الدول العربية محور اهتمام القوى العظمى

الدول العربية محور اهتمام القوى العظمى

إن وباء كوفيد 19، ثم الحرب الروسية – الأوكرانية “الصراع الروسي الغربي” اللتان تعتبران من أقوى الأزمات والأشد تأثيراً على النظام العالمي، والتي جعلت الدول الغربية في مأزق اقتصادي وبارتفاع أسعار الطاقة ونقصها ازدادت الأعباء الاقتصادية لهذه لدول وارتفعت معدلات التضخم لديها، فقد أعادت الأهمية الجيوسياسية للدول العربية وبالأخص دول الخليج العربي ومصر إلى جانب الجزائر”.

 وتعتبر غالبية الدول العربية عدا سوريا والجزائر حليفة الولايات المتحدة أو لها نفوذ كبير فيها وبالأخص دول الخليج والأردن ومصر وتونس والمغرب” إلا أنه في العقد الأخير حدث نوع من التغيير في سياسة الكثير من الدول العربية وبالأخص بعد الأحداث التي جرت أو ما يسمى بالربيع العربي وتدخل الدول الإقليمية “تركيا وإيران”  في الشؤون الداخلية للبلدان العربية التي شهدت أزمات داخلية “تونس وليبيا ومصر وسوريا واليمن والعراق” ونتج عن هذه الأحداث تغيير في أنظمة الحكم لبعض الدول، مما أدى إلى زيادة مخاطر الخارجية على بقية الدول العربية من قبل الدول الإقليمية والمصالح الغربية. ومع تراجع الدور الأمريكي في المنطقة العربية وتهجمها عليهم وبالأخص مع ولاية الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب وخلفه جو بايدن وغض النظر عن المخاطر التي تحدق بالدول الحليفة لها “دول الخليج ومصر والمغرب” أو حتى تجاهلها وعدم تقديم الدعم السياسي من خلال تصنيف بعض الجماعات والتنظيمات على لوائح الإرهاب وعدم تقديم الدعم العسكري  لمواجهة التحديات التي تواجهها ” الأزمة اليمنية والأزمة الليبية” التي باتت تهدد أمنها القومي، لا بل أن الدول الغربية باتت تقف إلى جانب الدول الإقليمية في بعض المراحل بما يخدم مصالحها “كالاتفاق النووي مع إيران ودعم تركيا لتنظيم الإخوان” بغض النظر عن مخاوف شركائها وحلفائها من الدول العربية، هذه السياسة فتحت الطريق لدولٍ أخرى كروسيا والصين للتوغل في مناطق النفوذ الأمريكي كقوة يمكن الاعتماد عليها في حل أزمات المنطقة.

حيث ظهرت خلال السنوات الأخيرة بعض “الفجوات الاستراتيجية” في علاقة واشنطن مع دول عربية حليفة لها تقليدياً مثل مصر والسعودية، التي أسست علاقات تعاون عسكري وتجاري مع روسيا، فقد دفعت الحرب في اليمن كلاً من السعودية والإمارات لعقد صفقات أسلحة مع روسيا، كون الولايات المتحدة تضع شروطاً على صادراتها من الأسلحة متعلقة بحقوق الإنسان بعكس روسيا وهي ما جعلها مورداً مغرياً للنظم العربية التي غالباً ما تغيب عنها الديمقراطية، وتتعرض لاتهامات واسعة بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان. كما أن سوء تعامل رؤساء الولايات المتحدة في الفترة الأخيرة “دونالد ترامب وجو بايدن” مع الدول العربية وبالأخص المملكة العربية السعودية  واستفزازها بقضية الخاشقجي زادت من الفجوة بين الطرفين.  فقد وصفها بايدن بالدولة المنبوذة في بداية ولايته، كما وصفها ترامب بالبقرة الحلوب وإن دول الخليج  مناجم لغرف الأموال وإن الولايات المتحدة لن تدافع عنهم وتحميهم بالمجان، ومن دون الولايات المتحدة فهم لا شيء. هذه السياسة الفوقية أدت إلى تدهور العلاقات بين الدول العربية والغرب وتعد قمة جدة التي حضرها الرئيس الأمريكي بدايتها ” حيث فشل بايدن في ظل أزمة الطاقة وانكماش الاقتصاد العالمي في الضغط على المملكة ودول الأوبك في زيادة إنتاجها النفطي” بل قامت المملكة العربية السعودية في اجتماع منظمة أوبك بلاس بتخفيض الإنتاج 2 مليون برميل مما أثار حفيظة الولايات المتحدة والدول الأوروبية، وهو مؤشر على وجود خلافات بين الولايات المتحدة وحلفائها من الدول العربية والتي تعد قمة جدة بدايتها.

