت الحالي والآخر بحلول العام 2023 أبرزها ما يلي:

1- من المتوقع أن يناقش الاحتلال التركي إطلاق عملية عسكرية على مناطق شمال وشرق سوريا على خلفية تفجير إسطنبول الأخير والذي يتهم فيه الاحتلال التركي قوات سوريا الديمقراطية، مستغلاً انشغال روسيا الآن بالأحداث الأوكرانية، ولربما لأسباب واضحة، فإن روسيا مجبرة على إضعاف وجودها في سوريا، وبالتالي، هناك الآن وضع موات لأردوغان لذلك ولاحتلال مزيد من الأراضي السورية، وإذا حدث هذا فسيغفر له الأتراك ما يرون أنه انتقادات لاذعة بكل شيء، وسيصوتون له مرة أخرى إلا أن ذلك مرفوض من قبل روسيا التي تشدد على ضمان مزيد من استقرار الوضع على الأرض، وتعزيز تسوية سياسية شاملة وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم 2254.

2- مناقشة عودة اللاجئين السوريين إلى سوريا والتي تعتبر بالنسبة إلى الاحتلال التركي وروسيا قضية مركزية خاصة من قبل الأخيرة والتي عملت خلال السنوات الماضية على إخراجها من طاولة المفاوضات السياسية، بعد أن استعملت مراراً للضغط على الحكومة السورية في المنابر الدولية. ويمثل قرار مجلس الأمن الرقم 2642 الخاص بالمساعدات الإنسانية، والذي تمكّنت موسكو من تمريره مطلع العام الحالي، نقطة تحوّل في هذا السياق، باعتبار أنه حمل في طيّاته بنوداً واضحة لدعم مشاريع التعافي المبكر ما يعني توفير البيئة الملائمة لعودة اللاجئين السوريين. وينص قرار مجلس الأمن رقم 2642 على أنه يتعين على كل من المانحين والأمانة العامة للأمم المتحدة، تقديم تقرير حول كيفية تنفيذ دعوة مجلس الأمن، لدعم مشاريع الإنعاش المبكر في أسرع وقت، لاستعادة البنية التحتية الأساسية في سوريا.، بالإضافة إلى مضاعفة كمّيات المساعدات الإنسانية المرسَلة عبر الخطوط (عن طريق دمشق) لتحسين الوضع المعيشي لسوريا.

3- ترسيخ الانعطاف التركية نحو سوريا، في وقت لا تزال فيه المفاوضات بين سوريا وتركيا منحصرةً بالمستوى الأمني، ومن المتوقع أن يناقش الاجتماع وضع آلية للتقارب بين كل من أنقرة ودمشق واتّخاذ خطوات مدروسة نحو هذا التقارب منها؛ الشروع بشكل تدريجي بإعادة النازحين واللاجئين السوريين، وتوسيع سوريا لنطاق عمل مراكز المصالحات من خلال افتتاح مراكز جديدة في إدلب وإيقاف الاستدعاءات الأمنية للسوريين الذين حصلوا على الجنسية التركية، بينما يمهد الاحتلال التركي من خلال فتح معابر دائمة بين مناطق سيطرة الحكومة السورية ومناطق سيطرة الفصائل المسلحة شمالاً، وتنظيم لحالة الفوضى والفلتان الأمني بهدف كبح أيّ أصوات معارِضة للانفتاح على دمشق. لكن في النهاية إلى أي مدى يمكن أن تصل هذه العملية، فهذا مرهون بما ستقدمه روسيا وإيران للاحتلال التركي من ضمانات لأجل حل مشكلة المخاطر التي يرى بأنها تهدد أمنه القومي، ومع كل ذلك فهناك اعتبارات أخرى للتطبيع الذي يخضع لـ”فيتو” من قِبل الولايات المتحدة ودول عربية رئيسية أخرى.

4- مناقشة مسار تطبيع العلاقات بين دمشق والعواصم العربية أو الإقليمية التي كانت مناوِئة لها، فرغم محاولات روسيا لإعادة دفْع الخطّة الأردنية للحلّ إلى الواجهة، والذي يشارك فيه الأردن بصفة مراقب إلى جانب لبنان والعراق، ليتوّج المساعي الروسية التي حاولت واشنطن عرقلتها بشتّى الطرق خلال الشهور الستّة الماضية حيث أعلنت عمّان أن السعودية ستكون جزءاً منها، فيما بدا لافتاً ترحيب المملكة، على لسان وزير خارجيتها فيصل بن فرحان، بالجهود العربية للحلّ في سوريا، ومن المحتمل أن يكون العام القادم حافلاً بالتطبيع مع عدد من الدول العربية والإقليمية بينما لا يزال المسار الأممي يعاني من حالة جمود رغم محاولة المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون، استثمار حالة التهدئة من أجل إعادة إحياء اللجنة الدستورية المتعثرة.

5- من المتوقع أن تطرح مسألة الوجود الأمريكي في سوريا في المباحثات الجانبية للاجتماع والذي يبدو أن هذا الوجود في الوقت الراهن قد بدأ يشكل عقدة لهذه الدول الثلاث في تنفيذ مخططاتها في سوريا من كل النواحي خاصة العسكرية منها بعد فشل الاحتلال التركي في الحصول على ضوء لتنفيذ هجوم عسكري على مناطق شمال وشرق سوريا وسيكون اتخاذ تفجير إسطنبول ذريعة لهجوم عسكري وقد يكون هذا الاجتماع إحدى محطاته التوافقية إلا أن ذلك يلقى رفضاً أمريكياً لأي خطوة من مثل هذا النوع خاصة أنها تهدد مناطق عمليات التحالف في القضاء على تنظيم داعش الذي يكثف من أنشطته الإرهابية في هذه الآونة بالذات

زر الذهاب إلى الأعلى