 هذا التدهور فتح الطريق أمام روسيا والصين للتوغل في الشرق الأوسط وبالأخص دول الخليج التي تعتبر منطقة نفوذ أمريكي، فقد عادت موسكو لتكون مزوداً أساسيا لمصر بالسلاح لأول مرة منذ حرب تشرين 1973، ونمت المبادلات التجارية الروسية المصرية عموما بنسبة 10 بالمئة عام 2021 حتى بعض الدول الخليجية عقدت مجموعة من الاتفاقيات الاقتصادية وحتى العسكرية “رغبة بعض الدول شراء منظومة S400 الروسية”. وقد أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في رسالة بعثها إلى قادة الدول العربية بمناسبة انعقاد القمة العربية بالجزائر، إن بلاده لا تزال مستعدة لتطوير التعامل مع جامعة الدول العربية بهدف توطيد الأمن على المستويين الإقليمي والعالمي.

فالدول العربية في ظل الصراع الروسي الغربي وما نتج عنه من أزمة طاقة في الغرب التي أثرت على اقتصاداتها وازدياد نسب التضخم لديها، وحاجتها للدول العربية، باتت الدول العربية امام مفترق الطرق إما دعم الغرب بالطاقة وخفض أسعارها وهي التي تضغط عليها في مجال حقوق الإنسان، أو دعم روسيا وهي التي لا تتدخل في سياساتهم الداخلية المتعلقة بالحريات وتؤمن في نفس الوقت توازناً دولياً في علاقتها مع الغرب، إلى جانب الاستفادة من ارتفاع أسعار الطاقة. على الرغم من حاجة الغرب إلى الدول العربية بما يتعلق بإمدادها بالطاقة والتي قد تؤثر على روسيا سلباً إلا أن الدول العربية لا تريد إحداث شرخ في علاقتها مع روسيا وإزاحتها كمورد رئيسي للطاقة إلى أوروبا، فروسيا التي تصارع الغرب في أوكرانيا والتي تدعم كييف وتفرض عليها “أي روسيا” عقوبات اقتصادية، فهي ماتزال تصدر الغاز إلى الغرب وإن كانت بكميات قليلة, كونها تريد الحفاظ على منطقتها الاقتصادية كمورد رئيسي للغاز لها. لذا فإن الدول العربية المصدرة للغاز أو التي لها علاقات قوية مع روسيا ” الجزائر” لا تريد التأثير على روسيا سلباً مهما كانت الفائدة التي ستجنيها من زيادة صادراتها من الغاز والنفط إلى أوروبا، كونها بحاجة إلى روسيا كدولة عظمى لها ثقلها السياسي والعسكري في العالم لتحقيق التوازن في علاقتها مع الغرب.

 كما لا يمكن تجاهل الصين كقوة اقتصادية عالمية “ثانية بعد الولايات المتحدة”، فقد بدأت الصين في تنفيذ استراتيجيتها الاقتصادية من خلال تنفيذ مشروعها الكبير “حزام واحد طريق واحد” وتقديم الدعم المالي وتنفيذ المشاريع الخدمية في كثير من الدول الآسيوية لخدمة هذا المشروع، هذا إلى جانب الفوائد التي ستجنيها الدول التي يمر فيها هذا الطريق وترغب الكثير من الدول ومنها الدول العربية ربط دولها بهذا الطريق والاستفادة منه. هذا إلى جانب قيام الصين وروسيا بإنشاء منظمات سياسية واقتصادية وأمنية كمنظمة شانغهاي، والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، ومجموعة بريكس وبنك التنمية الجديد، والتعامل بالعملة المحلية بدلاً من الدولار وذلك بهدف إعادة صياغة قواعد اللعبة في تغيير النظام العالمي الذي يقوده الولايات المتحدة والدول الغربية. لذا فإن كل المؤشرات والإرهاصات على الساحة الدولية قد تؤشر لبزوغ فجر نظام دولي جديد متعدد الأقطاب.

وفي ضوء عدم بلورة الدور الصيني الروسي في المنطقة حتى الآن، على نحو مماثل لاستراتيجية ومحورية الدور الأمريكي، يبقى ميزان القوى بين الولايات المتحدة وروسيا أو حتى  مع الصين لصالح الولايات المتحدة التي تجعل منها قوة لا يمكن تجاهلها، فالولايات المتحدة التي تملك القوة السياسية والاقتصادية والعسكرية تجعلها رقماً صعباً لا يمكن تجاهله من قبل الدول العربية حتى وإن كانت سياستها معارضة لسياسة بعض الدول العربية المحورية فالولايات المتحدة قادرة على خلق أو افتعال أزمات جديدة في المنطقة وفي نفس الوقت الضامن القوي في الحفاظ على الأنظمة العربية الحليفة لها. ويبقى أمام الدول العربية في كيفية استغلال الأزمات لصالحها، فهي محور الصراع الروسي الغربي في أوكرانيا واللاعب الرئيسي في تغيير أو الحفاظ على النظام العالمي وترجيح كفة انتصار أحد الطرفين من خلال موقعها الجيوسياسي وغناها بمصادر الطاقة وقوتها المالية. إلا أن تشرذم الدول العربية واختلاف مصالحها ومواقفها تجاه التدخلات الإقليمية والدولية تجعلها في موقف الضعف بالرغم من محاولات المملكة العربية السعودية رأب الصدع ورفع مكانة الدول العربية إقليمياً وعالمياً.

زر الذهاب إلى الأعلى